الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الديمقراطية الإسلامية في إيران

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2014 / 1 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


كان فيما مضى في الريف المصري آلة تعرف باسم ’الساقية‘ مهمتها الأساسية أن تقوم برفع المياه من الترع العمومية إلى قنوات الري الخاصة لكي تصب المياه في حقول الفلاحين وتروي الزرع في نهاية المطاف. لكي تدور الساقية، كان لا بد من حيوان- جاموسة أو بقرة أو حصان أو حمار- توضع على عينيه ’غمامة‘ ويلف حول عنقه حبل مثبت بطرف رافدة خشبية موضوعه فوق العنق متصلة من الطرف الآخر بعامود تروس تشغيل الساقية ومن الخلف برافدة خشبية أخرى تخرج من نفس العامود ومربوطة بالأولى بحبل خارجي، ما يجعل الحيوان عالقاً داخل الحبل بين الرافدتين، يحمل الأولى فوق رقبته ويجر الثانية معاً مع كل خطوة ولا يستطيع الفكاك من مداره الدائري.

’تعليق‘ الساقية كان يجري على مدار الساعة، ليلاً ونهاراً. وطوال المدة التي تدور خلالها ساقية الري، كان يتعين على الفلاح اليقظ أن يتحقق بنفسه بين لحظة وأخرى إذا ما كانت المياه لا تزال جارية أسفل الساقية، أم أنها قد نضبت والساقية تدور ’في الفاضي‘. في النهاية، هو والحيوان قد تحملا كل هذا العناء لأجل ’ري الحقل‘ بالمياه العذبة وليس لمجرد ’تدوير‘ الساقية لغرض الدوران في ذاته. علاوة على ذلك، أحياناً كان الفلاح يجد نفسه عالقاً هو الآخر في إشكالية كبيرة ولابد من قرار، وذلك حين يكون منسوب المياه أسفل الساقية لا هو مرتفع بما يكفي ولا منخفض إلى حد النضوب؛ المياه موجودة فعلاً لكن بشح، والساقية تدور وتخرج مياه لكن قليلة، التي بفعل حجم التسريب المحتوم بطول القناة وصولاً إلى رأس الحقل قد لا تساوي عناء استخراجها بالأساس. هنا يصبح القرار واجباً، وفي الغالب الأعم كان الفلاح يوقف الساقية ويحل الحيوان ليستريح من هذا العناء بلا طائل.

عقب الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، تأسس نظاماً سياسياً فريداً من نوعه أسماه مؤسسوه ’الديمقراطية الإسلامية‘- هجين من الآلية الديمقراطية العلمانية في الشكل والشمولية الدينية التقليدية في المضمون، أو، بتعبير آخر، ما يمكن تسميته ’الديمقراطية الشمولية‘. وقد لاقت هذه البدعة الإيرانية رواجاً واسعاً وسط القواعد والنخب ذات الميول والتوجهات الدينية الإسلامية عبر الدول العربية. هذا الافتتان بالديمقراطية الإسلامية الإيرانية قد جسدته، على سبيل المثال لا الحصر، شخصيتان مصريتان بارزتان في عالم الفكر وصناعة الرأي العام: فهمي هويدي وسليم العوا. كلما تحدثت إلى أي من منتسبي هذه القواعد أو النخب لا تشك لحظة في إعجابهم بالنموذج الإيراني في الديمقراطية وسرعان ما يداهمك بالاستفهام: ألم ترى نزاهة وشفافية الانتخابات البرلمانية الإيرانية، أليست إيران هي الدولة الوحيدة التي بها تداول سلمي على السلطة عبر صناديق الاقتراع، وهل وجدت رؤساء يصعدون إلى سدة الحكم وينزلون عنها عبر الانتخابات إلا في إيران؟!

علاوة على ذلك، قد بلغ الاعجاب بالنموذج الإيراني في الديمقراطية الإسلامية إلى حد الشروع في استزراعه بالفعل في التربة المصرية خلال السنة الوحيدة التي قضاها الإخوان المسلمون وأعوانهم من فصيل الإسلام السياسي في الحكم، عبر تبني آلية الانتخابات الحرة وائتمان الولاية العامة على مجمل النظام بين يدي فئة ضيقة من ’أهل الحل والعقد‘ ممثلة في هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، التي خولها الدستور الإخواني مرجعية الفصل في كافة الأمور ذات الصلة بالشريعة الإسلامية. في محاكاة جلية لتجربة الديمقراطية الإسلامية في إيران التي تضع المرجعية العليا للنظام في يد ’ولاية الفقيه‘ ممثلة في منصب المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، بموجب دستور 2012 المعطل قد حاول الإخوان المسلمون وحلفائهم أيضاً تسكين ’ولاية الفقهاء‘ الممثلين في هيئة كبار العلماء كمرجع أعلى للنظام كله، حكمهم نافذ حتى في السلطات الثلاثة التشريعية والقضائية والتنفيذية مجتمعة.

من جهة أخرى، رغم ملامح الديمقراطية الشكلية الجلية في النظام السياسي الإيراني لا يمكن أن يغيب على المراقب الفطن سؤال مركزي: ما هي الغاية أساساً من الديمقراطية؟ هل هي مجرد إجراء الانتخابات الحرة والنزيهة في حد ذاته، أو تداول السلطة بشكل سلمي وتكوين مخزون من الرؤساء السابقين؟ حتى لو ضمن النظام السياسي الإسلامي في إيران تحقيق كل ذلك وأكثر، هل يكفي لكي يحقق ديمقراطية بحق؟

مثال الساقية أعلاه قد يساعد في الإجابة عن هذا السؤال المثير للجدل. إن اكتمال العملية الشكلية من الألف إلى الياء غير كافي في حد ذاته لتحقيق الغاية المرجوة. في قول آخر، مجرد وجود الساقية ودوران الحيوان بها إلى ما لا نهاية هو أمر عقيم ولا طائل من ورائه طالما لا توجد مياه في الأسفل. وظيفة الساقية أن ترفع المياه، ليس مجرد أن تلف وتدور حول نفسها. إذا كانت المياه بهذا الشكل تمثل جوهر وجود الساقية والغاية منه، لابد أن يكون للديمقراطية، فضلاً عن الشكل، جوهر وغاية أيضاً.

الحرية. هي بمثابة المياه التي ترفعها الآلية الديمقراطية الشكلية لتروي بها حقول، مؤسسات، المجتمع والدولة، وتثمر في النهاية عن تعددية وتنافسية تنمي الابداع وتحمي الانشقاق السلمي عن التيار السائد وتكفل الأمن والرخاء والمشاركة لجميع المواطنين على أساس المساواة التامة. هنا يطرح السؤال: هل حقاً توجد في إيران تعددية سياسية وقبول بالآخر الديني والعرقي واللغوي المختلف؟ احذر، إذا كانت الإجابة بنعم، قد أعترضك بسؤال آخر: وهل تتحمل الديمقراطية الإسلامية في إيران، بخلاف معارضة مجاهدي خلق، مجرد انشقاق فكرى يندرج ضمن حرية الرأي والاعتقاد مثل سلمان رشدي؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة شرقي نابلس وتحاصر أحياء في مدينة را


.. قيادي في حماس: الوساطة القطرية نجحت بالإفراج عن 115 أسير من




.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام