الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغناءُ والموسيقى نشاطٌ للبدن وراحةٌ للنّفس أم مزمارُ شَيطانٍ رجيم ؟ تحليل نصّ: - أثر الغناء في النّفس - للابشيهي

محمّد نجيب قاسمي

2014 / 1 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



تحليل نص : " أثر الغناء في النّفس " الابشيهي


النّــــــــــــــصّ:

أثرُ الغناء في النّفس

زَعَمَ أهلُ الطّبّْ أنَّ الصَّوْتَ الحسنَ يجري في الجسم مجْرى الدَّمِ في العُروق فيصْفو له الدّمُ وتنمو له النّفسُ ويَرتاح له القلبُ وتهتزُّ له الجَوارِحُ وتخِفُّ له الحركاتُ .ولهذا كرِهوا للطِّفْلِ أنّ ينامَ على إثْرِ البُكاءِ حتّى يرْقُصَ ويَطْرَبَ .
وزَعَمَتِ الفلاسِفَةُ أنَّ النَّغَمَ فَصْلٌ بَقِيَ منَ النُّطْقِ لم يَقْدِرْ اللِّسانُ على اسْتِخْراجِهِ فاسْتَخْرَجَتْهُ الطَّبيعةُ بالألْحانِ على التَّرْجيعِ لا على التَّقْطِيعِ.فلمّا ظهَر عَشِقَتْه النَّفْسُ وحنَّتْ إليْه الرّوحُ .
ألا ترى إلى أهْل الصِّناعاتِ كُلِّها إذا خافُوا المَلالَةَ والفُتُورَ على أبْدانِهم ترَنَّمُوا بالألْحانِ واستَراحَتْ إليها أنْفُسُهُم .وليْس مَنْ أحَبَّ – كائِنًا مَنْ كانَ – إِلاّ وهْو يَطْرَبُ مِنْ صوْتِ نفْسِه ويُعْجِبُهُ طَنِينُ رأْسِه .ولَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ فَضْلِ الصَّوْتِ الحَسَن إلاّ أنّهُ ليس في الأرْضِ لذَّةٌ تُكْتَسَبُ منْ مَأْكَلٍ ولا مَشْرَبٍ ولا ملْبسٍ ولا صيْد إلاّ فيها مُعَايَاةٌ على البَدَنِ وتَعَبٌ على الجوارحِ مَا خَلا السَّماعَ فإنَّهُ لا مُعاياةَ فيه على البدَنِ ولا تَعَبَ على الجَوارِحِ .
وقدْ يُتَوَصَّلُ بالألْحانِ الحِسانِ إلى خيْرَيْ الدّنيا والآخرة .فَمِنْ ذلك أنّها تبعَثُ على مكارم الأخلاقِ : منْ اصْطِناعِ المعْروفِ وصِلَةِ الأرْحامِ والذَّبِّ عنِ الأعْراضِ والتّجاوُزِ عنِ الذّنوبِ . وقدْ يبْكي الرّجُلُ على خَطِيئَتِهِ ويتَذَكّرُ نَعيمَ المَلكوتِ ويُمَثِّلُهُ في ضميرِه...
ورُبّما يُغْشَى على سامع الصّوتِ الحسنِ لِلَطافَةِ وُصولِه إلى الدّماغِ ومُمازَجَته القلْبَ .ألا ترى إلى الأمِّ كيف تُناغي ولدَها فيُقْبِلُ بِسَمْعِه على مُناغاتِها ويتلهّى عنِ البُكاءِ .

شهاب الدّين الابشيهي ، المستطرف في كلّ فنّ مستظرف،
منشورات دار مكتبة الهلال 1986،ج 2 ص 146


