الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في افكار نيولبرالي عراقي - الأستاذ حسن اسماعيل - العراق

حسن اسماعيل

2013 / 12 / 31
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق





في دراسته (في المشكلة الطائفية)—طريق الشعب 23-24/9/2013—يتناول د. فالح عبد الجبار تحول الهويات الثقافية (الطائفية) في العالم العربي إلى هويات سياسية أيدلوجية منوها بأن التسييس ظاهرة جديدة بدأت أواسط سبعينيات القرن المنصرم. ويؤكد بأن التدمير المنظم من قبل الدولة العربية الحديثة لقوى اليسار افرغ المجتمع من إمكانية تعدد الخطاب السياسي وترك المجال لاستقطاب ثنائي: الخطاب الرسمي بإزاء الخطاب الطائفي.
ونحن نتفق مع الباحث في توصيفه لما يعيشه العالم العربي سياسيا لكنه يذهب بعيدا ويجد بديله في التجربة الديمقراطية المعولمة في العراق ويدعو لتشمل أوسع تمثيل ممكن للجماعات في قمة السلطة—في إطار نظام المحاصصة بلا شك—محذرا من تحول الأغلبيات الديموغرافية إلى أغلبيات سياسية قامعة ومقصية للجماعات الأخرى حيث تتحول الديمقراطية إلى اثنوقراطية أي حكم الأغلبية الدينية (أو القومية) الدائم متناسيا أن الاميركان الذين يوجهون العملية السياسية في العراق تطلبت أجنداتهم نقل السلطة من البرجوازية الرثة السنية إلى البرجوازية الرثة الشيعية—أي تطلبت الإثنوقراطية!—لتوظيف ذلك في خدمة صراعهم مع إيران الإسلامية فضلا عن أهداف أخرى.
يتمنى الباحث قيام (حكومات ائتلافية موسعة لتجنب حدوث الإثنوقراطية بدل الديمقراطية) وهذا موضوع معقد يخضع وتتحكم به اعتبارات عدة بعكس ما يفترض الباحث من إمكانية "استنساخ" نظم ديمقراطية حديثة في مجتمعات قروسطية ذات ثقافة إقطاعية وطبقة وسطى منهارة بفعل العولمة فلا يمكن أن نطابق التعددية الطائفية بالتعددية الديمقراطية.
يؤشر الباحث اقتران (ترييف المدن) بتحطيم قوى اليسار وتأثير ذلك على انقلاب الثقافة السياسية وصعود التسييس الطائفي بعد أن كان (التحول الحضري—الطبقي للمجتمع يدفع الفئات الهامشية نحو اليسار، وبخاصة الشرائح المهاجرة القروية التي تجد في المدينة أحزابا ونقابات تحتضن مطالبها وتظلماتها). أما بعد التدمير المنظم لليسار (فإن احتجاج الشرائح المتضررة توجه إلى الدين والقبيلة). لكنه يتوقع –كمفكر نيوليبرالي يعمل مديرا لمعهد الدراسات الستراتيجية، بيروت ويعد دراسات عن العراق لصناع القرار الأمريكي—تجاوز هذا الوضع عن طريق انتشار اقتصاد السوق وتوسع الطبقات الوسطى الحديثة متناسيا أن اقتصاد سوق هامشي وغير منتج في ظل رأسمالية تابعة ودولة نفطية ريعية وعدم سماح العولمة بنهوض الطبقة الوسطى (حتى في الدول الرأسمالية لا يدعيان مجالا للشك بعدم إمكانية ذلك.
إن القوى البرجوازية في العالم العربي ما زالت متواشجة مع الإقطاع سياسيا وثقافيا أي متواشجة ايدولوجيا وهي (برجوازية جبانة) حسب وصف الشاعر الاسباني لوركا لبرجوازية مدينته غرناطة الميالة للملكية العقارية. وهي في أحسن الأحوال برجوازية كمبرادورية تمارس دور السمسار التجاري للصناعة الأجنبية ومثل هذه البرجوازية لا يمكن المراهنة عليها في عملية التحول نحو الديمقراطية.
