الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى سنقطف ثمرة ديمقراطية العيش؟

إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)

2014 / 1 / 8
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


في البدء كان المغاربة قد قرّروا تأجيل كل القضايا المطروحة إلى ما بعد رجوع الملك إلى عرشه واستقلال البلاد من براثين الاستعمار. لقد كان في منظورهم استقلال كامل شامل، لن يستقيم إلاّ بتحرير كافة تراب المغرب العربي، آنذاك لم يكن أحد يأبه باللفظة التي أصبحت سحرية في نظر العرمرم و "عصا موسى" في عرف بعض السذج – الديمقراطية- علما أن مختلف تلاوين القوى اليسارية كانت تعتبر الديمقراطية مُبتغى ناقص ولا يجب الوقوف عنده. وبعد انهيار الايديولوجيات، أضحى الجميع يتهافت على الديمقراطية لجعلها هي المآل ووصفة لتيسير البحث عن حل كل المعضلات.
لابد من وضع النقط على الحروف حتى وإن كان الواقع قام بوضعها بنفسه كل يوم ، فكيف حال الديمقراطية عندنا؟
إن الجدال والسجال حول الديمقراطية ليسا وليدا اليوم، وإنما كانت فضية الديمقراطية حاضرة كمطلب منذ بدأ المغاربة في ترميم شؤونهم السياسية وقضايا نظم الحكم بالبلاد.
ففي بداية ستينات القرن الماضي، كان الملك محمد الخامس قد وعد بتصحيح المسار بعد اغتيال أول حكومة وطنية عرفها المغرب – حكومة عبد الله إبراهيم – وأقرّ بضرورة انتخاب مجلس تأسيسي لإعداد دستور يُعرض على الاستفتاء الشعبي، لكنه توفى على خلفية عملية جراحية بسيطة لم تكن ضرورية في نظر الكثيرين.
وأكّد خلفه، الملك الحسن الثاني، وعد أبيه، واعتبره دينا في عنقه. لكن المغرب لم يشاهد الدستور إلا بعد ضغوطات وسقوط مئات المغاربة من أجل التغيير وغد أفضل،والقصة يعرفها الجميع اليوم. وكانت كل الدساتير ممنوحة، هبة من يحكم للشعب، وهذا رغم تباين الأشكال والآليات التي تمّت بها.
آنئذ، في فجر ستينات القرن الماضي، كانت الدعاية الرسمية – بما في ذلك عبر الإذاعة الوطنية – تُقرّ أن روح الديمقراطية ظلت حاضرة بالمغرب ومعمول بها رغم عدم تطبيق بعض آلياتها، كالانتخابات وتمثيل الشعب... ومادامت الروح حاضرة فلا داعي لنا لهذه الآليات التي تبقى شكلية.
وقتئذ، كان مولاي أحمد العلوي – "الوزير الجوكير" أو "الوزير المستدام" – يُنظّر تنظيرا لــ "الديمقراطية المغربية" والتي – بعد سنوات – سيلبسها ثوبا جديدا ليسميها "الديمقراطية الحسنية"، والبقية معروفة.
وبعد سقوط أكثر من أكذوبة، هبّت بعض رياح التغيير بعد أن تفتّحت العيون على فداحة "الفقرقراطية" و"الجهلقراطية" و"الذلقراطية" و"التهميشقراطية" و"الرشوقراطية"ووو... وكان من الضروري من وقفة لإعادة النظر، لكنها كانت إعادة نظر بقدر، سيما وأن كثيرا من الأمور قد "فُرشت" ببلادنا واتضح هول الجرائم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية التي أقترفت في حق أكثر من جيل وفي حق الشعب كافة. حيث تبيّن بجلاء أن الجميع- حكام ونخبة وأحزاب – تورطوا في اغتيال أحلام المغاربة، وكان الضحية الوحيدة، الشعب المغربي الذي أدى الثمن باهظا، وهو ثمن يُقاس بالأرواح وبهذر أحلام الأجيال الماضية والحالية والقادمة. إذن كان لابد من شيء من الترميم بد أن سقطت كل الأقنعة وكُشفت الوجوه، لكن القسمة ظلت ضيزى.
لقد تمّ النيل من أحلام الشعب المغربي بشكل أصبحنا معه لحما على وضم، لا نطوّر فكرة ولا نحسن حتى ما ينتجه الآخرون من أفكار.
فلّما سقطت الأقنعة، كل الأقنعة على حين غرّة، انكشفت الأمور في ربيعة النهار، وبدا أن االجميع مدان من أخمص القدم إلى "شوشة" الرأس كما يُقال. حينئذ رجعنا من حيث بدأنا، وطفت قضية الديمقراطية على السطح – وهذه المرّة بقوّة – وبدأت الوعود تتناسل يمينا وشمالا، كأن التاريخ يعيد نفسه. وبعد "هنيهة" من الحماس بدأت الفذلكة واالتنوعير" والالتفاف على المفاهيم والمقاصد والانتظارات ، وها نحن مازلنا ننتظر ثمار الديمقراطية، وهو انتظار يسمونه عندنا "سير الضيم".
وقد يقول قائل أن لبّ الديمقراطية هي حرية التعبير، والحمد لله، إن محيط حرية التعبير عندنا واسع لا شاطئ له، اللهم تلك الشواطئ التي ترسمها "الهراوات" الأمنية على أجساد المعطلين والمقصيين أمام البرلمان تحت أنظار نواب الأمة ومسمعهم أو في جملة من الفضاءات العمومية على امتداد الوطن.
المهم ، حرية التعبير لا تكفي أن تُشكّل ثمارا للديمقراطية، بل إنها مجرد ومضة للديمقراطية السياسية، فأين هي ثمار الديمقراطية الاجتماعية، وهي التي تبدو أهم في عيون عرمرم لشعب؟ علما أن هناك علاقة جدلية – بلغة الماركسيين والمتمركسين – بين لديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية. كما أنه باسم الديمقراطية تمّ تكريس وترسيخ وتقعيد "القسمة الضيزى" والتي لم تزداد إلا تعمقا في البلاد. فهل الديمقراطية مجرد وهم أم أنها تستوجب مسألة أخرى حتى تنتج ما ينتظره الشعب؟ وما هي هذه المسألة التي وجب أن تتزامن بصفة "مستدامة" مع الديمقراطية حتى يتحقق قدر من الديمقراطية الاجتماعية؟
تجمع المنظرون على أن العدالة الاجتماعية جوهر الديمقراطية الاجتماعية ، علما أن العدالة الاجتماعية ليست هي المساواة الحسابية، لأنه في واقع الأمر، إذا كان من الممكن بلوغ درجات متفاوتة بخصوص المساواة أمام القانون وفي مجالات ممارسة السياسة، فإنه لا وجود لمساواة على الصعيد المادي والاقتصادي، لأن تحقيقها يعني، بكل بساطة، عدم حاجة حكّام لمحكومين والعكس صحيح.
ولمقربة الإجابة على هذه الإشكالية، لا مناص من تحديد ما تعني الديمقراطية؟
لقد قيل منذ زمن بعيد، إن الديمقراطية هي أن يحكم الشعب نفسه بنفسه، ولتحقيق هذه الغاية، ينتخب أفراد لشعب، بكل وعي وحرية، من ينوبون عنهم في الحكم، لكن تحت مراقبة دائمة ومستمرة. أي أن الشعب يختار من يحكمه، ثمّ يراقبه ويحاسبه ويوجهه. هكذا يتكوّن البرلمان الذي يختار حكومة، والشعب يراقب البرلمان، وهذا الأخير يراقب الحكومة ويوجهها. هكذا يحكم الشعب نفسه بنفسه. هكذا كانت فكرة الانطلاقة بخصوص الديمقراطية.
لكن كلل هذا استوجب منظومة من قواعد وقوانين تؤسس وتحدد علاقات أجهزة الحكم وتوضح سلطاتها وتنظم سريانها. إنها القوانين الأساسية الواجب توفيرها قبل إعطاء الانطلاقة للعبة الديمقراطية. فكيف تمّ حلّ هذه الإشكالية؟
إنها قوانين أساسية من المفروض أن يضعها الشعب عن طريق اختيار وانتخاب أناس يشكلون مجلسا تأسيسيا لوضع الدستور الذي يشكل قانون سير بالنسبة للعبة السياسية ومنظومة الحقوق والوجبات والصلاحيات ومجالات مختلف السلط والعلاقات بينهما. وبالتالي من أجل إقرار الديمقراطية ، التي هي تمكين الشعب من أن يحكم نفسه بنفسه ، وجب أوّلا انتخاب مجلس تأسيسي يضع الدستور، ثم ينتخب الشعب برلمانا يشكل الحكومة ويراقبها ويوجهها. هذا هو أكمل فحوى ومعنى لفكرة "حكم الشعب نفسه بنفسه"، وما سواه هو مجرد احتيال على الديمقراطية وآلياتها. وهنا يتضح بجلاء، أن حرية التعبير هي مجرد نتيجة وليست جوهرا – كما ادعى البعض – وذلك لأنه من الطبيعي أن يعطي الشعب – لنفسه حرية التعبير ولا ينتظر أن تمنحه إياها بجرعات حسب ميزان القوة ودرجة الخوف من ضياع المصالح أو فقدانها، هذه الجهة أو تلك. فالشعب الذي يحكم نفسه بنفسه، يبني مستقبل البلاد كما يريد، ولا كما يريد ويشاء القائمون على الأمور. لهذا، وبكل بساطة، يخاف ذوي المصالح، خوفا مستطيرا، من الإقرار بالديمقراطية الحق.
إن الشعوب في واقع الأمر، لا تقنع وتكتفي بالديمقراطية السياسية، لأنها مجرد درب لتحقيق الديمقراطية الاجتماعية، أي ديمقراطية العيش. فهذا ما تصبو إليه الشعوب فعلا.
فالشعب المغربي لا يتوق إلى الانتخابات واختيار ممثليه في البرلمان، لذاته وفي ذاته، وإنما ليكون ذلك آلية من آليات تحقيق ديمقراطية العيش، أي العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص في الحقوق والواجبات وانعدام المحاباة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احمد النشيط يصرح عن ا?ول راتب حصل عليه ????


.. تطور لافت.. الجيش الأوكراني يعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسي




.. أهم ردود الفعل الدولية حول -الرد الإسرائيلي- على الهجوم الإي


.. -حسبنا الله في كل من خذلنا-.. نازح فلسطين يقول إن الاحتلال ت




.. بالخريطة التفاعلية.. كل ما تريد معرفته عن قصف أصفهان وما حدث