الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تداعيات الثورة السورية بين فلسفة حقوق الانسان والأخلاق السياسية

سيف الدين علي

2014 / 1 / 10
المجتمع المدني


دلالة حقوق الإنسان وماذا تعني؟
كتب الفيلسوف الفرنسي جون جاك روسو *العقد الاجتماعي* ودافع فيه دفاعاً كبيراً عن الحرية بما هي قيمة القيم وهي الجوهر الإنساني الذي لا يمكن التنازل عنه بأي شكل من الأشكال ومهما كان الثمن فالحرية من جهة أنها مبدأ , تتولد عنها سائر الحقوق الأخرى وهي التي تستدعي القول بالمساواة والكرامة البشرية. ولم تكن الكتابة الفلسفية السياسية هي العامل الوحيد لهذه القيم بل كانت أيضا الكتابات الأدبية وحتى الإنتاجات الفنية حاملة لهذا النزوع نحو الحرية أو التحرر ومنشئة لمفهوم جديد هو مفهوم الذات الإنسانية بما هي ذات فاعلة وإرادية ومؤسسة للسياسة والأخلاق والمعرفة.
إذا كان الأصل في "حقوق الإنسان" أنها تعود إلى الحقوق الطبيعية فإن ملامح المرجعية لحقوق الإنسان كحق طبيعي لم تغب عن الأمم المتحدة التي عرفت حقوق الإنسان : " تعريفا عاما بأنها تلك الحقوق المتأصلة في طبيعتنا، و التي لا يمكن بدونها أن نعيش كبشر."
فتحديد الأمم المتحدة هذا يأخذ في اعتباره أن حقوق الإنسان هي حقوق طبيعية لا يمكن التخلي عنها و هو ما يعني ضرورة الدفاع عن هذه الحقوق و حمايتها من الانتهاكات,وعليها تأسست جملة من الحقوق الأساسية أهمها حق الحرية و المساواة و الملكية، فإن لائحة حقوق الإنسان اليوم تتسع بقدر اتساع انتهاكات حقوق الإنسان ليشملها حقوق فردية و جماعية و غيرها من الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية,.....الخ و القائمة تطول هنا. لكن هل هذا يؤدي إلى التساؤل عن ماهية الطبيعة الملحة لهذه الحقوق المختلفة و هرميتها .
إذا ما اقتنعنا بأن الأسس التي بني عليها صرح حقوق الإنسان هي أسس فلسفية أخلاقية، و تطور الحقوق يتم دائما تحت تأثير دوافع أخلاقية تعطى لها في أبعاد كونية، و أن حقوق الإنسان هي مبادئ في شكل صيغ تعبر عن حاجات بشرية تلتف كلها حول موضوع الكرامة، و أنها صوت الضمير الأخلاقي الإنساني يمكن أن يحصن هذه الحقوق من التلاشي و الضياع , وبأن الكائن البشري غاية في حد ذاته، يتمتع بالعقل و الإرادة و الحرية و يملك قابلية للتحسن و له ضمير أخلاقي و قادر على القيام بالواجب، و تحمل المسؤولية هي أطروحات توجد في صلب الفلسفة الأخلاقية. فإلى أي حد نستطيع القول أن عندما تكون أسس حقوق الإنسان أسس أخلاقية، هل هذا يمنعها عن الانحراف و الانزياح؟ أو من يكون إنسان حقوق الإنسان أومن تكون دولة ,دولة أخلاق سياسية ؟

يبدو الإجابة عن هذا السؤال أمر محرج، إذ رغم أن حقوق الإنسان أصبحت تمثل من مسلمات الفكر الأخلاقي المعاصر، و رغم الطبيعة الكونية لهذه الحقوق فإنها تبدو و كأنها حقوق الإنسان الغربي لأنها نشأت في الغرب من جهة و لأن عمليا لا نجد حماية حقيقية من الاستبداد و الظلم و القهر و الاحتقار إلا في الغرب المتقدم . إلى حد كبير بالنسبة لمواطنيها والقليل بالنسبة للمغتربين المواطنين ,أما على الصعيد الدولي تسخّر حتى الشيطان ,ضارية كل القوانيين والحقوق والنصوص الدولية عرض الحائط لتحقيق أهدافها.
لو نظرنا في إحصاءات الأمراض العقلية لمعظم الدول المتقدمة هناك أكثر من 33 % من أسرة المشافي يشغلها المرضى باضطرابات نفسية، وتفيد الدراسات والإحصاءات أن 12 % من الناس تدخل المشافي النفسية، لأسباب نفسية في مرحلة ما من حياتهم في معظم دول العالم المتقدم . وعلى سبيل المثال أورد المعهد العالي للصحة العقلية أن 20 % ممن هم فوق 18 سنة في الولايات المتحدة الأمريكية يعانون من اضطراب عقلي يمكن تشخيصه، وأقل من 25 % منهم يطلب المساعدة الطبية والنفسية، ونَشَرَ في تقرير له عام 2006 أن الأمراض العقلية في أمريكا تؤدي إلى خسائر اقتصادية تقدر بحوالي 30 مليار --$-- وتقدر الخسائر الاقتصادية الناتجة عن سوء استعمال الأدوية بحوالي 31.6 مليار --$--.
فكيف يمكن للمرء أن ينظرإلى هذه الأرقام التي تبدو للوهلة الأولى أنها فلكية.ناهيك عن تحكم الدول الصناعية الثماني في سبل العيش لكل فرد في مجتمعاتهم ومجتمعات شعوب الكرة الأرضية وتصدير الأزمات والحروب .

هذا ما يبعث الشك في تطبيق حقوق الإنسان حتى في مستوى الغرب الذي رعى هذه الحقوق و ساهم في نشأته!.

و هو ما يتجلى في ما يسمى بالاغتراب السياسي : "أن الاغتراب السياسي هو مكون للوجود الإنساني.

و إذا كانت حقوق الإنسان هو شكل من أشكال الوجود السياسي فإنها تشهد هذا الوضع المغترب.
فإلى أين تتجه حقوق الإنسان؟

أن ثورات الربيع العربي وتداعياتها المتلاحقة وما بعدها , برهنت على إفلاس المثال الأعلى الذي تجسده حقوق الإنسان، المندمجة في الواقع بحقوق المواطنين. لقد كان كل من جرد من مواطنته، يرى نفسه محروما من حق امتلاك الحقوق و انهار مفهوم حقوق الإنسان، القائم على الوجود المعترف به لكائن بشري بصفته تلك، منذ اللحظة التي جابه فيها الثوارالسلميون بصدورهم العارية الاستبداد والظلم والعبودية أمام صمت العالم وتدخلهم واستغلال ضحاياالثورة لأجل مصالحهم .
لا شك أن واقع حقوق الإنسان على ضوء اختبارها على الصعيد العملي لم ترتقي إلى مستوى طموح الإنسان في الحفاظ على كرامته و حقوقه السياسية و المدنية ذلك أن الواقع السياسي للإنسان يكشف عن انتهاكات غريبة و متكررة لهذه الحقوق.
في الواقع تدخلت كل الدول الاقليمية والدولية بمخابراتها وامكاناتها الاقتصادية والعسكرية لجر الثورات الربيع العربي عن مسارها الصحيح والواقعي ,وبشكل مدروس وتخطيط مسبق(بشكل خاص في الثورة السورية ).
باعتراف الأمم المتحدةوهيومن رايتس ووتش ومعظم المنظمات الدولية إن النظام الاستبداد في سورية قام بسلسلة انتهاكات ضد المحتجين المناوئين ,ما ليضعها في خانة الجرائم ضد الانسانية /130 ألف قتيل و194 ألف معتقل و70 ألف مفقود ونزوح الداخلي 3 ملايين وتشريد ونزوح 5.8 مليون خارج الوطن ,وصرًح الأمين العام للأمم المتحدة :كم مرة وكم طريقة ندين الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب السوري من قبل النظام واسخدام أسلحة الدمار الشامل بما فيها الأسلحة الكيماوية .هذا كله أمام صمت العالم المتقدم الموافق ضمناً على استمرار الوضع الحالي حتى تحقيق أهدافهم على حساب دماء السوريين وتدمير سورية ,أنه لمن المؤسف لا تستطيع شعوب العالم أن تنقذ روحا سورية واحدة من هذا الوحش الأعمى .
ماذا يعني هذا ؟ ألا يبدو كأنه اعطاء الضوء الأخضر لأي دكتاتورباستخدم السلاح الكيماوي ضد شعبه ,بل يبدوكأعطاء الشرعية له ’و نسف كثير من النصوص القانونية الدولية من قبل الدول المتقدمة ,وحل مشاكلها التي دامت 34 عاماً مع ايران بكل وقاحة وعهر سياسي ووأد آخر ذرة من الاخلاقية على حساب دماء من نادوا بالحرية والكرامةو كأن حقوق الإنسان هي مجرد مثال أخلاقي لا غير بقى في مستوى النوايا الحسنة، فهل وقعنا إذن في المحظور؟ بمعنى هل أن البحث عن أسس أخلاقية لحقوق الإنسان من أجل ضمان عدم انحرافها و تحريفها أوقعنا في سياق مناقض و هو أن التأسيس الأخلاقي يجعلها تبقى في مستوى ما يجب أن يكون و هي لم تكن بعد؟ هل معنى هذا يجب التخلي عن مثال حقوق الإنسان؟

لا بد إذن أن نعترف أن حقوق الإنسان هي مكسب انساني مهم لا يجوز التخلي عنه بدعوى أنه لم يحقق و لن يتحقق و إنما يجب العمل من خلال الإنسانية على الاستماتة في الدفاع عن هذا الحق، مهما كلفنا الأمر من جهد.

فهل يمكن للإنسانية أن تراهن على انتصار ثقافة حقوق الإنسان؟
وجهة نظر من واقع الثورة السورية :
إن ما حققته البشرية من تقدم ,في مجال حقوق الانسان هو مكسب انساني ,بلا شك .
لكن الواقع العملي والمعيشي ,وانتشار المرض والفقر والظلم الاجتماعي ,وغياب العدالة , وضرب ثورات الحرية والكرامة السلمية لغايات وأهداف سياسية ,يستدعي دراسة توفير مستلزمات دفع عملية التغير المجتمعي نحو وجوب حقوق الانسان في الوجود الكوني,بمعنى آخر ,التخلي عن رفع كل النصوص وما يخص حقوق الانسان والمواثيق الدولية في الامم المتحدة ,كشعارات أو ككرت أصفر في وجه لاعب .أنها مهزلة واحتقار الانسان بل قتله بدم بارد .
ماذا نفعل ليكون الكرت أحمراً ,ترفعه الشعوب الحرة في وجه أي دكتاتور وأي انتهاك لحقوق الانسان في العالم .
اقتراح :
• خلق عمليات ابداعية في النضال السلمي والمدني /تفعيل دور مراكز البحوث,تأهيل كوادر علمية ,لرصد الظواهر الاجتماعية المؤثرة في الحياة العامة والخاصة للمجتمع,وبيان قاعدة البيانات لكل ظاهرة
• تشكيل قواعد شعبية طوعية لكافة المنظمات الحقوقية والمدنية ليس لرصد الانتهاكات فقط وإنما للضغط على الحكومات / التلاحم والتشابك مع النقابات في الحياة العملية والمنظمات الغير حكومية بكل اشكالها بما فيها المنظمات الخيرية /
• المشاركة الفعالة للشباب في مراكز القرار لرسم الخطط والسياسات في التنمية البشرية (التنمية المستديمة )للدولة لدفعها وتفعيلها في كافة الميادين نحو التغير المجتمعي لتحقيق العدالة الاجتماعية .
• العمل على تغير عملية التصويت في كافة مؤسسات الدولية (خاصة استخدام الفيتو من قبل الدول العظمى مما يعطل سير العدالة في كثير من القرارات الدولية )بشكل يضمن مصالح كل الشعوب بشكل متكافئ ومتضامن .







 -;---;--
،










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بسبب خلاف ضريبي.. مساعدات الأمم المتحدة عالقة في جنوب السودا


.. نعمت شفيق.. رئيسة جامعة كولومبيا التي أبلغت الشرطة لاعتقال د




.. في قضية ترحيل النازحين السوريين... لبنان ليس طرفًا في اتفاقي


.. اعتقال مناهضين لحرب إسرائيل على غزة بجامعة جنوب كاليفورنيا




.. بينهم نتنياهو.. مذكرات اعتقال دولية بحق قادة إسرائيل بسبب حر