الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نوال السعداوي بين المقاومة والاستسلام

ضحى عبدالرؤوف المل

2014 / 1 / 7
الادب والفن



“إمرأتان في إمرأة” واندماج فني جمالي مع الذات وداخل كل إمرأة ينمو جنين أنثوي في رحم الألم، لتولد أحداث متشابكة كتبتها “نوال السعداوي” في أبعاد جمالية، وثلاثية عنوان نسوي، لكن تحت ظلاله يسكن الرجل بقوة حيث القلب السليم الدافئ لطبيبة ما زالت في مشرحة الحياة تتعلم من المادة الجسدية ما هو مؤثّر في طرح جعلني أشعر أنني أنا من تمسك القلم وتكتب الرواية، فهي استطاعت الوصول لفهم المرأة بيولوجياً رغم تناقضها الداخلي والخارجي الذي قد يسيء البعض فهمه.
سمعت عن نوال السعداوي كثيراً، وأنا بلغت من العمر ما يجعلني أردد سراً وعلانية”رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه”، ولكن لم أقرأ لها أعمالاً روائية من قبل. ربما مشاغل الحياة الكثيرة التي تحكمنا، وفي أعماقي مطبوع عنها انها تهاجم الاسلام، وانها امرأة مسترجلة، أفكارها لا تناسب المرأة الشرقية لكن! حين قرأت العنوان وبدأت بالمقدمة أحسست بالعمق الإيماني في داخل كل منا فطرياً، وكأن كلمات الإهداء رسالة من قلب أم شرقية لأبنائها. “إلى كل فتى وفتاة في ربيع العمر، لعلهما يدركان قبل فوات الآوان أن طريق الحب ليس مفروشاً بالورد، وأن الزهور المغمضة حين تتفتح في ضوء الشمس لأول مرة تسقط فوقها خراطيم النحل تمتص ورقها الناعم، فإذا استسلمت الزهور انسحقت، وإذا قاومت واستبدلت الورق الناعم بشوك نافر مدبب، استطاعت أن تحيا وسط النحل الجائع”، قرأت الإهداء أكثر من مرة! واستخرجت منه “استسلمت، قاومت، انسحقت، استبدلت” أفعال ذات فعل حركي قوية المعنى، فما هو الاستسلام؟ ما هي المقاومة؟ ما هو السلام؟ ما هو الصراع هل نعيش في صراع ذكوري وأنثوي والعالم يتسع للجميع؟ ما هو مفهوم الإنسان؟ ولماذا بقي خلق المرأة سراً؟ تساؤلات جعلتني ابدأ بالقراءة لعل السطور الروائية تحمل الأجوبة وأفهم ماذا تقصد “نوال السعداوي” بالاستسلام؟ “كتلك الرغبة المحيطة التي تحسها قطرة ماء تقاوم الذوبان في ماء البحر، المقاومة المجنونة اليائسة في قمة الإحباط، تصنع الاستسلام الكامل كالسكون الأبدي.. ولأن الانسان لا يريد أن ينسحق فهو يفضل الحياة الفاترة بغير رغبات حقيقية”، قيود موروثة اجتماعياً تجعلنا نعيش الكبت الاجتماعي، واليأس فنقترب من الاستسلام لنسحق أحلامنا ونبتعد عن مقاومة الذوبان لنتكامل في سلام.
يقول”أرسطو” إن “التفكير مستحيل من دون صور”. فالمحاكاة التعبيرية هي من أدوات الرواية والفكرة بداية ونهاية، والراوي يحيا صراع الدمج بين الأنا والهو لينقل صراعه النفسي إلينا، وتتحول الرواية إلى نسيج فلسفي فني يطرح الألم في واقعية المجتمع الشرقي الذي نحيا فيه بعيداً عن الحقيقة والإيمان”.
وصف حركي وعمق تحليلي نفسي بدأت به لفتاة “تضع قدمها اليمنى على حافة المنضدة الرخامية، وقدمها اليسرى فوق الأرض. وقفة لا تليق على الإطلاق مع كونها إمرأة “، مفاهيم جسدية سلوكية بدأت بها وهي تفصل بين الفتاة والفتيات الأخرى كما تفصل بهية بين ساقيها بسهولة، فالتاء المربوطة ترافقها كهوية نسوية لا تستطيع التحرر منها رغم قوتها العضلية وضعف النمو عند الفتيان بسبب سوء التغذية في الطفولة “وكانت سيقان الفتيان في معظم الأحيان معوجة (بسب نقص التغذية في الطفولة) وكأنها تشير إلى نمو جسدي سيئ في المجتمع العربي يبدأ من الطفولة، فالجسد مسكن الروح وتتأثر به كما يتأثر بها هو، فكيف تتحرر الفتاة من جسدها؟ وكيف ينمو الفتيان في ظل سوء تغذية؟
يقول رولان بارت “يبدأ النص غير الثابت، النص المستحيل مع الكاتب (أي مع قارئه) “فالقرأءة في رواية” إمرأتان في إمرأة” تجعلك تمارس الفن الكتابي بلذة لا تنتهي رغم أنك قد تحذف بعض التكرار في فصول الرواية، لكنك تستنفر حواسك كلها لتحافظ على وعي قدراتك الإنسانية، وترفض القوة والجبروت في أحداث فجائية لم تتوقعها وهي سجن البطل سياسياً لتمارس فعل المقاومة معها كي تستطيع مواجهة قدرها قبل أن ننفصل زمنياً عن أحداث ثورية، ونراها مكبلة بالقيود في صورة سينمائية ضمن لوحة لا تغادرك ذهنياً.
قوة تتولد في الرابع من شهر أيلول (سبتمبر) دائماً يوم مولدها وهو تاريخ بدأت به الرواية، وكأن مولد الإنسان ينطبع على جيناته منذ اللحظة الأولى، فلا ينساه فرحاً أم حزناً، فالمكتسبات الطفولية يصعب التخلص منها مثل الكذب المكتسب، فهي تعلمته من أمها “كانت أمها تكذب عليها تنام معها في سريرها وتقول لها انها لن تتركها”. وفي منتصف الليل تحس بها وهي تتسلل خارج سريرها، وتذهب إلى سرير أبيها، لتبدأ رحلة البحث عن رغبات الإنسان الحقيقية فهل عرفتها؟.
مؤالفة نفسية في فن السيطرة على النفس، فحين نكتشف الرغبة نكتشف الحياة، فالشهوة شعور فطري عابر، أما الرغبة فهي الارتواء القادر على تنمية الروح ليزهر الجسد، فهي تدرك رغم سنها أن المجتمع متناقض، والتعابير على كل وجه ما هي إلا نماذج مجتمعية واهنة، فالشيء ونقيضه يتماثلان “فالابتسامة كالتكشيرة، والتحية كالتهديد، والصدق كالكذب، والفضيلة كالرذيلة، والحب كالكراهية، وتتشابه الحركات والملامح والمعاني إلى حد الشعور بالاختناق”.
وضوح وغموض والتباس في مفاهيم الشك والضوء واليقين والهوية الذاتية “ودورة القمر تتعاقب مع دورة الدم في عروقها، والخلية المنتفخة في أعماقها تتفجر في اللحظة نفسها” كرمز يشير إلى البلوغ في صورة “ثماني عشرة شمعة مضاءة فوق المائدة البيضاء” في رحلة الشك والألم “الشك كالشمعة له ضوء أحمر وله لسعة حادة كالأبرة”، قيل إن “الشك هو ما استوى طرفاه، وهو الوقوف بين شيئين لا يميل القلب إلى أحدهما”، فهل هذه لغة ايحائية وكأن” الإنسان مشدوداً بين قوتين” قوة خلقه وقوة الطبيعة؟.
إن الصراع بين المقاومة والاستسلام ينتهي بانتصار او انهزام، فالاستسلام ضعف والمقاومة قوة لكن المرأة والرجل كيان متكامل وأي صراع بينهما هو دمار شامل للإنسانية كلها، والجنس طاقة كبرى لتوليد الحياة وهي “الحركة الوحيدة التي يدرك بها الإنسان الفرق بين حياته وموته”، والحب طاقة حية تبعث الحياة في جثث تمشي على الأرض “كانت تبحث عن الموت داخل جثث المشرحة. لكن الموت كالحياة لا يعيش في الجثث”.
سرد تقليدي مقرون بالفعل المتحرك، فالمادة الحكائية بسيطة لكن الأفكار الفلسفية مكثفة، والمفاهيم التربوية مدروسة، والمعلومات الطبية طوّقت الرواية والغوص الفسيولوجي كان ظاهراً والتسلسل المنطقي فوجئنا به في النهاية ليقطع الحدث، بل ويشطره لكنها حافظت على التوازن التعبيري والمادة التخيلية ليشعر القارئ أو بالأصح لتشعر القارئة أنها هي بهية، والقيود الحياتية تلفها من كل ناحية رغم أن الزمن في كل سبتمبر يتجدد والكوتا النسائية ما هي إلا وهم يتردد على ألسنة البعض والسلطة السياسية لم تحرر المرأة في مناصبها لكننا ما زلنا نحيا في عصر نوال السعداوي أو بهية بالتاء المربوطة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا