الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نـظـرة قـانـونيــة: الاســتفـتاء و مـحاولــة تـبـريــر الأخـطاء الـتـأريـخـيــة

فلاح اسماعيل حاجم

2005 / 6 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


تثير قضية صياغة الدستور الدائم للدولة العراقية اهتماماً متزايداً من قبل العراقيين على اختلاف مشاربهم السياسية مما يؤكد الاهمية الاستثنائية التي تمتلكها قضية كتابة القانون الاساسي لدولتنا والتي قدر لها ان تعيش ؛ ومنذ ولادتها في بدايات القرن الماضي؛ في ظل دساتير مؤقتة وبالغة المرونة مما جعل قواعدها قابلة للتجاوز في حين والاستخدام في احيان اخرى. من هنا يبدو واضحاً سبب تدني منزلة الدستور في سلم المصادر المؤلفة لمنظومة التشريع في الدولة. ومن هنا ايضاً يبدو جلياً غياب اي تصور عن الدستور ليس في الوعي الشعبي فحسب؛ بل وفي ذهنية الكثير من النخب السياسية الناشطة في الساحة العراقية؛ وذلك ما يمكن تلمسه ببساطة في نقاشات ممثلي بعض الكيانات السياسية في الوقت الراهن. بخلاف الانتخابات لم يكن الاستفتاء ممارسة دورية في دول الديمقراطيات الحقيقية؛ فاجراؤه مرتبط ؛ في اغلب الاحيان؛ باحداث سياسية مصيرية. في حين يعتبر اجراء الاستفتاء ممارسة واسعة الانتشار في دول الاستبداد والانظمة الشمولية؛ ذلك لانه يمنح قرارات تلك الانظمة مشروعية اكبر ويحيل لسلطاتها اختصاصات اضافية باعتبارها المخولة رسمياً من قبل الشعب لادارة شوؤنه والتعبير عن ارادته بالشكل الذي تراه مناسبا. بمعنى آخر يقوم الاستفتاء بشرعنة التنازل الطوعي للشعب عن حقوقه للحاكم الفرد او للطليعة السياسية (اي الحزب القائد). واذا كانت الدوّل الديمقراطية تلجأ الى الشعب لاستفتاءه في مسائل هي في الصميم من حاضره ومستقبله؛ تعتمد الانظمة الشمولية على الاستفتاء لتكريس سلطة الفرد (المادة 84 -1- من الدستور السوري والمادة 76 من الدستور المصري والتي لا يغير تعديلها الاخير شيئا ما لم تحدد فترة وجود الرئيس في هذا المنصب). ولا تجد تلك الانظمة صعوبة في الرجوع الى الموروث الديني لتأكيد (بيعة الرعية ) لقائدها. على انه سيكون من الاجحاف الاكتفاء بالدول العربية كامثلة لتشويه الاستفتاء كممارسة اريد لها ان تكون شكلا من اشكال الديمقراطية المباشرة. فالاستفتاء اوصل الفاشية الالمانية الى السلطة وكان اجراؤه في الاعوام 1933 و 1934 و1938 سبباً في تعزيز سلطتها وتبرير جرائمها المعروفة للجميع. وكان الاستفتاء الشعبي سبباً رئيسيا ايضاً في نشوء ما يمكن ان نطلق عليه الرئاسية المطلقة( السوبررئاسيه) كشكل من اشكل الحكم في امريكا الجنوبية؛ وخصوصاً خلال سنوات السبعينيات من القرن الماضي. ان لجوء البعض من سياسيينا لتصوير الاستفتاء على انه اكثر الاساليب ديمقراطية لاقرار الدستور الدائم ما هوالا مغالطة كبيرة او جهل باصول ومميزات الديمقراطية المباشرة؛ والتي ربما يكون من بين اهم شروطها توفر المستوى المناسب من الوعي السياسي و القانوني لدى المواطن؛ بالاضافة الى ارساء المقدمات اللازمة لنجاح هكذا عملية كبيرة؛ بما في ذلك توفير الفرص المتكافئة للتأثير على قناعات الناس وتحديد خياراتهم. على أن الأهم من كل ما تقدم هو تضمين القواعد الدستورية جملة من الثوابت التي لا يمكن تجاوزها تحت اية ذريعة كانت؛ والتي ينبغي ان تكون من الصلابة بحيث لا تتمكن الاكثرية البرلمانية؛ مهما عظمت ؛ من تعديلها.
لقد صنف علماء القانون الدستوري الاستفتاء من منطلقات مختلفة؛ وربما كان تصنيف الايطالي بيسكارتي دي روفاي٭ الاكثر منطقية؛ حيث ذهب الى تقسيم الاستفتاء بالاستناد الى فروع القانون المختلفة واضعا الاستفتاء الدستوري في المرتبة الاولى مما يؤكد اهميته قياساً بانواع الاستفتاء الاخرى مثل الاداري والتشريعي والدولي...الخ. ويعني الاستفتاء الدستوري اجراء الاقتراع السري اما على مشروع القانون الاساسي الجديد للدولة؛ او على مقترحات التعديلات على الدستور الساري. وهنا لابد من الاشارة الى ان تشريعات بعض الدول ذهبت الى اعتبار الاستفتاء الزامياً لاقرار اي تعديل على دستور الدولة (الدنمارك؛ سويسرا؛ 49 ولاية امريكية؛ ايرلندا). فيما ذهبت اخرى الى اعتبار الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد؛ او مقترحات تعديل القانون الاساسي الساري احد خيارين الى جانب المجلس الدستوري (الفقرة الثالثة من المادة 135 من الدستور الروسي). وقررت ثالثة المزاوجة بين الاسلوبين (الفقرة الثانية من المادة 44 من الدستور النمساوي).