التّحليــــــــــــل:
-;---;-- تمهيد: الغناء من الغُنّةِ والنَّغَمِ وهو الصّوتُ الحسنُ العذبُ فهو من الموسيقى تلك الأداة الاتّصاليّة غير اللّفظيّة وذلك الإبداع الفنّي السّمعي الذي يعبّر به الإنسان عن اختلاجات النّفس المختلفة وانفعالاتها المتنوّعة .ولقد استخدم الإنسان الموسيقى في أتراحه وأفراحه وفي عباداته ونزواته على مرّ العصور وفي كلّ الحضارات .
-;---;-- التقديم المادي: أُخِذ النصّ من كتاب " المُسْتَطْرَفُ في كلّ فنّ مستَظْرف " لشهاب الدّين الابشيهي وهو كاتب وشاعر عاش في مصر في القرن التّاسع للهجرة.
-;---;-- الموضوع : ارتباط الغناء بالنّفس البشريّة وفوائده العظيمة عليها
-;---;-- التفكيك:
المعيار : عرْضُ المواقف المختلفة المُستحسِنة للغناء
الأقسام :
القسم الأول : من بداية النصّ إلى " يطرب": الغناء في نظر أهل الطبّ
القسم الثاني: من " زعمت " إلى " الرّوح": الغناء في نظر الفلاسفة
القسم الثالث : من " ألا ترى " إلى "الجوارح ":الغناء عند أهل الصّناعات والعشّاق
القسم الرّابع: بقيّة النّصّ : فوائد الموسيقى
التحليل المفصّل:
النصّ حجاجي يقوم على دعم أطروحة تَنتصرُ للغناء من حيثُ أهميتُه وفوائدُه على الإنسان بدنيّا ونفسيّا . وهو ضِمنيّا يُحاور أطروحةً تُعادي الغناءَ بل تُحرّمه. ولذلك نعتبر أقسامَ النصّ كلَّها تندرج في إطار الأطروحة المدعومة فنحلّلها أوّلا ثم نَعرض ثانيا للأطروحة الضِّمنيّة لنبيّن تَهافتَها لاحقًا.
الأطروحة المدعومة: الغناء والموسيقى نشاطٌ للبدن وراحةٌ للنّفس
القسم الأول : الغناء في نظر أهل الطبّ
- أهل الطبّ : هم الحريصون على سلامة الأبدان والنّفوس ، و هم من يُجري الله على أيديهم الشفاءَ والعافية .فهم
أهلُ الثّقة والأمان . ولذلك من المنتظرِ الاطمئنانُ لرأي الأطباء في الغناء والصّوت الحسن
-"أنّ" : حرف تأكيد يَدْخُل على الجملة الاسميّة ( الخبر الابتدائي بلاغيّا ) فيزيد في المعنى الأصلي . فقَوْل الأطبّاء في الغناء موثوقٌ به مؤكَّدٌ لا مَطْعنَ فيه.
- "يجري ، يصفو، تنمو، يرتاح، تهتزّ، تخفّ، يرقص ، يطرب" : كثرة الأفعال من كثرة الحركيّة التي تُدْخلها الموسيقى على النّفس والبدن. فهي تُحرّك مختلفَ الأعضاء وتجعلها تنفعل فتتشاركُ في التأثّر.
- لهذا: تفيد الاستنتاج
←-;---;-- عَرَضَ الابشيهي في هذا القسم حجّةً طبّيّة علميّة لآثار الموسيقى الايجابيّة كما أقرّها أهل الطّبّ .فهي تُنشّط البدنَ وتزيد القُدرات الذّهنيّة وتُحفّز الاسترخاءَ والتنفّسَ ونبضات القلب.
القسم الثاني: الغناء في نظر الفلاسفة:
- الفلاسفة: هم أصحاب الحكمة والسِؤال .هم وراء شتّى المعارف التي نهضت بالإنسانية على مرّ الزّمان.هم نخبة النّاس مثلهم في ذلك مثل الأطبّاء. ولذلك من المنتظر الاطمئنان لرأيهم في حاجة البشر للغناء.
- الغناء والموسيقى من الطّبيعة وكل ما في الطّبيعة مسخّر للإنسان لينعمَ به . ففيها يجد الجسد كلَّ ما يلذّ له من مأكلٍ ومشرب وما يُشبع الغرائز ولكنّ الرّوح تظلّ مُتَوتّرة في حَنين دائمٍ إلى عالمها العُلويّ كما يقول المثاليّون من أصحاب أفلاطون ولا ترتاح وتهدأ وتَسْكُن إلّا بالموسيقى الّتي هي "حديثُ الرّوح للأرْواح"..
←-;---;-- عَرَض الابشيهي في هذا القسم حجّةً فكريّة فلسفيّة لآثار الموسيقى الايجابيّة كما أقرّها الفلاسفة .فهي غذاء الرّوح ومصدر سُلُوّها طيلة إقامتها بسجنها وقيدها الجسد.
القسم الثالث : الغناء عند أهل الصّناعات والعشّاق
- أهل الصّناعات: هم أرباب العمل صانعو الحضارة ، هم البُناة والمزارعون والحدّادون والنّجّارون وغيرهم ،هم سببُ تواصل الوجود البشري فمنهم الغذاء والكساء والسّكن .هم الذين يَجْهدون لنحيا .فما يصدر منهم يكون على الفطرة وما يعبّرون به عن معاناتهم وأحلامهم وآلامهم من الإبداع الإنساني الخلاّق .
هؤلاء يتعبون ويشْقون فتملّ أبدانهم وتَفْتر وتضعف فينطلقون في الغناء فيتجدّد نشاطهم
وتقوى همّتهم للعمل فيتضاعف مردودهم .
- العشّاق : هم من المحبّين ، من البشر ، ومن منّا لا يحبُّ ويعشقُ؟ .. هؤلاء ينتشون بالمحبّة فيترنّمون ويتغنّون بألحان و أنغام لا حصر لها قديمة ومستحدثة ،رقيقة عذبة وأحيانا تكون أصواتهم نشازا منكرا أشدّ َ حتّى من "صوت الحمير" ولكنّها تظل تعبّر عن وجدان صاحبها فيطرب لها ويُعجب بقدراته..
←-;---;-- عرض الابشيهي في هذا القسم حجّة واقعيّة لآثار الموسيقى الايجابيّة في النّفوس والأبدان عند أهل الصّناعات والعشّاق ...عند البشر جميعا.

القسم الرّابع: فوائد الموسيقى
- " قد يُتَوَصَّلُ بالألحان الحِسان إلى خيْري الدنيا والآخرة" : قد + الفعل المضارع تفيد الاحتمال والإمكان. فالموسيقى يمكن أن تُوجّه السّامع نحو دفع مضرّة أو جلب مصلحة كما يمكن أن تكون باعثا على مَفسدة . وهذا ما يكشف عن وعي الابشيهي بهذا البعد الأخلاقي السّلوكي وتفطّنه لما يمكن أن يحدث من منزلقات أخلاقيّة مرفوضة دينيّا بدعوى الاستماع إلى الموسيقى.
- " فـــمن ذلك أنّها تبعث على مكارم الأخلاق : من اصطناع المعروف وصلة الأرحام.." الفاء وردت للتفسير أمّا "مِن " فهي التَّبْعِيضِيَّة التّفصيليّة وتكرارُها هو تكرار للتّبعيض الذي ينشأ عنه التّفصيل .
الابشيهي يتولّى تعداد فضائل الموسيقى الأخلاقية ممّا يجعلها حلالا طيّبا يتماهى مع الرّسالات السماوية بل يخدمها أبهى خدمة.
- " ربّما يُغشى على سامع الصّوت الحسن": ربّما أداة تفيد الاحتمال والإمكان. وهي هنا تعرض لحالات حدثت فعلا في الواقع ويمكن تكرارها كلَّ حين .فكثيرا ما أغمي على سامعي الألحان العذبة في المعابد وميادين الاحتفالات . وهذه حجة من الواقع المعيش
- "ألا ترى إلى الأمّ كيف تناغي ولدها؟" : إنشاء الاستفهام وقد أدّى هنا معاني التّذكير والتنبيه والإثبات. فالموسيقى هي لغة التواصل الأولى بين الأمّ ورضيعها ، الموسيقى هي لغةُ من لا لغةَ له .أليس الرّضيع صفحة بيضاء ؟ فكيف له تحليل لغة الموسيقى وفهمها والتّواصل بها إن لم تكن في فطرته وطبيعته الأولى ؟
←-;---;--* معجم الغناء في النّصّ: الصّوت الحسن، النّغم، الألحان، ترنّموا، الطّنين، تناغي ، المناغاة *الشرائح العمرية وأصحاب المهن ممّن ورد ذكرهم في النّصّ : أهل الطّبّ، الفلاسفة، أهل
الصّناعات ، الطّفل، المحبّ ، الرّجل ، الأمّ ، الولد الرّضيع
*الموسيقى تسمو بالوجدان إلى عالم الخيال والشّاعرية وتُولّد في النّفس رقّةَ المشاعر وطهارة الرّوح ، الموسيقى تفرّج الهموم والكُرَبَ ، الموسيقى تُدخل الفرحة والبهجة على الإنسان وترفع الذّوق السّليم وتساعد في توجيه السّلوكات
الأطروحة الضّمنيّة المدحوضة: الغناء والموسيقى من عمل الشّيطان.
أصحاب هذه الأطروحة هم من جمهور المسلمين قلّوا أو كثروا . و يقولون إنهم لا يصدرون عن رأيهم هم ،بل يعرضون حكم الإسلام و به يلتزمون . أمّا مخالفوهم فيقولون عنهم إنهم يتأوّلون القرآن ويحرّمون الحلال .وملخّص هذه الرّؤية / الحكم عن الموسيقى أنها مِزمار الشّيطان ، وهي صوته الذي يُغوي به بني آدم ، ويستدلّون على ذلك بقوله تعالى : "وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ ورَجْلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ ۚ-;---;-- وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا " سورة الإسراء الآية 64 وبقوله تعالى : " وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُؤًا أُولَـٰ-;---;--ئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ" سورة لقمان الآية 6 . وقد قال المفسرون إنّ المراد بلهو الحديث هو الغناء، كما قال شيخ الإسلام ابن تيميّة عن الغناء والموسيقى: "المعازف هي خمر النّفوس تفعل أعظم ممّا تفعله الكؤوس، فإذا سكروا بالأصوات حلّ فيهم الشّرك و مالوا إلي الفواحش و إلى الظّلم، فيُشركون و يقتلون النّفس التي حرّم الله و يزنون وهذه الثلّاثة موجودة كثيرا في أهل سماع الأغاني، إنّ سماع الأغاني و الموسيقى لا يجلب للقلوب منفعة ولا مصلحة إلّا وفي ضمن ذلك من الضّلال و المَفْسَدَة ما هو أعظم منه، فهو للرّوح كالخمر للجسد، و لهذا يورث أصحابه سُكْرا أعظم من سكر الخمر، فيجدون لذّة كما يجد شارب الخمر، بل أكثر و أكبر."
ويقولون كذلك إنّ الغناء أغلبه يتحدّث عن الحبّ و الهوى و القُبلة و اللّقاء ووصف الخُدود والقُدود وغيرها من الأمور التي تثير الشّهوة و تشجّع على الفاحشة و ينصحون من يسمع هذه الأغاني بتركها واستبدالها بأشرطة القرآن و الخطب و الأناشيد الإسلاميّة و حينئذ سيعرف الرّاحة النفسيّة .
←-;---;-- لو تأمّلنا في هذه الأطروحة أو هذا الحكم كما يودّ أصحابها لوجدناها تقوم على حجّتين :تتمثّل الأولى في شاهدين قوليين من القرآن الكريم فالحجّة ذات سلطة مقدّسة .والثّانية من المعيش اليومي فهي حجّة واقعيّة. ولذلك فالموسيقى عندهم من الباطل والمنكر والحرام ..
وما نراه أنّ هذه الأطروحة ليست إلّا تأويلا متعسّفا للقرآن الكريم إذ لا نجد صلةً ولا مناسبةً بين "صوت الشّيطان" و" لهو الحديث" وبين الموسيقى والغناء.فليس كل صوت حرام ولا كلّ لهو ممنوع . ثمّ إنّ الأصوات تتفاوت في الرقّة والإنكار وإنّ أنكر الأصوات عند الله لصوت الحمير
ولو دقّقنا أكثر لقلنا إن للموسيقى مستويين اثنين : الأوّل هو اللّحنٌ والإيقاعُ وهما صوتٌ لا لفظَ فيه ولا معنى له مُتواضَعٌ عليه والثّاني وهو الغناء وهو ترديدٌ للشّعر بلفظه ذي المعاني الكثيفة.
المستوى الأول للموسيقى نجده في الطّبيعة، في كلّ أحوالها غاضبةَ وهادئة ، نجده في حفيف الأشجار وزقزقة الأطيار وتغريد البلابل وخرير المياه وقصْف الرّعود ونقيق الضّفادع وعواء الذّئاب الجائعة، نجده في صفير الرّياح في ثقوب القصب بالبراري في أقاصي البلدان حيث لا إِنْسَ ولا شيطان ..ومن هذه الأصوات استمدّ الإنسان موسيقاه وأضاف إليها من وجدانه وعقله مشاعرَ وأحاسيسَ وحساباتٍ دقيقةً للإيقاعات والنغمات عَدًّا و خَفْضًا ورفْعا وتَواترا وسَكْتًا. وكانت لغةً لمن لا لغةَ له كالطّفل الوليد يَطْرَب ويَسْكُن ،يرقص وينام على مناغاة أمّه. وكانت لغةً العالم كلّه ففي مسارح العالم ومهرجاناته يُرْهف عشرات الآلاف أَسْماعهم لموسيقى صاخبة أو هادئة لشعوب متباعدة في كلّ شيء.
فهذا المستوى يستحيل إنكار سماعه لأنه من الطبيعة تلك التي سخرها الله تعالى لننعم بها تأكيدا لاستخلافه لنا في الأرض.ثمّ ألا يقوم ترتيل القرآن الكريم على الإيقاع المنغّم والسّجع الموقّع والمقاطع القصيرة والطّويلة وعلى النّون ذات الغنّة؟
أما المستوى الثّاني للموسيقي الذي هو الغناء فهو ترديد الشّعر وترجيعه بطريقة منغّمة ذات إيقاع موزون. وهذا يصحّ فيه ما يصحّ في الشّعر عامّة. فالقرآن الكريم أقرّ لنا أنّ "الشّعراء يقولون ما لا يفعلون" والنّبي الكريم استحسن شعر زهير بن أبي سلمى وفي مطلعه تشبيبٌ ب"سعاد" وأسْعده شعر حسّان بن ثابت الذي كان يُعرف ب"شاعر النّبي". فليس الشّعر في المطلق محرّما و كذلك تناقله سواء كان بالرّواية أو بالغناء والترجيع.
أمّا ما يقال من أنّ سماع الموسيقى مدعاةُ لارتكاب الآثام فليس كلّ من استمع إلى الغناء سَكَرَ و زَنَىَ وقتل وغَوى بل رأينا من يحرّمها وهو على شغف عظيم بقطع الرؤوس وجزّها .فالموسيقى علاج للمرضى النفسانيين اعتمدها الفارابي وابن سينا والرّازي قديما وفي المصحات العقلية والنفسية في مختلف أصقاع العالم حديثا....وبالموسيقى سار "حادي العيس" يقود قوافل الإبل في الصّحراء مترنّما لا يعرف النّصب ولا التّعب ولا تشعر نُوقُه بطول السّفر كما روّض الهنود الأفاعي النّاهشة السّامة بعزف النّاي وضرب المزمار فحوّلوها من حال قتل النّاس إلى حال الفرجة الممتعة لهم
ونختم بالقول إنّ تحريم الموسيقى ليس من الإسلام في شيء بل هو من الاعتقادات السّابقة عليه التي نقلها أصحاب الدّيانات القديمة وسعوا إلى إدخالها في الإسلام إمّا جهلا غير مقصود أو إفسادا متعمّدا. ومن ذلك أنّ كهنة الفراعنة حرّموا الإيقاعات الرّاقصة والألحان المرحة لأنّهم زعموا أنّها تلهي النّفس عن العبادة وقالوا إن الآلات الصاخبة كآلات النّفخ تفتقر إلى الوقار .وإذا صحّ أنّ القرآن الكريم شفاء للرّوح يغمر النّفس بالطمأنينة عند سماعه "أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ"فإنّ الاستماع إليه لا يجب أن يقترن شرعا بعمل آخر كالمطالعة والمراجعة وغير ذلك لأنّ المسلم مدعوّ إلى الإنصات إلى تلاوته فضلا عن أنّ بعض المقامات و المواضع لا يجوز فيها سماع الذكر الحكيم ولا تلاوته.

عن درس لنا لتلاميذ الباكالوريا ( الثانوية العامّة) شعب علميّة
ضمن محور "الفنّ والأدب" ، مادّة العربيّة
معهد المكناسي / الجمهوريّة التّونسية 02/01/2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س


.. كل يوم - د. أحمد كريمة: انتحال صفة الإفتاء من قبل السلفيين و




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: صيغة تريتب أركان الإسلام منتج بش


.. عشرات المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى




.. فلسطينية: العالم نائم واليهود يرتكبون المجازر في غزة