ومن المفارقات الصارخة أن نعتبر ما يجري في العراق عملية ديمقراطية (بل هي حتى ليست ديمقراطية ناقصة كما في تركيا) لأسباب عديدة أولها أن القوى السياسية التي تقود العملية السياسية لا تؤمن بالديمقراطية ولا يمكن قيام ديمقراطية بدون ديمقراطيين إذ إن قوى الإسلام السياسي تحرم وتكفر الديمقراطية أصلا كونها تنتمي إلى ثقافة الإقطاع السياسي. فضلا عن أن أفراد الطبقة السياسية اليوم هم من أيتام العهد الملكي (الإقطاعي) وهؤلاء معادون للديمقراطية البرجوازية الذي يدعو لها الباحث لأنها ستطيح بامتيازاتهم. أما الآخرون فهم من القرويين المهاجرين (المتدينين) الذين تحرم أحزابهم الديمقراطية.
بأي حال من الأحوال لا يمكننا أن نعتبر تحول الطوائف إلى كتل سياسية عملية ديمقراطية كما تريد الولايات المتحدة. وتسييس الطوائف الذي يتحدث عنه الباحث وتحول الطائفة من جماعة ثقافية إلى حزب سياسي لم يأت عفواً بل نبه إليه مفكرون وحذروا منه قبل الاحتلال الأمريكي للعراق كما هو المفكر الماركسي السوري عزيز العظمة الذي توقع تحول الطوائف العراقية إلى أحزاب سياسية كما هو حاصل اليوم.
إن تحول الطائفة أو الإثنية إلى كتلة سياسية يعني صعود الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية. وفي هذه الحالة لا يمكن قيام نظام ديمقراطي لأن الديمقراطية تقوم على أرضية العلمانية ومبدأ المواطنة وهما لا وجود لهما في منظومة الطائفة والعرق. فالمواطنة والعلمانية وبالتالي الديمقراطية عابرة للطوائف أما الاستشهاد بالتجربة اللبنانية (الفرنسية) فإن النظام الديمقراطي الطوائفي في لبنان تفجر أكثر من مرة في حروب أهلية طاحنة في العام 1958 وفي حرب السنتين 75-1976 جرى فيها الذبح على الهوية كما حصل في العراق عامي 2006-2007 وما زال هذا النظام يترنح في أزمته المزمنة.
لقد تجاوزت أوروبا الحروب الدينية (الطائفية) باعتماد المواطنة والعلمانية أي عزل الدين عن الدولة والسياسة عموما وبذلك تمكنت من تجاوز الطائفية وليس عن طريق المحاصصة و(اعتماد الحكومات الائتلافية الموسعة) الممثلة لكافة المكونات الطائفية والإثنية كما يدعو إلى ذلك الباحث.
إن الليبرالية أو النيوليبرالية في مجتمع قروسطي، كما هو العراق، تبدو امرأ سرياليا والأحرى بالانتلجنسيا العراقية أن تبحث عن حلول عملية وواقعية لازمة الحكم في العراق تستجيب للحريات الفردية والسياسية والعدالة الاجتماعية بما يتناسب مع ثقافة وتاريخ العراق والاقتداء بديمقراطيات أمريكا اللاتينية وليس الترويج لديمقراطية معلبة جاءت كإسقاط خارجي بما يتناغم ويخدم الخداع الأمريكي لنشر هذه "الديمقراطية" في جنوب الكرة الأرضية.
ولئن كانت الحرية تؤخذ ولا تعطى فأن ما يوصف اليوم بالعملية الديمقراطية في العراق لا يمكن لعاقل تصديقه لأنها جاءت نتيجة للاحتلال الأمريكي وما يفقدها مصداقيتها أيضا أنها تقاد من قبل قوى معادية للديمقراطية من أهل الإسلام السياسي بعد تحولهم إلى حلفاء جدد للأمريكان.
ونختم بالقول إن ما يطرحه د. فالح عبد الجبار هو ثقافة (النقطة الرابعة) بنسختها المعولمة الراهنة لاستيلاد الشرق الأوسط الجديد الذي لا يختلف في جوهره عن حلف بغداد المقبور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يوقع حزم المساعدات الخارجية.. فهل ستمثل دفعة سياسية له


.. شهيد برصاص الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحامها مدينة رام الله ف




.. بايدن يسخر من ترمب ومن -صبغ شعره- خلال حفل انتخابي


.. أب يبكي بحرقة في وداع طفلته التي قتلها القصف الإسرائيلي




.. -الأسوأ في العالم-.. مرض مهاجم أتليتيكو مدريد ألفارو موراتا