ان تناول الاستفتاء؛ باعتباره المرحلة النهائية والاكثر شكليةً من بين مراحل العملية الدستورية؛ لابد وان يقودنا الى الحديث عن الخطوات الاكثر خطورة واهمية في صياغة واقرار القانون الاساسي للدولة؛ وربما تكون مسألة الالية التي وضعت لصاغة الدستور الدائم لدولتنا اهم تلك الخطوات على الاطلاق. حيث ذهبت المادة الواحدة الستون ( أ ) من قانون ادارة الدولة العراقية للفترة الانتقالية صراحة الى اسناد مهمة كتابة الدستور للجمعية الوطنية الانتقالية؛ وذلك اسلوب مع انه واسع الانتشار؛ الا انه يتطلب تلبية شروط لا اضن ان اثنين يختلفان على مدى صعوبة؛ وربما استحالة؛ توفرها في ظروف العراق الراهنة. من هنا يبدو لي انه سيكون من اليسير الطعن بشرعية النتائج التي سيتمخض عنها الاستفتاء الشعبي؛ هذا طبعا اذا لم تنسف العملية ذاتها جراء تفعيل نص الفقرة (ج) من المادة الحادية والستين من قانون ادارة الدولة العراقية للفترة الانتقالية والتي ذهبت الى اعتبار مسودة الدستور مصادقاً عليها فقط...... "اذا لم يرفضها ثلثا الناخبين في ثلاث محافضات أو اكثر". من هنا تبدو واضحة الرابطة الجدلية بين ظروف اجراء الاستفتاء ومشروعية النتائج المتربة على هذا الاجراء القانوني المهم. وهو بذلك لا يختلف؛ من حيث المبدأ؛ عن العملية الانتخابية حيث يشكل اجراؤها في ظروف استثنائية ارضية للطعن بشرعيتها ويجعل من المؤسسات المنبثقة عنها ناقصة التمثيل؛ وهذا ما يمكن تلمسه بوضوح في الجدل الدائر حول كيفية تشكيل لجنة صياغة مشروع الدستور العراقي الدائم. وما زلنا بصدد الحديث عن تأثير الظروف السياسية على شرعية نتائج الاستفتاء الشعبي؛ ارى من المناسب الرجوع الى تجربة الدوّل الديمقراطية في معالجة اشكالية العلاقة بين الظرف الاستثنائي والضرورة القانونية. فقد ذهب البعض منها الى تضمين تشريعها الوطني جملة من الثوابت التي لا يمكن ان تكون موضوعات للاستفتاء الشعبي؛ حيث ادرجت المادة الثالثة من التشريع (القانون) الفيدرالي الدستوري٭ الروسي حول الاستفتاء لعام 1995 جملة من الموضوعات التي لا يمكن اجراء الاستفتاء بصددها ومنها على سبيل المثال ( تغيير الوضع القانوني للاطراف الفيدرالية؛ تمديد فترة صلاحيات رئيس الدولة والمجلس الفيدرالي ومجلس الدوما او تقليصها؛ تقديم او تأجيل موعد الانتخابات للاجهزة المذكورة؛ اقرار وتغيير ميزانية الدولة؛ اضافة الضرائب او تغييرها؛ العفو العام؛ تنفيذ التزامات الدولة تجاه المواطنين.....الخ ). فيما ذهب البعض الآخر الى تحديد فترات زمنية يمنع خلالها اجراء الاستفتاء. فالتشريع الاسباني ؛على سبيل المثال؛ يحرم اجراء الاستفتاء خلال حالات الطوارئ والحرب وخلال 90 يوما بعد الاعلان عن انتهائهما؛ وكذلك قبل 90 يوما وبعد 90 يوما من تأريخ اجراء الانتخابات (اي كان نوعها)؛ أو اجراء استفتاء حول موضوع آخر. اما في جمهورية سلوفاكيا فقد ذهب المشرع الى منع اعادة اجراء الاستفتاء حول نفس الموضوع قبل مضي ثلاثة سنوات على تأريخ اجراء الاستفتاء الأول (الجزء 2 من المادة 99 من الدستور).
انني اعتقد ان مسوؤلية تأريخية تقع الآن على عاتق صاغة دستور دولتنا الجديد؛ وامانة كبيرة وبالغة الثقل في اعناقهم تجاه الاصوات التي اوصلتهم الى الجمعية الوطنية ولجنة كتابة الدستور والتي تتطلع بأمل كبير الى دستور يصون وحدة الشعب العراقي بكل مكوناته ويجعل من المواطن – الانسان القيمة الاسمى قولاً وفعلاً. الأنسان الذي لا ينبغي أن يستثمر صوته الثمين لتبير الاخطاء التأريخية.


٭- Biscaretti Di ruffia. P. Derecho Constituzional. – Barcelona, 1973.

٭- يأتي القانون الفيدرالي الدستوري في روسيا في المرتبة الثانية بعد الدستور من ناحية القوة القانونية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر