الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من مذكرات يائسة

خديجة بلوش

2014 / 1 / 9
كتابات ساخرة


صباح آخر... هكذا كانت لحظاتها تتسلل من بين صفحات ليل يدمن الترقب ،شراب بارد بلا طعم وقطعة خبز جافة والكثير من الحبوب للبلع مع رشفة ماء لاأكثر،كانت تخشى أن تختنق يوما بهذا الكم الهائل من حبوب ضغط الدم وغيرها من أدوية تأخذ لتنظيم دقات القلب،الغرفة كما العادة دافئة لدرجة الشعور بالغثيان ونفس النافذة بنفس الستائر المسدلة،ترفض أن تمنح للشمس فرصة للإستمتاع بشحوبها بعد كل هذا الوقت في الظل،كانت الغيوم تريحها من تلك الأشعة التي تثير فيها الإشمئزاز..أحيانا فقط،وأحيانا كانت تسمع المطر يطرق زجاج النافذة بلا هوادة كأنه يستفزها لتفتح..لكنها كانت تكتفي بالصمت...... رائحة ظلت معلقة بذاكرتها تطفوا للسطح كلما استعادت حاسة الشم ولو للحظات،رائحة فيها من الموت الكثير ومن وحدة ظلت تمزقها لساعات بدت كسنوات طويلة،تلك التي عرفت لاحقا أنها كانت تسعة أسابيع ذاقت فيها كل صنوف العذاب، لم تكن تدرك أن الألم كالحرباء يتخذ كل الأشكال والروائح أيضا،حتى الوجوه التي تطل عليها كل صباح تحمل لها الوجع،تلك الممرضة التي تبدو ككيس متدحرج بصوتها المتقطع(حروف لاتنطقها منذ أن أصيبت بالصمم)تدفع الباب بخشونة ولاتنظر لعينيها تتجه صوب السرير ،تضع عدتها على طرف المنضدة وتسحب يدها بقسوة ،تضغط بشدة على معصمها كي تقتنص عرقا ما لتسحب منه الدم.......تحاول مرارا بغرز الابرة وتخرجها دون أن تسيل نقطة واحدة ،تتأفف بسخط تفلت معصمها وتخرج..صوت الباب كان جعل الجدان تهتز... وجه آخر يدلف بابتسامة واسعة وجملة صارت تكرهها منذ أن وطأت قدماها هذا المكان _يسعد الصباح..... يقولها بصخب ويدخل بخطوة واسعة وخلف ظهره عدته يخفيها عنها ..يمد يده كأنه يريد السلام لاأكثر.. صارت تحفظ ألاعيبه تشيح بوجهها وتمد يدها المتورمة من الوخز..يبتسم بلؤم ويهمس لها..._اليد الأخرى يا جميلتي..وباستسلام تمنحها له ،كخبير يتفحصها بعناية يشد حينا ويرخي حينا ويربت حينا إلى أن يظهر عرق نافر فيسارع بغرز الابرة فيه ويصرخ بانتصار _ أووووووووووه لاأحد غيري يعرف كيف يسحب دمك أيتها العنيدة... تدفن وجهها في الوسادة كي لايرى ملامحها المتألمة ودمعة فرت من عينها... كل الصباحات تتشابه هناك...والملامح تتغير حسب أوقات العمل ..وحدها ظلت متشبثة بكامل وعيها في مواجهة الروتين والفراغ والملل ووحدة تشبه الموت..كانت مرات عدة تسأل نفسها ماذا لو كانت هذه الغرفة قبرا وهؤلاء العابرين الملتحفون بثياب بيضاء زبانيته..يتناوبون على تعذيبها بكل ما أتيح لهم من وسائل؟؟ _يمكنك الخروج والتنزه في الحديقة.. _لارغبة لدي _كل المرضى يفعلون _لست منهم حوار يتكرر كل يوم ..كحصص التعذيب _اليوم حصة تغيير البلازما تنظر إليها الطبيبة بدهشة...وتطلب منها أن تعيد ما قالته فتردد أن اليوم موعد حصة تغيير البلازما ..هي الأمل الذي غرزه الألم في قلبها المنهك من دقات صارت مجنونة ومن وجع يمزقه..قد تعود أعضاؤها الميتة للعمل إن استطاعت تحمل هذه المغامرة مع ما يرافقها من تشنجات تكاد توصلها للموت ...تزداد دهشة الطبيبة أمام مريضتها التي كانت تظن أنها لاتفقه في كل ما يجري شيئا...ومن أسئلتها التي لاتصدر إلا من شخص يعرف كل شيء... _ ألغيت الحصص..رئيس الأطباء يرى أنها تضييع للوقت وللإمكانيات ..حالتك لاتتحسن وليس أمامنا إلا إخضاعك لعملية وضع وصلة ف اليد _هذا آخر شيء أرغب به..أفضل الموت تبتسم الطببة وتخرج بهدوء تعود هي إلى التحديق بالسقف محاولة تمييز الألوان المحيطة بها في هذا السجن الدافئ المقرف،أحيانا كثيرة تتخيل أن كل من يلبس الأبيض في هذا المكان وحش كاسر يتحين الفرص للإنقضاض على سجناء الغرف(مصاصوا دماء_جزارون)...... وجبات تحمل أيضا طعم الألم..أكل لايملك إلا إسم الأكل بلا طعم ولا رائحة..بارد يرمى به فوق الطاولة الصغيرة بجانب السرير ..وما إن يغيب الموزع حتى تنتابها نوبة قيء تستمر حتى تتخلص من حصتها اليومية ......... تبا لهذه الذاكرة تحتفظ بالروائح وبالومضات التي تشبه كل شيء إلا الحياة..تتذكر يوم هروبها من ذاك المكان بكل تفاصيله..هروب بموافقة السجانين..مع إشهاد بالفشل وندبة تحتل الرسغ وألم يتناسل بين طيات جسد نحيل.....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا