الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الإمامة والخلافة وجهان لعملة واحدة: الجزء الثاني
محمّد نجيب قاسمي
2014 / 1 / 13العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الإمامة والخلافة وجهان لعملة واحدة: الجزء الثاني
كنا أقد أقررنا في مقالنا السابق عن الخلافة والإمامة أن الإسلام لم يضبط نظاما محّددا للحكم بل ترك الأمر للمسلمين يستنبطون الشّكل المناسب لهم وفق ضوابطه العامّة وفي إطار تفاعلهم مع ظروفهم المتغيّرة في المكان والزمان .ذلك أن الإسلام لم ولن يكون إيديولوجيا قابلة للتحوّل إلى دغمائية متحجّرة قد تتعرّض للحذف والزيادة و"التحرّيف" وفق أهواء أصحاب القوّة صانعي القرار وواضعي القانون . ورغم أنّ القائلين بالخلافة من أهل السنّة يقرّون أنها نظام خضع للتّطوير منذ تجربة أبي بكر الصديق رضي الله عنه الّتي جاءت حسْمًا لنزاعٍ عاصفٍ بين الأنصار أهل المدينة والمهاجرين الوافدين من مكة ثم تطوّرت إلى توصية من الصدّيق إلى الفاروق إلى توسيع قاعدة الاختيار في وصيّة ابن الخطاب رضي الله عنه إلى نوع من "الاختيار الجماهيري" لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه اثر مقتل عثمان بن عفّان رضي الله عنه، فإنّ الشّيعة يرفضون أي تطوير لنظرية الإمامة إذ هي عندهم أمرٌ يرثه الأئمّة من الأنبياء ويتوارثونه في ما بينهم دون أن يَحُقَّ لأحدٍ سوى الامام الاطّلاع على سرّها .,,...
قد يتراءى للكثيرين أنّ هناك فروقات جوهريّة بين النظريّتين وهي قناعة راسخة لدى الفريقين ولدى جمهور الدّارسين والمؤرّخين من مختلف المشارب .ولكن ،أجدُ في نفسي الجرأة الكافية للقول بأن هذا وَهْمٌ وَقَعْنا فيه طيلة قرون وتصارعنا على مسألة, الخلافُ فيها شكلي والانشغال بها أضاع الكثير من الجهد دون جدوى. وكان الأنسب لنا ،على مرّ تلك الأزمنة الطويلة من الصراع ،أن نجتهد في استنباط نظام للحكم نهتدي فيه بالمُحكم من القرآن وبتأويل المتشابه منه وفق مصالح العباد والنّظر العقلي ووفق مقتضيات المكان والزمان والتّجارب المتراكمة ونقوم بتطوير ذلك النّظام كلما اقتضى الأمر ,ولو تمّ ذلك لكان لدينا اليوم أرقى النُّظم السياسيّة التي تُؤَطِّر أرقى التجارب التنمويّة في العالم لا أن نلتقط فُتات موائد النُّظم السياسية لدى البلدان الأخرى الّتي نجحت بالاجتهاد البشريّ وحده في اعتماد نظام الديمقراطية على ما فيه من هنات وبنت به مجتمعات راقية نامية يعمّ فيها الرّخاء إلى الحدّ الذي جعل أحد كبار شيوخنا من روّاد النهضة في القرن التاسع عشر يقول منبهرا بما رأى في بلاد الغرب من رقيّ واستقامة ونظام :" لقد وجدت هناك إسلاما دون مسلمين وتركت هنا مسلمين بلا إسلام" ....
يتّفق كل من الداعين إلى الإمامة و الخلافة أن إسلام المسلم لا يكتمل إلاّ بها ., .فإذا كان معظم الشّيعة يقولون بأنّ الإمامة رُكْنٌ من أركان العقيدة ،من أنكرها فهو كافر، فكذلك يقول الكثير من السنّة والدّليل على ذلك الحديث الّذي يوردونه والذي يقول : " من مات وليس في عنقه بيعة فقد مات مَيْتَةً جاهليّة. " وإذا كان الدّاعون إلى الإمامة يقولون بأنّها " نصٌّ ووصيّة "أي مذكورة في القرآن الكريم نصّا ويتأوّلون لإثبات ذلك تأوّلا عجيبا آيَ الكتاب الكريم و يزعمون أنّ الرسول الأكرم أوصى بها لعلّي بن أبي طالب كرّم الله وجهه في أحاديث كثيرة يُوردونها وأبرزها حديث "غدير خم " ،فإنّ القائلين بالخلافة يشترطون أن يكون "الأئمة من قريش" مستدلّين على ذلك بالحديث الذي يوردونه باللّفظ نفسه. فكأنّها وصيّةٌ أخرى شبيهة بالوصيّة الّتي يذكرها الشّيعة. وكأنّهم ينكرون الوصيّة على الشّيعة ويبيحونها لأنفسهم.
ومن العجيب أنّنا اليوم نُطَالَب حسَبَ هذا الشّرط "الأئمّة من قريش " بالبحث في سلالة قبيلة قريش و فرعها الذي حافظ على نقاوته العرقيّة لنجعل منه خليفةً علينا .... أمّا عند الحديث عن " مواصفات" الخليفة أو الامام فالمهمُّ فيها الملامح الذّاتية الشّخصية عند الفئتين المتنازعتين ..أمّا البرنامج السّياسي والاقتصادي والاجتماعي والثّقافي أي المشروع الذي يسعى الامام أو الخليفة إلى أن يطوّر به الشّأن العام ويخدم به النّاس فلا حديث عن ذلك عند كليهما . فليست الخلافة أو الإمامة مؤسّسةً بل هي فَرْدٌ واحدٌ أحدُ...
ونُنْهي مقالتنا اليوم بهذه اللّطيفة الّتي أوردها من باب الدُّعابة السّياسيّة الماكرة وملخّصها أنّ الشّيعة الإمامية الاثنا عشريّة، أصحاب الشّأن اليوم في إيران ، يقولون بأنّ الامام الثاّني عشر وهو المهديّ قد غاب ولا بدّ له من رجعة في آخر الزّمان وفي غيابه يتولّى أمر المسلمين " الفقيه " ومن هنا جاءت عبارة "ولاية الفقيه في غَيبة الامام" وهذا الفقيه - قدّس الله سرّه - هو اليوم المرشد الأعلى ا لخامنئي وقَبله كان الخميني.. أمّا عند إخواننا "الإخوان المسلمون "، وهم من القائلين بالخلافة ، فإنّهم يَنْتظمون تحت لواء" المرشد العام " في مصر المحروسة حتّى يقضي الله أمر الخلافة الموعودة .. فنحن لا نكاد نخرج هنا وهناك عن "الخاء والميم النون "أي عن إطار التّخمين ولم نخرج كذلك عن إطار الإرشاد صعودا أو نزولا.
وبهذا ننهي اليوم الحديث في هذه المسالة التي أدرك أنّها خلافية بامتياز وأكثر مخالف لي في وجهة النّظر هو الأكثر إثراء لي والسّلام..
من كتاب لنا غير منشور بعنوان " الإسلام من وجهة نظر مغايرة"
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. صحيفة هآرتس: صفعة من المستشارة القضائية لنتنياهو بشأن قانون
.. عالم الجن والسحر بين الحقيقة والكذب وعالم أزهري يوضح اذا ك
.. واحدة من أبرز العادات الدينية لديهم... لماذا يزور المسيحيون
.. مشاهد لاقتحام مستوطنين باحات المسجد الأقصى تحت حماية قوات ال
.. تجنيد اليهود المتشددين قضية -شائكة- تهدد حكومة نتانياهو