الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحليل نصّ : - آدم والشّعر - من رسالة الغفران لأبي العلاء المعرّي

محمّد نجيب قاسمي

2014 / 1 / 1
الادب والفن



تحليل نصّ : " آدم والشّعر " من رسالة الغفران لأبي العلاء المعرّي

الـــــنـــــــــــّصّ:

"... فيقول (ابن القارح) : يا أبانا –صلّى الله عليك- قد رُوِي لنا عنك شعرٌ منه قولٌكّ:
نحن بنو الأرض وسكّانُها منهـــــا خُلقنا وإليها نعــودُ
والسّعدُ لا يبقى لأصحابــه والنّحسُ تمحوهُ ليلي السّعودُ
فيقول : إنّ هذا القولَ حقٌّ وما نطقه إلاّ بعضُ الحكماء .ولكنّي لم أسمع به حتّى السّاعةَ.فيقول – وفّر الله قسمه في الثّواب - : فلعلّك يا أبانا قلتَه ثمّ نسيتَ. فقد علمتَ أنّ النّسيان متسرّعٌ إليك .وحسبكَ شهيدا على ذلك الآيةُ:"ولقدْ عهدْنا إلى آدمَ منْ قبلُ فنسيَ ولم نجِدْ له عزْما." .وقد زعم بعضُ العلماء أنّك إنّما سمّيتَ إنسانا لنِسْيانك...
فيقولُ آدمُ صلّى اللهُ عليه : أَبَيْتُمْ إلاّ عُقُوقاً وأَذِيَّةً .إنّما كنتُ أتكلّم بالعربيّة في الجنّة .فلمّا هبطت إلى الأرض نُقِلَ لساني إلى السّريانيّة فلم أنطق بغيرها إلى أن هلكتُ .فلمّا ردّني الله سبحانه وتعالى عادت عليّ العربيّة.فأيُّ حينٍ نظمتُ هذا الشّعرَ: في العاجلة أم في الآجلة ؟ والّذي قال ذلك ، يجبُ أن يقولَه وهو في الدّار الماكرة .ألا ترى قولَه :"منها خُلقنا وإليها نعودُ " فكيف أقول هذا المقال ولساني سريانيٌ؟ وأمّا الجنّة قبل أن أخرج منها فلم أكن أدري بالموت فيها..وأمّا بعد رجوعي إليها فلا معنى لقولي:" وإليها نعود" لأنّه كذبٌ لا محالة ونحن معاشرَ أهلِ الجنّة خالدون مخلّدون...
ويقول آدم –صلّى الله عليه- أعْزِزْ عليّ بكم معشرَ أُبَيْنِيّ إنّكم في الضّلالة متهوّكون. آلَيْتُ ما نطقتُ هذا النّظيمَ ولا نُطِقَ به في عصري وإنّما نظمه بعضُ الفارغين فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله .كَذَبْتُمْ على خالقكم ثمّ على آدم أبيكم ثمّ على حوّاء أمِّكم وكذَبَ بعضُكم على بعضٍ .ومآلكم في ذلك إلى الأرض."

أبو العلاء المعرّي ،رسالة الغفران ، تحقيق عائشة عبد الرحمان ،دار المعارف، ط.6
مصر 1977 ص ص 360،364

