الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قناة الجزيرة وحقوق الإنسان فى قطر

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2014 / 1 / 10
حقوق الانسان


لا شك أننا انبهرنا بقناة الجزيرة التى تأسست فى نوفمبر 1996 بعد اختفاء إذاعة البى بى سى العربية وتوجسنا خيرا بهذه القناة التى تتطلع لإشباع رغبة الشعوب العربية فى المعرفة والتعبير عن آمالها وطموحاتها. فهذه القناة وقفت إلى جانب الشعوب فى دول الربيع العربى وظلت تبث علينا مظاهرات هذه الشعوب حتى رحل حكامها إلى غير رجعة. لقد ساندت القناة الثورة المصرية فى 25 يناير حتى قرر مبارك التنحى عن الرئاسة ورحل إلى شرم الشيخ فى 11 فبراير 2011م. ورغم أن الكثير من مسئولى حكومات بعد الثورة فى مصر كانوا يتوجسون من مواقف هذه القناة إلا أن الشعب المصرى لم يتشكك فى مساندة وحيادية القناة التى اكتسبت شهرة واسعة فى فترة وجيزة لدرجة أن الجماهير كانت تستنجد بالجزيرة قائلة: "الجزيرة فين....؟". لم يكن الشعب المصرى يعلم أن هذه القناة القطرية تفعل كل ذلك لتمكين الإخوان المسلمين الذين فرضوا سيطرتهم على زمام الثورة ونجحوا فى إقصاء كل القوى إلى شاركت فى تفجيرها غير أن الشعب قام بثورة أخرى يوم 30 يونيو لتصحيح المسار. لعل موقف قناة الجزيرة المعادى لثورة 30 يونيو يعكس الموقف القطرى الذى يعتبرها انقلابا على "الشرعية". والدليل على التجانس بين موقف القناة والدولة القطرية هو أن قطر باتت الملاذ الآمن لكل الفارين من مصر من أمثال عاصم عبد الماجد وآخرين من المنتمين إلى تنظيم الإخوان حيث وجدوا كل سبل الراحة وقدمت لهم قطر التسهيلات اللازمة للحصول على الجنسية القطرية. الأسئلة التى تسنح فى الذهن هى: هل قناة الجزيرة تكشف النقاب عن انتهاكات حقوق الإنسان فى جميع الدول بما فى ذلك قطر؟

المثير للدهشة أن قناة الجزيرة تقدم لنا مثالب جميع الدول عدا قطر، كأن قطر دولة مثالية حكامها حكماء لا يأتى الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم. فهل فعلا قطر خالية من العيوب؟ تشير التقارير الدولية أن هذه الدويلة تعج بالمشكلات الاجتماعية المختلفة التى لا يلتفت إليها الإعلام القطرى. وفقا لتقرير هيومن رايتس ووتش2013م فإن قطر إلتى يقطنها 95و1 مليون نسمة— أكثر من 80% منهم وافدون للعمل—تعانى من ثلاث مشكلات رئيسية هى نظام "الكفيل" والسخرة والاتجار بالبشر حيث يتعرض مئات الآلاف من العمال الأسيويين للاستغلال البغيض ولسوء المعاملة. وقد جاء هذا التقرير متفقا مع تقرير الخارجية الأمريكية الذى يشير إلى أن هؤلاء العمال يتعرضون للسخرة والدعارة وللضرب ولتقييد الحركة والاعتقال العشوائى. أما تقرير منظمة العفو الدولية فى 2013 فيوضح أن قطر تعتمد على العمال الأجانب فى استكمال المنشآت الرياضية استعدادا لكأس العالم 2022م غير أنها تترك هؤلاء العمال جوعى حيث لا يلقون سوى معاملة المواشى ووفقا لجريدة الجارديان البريطانية فإن العشرات من العمال النيباليين لقوا حتفهم بعد أسابيع قليلة فى سبتمبر 2013م. ما يثير الدهشة أن قناة الجزيرة تغض الطرف عن كل هذه المخالفات التى تحدث فى قطر.

ورغم أن قطر تتشدق بأنها تحترم حقوق الإنسان إلا أن الممارسات على أرض الواقع تؤكد عكس ذلك. فقطر تفرض قيودا شديدة على حرية التعبير لدرجة أن الإعلام المحلى بات يمارس الرقابة الذاتية. وقد قامت الحكومة مؤخرا بإعداد قانون جديد بموجبه يحظر على أية وسيلة إعلامية فى قطر أن تنتقد سياسات دول مجلس التعاون الخليجى. ووفقا للمادة 53 من مشروع هذا القانون فإن نشر أية مادة إعلامية تؤدى إلى توتر العلاقات مع الدول العربية الصديقة يكون عقوبته غرامة تصل إلى مليون ريال قطرى (أكثر من ربع مليون دولار) ويحظر القانون أيضا أي موضوعات مهينة للأسرة المالكة أو تهدد مصالح الدولة. وهذا يفسر لماذا لا تستطيع قناة الجزيرة التى تبث برامجها باللغتين العربية والانجليزية أن توجه انتقادات لما يحدث فى قطر.

هنالك ثمة دليل آخر على أن هذه الدولة لا تحترم أبسط حقوق الإنسان. فالشاعر القطرى محمد ابن الذيب العجمى تعرض للاعتقال فى نوفمبر 2011م بعد أن ألقى قصيدة عنوانها "كلنا تونس..ثورة الياسمين" حيث اعتبرتها الحكومة تجاوزا فى حق الأمير الشيخ حمد بن خليفة. ورغم أن المادة التى تتعلق بإهانة أمير البلاد (المادة 134 من قانون العقوبات) تشير إلى أن العقوبة هى السجن لمدة خمس سنوات إلا أن الشاعر تعرض للمحاكمة وفقا للمادة 130 الخاصة بقلب نظام الحكم والتى تصل عقوبتها إلى الإعدام. لقد أصدرت محكمة التمييز القطرية حكما بالسجن على الشاعر لمدة 15 عاما. وقد أصبح الحكم نهائيا بعد أن أيدته المحكمة العليا القطرية. ورغم أن القصيدة المكتوبة بالعامية تتكون من 36 بيتا وتتعرض لثورات الربيع العربى وخاصة الثورة التونسية إلا أن أبياتا قليلة وردت فى ثنايا القصيدة اعتبرتها المحكمة إهانة للأمير. ما يدعو للدهشة أن النقد الموجه من خلال هذه الأبيات ينطبق على معظم البلدان العربية غير أن الحكومة القطرية اعتبرت البيتين التاليين إهانة مباشرة للنظام القطرى:

كلنا تونس بوجـه النخبة القمعية
الحكومات العربية ومـن يحكمهـا
كلهـم بلا استثنـاء حراميـة

ولعل البيتين التاليين اعتبرتهما الحكومة القطرية أيضا إسقاطا على توجهها السياسى الذى يعتمد على الحماية الأمريكية:

آه عقبال البلاد اللي جهـل حاكمهـا
يحسب أن العزّ بالقـوات الأمريكيـة
وقد أعرب فيليب لوثر مدير منظمة العفو الدولية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا عن غضبه من هذا الحكم الجائر قائلا: إن إصدار حكم بسجن مطول على شخص بسبب قصيدة شعر يعد انتهاكا صارخا لحق التعبير واعتبرت المنظمة محمد الذيب من سجناء الضمير وطالبت بالإفراج الفورى عنه. لم نعد نندهش لماذا صمتت قناة الجزيرة ولم تدافع عن حقوق شاعر بسيط كتب عدة كلمات عبر فيها عن رفضه للوجود الأمريكى فى بلاده.

ورغم أن الكثير من العاملين بقناة الجزيرة تقدموا باستقالاتهم احتجاجا على ممارساتها وعلى عدم التزامها بضوابط العمل الإعلامى إلا أن القناة لم تغير من سياساتها التى ساهمت فى تقلص أعداد مشاهديها. يجب أن تتوقف هذه القناة عن الحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان فى أية دولة حتى تقدم لنا تقريرا واقيا أو مختصرا عن حقوق الإنسان القطرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بسبب خلاف ضريبي.. مساعدات الأمم المتحدة عالقة في جنوب السودا


.. نعمت شفيق.. رئيسة جامعة كولومبيا التي أبلغت الشرطة لاعتقال د




.. في قضية ترحيل النازحين السوريين... لبنان ليس طرفًا في اتفاقي


.. اعتقال مناهضين لحرب إسرائيل على غزة بجامعة جنوب كاليفورنيا




.. بينهم نتنياهو.. مذكرات اعتقال دولية بحق قادة إسرائيل بسبب حر