الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعصب الطائفي صنو التعصب القومي (2)

سهر العامري

2014 / 1 / 11
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


التعصب الطائفي صنو التعصب القومي (2) سهر العامري
في رحلة الاغتراب هذه شاهدت عن كثب ثلاثة من مسؤولي حزب الدعوة خلال مكوثي في ضاحية السيدة زينب من دمشق العاصمة ، وعلى فترات متقطعة بدءً من العام 1981م وحتى العام 2001 م ، وكان المسؤول الأول من بين هؤلاء الثلاثة شخص يدعى أبو نبوغ ، وقد كان هذا الشخص أكثر حركة ونشاطا من الآخرين ، ولكنني رأيته ذات صباح يقوم بعمل مشين يبعده عن كل ادعاء بالوطنية .
والشخص الثاني كان قد نزل دمشق قادما من طهران ، وكان يريد اللجوء في بريطانيا مثلما تأكد لي ذلك فيما بعد ، وهذا الشخص هو ابراهيم الإشيقر* ، مثلما سماه لي صديق كان على قرب من منظمة العمل الإسلامي ، وكان هذا الرجل يحضر تجمعات العراقيين في باحة مقام السيدة زينب ، وهو المكان الذي رأيته به ، ويبدو أن خروجه من إيران حدث بعد أن شكلت السلطات الإيرانية في السنوات الأولى من ثمانينيات القرن المنصرم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق ، وقد انيطت مسؤولية قيادته للسيد محمد باقر الحكيم ، ويبدو أن تشكيل هيكلية المجلس المذكور بالطريقة التي أرادها الإيرانيون كانت سببا من الاسباب التي أدت الى انشطار حزب الدعوة الى أكثر من شطر ، مثلما دفعت بالسيد الإشيقر الى طلب اللجوء في بريطانيا بعد أن صار يقود أحد أشطر الحزب المذكور .
حين وضعت الحرب بين ايران والعراق أوزارها أصيبت الحركة الدينية الشيعية بخيبة أمل كبيرة ، فقد شعرت أن الإيرانيين قد تخلوا عنها ، وهم الذين أقسموا لها بأغلظ الايمان من أنهم لا يوقفون الحرب حتى اسقاط نظام صدام ، ولكن ذلك الهدف لم يتحقق ، وصار ياسر بن هاشمي رفسنجاني فيما بعد يهرب النفط العراقي لصالح عدي بن صدام حسين حين كان العراق يئن تحت حصار قاتل ، هذا في الوقت الذي عادت فيه العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الى سابق عهدها ، ثم جاء الاعلان الصريح للحكومة الإيرانية بعدم رغبتها في بقاء العراقيين المعارضين على أراضيها، وذلك حين صرح نائب رئيس الجمهورية الإيرانية ، حسن حبيبي وقتها قائلا : إن العراقيين في إيران ضيوف غير مرحب بهم !!
بعد هذه الخيبة المريرة شد الكثير من أتباع الاحزاب الدينية الشيعية في العراق الرحال الى دول أخرى ، وصار الكثير منهم يطلب اللجوء في بلدان أوربا وأستراليا ، وهي بلدان كفر مثلما كانوا يسمونها ، تفرد عن هؤلاء نفرد من حزب الدعوة كان بينهم نوري المالكي شدوا رحالهم من الأهواز ، تلك المدينة التي أجبر على العيش فيها من قبل السلطات الإيرانية ، الى كردستان العراق ، ونزول أربيل منها بضيافة أكرادها ، وحين نشبت الحرب بين جزب الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال الطلباني الذي قيل أنه استعان بقوات ولي الفقيه ، علي خامنئي ، وبين الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود برزاني الذي استعان بقوات صدام حسين ، تلك القوات التي اجتاحت أربيل خلال ساعات معدودة في صبيحة 31 اب 1996 م ، لتزيح عنها قوات جلال التي احتلتها من قبل نحو مدينة السليمانية ، فما كان من رجال المعارضة العراقية من العرب إلا الفرار الى أعالي الجبال ، أو التوجه نحو الأراضي السورية ، وكان من بين هؤلاء الفارين نوري المالكي الذي صرت أشاهده في ضاحية السيدة زينب بعد أن صار هو مسؤولا عن إدارة شؤون مكتب حزب الدعوة الكائن في المنطقة الصناعية من دمشق العاصمة ، ذلك المكتب الذي زرته مرة للقاء صديق يعمل فيه لكن من دون أن ألقي التحية على المالكي نفسه .
لقد تيقنت من خلال مشاهداتي للمالكي أنه رجل كان منطويا على نفسه ، يحب العزلة ، لم أره يكلم أحدا ، ولا أحد يكلمه ، يسير وحده في الطريق ، وهو لابس دشداشة ( ثوب ) وينتعل نعالا جلديا ، وإذا ما دخل مقام السيدة زينب للصلاة يصلي وحده ، ثم يعود من حيث أتى دون أن يتحدث مع العراقيين الذين كانوا يقفون عادة في باحة المقام المذكور ، فهو والحال هذه رجل غير اجتماعي ، وأنا واثق من أن المالكي لو عرض على طبيب نفسي لما خرج وصف تقريره كثيرا عن الحال التي عليها شخصية المالكي الانطوائية ، والتي أشرت إليها من قبل ، وأكثر الظن أن سبب هذه الانطوائية هو فطري ، وليس بسبب ظروف العمل الحزبي السري ، أو الخوف من المجهول الذي يطارد السياسيين عادة ، وهذا ما جعل من المالكي رجلا مجهولا لجل المعارضين العراقيين ، فضلا عن عامة الناس ، حتى أن السيد أياد علاوي قال مرة إنه لم يكن على معرفة بالسيد المالكي زمن معارضتنا لنظام صدام . ومن هنا يمكنني أن أضع السؤال التالي : هل باستطاعة أمريكا أو إيران أو غيرهما من الدول أن تسوّق شخصا كالمالكي في سوق السياسة الدولية ؟ هذا سؤال سأجيب عليه بعدما أمر على أهم العوامل التي ساعدت صدام على حكم العراق حكما مطلقا.
يقول يفغيني بريماكوف الذي شغل منصب وزير الخارجية الروسي في اعوام 1996- 1998م ثم رئيس وزراء روسيا الاتحادية نهاية عام 1998م : "نحن أي السوفيت وأمريكا من صنع صدام" عبارة بريماكوف هذه على قدر كبير من الصحة ، فصدام ، رغم معرفة الشارع العراقي والعربي به بسبب من مشاركته في عملية اطلاق الرصاص على الزعيم عبد الكريم قاسم ، ومن ثم هروبه الى سورية فمصر أيام عبد الناصر ، لكنه لم يكن على قدر كبير من التعليم ، كما أنه لم يخض تجربة عمل حكومي أو مهني ، ورغم ذلك صار نائبا لرئيس الجمهورية في العراق وهو مازال طالبا في السنة الأخيرة من دراسته بكلية الحقوق من جامعة بغداد ، وقد شاهدته أنا هو وناظم كزار** قبل أشهر من تسنمه ذلك المنصب في كلية التربية التي كنت أدرس فيها ، وكانا هما يأملان من زيارتهما هذه الانضمام للجبهة الطلابية التي تشكلت على إثر الإضراب العام الذي بدأه طلاب تلك الكلية ، ثم شمل جميع كليات جامعة بغداد ، وذلك احتجاجا على إلغاء نتائج الانتخابات من قبل حكومة عارف ، تلك الانتخابات التي فاز بها الاتحاد العام لطلبة العراق فوزا ساحقا.
رفضت القيادة الطلابية انضمام صدام حسين للجبهة الطلابية بصفته ممثلا عن حزب البعث ، وذلك بسبب من أن تلك الجبهة كانت تضم يسار البعث " جماعة سورية " بالإضافة الى الحركة الإشتراكية العربية ، هذا بالإضافة الى الحزب الشيوعي العراقي الذي كان يتصدى لقيادة تلك الجبهة ، وقد أخبر صدام وقتها من قبل ممثلي الجبهة الطلابية بأنه لا يمكنها قبوله بصفته ممثلا لحزب البعث ، فحزب البعث ممثل بيساره فيها ، بينما كان صدام يمثل يمين البعث وقت أن كان ذلك الحزب منقسما على نفسه الى يمين ويسار ، ولكن لم تمر أشهر على ذلك ، وإذا بصدام يصبح نائبا لرئيس الجمهورية ، أحمد حسن البكر بعيد انقلاب 17 تموز عام 1968م ، ومع ذلك استطاع صدام وبسرعة أن يظهر للعالم بانه رجل مناضل وثوري ، وراح يتشبه بالقيادات الثورية في العالم ، ويدخن السيجار الكوبي ، ثم توجه صوب المعسكر الاشتراكي خاصة الإتحاد السوفيتي منه ، فالتقى عام 1969م بيفغيني بريماكوف الذي كان يعمل في صحيفة "برافدا" السوفيتية مراقبا سياسيا في قسم آسيا وإفريقيا، وكان بريماكوف على علاقة بالملا مصطفى البرزاني ، حيث كان يسعى بطلب من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي الى دفع أكراد العراق للتقارب مع الحكومة الجديدة في بغداد ، والتي فوضت صدام حسين نيابة عنها ليقود الجانب الحكومي في المفاوضات بينها وبين أكراد العراق ، تلك المفاوضات التي أفضت الى بيان آذار عام 1970م وهو البيان الذي تمخض عنه الحكم الذاتي لأكراد العراق .
لكن بريماكوف ينسى أن أكبر من سوّق صدام حسين على المسرح الدولي في بادئ الأمر، وبصورة غير مباشرة ، هو الحزب الشيوعي العراقي الذي خاض مع حزب البعث بقيادة أحمد حسن البكر مفاوضات شاقة وصعبة وسرية استمرت على مدى سنوات ، ومنذ أن طرح عليه حزب البعث فكرة تحضيرهم للقيام بانقلاب عسكري على حكومة عبد الرحمن عارف ، تلك الفكرة التي أبلغها أحمد حسن البكر نفسه ، وفي داره ، لممثل الحزب الشيوعي ، الدكتور مكرم جمال الطالباني ، ولكن الحزب لم يرد عليه وقتها لا سلبا ولا ايجابا ، وذلك لوجود قرار متخذ من قبل اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي بعدم التعاون مع حزب البعث بسبب من المجازر الدموية التي ارتكبها البعثيون بحق الشيوعيين والوطنيين العراقيين غب انقلابهم الاسود في 8 شباط عام 1963م ، وعلى هذا لم يعط ِ الحزب موافقة على القيام بانقلاب 17 تموز عام 1968م ، وهو الانقلاب الذي حمل حزب البعث الى الحكم في العراق ثانية ، وإن ما ذكره السيد صلاح عمر العلي في مقابلة أجرتها معه قناة العربية من أن الحزب الشيوعي ، اللجنة المركزية ، قد أعطى الموافقة تلك ليس له أساس من الصحة أبدا ، وسآتي على هذا فيما بعد .
في صباح اليوم الخامس من حزيران سنة 1968م خرجت أنا مع نفر من طلاب كلية التربية الكائنة في باب المعظم ، كان عددنا لا يزيد عن اربعة عشر طالبا ، ونحمل لافتات كتبت عليها شعارات في قسم علوم الحياة من الكلية المذكورة ، وكنا متوجهين بها الى طرف شارع الرشيد عند لقائه بساحة الميدان ، وذلك من أجل المشاركة في التظاهرة التي دعا لها الحزب الشيوعي في الذكرى الثانية لنكسة حزيران التي خسر بها العرب الحرب مع اسرائيل في الخامس من حزيران سنة 1967م .
وقفنا على الرصيف لدقائق بعد وصولنا ، وإذا بأحد الشيوعيين ينزل الى وسط الشارع ، وهو يصفق بكلتا يديه بقوة ، هاتفا : " فيتنام وفلسطين مقبرة للغادرين !" بادرنا نحن بنشر اللافتات أمام جموع المتظاهرين الذين صاروا يتدفقون من رصيفي الشارع المذكور ، ثم سارت التظاهرة الضخمة باتجاه الباب الشرقي ، وبعد وقت قليل تبعتنا تظاهرة أخرى سار فيها الناصريون والقوميون الآخرون ، وفي مساء ذلك اليوم فوجئنا بتظاهرة قادمة من باب المعظم يتصدرها أحمد حسن البكر ، وصدام حسين وآخرون من يمين البعث ، وقد مرت تلك التظاهرة بشارع الرشيد دون أن تهاجمها الشرطة ، مثلما هاجمت تظاهرتنا ، ومنعتنا من الوصول الى ساحة التحرير في الباب الشرقي ، بينما سمحت لمظاهرة حزب البعث في الوصول الى تلك الساحة التي ارتقى فيها احمد حسن البكر منصة الخطابة ليلقي فيها كلمة نقلتها الإذاعة العراقية ، وكأنه هو رئيس الجمهورية ، وليس عبد الرحمن عارف.
::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
* إبراهيم الإشيقر : من أسرة كربلائية تمت الى أصول باكستانية ، والإشيقر هي تصغير لكلمة الأشقر وقد جاءت هذه التسمية بسبب من أن شعر الكثير من أفراد هذه الأسرة يميل الى الشقرة ، وقد لقب إبراهيم نفسه بالجعفري بعد سقوط صدام حسين مثل غيره ممن يحكمون في العراق الآن والذين حملوا ألقابا عربية مع أنهم يمتون في اصولهم الى القومية الفارسية ، حتى أن البعض منهم طالب أن يعترف لهم بقوميتهم التي لا تشكل حتى أقل من واحد بالمئة من نسبة القوميات الأخرى ، ولكنهم تسنموا مناصب في الحكومة والبرلمان بحصة تفوق في نسبتها نسبة جميع المكونات العراقية الأخرى .
** كان ناظم كزار طالبا في معهد الهندسة التطبيقية ، وأصبح مديرا للأمن العام في العراق بعد انقلاب 17 تموز مباشرة ، وهو من عتاة مجرمي حزب البعث ، كان يعذب الشيوعيين وغيرهم من الوطنيين بيده في قصر النهاية ، وسبق له أن تفنن في قتل الشيوعيين ، فقد كتب حسن العلوي أن ناظم كزار وضع أحد الشيوعيين في تابوت بعد انقلاب البعثيين الاسود عام 1963 ثم قام بنشر التابوت بمنشار من وسطة وبمن فيه ، كما أنه هو الذي قتل زميلي خالد الأمين من أهل مدينة الناصرية ، ونفسه هو من عذب صديقي باهر عبد الكريم الخزاعي من أهل مدينة الديوانية بيده ، وقد رأيت أنا أثار التعذيب بينة على جسده ، ولكنه لازال على قيد الحياة ، وكنت سأكون أنا أحد ضحاياه بعد أن حملت برقية صادرة منه أمرا موجها الى مدير أمن الناصرية بوجوب اعتقالي ، وحملي الى بغداد ، ولكن المرحوم صالح فنجان مسؤول منظمة حزب البعث في مدينة الفهود منع تنفيذ ذاك الأمر لوجود أمر سابق لديهم ، صادر من رئيس الجمهورية، أحمد حسن البكر ، يحرم فيه اعتقال أي شيوعي عراقي، ولأي سبب كان ، وذلك لأن الحزب الشيوعي كان السبب في احباط مؤامرة المجرم عبد الغني الراوي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس وزراء بريطانيا يعلن عن أكبر حزمة مساعدات عسكرية لأوكران


.. متظاهرون يحتشدون أمام جامعة نيويورك دعما لاعتصام طلابي يتضام




.. الجناح العسكري لحركة حماس يواصل التصعيد ضد الأردن


.. وزير الدفاع الروسي يتوعد بضرب إمدادات الأسلحة الغربية في أوك




.. انتشال جثث 35 شهيدا من المقبرة الجماعية بمستشفى ناصر في خان