التّحلــــــيل:
-;- تمهيد : ظلّ الشّعر العربيّ يُنْقَلُ بالرّواية الشّفويّة منذ الجاهليّة إلى القرن الثّاني للهجرة حين بدأ عصر التدوين كتابةً. ولم يسلم الأمر من الخَلْط والغَلَطِ في نسبة الأشعار إلى أصحابها وفي ضياع شعر كثير واستحداث آخر غزير لأغراض شتّى قبليّة ومذهبيّة.
-;- التقديم المادي: أخذ النصّ من القسم الثّاني – قسم الرّحلة – من "رسالة الغفران" لأبي العلاء المعرّي رَهِينُ المَحْبِسَيْن (لزومُ بيته وعَمَاه) الّتي تُعَدُّ من أبرز النّصوص الإبداعيّة الخياليّة في الأدب العربيّ وتدور أحداثها في الجنّة والنّار ومعظم شخوصها أدباء وشعراء جاهليون وإسلاميّون.
-;- الموضوع : حوار سجاليّ بين ابن القارح بطل الرّحلة في رسالة الغفران وآدم عليه السّلام حول صحّة نسبة أبياتٍ من الشّعر إليه.
-;- التفكيك: المعيار: مراحل السِّجَالِ.
( السّجال هو خطاب حجاجيّ يتضمّن مناقشةً أو مناظرة ًبين طرفين حول مسألة معيّنة .وفيه يسعى كلّ طرف إلى عرض ما يدعم رأيه ويدحض الرّأي المقابل .ويختصّ السّجال بالمراوحة بين الخصمين وبالسّعي إلى القضاء على حجّة الخصم وتبكيته وإفحامه وباستهداف جمهور حقيقيّ أو وهميّ يُرْغَب في التّأثير فيه وإقناعه لا إقناع الطّرف المحاور)
الأقسام : القسم الأول : من بداية النص إلى " السّعود ": عرض المعطى / القضيّة موضوع السّجال:ما صحّة الشّعر المرويّ عن آدم؟
القسم الثاني: من " فيقول " إلى " مخلّدون": سيرورة الحجاج : صراع الحجج بين إنكارِ آدم ما رُوِي عنه وسعيِ ابن القارح لإثباته له
القسم الثالث : بقية النّصّ : النتيجة /الاستنتاج : إقرار آدم أنّ ما نُسْب إليه نَظْمٌ موضوعٌ وأنّ الكذبَ
في البشر سلوك مطبوع
التحليل المفصّل:
-;- القسم الأول: عرض المعطى/ الإشكالية: آدم عليه السّلام شاعر
• "يا أبانا": إنشاء النّداء .وفيه إقرارٌ بنبوّة آدم ورغبةٌ في الاستفادة من حضوره للتّحقّق من صحّة خبرٍ رُوِي عنه.
• " صلّى الله عليك " : إنشاء الدّعاء . وفيه اعترافٌ بنبوّة آدم ورغبةٌ في نَوَال الأجر والثّواب بالتّقرّب إليه
• " قد رُوِيَ لنا عنك شعر" : قد التّحقيق +فعل مبنيّ للمجهول في صيغة الماضي.: خبر طلبيّ فيه تأكيد انتشار رواية الشّعر عن آدم رغم تباعد الأزمنة .الفعل المبني للمجهول "رُوِيَ" يطرح تساؤلا عن صدق الرّواية وعن الرّغبة في استغلال مناسبة اللقاء بآدم لتصحيح تلك الرّواية إثباتا أو نفيا.
• مضمون بيتا الشّعر: التغنّي بالانتماء إلى الأرض مولدا ومماتا والدّعوة إلى الاستمتاع بالحياة
←-;- هناك رغبة معرفيّة ودينيّة في التّحقّق من صحّة قول آدم للشّعر . ومردّ ذلك أمران:
1 – ما حصل في تدوين الشّعر من وضع كثير وخلط كبير في نسبة الأشعار إلى أصحابها مثلما وقع عند تدوين الحديث النّبويّ وهذا بعد معرفيّ.
2 – الموقف الإسلامي من الشّعر حيث اضطرب أمر المسلمين بين مُنْكِرٍ له يَسِمُهُ بالباطل و مُنَافِحٍ عنه يستزيد منه. ولعلّ رواية الشّعر عن آدم أبِ البشر وأبِ الأنبياء كانت لغاية جَعْله مباحا وحلالا طيّبا لاسيما وأنّ ما روي عنه من شعر فيه دعوة إلى الإقبال على الحياة ومتعها ولياليها الملاح( السّعود) .وهذا بعد ديني.
القسم الثاني : سيرورة الحجاج: صراع الحجج بين الإنكار والإثبات

• طبيعة النّصّ : نصّ حجاجيّ حول مسألة أدبيّة فنّيّة
• الأطراف الحجاجيّة: - المُخاطِبُ: ابن القارح وهو شاعر بلاط عاش في القرن الرّابع للهجرة في بلاد الشّام
وقد جعله المعرّي بطل رحلته الخياليّة في الجنّة والنّار
-المُخَاطَبُ: آدم: أبٌ البشر .علّمه الله الأسماء كلّها، سجدت له الملائكة إلاّ إبليس فقد
رفض.عاش في الجنّة ثمّ هبط إلى الأرض بعد أن أغواه إبليس .
←-;- *جمعٌ خياليّ لشخصيات متباعدة في الزّمن . واختلاف في المقامات والأحوال
• أطروحة ابن القارح: - "لعلّك قلته" : اعتماد التّرجيح لإظهار الموضوعيّة استدراجا لآدم
-" قلته ثمّ نسيته": ثمّ أداة استئناف تفيد التّراخي .فتباعد الأزمنة قد يكون سببا مهمّا
جعل آدم ينسى قوله .
-" قد علمت أنّ النسيان متسرّع إليك"خبر إنكاري يحوي أداتي توكيد هما أداة التّحقيق
قد مع الفعل الماضي و "أنّ".وبهذا الخبر ذي التّأكيد المزدوج جَزَم ابن القارح بنسيان
آدم .وله في ذلك حجّتان: الأولى الآية القرآنيّة.وهي حجّة القول النّافذ ، حجّة السّلطة،
حجّة الكتاب المقدّس .والثّانية ما بين الإنسان والنّسيان من صلة اشتقاقيّة.وهي حجّة
لغويّة لسانيّة.
• أطروحة آدم : - "إنّ هذا القول حقّ": خبر طلبي فيه إقرار بسلامة محتوى القول الشعري المذكور
-" ما نطقه إلاّ بعض الحكماء" : ما ...إلاّ تركيب حصر. عمق المعنى الشعري محصور
في قول الحكماء وحدهم ومقصور عليهم ولا ينطق به السّفهاء.
-"لكنّي..لم اسمع به" الاستدراك ب"لكنّ" + النّفي ب"لم" وهو حرف نفي جازم يختصّ
بالدّخول على الفعل المضارع فيحزمه.
هناك تدرّج في إبداء آدم لموقفه ممّا يعكس سلامة الخطّة الحجاجيّة لديه ويهيّؤه لدحض
أطروحة ابن القارح.
-" إنّما ": أداة تفصيل و بها ينتقل آدم من النّفي المجمل إلى النفي المفصّل عبر إيراد
الحجج التي بها يكذّب ما روي عنه من شعر. فلسان آدم في الأرض هو اللغة السريانيّة
أمّا لسانه في الجنّة فالعربيّة.
←-;- فلا يجوز أن يكون قال الأبيات في الأرض بالعربية ولسانه فيها سرياني كما لا يجوز أن يكون
قد قال في الجنّة : " نحن سكّان الأرض..وإليها نعود".وهذه محاجّة منطقيّة

-"فأي حين نظمت؟" استفهام غايته الإفحام والتبكيت والقضاء على حجة الخصم
-" فكيف أقول هذا؟" استفهام يفيد الاستغراب والتعجّب والسخرية من الخصم بإظهاره
جاهلا ضعيف الحجّة.

-;- القسم الثّالث: النتيجة / الاستنتاج: ما نُسب لآدم نظم موضوع بسبب ما في البشر من كذب مطبوع

• الشعر المروي عن آدم من وضع الرّواة
• الكذب ظاهرة متفشيّة بين البشر عند عصر التّدوين وزمن ابن القارح وفي كلّ زمن فهو طبيعة وجِبِلّة في البشر
• كَذبَ النّاس على الخالق فادّعوا النّبوّة
• كذبَ البشر على الأنبياء فنسبوا إليهم الأقوال والأحاديث
• كذب النّاس على بعضهم البعض بما لا حصر له في كلّ مصر وعصر.

-;- سعى المعرّي في هذا النصّ إلى طرح قضيّة أدبية (رواية الشعر) وأخرى أخلاقيّة ( الكذب)

عن درس لنا لتلاميذ الباكالوريا ( الثانوية العامّة) شعب علميّة
ضمن محور "الفنّ والأدب" ، مادّة العربيّة
معهد المكناسي / الجمهوريّة التّونسية 21/11/2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا