الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباديء النشاط الشيوعي

كورش مدرسي

2014 / 1 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


ترجمة: فارس محمود
مقدمة:
وانا احرر هذا الجزء، كانت الثورات والاحتجاجات في اندلاع في العالم العربي.
اذ تواجه هذه الاحداث، قبل اي شيء اخر، العامل والفعال الشيوعي في ايران بالسؤال التالي: اذا اندلعت ثورة غدا في ايران، ماذا يحل بالطبقة العاملة؟
أستشارك الطبقة العاملة في ايران بنفس التنظيم والوعي الذي شاركت به الطبقة العاملة في مصر، تونس، ليبيا، اليمن وسورية؟ أتعرف الطبقة العاملة مقدما اي راية سياسية او اي بديل سياسي مخبئان لها؟ هل تتمتع الطبقة العاملة بالاقتدار الذي تمارس سلطتها بوصفها طبقة في سياسة ايران وفي الثورة المقبلة في ايران، وتدفع هذه الثورة، عبر عملية ثورة دائمة، نحو ثورة اشتراكية؟ الن تتمكن البرجوازية من اقناع المجتمع والطبقة العاملة باحد بدائلها المتنوعة والمختلفة؟ أستكون ثورة 1979 في ايران ام ثورة مصر؟ الن تجر ثورة ايران الى مستنقع على غرار ليبيا؟ الا...
في الحقيقة، ليس بوسع احد ما اعطاء جواب مضمون لهذه الاسئلة. بيد ان ثمة حكم قاطع. باي درجة تجمع الراية الشيوعية قواها في الطبقة العاملة، وباي درجة يغدوا النشاط الشيوعي محملاً لتوحيد ونضال بروليتاريا ايران، تتعاظم بالحد ذاته فرصة الطبقة العاملة. ليس بوسعنا ان نخلق ثورة. الثورة ظاهرة اعقد من ان يكون اندلاعها بيد ارادة احد. لكن بوسعنا ان نؤمن مسالة وهي" متى ما اندلعت الثورة، ان تكون الطبقة العاملة متحلية بالخلاقية والابداع، على استعداد ان تعبيء طيف واسع من عمال المجتمع وكادحيه حول مطلب الثورة العمالية وتنظم الانتفاضة المظفرة على سلطة البرجوازية. ان الفعال الشيوعي الذي ليس منهمكا اليوم بهذا العمل، يعيش بالاحلام، ليس منهمكا بعمل شيوعي.
ان ثورات البلدان العربية تطرح امامنا قبل كل شيء فورية التنظيم الشيوعي للطبقة العاملة. وهو الامر الذي عجز عنه كل يسار ايران.
كورش مدرسي
8 نيسان 2011
مقدمة:
ان موضوع سلسلة الجلسات يختلف عن البحث والنقاش فيما يخص المباديء التنظيمية او مايخص النظام الداخلي. ان بحث النظام الداخلي والمباديء التنظيمية مرتبط بتعريف وتوضيح الهيئات، الحقوق، المهام، صلاحيات المؤسسات الحزبية. وهي دون شك ابحاث مهمة. بيد ان موضوع هذه الجلسات ذا صلة بجانب اخر، جانب اكثر بنيوية واساسية من النشاط الشيوعي. لقد نوقش هذا الموضوع وتم بحثه مرات عدة في الادبيات الماركسية. على سبيل المثال، وبوصفها مراجع ومصادر، ادعوكم الى الرجوع للكتابات ادناه:
• لينين: "مالعمل؟"
• لينين: "خطوة للامام، خطوتان للوراء"
• لينين: "مرض اليسارية الطفولية"
• منصور حكمت: "الشيوعيون والممارسة الشعبوية"
• منصور حكمت: ندوتا الشيوعية العمالية الاولى والثانية
• منصور حكمت: سياستنا التنظيمية بين العمال
• منصور حكمت:المحرض الشيوعي
• كورش مدرسي: اللجان الشيوعية
• كورش مدرسي: حول العمل والقانوني وغير القانوني
• كورش مدرسي: اعادة قراءه البيان الشيوعي
• كورش مدرسي: الحزب الشيوعي والاقتدار السياسي
ينبغي هنا توضيح مسالة ان في نية الحزب اصدار كراس كامل حول مباديء الفعالية الشيوعية. املاً ان يقوم الحزب بهذا العمل سريعاً. على اية حال، ليس بوسعي في هذا المجال المحدود ان اتطرق الى جميع النقاط التي ستورد في مثل هذا الكراس والوثيقة. وعليه، ينبغي النظر الى سلسلة الابحاث هذه بوصفها اداة عون تعليمية في اشاعة مباديء النشاط الشيوعي اكثر منها شرحاً كاملاً وتفصيلياً. بالاضافة الى ذلك، ان قراءة كتابات لينين ومنصور حكمت اعلاه هي امراً لاغنى عنه لكل فعال شيوعي للطبقة العاملة. بدون الوعي والالمام بهذه الابحاث، يحرمه بالضرورة من الرؤية الجلية والشفافة للنظريات التنظيمية الشيوعية واساليب العمل الشيوعي. تحرمه من اداة لمعرفة حركته والحركة البرجوازية، يكون في وضع لاندحة له من اعادة وتكرار كل اخفاقاته السابقة.
الفصل 1- حول اي شيء تتعلق مباديء النشاط الشيوعي؟
1- حول اي شيء لايتعلق بحث النشاط الشيوعي
نقوم بنشاطنا الشيوعي في اوضاع خاصة. من زاوية بحثنا الراهن، ان اهم سمة للاوضاع الراهنة هو الضعف التام للنشاط الشيوعي في اكثر اشكاله اساسية وبنيوية. اذ يمكن القول، وبجرأة، ان الشيوعية البرجوازية واسلوب عملها هو التقليد السائد في التيارات التي تسمي نفسها شيوعية سواء في داخل ايران او في البلدان الاخرى.
وعليه، فان اغلب من يخاطبهم هذا البحث هم اناس ليسوا منهمكين في نشاط شيوعي. منهمكين في النشاط في اطار منظمات خاصة. منهمكين مثلا في النشاط مابين الطلاب، المعلمين، النساء، نشاطات فكرية وثقافية، تنظيم مسلح، نشاطات في الخارج وحتى النشاط في اطار المنظمات الجماهيرية العمالية مثل النقابات وغيرها، وللرد على الاسئلة المطروحة المتعلقة بالنشاط في هذه الميادين يمضون لبحث النشاط الشيوعي. يعتبرون النشاط الشيوعي هو الجمع الجبري لمثل هذه الفعاليات. يعتقدون انه اذا وضعت الشيوعيين المنهمكين في نشاطات مثل هذه مع بعض ستبلغ النشاط الشيوعي. ان نقطة الانطلاق هذه خاطئة بصورة تامة. ان النشاط الشيوعي هو نشاط اخر وينبغي بحثه في نفسه.
ان الانفصال التاريخي والعالمي لليسار عن الطبقة العاملة، حوّل معضلات النشاطات الاخرى، ماعدا النشاط الشيوعي بالمعنى الاكثر اسياسية وبنيوية، الى معضلة وانهماك اليسار في العالم. من النشاط مابين المضطهدين بصورة عامة، الى النشاط ضد الدين، ومن النشاط للدفاع عن البيئة الى النضال ضد الامبريالية، من النضال من اجل الاصلاح الى النضال ضد القمع وغيره.
ان هذه الميادين هي ميادين مهمة للنشاط الشيوعي دون شك، بيد انها لاتمثل اطلاقاً هوية ومحتوى النشاط الشيوعي. ان احلال هذه النشاطات محل النشاط الشيوعي مثل تبديل استراتيجية شيوعية بمجموعة من التكتيكات الثورية والانسانية عموما. بالنسبة لحزب شيوعي، ان هذه ميادين خاصة ومهمة بيد انها لاتعرّف النشاط الشيوعي.
زد على ذلك، جوبهت الاحزاب الشيوعية دوماً بالتنظيم في اوضاع غير عادية او "خاصة"، وتحتم عليها ان ترد عليها. ان اوضاع عادية، وكاي تعريف اخر، هي مفهوم مجرد، ليس ثمة اي مكان حقيقي في العالم دون خصوصيات. وعليه، اذا لم نعرف الاساس والاطار السياسي للنشاط الشيوعي، ولانميزهما عن الاشكال المحددة للنشاط في كل مرحلة او مكان، سنقع عملياً في اعمال هامشية، جماعة ضغط، وعملياً في اطار اليسار التقليدي والشعبوي.
وعليه، نظرا للتصور العام السائد في اليسار، بين الشيوعيين في اوربا وايران وسائر بقاع العالم، ينبغي ان نحسم قبل اي شيء اخر امر: حول اي شيء ليس له صله بالنشاط الشيوعي.
لتوضيح الامر اكثر، اسمحوا لي ان استعير. اذا اردت تعلم علم العمارة، لاتبدء من توضيح اسلوب بناء وتصميم باب وشباك العمارة. فمهما وضحت كل مايتعلق بالباب والشباك وتحل مسائلهما، يبقى قاصرا عن تغطية بحث العمارة. على من ينشد بناء عمارة ان يبدء من موضوعة العمارة ذاتها، من تاسيسها، من هيكليتها وغير ذلك. ان ذلك المهندس المعماري الذي هو مختص فقط بتشييد الابواب والشبابيك، بوسعه ان يكون اي شيء الا مهندس عمارة. للعمارة باب وشباك ورواق وشرفة دون شك. بيد ان العمارة ليست عبارة عن باب وشباك، بل انها اجزاء مكملة للعمارة ولاتوضح لنا شيئاً بعد حول العمارة.
فيما يخص النشاط الشيوعي تصح العلاقة ذاتها كذلك. من المؤكد ان الشيوعيين يعملون في اوساط الطلبة، الفلاحين، النساء وغيره. بيد انه ليس الجمع العددي لهذه النشاطات. انها نوعية او ظاهرة اخرى مختلفة. اذا ما استخدمنا استعارتنا السابقة، ان هذه النشاطات هي جزء من باب وشباك عمارة النشاط الشيوعي، وليست نظرية او النشاط الشيوعي ذاته.
في الجدالات بين الشيوعيين حول النشاط الشيوعي واسلوب العمل الشيوعي، كان الاختلاف في الحقيقة حول الاختلاف نفسه في تعريف النشاط الشيوعي. ان التيارات التي تعرّف هذه الاشكال الخاصة والثانوية لنشاط الشيوعيين بوصفها هويتها وانهماكها، تحتاج بصورة لامناص لها لـ"طرق" الماركسية، علم النشاط الشيوعي، كي تتطابق مع اهدافها وانهماكاتها الطبقية والسياسية. ولهذا، اجمالاً، بالاضافة الى مبررات اخرى، يصلون مثلا الى اليسار الجديد، الاشتراكية-الفيمنستية، الجيفارية، الكاستروية وغيرها. ومن هنا، يتم تحويل النشاط الشيوعي بنحو ما الى النشاط بين "الجماهير"، علم تنظيم الجماهير او المضطهدين، نظرية النضال ضد الامبريالية وغيرها. ومن هناك، تقتضي الحاجة الى النظريات الشعبوية، الشعبية، وانواع الحركات البرجوازية، "بنظرة طيبة وحسنة للطبقة العاملة". يقولون الحاجة ام الاختراع. ان الحاجة لتعريف النفس بوصفها منظم "ديمقراطي" هي اختراع اشكال الشيوعيين غير العماليين والديمقراطيين.
2- باي شيء يتعلق النشاط الشيوعي؟
ان بحث النشاط الشيوعي، بحث تنظيم طبقة محددة، الطبقة العاملة في محيط عملها ومعيشتها للثورة البروليتارية.
ان الطبقة العاملة، محيط العمل، محيط المعيشة والثورة البروليتارية هي مفاهيم محورية وبنيوية تحدد وتعرّف النشاط الشيوعي. اذا ما تم تجاهل اي منها او احلال شيء اخر محلها، ستطأ اقدامنا شيوعية برجوازية. وعليه، ينبغي الالتفات الى النقاط ادناه:
الف- بحث النشاط الشيوعي هو بحث تنظيم طبقة محددة
ان بحث تنظيم الطبقة العاملة هو في محيط عملها وحياتها. ليس النشاط الشيوعي بحثاً حول تنظيم الجماهير على العموم، الشعب، النساء، الاطفال، الفقراء، المرضى ومظلومي المجتمع. ان جميع هذه هي اجزاء مكملة للنشاط الشيوعي، بيد انها ليست هذا النشاط. باب وشباك عمارة الحزب الشيوعي وليس العمارة نفسها. ان التيار والحزب الذي ليس مركز نشاطه في عمق الطبقة العاملة والبروليتاريا الصناعية لايران، والذين هم ليسوا بالضرورة افقر اقسام المجتمع واكثرهم حرماناً، هو اي شيء ممكن ان يكون، بيد انه لاشيوعي ولاعمالي.
ب- التأكيد على محل العمل ومحل المعيشة
ان التأ كيد على محل العمل ومحل المعيشة هو تأكيد على واقع ان العامل ليس فقط عامل في المعمل او المصنع. انه بحث حول طبقة تعد العائلة العمالية جزء مهم منها. ان الطبقة العاملة ليست فقط عامل يشتغل او فرد عامل. ان كل هذه الطبقة تشمل العامل والعاطل، الشريك والابناء الى العائلة الاوسع. ان العامل في محيط العمل ينتج فائض القيمة. ولكنه في محل المعيشة، العامل هو من يعيد انتاج قوة العمل هذه.
ان المحلة العمالية ومايجري فيها هو جزء من الجغرافيا والتفاعلات التي تؤمن عملية الانتاج واعادة الانتاج الراسمالي. يتناول العامل في محل معيشته الغذاء، يرتاح، وينجب الجيل المقبل من العمال ويكبرهم كي يؤمن الجيش الحاضر دوما للعمل للاستغلال الراسمالي.
تتجاهل هذه الحقيقة لا التيارات البرجوازية فحسب، بل الميل الاقتصادوي والصنفي داخل الطبقة العاملة. من وجهة نظر كلا التقليدين، العامل هو صنف، مثل بقال. الاختلاف يتمثل فقط بان البقال يبيع بضاعة، اما العامل فيبيع قوة عمله. ولهذا، من وجهة نظر مجمل هذه التيارات، يعد محل العمل، مثل الدكان، هو فقط محل تحقق عماليه او صنفية العامل.
ج- هدف النشاط الشيوعي
ان هدف النشاط الشيوعي هو تنظيم الثورة البروليتارية، لا الحركة القومية، الحركة النسوية، حركة الارتقاء الثقافي واي حركة اخرى.
ليس هدف النشاط الشيوعي هو الارتقاء بثقافة او مثلا بعقل واحساس الطبقة العاملة. ان النشاط الثقافي والنضال ضد الخرافات يتمتع باهمية حياتية كبيرة في النضال الشيوعي، بيد انه ليس هدف بذاته. اذ يمكن اقامة مؤسسات ومنظمات كثيرة تخدم الارتقاء الثقافي للطبقة العاملة، وحتى ان تقوم الاحزاب الشيوعية باقامتها. بيد ان النشاط الشيوعي ليس بحثاً يتعلق بالارتقاء الثقافي للطبقة العاملة، بل تنظيم الثورة البروليتارية. ان استبدال السعي المتواصل لتنظيم الطبقة العاملة من اجل الثورة البروليتارية باي مسعى اخر، فان ذلك المسعى يحيلها الى تقليد برجوازي يرتبط في خاتمة اسلوب عمله وهدفه، الان وحتى مستقبل منظور، بادامة الاستغلال البرجوازي.
3- النشاط الشيوعي هو جزء من هويتنا الشيوعية.
تتمثل معضلة اخرى بان في اغلب الاحيان، حتى في التيارات الشيوعية، حين يتم الحديث عن النشاط الشيوعي، يتمركز البحث اغلب الاحيان حول الهيكلية او التنظيم. اذ يختزل النشاط الشيوعي الى مجموعة من النقاط او الطروحات وخطط عمل فنية-تنظيمية.
وفق هذه الرؤية، يتم تفسير النشاط، التنظيم ونظرية التنظيم بوصفها امراً فنياً. البرجوازية بايديها المجتمع، وان هذه المكانة الخاصة تطرح اساليب عملية في هضم وجود العلاقة الراسمالية. اذا قلبت كتب علم الادارة، سترى ان التنظيم يتم تناوله بوصفه تكنيك اكثر من اي شيء اخر. ان باعث وهدف التنظيم، مايحفز البشر، اطار النشاط التنظيمي هي امور معطاة ومفروضة مسبقاً؟
ان فلسفة النشاط الشيوعي هي من الاساس ضد المعطيات الاجتماعية القائمة، والادهى من هذا، ان فلسفة النشاط الشيوعي هي دوما تحت الضغط الطبقي والعملي للبرجوازية عبر الثقافة، التقليد، والمعطيات "الطبيعية" للمجتمع والحركات والتصورات البرجوازية. بهذا الخصوص يمكن الاشارة الى النقاط ادناه:
الف- الهدف والوسيلة
ان مايميز النشاط الشيوعي عن مجمل اشكال النشاط الاجتماعي والسياسي هو هدفه. ان هذا الهدف يستلزم وسيلة، نمط فعالية وموضوع فعالية يختلف. ان اسلوب واداة النشاط الشيوعي تختلف عن اسلوب واداة النشاط البرجوازي بقدر اختلاف اهداف كلا الحركتين.
لايمكن عبر اسلوب نشاط الاحزاب والتيارات البرجوازية ان نبلغ اهداف النشاط الشيوعي. ان عدم الانتباه الى هذا الحكم البديهي هو احد سمات الانتهازية والشيوعية البرجوازية. ان الهدف والوسيلة هما ظاهرة واحدة، متطابقان. اذا جمعت مجموعة من اجل "الثورة على العموم" او "الاطاحة بالنظام "على العموم"، عندها يتحقق الهدف عبر تسليم السلطة بين الاطراف من فوق، الانقلاب، او حصار المدن عن طريق الريف او ممارسة الضغوطات على النظام الحاكم، التعايش عبر الاستفادة من الاختلافات بين الدول، او النضال المسلح (1). ان هذه الاساليب ليست خاطئة بالنسبة للحركات البرجوازية. اذ بلغت هذه الحركات مراراً السلطة عبر الاستفادة من اساليب الفعالية هذه. في هذا الاطار، عندها تتطابق موضوع عملك، مخاطبك، اسلوب نشاطك، افقك وبرنامجك واولوياتك مع هذه الرؤية وهذا الافق. وعليه، السؤال الاساسي هو الى اي امر يحتاج التنظيم والفعالية التنظيمية؟ ومن هنا بالضبط بدء بحث نمط العمل الشيوعي، ومنتقداً لنمط العمل البرجوازي.
ب- من الاشتراكية الخرافية الى الاطروحة الشعبوية " قيادة الجماهير في الثورة"
تصاعد النقاش حول النشاط الشيوعي مقابل النشاط غير الشيوعي، بصورة منظمة بين الشيوعيين في تاريخ النضال الشيوعي، وجلب معه ردود متنوعة. ان اخفاق الشيوعيين في الدفع باوضاع ثورية او تحولات اجتماعية كبيرة صوب ثورة اشتراكية او فرض التراجع على الحكومات البرجوازية هو ظاهرة معطاة في 60-70 عاماً المنصرمة. لم يتمكن الشيوعيون سواء في ايران او في اي مكان من العالم من لعب هذا الدور. ان السؤال المطروح الذي يعقب كل هزيمة هو: لماذا؟ لماذا وقعت الشيوعية في الوضع الحالي، وذكرت ان اجوبة مختلفة ومتعددة قد طرحت رداً على هذا السؤال.
ان قسم من اليسار يرضي نفسه بان "شيطان" التحريفية والبرجوازية قد تسلل جسد الشيوعيين، وعليه، فان هذا اليسار، حاله حال اي فئة دينية، في حالة كشف اجنة التحريفية، فضح العناصر البرجوازية المتسللة في صفوف البروليتاريا، تزكية النفس، جلد الذات، الجلد الايديولوجي-النفسي للنفس، ومايصطلح عليه النقد والنقد الذاتي ، ويتحول بالتالي الى فرقة شبه دينية.
ان القسم الاكثر راديكالية واكثر اجتماعية، سواء في ايران او سائر البلدان، يفسر على الاغلب هذا العجز بمسميات "العجز عن قيادة الجماهير في الثورة"، وهي دون شك اطروحة اكثر اجتماعية واكثر واقعية وعقلانية من اليسار السوداوي والمكتئب، لكنها بنفس الدرجة برجوازية وغير شيوعية.
ان هذه النقاشات بين شيوعيي ايران قد بدأت في ابحاث المؤتمر الاول لاتحاد المناضلين الشيوعيين عام 1982وقد استخلصت في ابحاث الشيوعية العمالية لمنصور حكمت والتي تلخصت ببحث الشيوعيين ونمط العمل الشعبوي.
في تلك المناقشات، تمركز النقاش بصدد اسلوب العمل الشيوعي حول الاطروحة ذاتها "قيادة الجماهير في الثورة". ان منظروا هذا الخط والمدافعين عنه، حميد تقوائي، اكثر ممثلي الشعبوية في اليسار الايراني صلابة. وهو الخط الذي وضع الحزب الشيوعي العمالي الايراني اليوم نفسه فعلاً في مسار "قيادة الجماهير في الثورة"، وهو السعي الذي تحول بالضرورة من قيادة الجماهير الى الذيلية لها. وهو المال الذي تنبأ به منصور حكمت من المؤتمر الاول لاتحاد المناضلين الشيوعيين.
لتبيان ماهية النشاط الشيوعي واختلافه عن نمط عمل او نشاط الشعبويين، النزعة القومية اليسارية والاشتراكية البرجوازية عموما، ليس امراً مضراً ان اتناول بايجاز اطروحة "قيادة الجماهير في الثورة".
قيل ان على الشيوعيين ان يكونوا "قادة الجماهير في الثورة". وان هذا هو اعتقاد الاغلبية الساحقة من اؤلئك الذي يعدوون انفسهم شيوعيين. ان هذا الاعتقاد البسيط صيغ حول كلمتين. "الجماهير" و"الثورة". بيد ان كلا المفهومان، بوصفهم مفاهيم سياسية، ليسا غير ماركسيين فحسب، بل مضادان للماركسية.
تستند الماركسية والشيوعية قبل اي شيء اخر الى اساس الاقرار بطبقية المجتمع. ان نقطة الانطلاق هذه ليست خاصة بالماركسية. ان اكتشاف المجتمع الطبقي، مثلما يؤكد ماركس في رسالته الى آننكوف، لايرتبط بماركس. ان مايمايز الماركسية عن البرجوازية هو المضي ابعد من هذا الحكم. اذ يؤكد ماركس على ان ماهو من اكتشافه هو ان الية حركة المجتمع المعاصر تستند في اكثر مستوياتها اساسية وبنيوية الى الصراع مابين البروليتاريا والبرجوازية، وان انهاء عبودية العمل الماجور هذه هو فقط عبر الاطاحة بالبرجوازية على يد الطبقة العاملة، هو امرا ممكنا عبر ازالة النظام الراسمالي ومجمل المجتمع الطبقي.
وبالتقابل مع اكتشاف ماركس هذا، تبدء الشيوعية البرجوازية والشعبوية بالضبط من الانكار النظري او العملي لهذه الاحكام. في الحركات البرجوازية، لايتم فصل النواة المحركة لتصادمات وتناقضات المجتمع عن التناقض مابين البروليتاريا والبرجوازية، ليس هذا وحسب، بل يتم اساساً انكار السمة الطبقية للمجتمع ذاتها بصورة علنية او عملية. اذ بدل اصطفاف البروليتاريا والبرجوازية ، يحلّو صراع الجماهير مع النظام، الجماهير ضد معادي الجماهير، الجماهير مع النظام، وبمكان الثورة الاشتراكية، تحل الثورة الوطنية، الثورة بصورة عامة، الثورة الدينية، الثورة المناهضة للامبريالية، الثورة الديمقراطية، الاطاحة بالنظام وغيره.
لفكرة "قيادة الجماهير في الثورات" او "قيادة الشعب في الثورة" مجمل الخصائص هذه. على اي ماركسي او ناشط شيوعي للطبقة العاملة ان يوجه السؤال لهؤلاء الشيوعيين البرجوازيين ولهؤلاء الشعبويين: اي جماهير؟ وفي اي ثورة؟
تتمثل الحقيقة بان في اطروحة "الجماهير" هذه ثمة امال غير طبقية كامر مفروغ منها، ذا مصلحة ومحرك واحد، وان "الثورة" هي ظاهرة معطاة وغير طبقية تعكس مصلحة هذه "الجماهير". وحين يكون الصراع في المجتمع غير طبقياً، ستكون الثورة بالضرورة غير طبقية، جماهيرية، انسانية وغير ذلك. ان هذه الاطروحة، الفكرة او الافق، ليست عاجزة عن تبيان منبع العجز المزمن للشيوعية الموجودة في عالمنا المعاصر فحسب، بل على العكس من ذلك، اساسه الفكري واساس وجوده وادامته.
ان الحركة او التحرك الذي يكون هدفه تامين "قيادة الجماهير في الثورة"، يتخذ اسلوب عمل متطابق مع هذا الهدف. اسلوب يحل ويصفي الطبقة العاملة والثورة العمالية في عموم الجماهير، والثورة العمالية في ثورة وطنية، في ثورة الكل، مناهضة للنظام، شعبية وغيره. ان مثل هذه الحركة، وطبقاً للتعريف، لاتحتاج الى نمط النشاط الشيوعي. فبدل الحاجة الى النشاط الشيوعي، تحل الحاجة الى النشاط الديمقراطي، الشعبي، الوطني وغيره والذي لاتتمتع الطبقة العاملة فيه بمكانة خاصة، او في افضل الاحوال عنصر اكثر اصراراً وثورية (اكثر ثورية بماذا؟) من الجماهير نفسها. ان نمط النشاط هذا، طبقا للتعريف، عاجز عن الدفع بالطبقة العاملة صوب الثورة الاشتراكية. ان هذا الافق يوازيه نمط نشاطه الذي يشمل اشكال نشاط، مخاطبه، لهجته الدعائية وانهماكاته. ان سبب عدم وضوح ومفهومية وعصي الدعاية عن الفهم ونمط الفعالية الشيوعية البرجوازية تكمن هنا وليس في ضعف تعليم او المآخذ التنظيمية ومعرفتها.
لقد ذكرنا ان بحث النشاط الشيوعي هو بحث حول صلة الهدف بالوسيلة. اذ يستلزم هدف النشاط الشيوعي نمط هذا النشاط واسلوب النشاط الشيوعي. والفت النظر لحقيقة ان نمط النشاط هو بالنسبة للشيوعي مسالة هوياتية بقدر مبادئه العقائدية. واذا كان نمط نشاط مثل هذا الشيوعي لايتطابق مع المستلزمات النضالية والطبقية للطبقة العاملة لاتمكن المشكلة في مآخذ فنية، تقنية، ايلاء اهمية لامر ما او عدم ايلائه للاهمية. ينبغي الانتباه الى المنبع الحركي (من كلمة حركة) واهداف هذه الشيوعية. ومثلما ان الشيوعية ليست مجموعة من المباديء العقائدية، فانها ليست مجموعة من الهيكليات او الاشكال التنظيمية.
ان مصدر وحذر الشيوعية البروليتارية تستمد من الاحتجاج الاساسي للطبقة العاملة بوجه العمل المأجور. احتجاج، ماعدا الكادحين والاقسام الدنيا جداً من البرجوازية الصغيرة، تصطف كل الطبقات الاخرى بوجهه. وعليه، ينطلق النشاط الشيوعي من الاحتجاج نفسه، وليس من السخط العام، سخط الفلاحين وحتى الفقر او القمع. يدخل دون شك الاحتجاج على الفقر او السخط الديمقراطي اللوحة لاحقاً. ولكن فقط على اساس المؤسسة المحكمة للاحتجاج الشيوعي للطبقة العاملة على وجودها، وبالتالي وجودها البرجوازي، بوسع تحديد التكتيكات اللازمة في هذه الاحتجاجات.
ان الاحتجاج على الفقر، الاحتجاج على الظلم ليس نقطة انطلاق واساس الشيوعية والفعالية الشيوعية، ليس هذا وحسب، بل انه نقطة اشتراك الشيوعية مع العديد من الحركات المناهضة للظلم، الحركات المحبة للبشر، الانسانية لسائر الطبقات والحركات. وحين لايقام هذا الفصل، يتحول النشاط الشيوعي الى نشاط شعبوي على العموم او "عدم ايلاء الاهمية" للطبقة العاملة وايلاء الاهمية على سبيل المثال للفلاحين او الطلبة او الفقراء.
زد على ذلك، تمثل الشيوعية البروليتارية والنشاط الناجم عنها حتى داخل الطبقة العاملة ميل معين. ان اختلاف الميل او الحركة الشيوعية مع الميول الاخرى يحددها البيان الشيوعي على هذه الشاكلة:
"إن الشيوعيين لا يتميزون عن الأحزاب البروليتارية الأخرى إلاّ في أنّهم: من ناحية، يُبرزون ويُغلِّبون المصالح المشتركة في الصراعات القومية المختلف للبروليتاريين، بصرف النظر عن تابعية عموم البروليتاريا، ومن ناحية أخرى، يمثِّلون دائما مصلحة مُجمل الحركة في مختلف أطوار التطور، التي يمر بها الصراع بين البروليتاريا والبرجوازية.

إذن الشيوعيون عمليّا هم الفريق الأكثر حزما من الأحزاب العمالية في جميع البلدان، والدافع دوما إلى الأمام، ونظريا هم متميزون عن سائر جُموع البروليتاريا، بالتبصّر في وضع الحركة البروليتارية، وفي مسيرتها ونتائجها العامّة.

والهدف الأول للشيوعيين هو الهدف نفسه لكل الأحزاب البروليتارية الأخرى: تشكّل البروليتاريا في طبقة، إسقاط هيمنة البرجوازية، واستيلاء البروليتاريا عن السّلطة السياسية.

وطروحات الشيوعيين النظرية لا تقوم قطعا على أفكار، على مبادئ، ابتكرها أو اكتشفها هذا أو ذاك من مُصلحي العالم.

إنّها فقط تعبير عام عن الشروط الحقيقية لصراع طبقيّ قائم عن حركة تاريخية تجري أمام أعيننا. وإلغاء علاقات الملكية القائمة حتى الآن، ليس هو إطلاقا السِّمة المميزة للشيوعية.

وإنّ ما يميّز الشيوعية، ليس القضاء على الملكية بشكل عام، بل إلغاء الملكية البرجوازية.

فهُم (الشيوعيون) يناضلون لتحقيق الأهداف والمصالح المباشرة للطبقة العاملة، لكنهم في الوقت نفسه يمثلون، في الحركة الراهنة، مستقبل الحركة".

اخذين هذه التحديدات الدقيقة للبيان الشيوعي بنظر الاعتبار، اكدنا مراراً على ان الشيوعية ليست حركة داعية للحق. الشيوعية ليس حركة الاناس الطيبين، ولا حركة الاناس حسني الاخلاق. الشيوعية حركة احتجاجية لطبقة خاصة وذلك لمكانتها الطبقية. وان هذا التعريف يشكل اساس النشاط الشيوعي. عندها، واستناداً الى هذا الاساس، بوسع الطبقة العاملة الواعية ان تحدد صلتها بالحركات والاحتجاجات الاخرى.
ان هدف النشاط الشيوعي ليس الثورة على العموم. هدفه ثورة معينة. هدفه ان تعد الطبقة العاملة لهذه الثورة على مجمل البرجوازية. واستناداً الى هذا الاساس، اذا واجهت مسارها ثورات اخرى بوسعها ان تحدد وتتخذ التكتيك المناسب من زاوية الثورة البروليتارية.
ما اسعى الى تاكيده ان النشاط الشيوعي ونقد نمط عمل الشيوعية البرجوازية هو ليس نقداً فنياً. مرتبط بجذر هذه الحركات في المجتمع. ليس بالوسع عبر اي برامج تنظيمية واي هيكيلية تنظيمية تقليص النشاط الشيوعي الى نشاط شعبوي ولايمكن تحويل النشاط الشعبوي الى نشاط شيوعي. ان نمط العمل الشيوعي او مباديء النشاط الشيوعي هما مسالة هوياتية بقدر البرنامج او المبادي الهوياتية لتيار. في عالمنا المعاصر، كيف يعمل حزب او منظمة وماهو انعكاسه على الطبقة العاملة هم اكثر جلاءا وتعبيراً وهوياتية من مجمل الوثائق السياسية والايديولوجية لذلك الحزب او المنظمة.
ان نمط العمل هو امر هوياتي بقدر برنامج الحزب، وهو بنفس درجة المباديء الهوياتية لحزب اساسية وبنيوية. ان نمط العمل بنفس درجة دعايتك مربوط بشيوعيتك. ان نمط العمل لحزب ما يحدد موضوع عمل وهدف نشاط ذلك الحزب. يملي عليك الى من تكتب، من مخاطبك واي نشاط تنظمه.

الفصل 2- النشاط الشيوعي والسلطة السياسية

مثلما يعلن البيان الشيوعي، يمثل الشيوعيين والنشاط الشيوعي مصالح كل الطبقة العاملة. وعليه، من الواضح ان الشيوعية والنشاط الشيوعي هما الاطروحة المضادة للراسمالية وكل البرجوازية.

اما النقطة التي يضيفها ماركس وانجلز، بالاخص بعد تجربة كومونة باريس، هي ضرورة الاطاحة بالبرجوازية، اقامة الحكومة العمالية (ديكتاتورية البروليتاريا) بوصفها الشرط المسبق للسيطرة على الملكية البرجوازية وارساء العلاقات الانتاجية الاشتراكية او الشيوعية. لايمكن للاشتراكية والسلطة العمالية ان تتشكلا مثل اساليب الانتاج السابقة من رحم اسلوب الانتاج القائم.

وارتباطا بالقدرة التي تتمتع بها البرجوازية، ان انتزاع السلطة السياسية هو الشرط المسبق لكسب الجماهير العريضة من الطبقة العاملة وجرها للميدان ضد البرجوازية.

حين تنظر لانتقال المجتمع من العبودية الى الاقطاعية، فان صيرورة تشكل الاقطاعية هي عملية تدريجية وقد جرت خطوة خطوة.

ان الاقطاعيين والاقطاعية نمتا تدريجيا في عملية وصيرورة تصل الى قرن في رحم المجتمع العبودي، حتى انتهت العبودية اجمالاً وسادت الاقطاعية. مثلا في روما، وحتى في ايران، ان عملية انتزاع الارض من قبل مالكي العبيد او دولة مالكي العبيد كانت تدريجية. بيعت الاراضي تدريجياً او انتقلت، والاشخاص الذين يعملون في الارض ليسوا عبيد ولامالكي عبيد. تشكلت الجماهير الفلاحية والطبقة الاقطاعية. يصل الامر لحد ان النظام العبودي لايستطيع بعد صيانة وجوده. تسقط روما دون ان يحتلها احد.

فيما يتعلق بتشكل الراسمالية، كان الامر كذلك. في خضم المجتمع الاقطاعي، مع تطور التكنيك ومع اكتشاف طرق التجارة البحرية وغير ذلك، ظهر تجار مقتدرين تدريجياً، انشئت المعامل، ولدت طبقة عاملة حديثة، وغدت البرجوازية مقتدرة يوما بعد اخر من الناحية المالية، وبالتالي من الناحية السياسية. تطورت المدن، وحين تجري ثورة على غرار الثورة الفرنسية، فان البرجوازية عندها كانت تمسك بالقسم الاغلب من القوة الانتاجية وثروة المجتمع. بل كانت حتى مشاركة في السلطة السياسية في بعض البلدان مثل بريطانيا.

ان هذه العملية لاتتحقق بالنسبة للبروليتاريا او المجتمع الاشتراكي. ليس بوسع البروليتاريا ان تستأصل السلعة والانتاج السلعي في رحم المجتمع الراسمالي، اي تطيح بالية الانتاج من اجل الربح او تزيل الاستغلال. لقد جوبه بالفشل من كان يحمل هذه التصورات (الاشتراكيين الخياليين مثل فورييه او اوين)، فشلت جزرهم الاشتراكية. انهم مضوا لاقامة كومونات يقوم العمال سوية بالانتاج فيها. فشلوا. انهم حتى لم يتمكنوا من الناحية الاقتصادية ان يبقوا. لقد اثبت ان ماركس على حق: انك لاتستطيع ان تستاصل الانتاج من اجل الربح دون ان تسحب السيطرة على المجتمع والتحكم به من ايدي البرجوازية. ان هذا يعني ضرورة الثورة البروليتارية، ضرورة الانتفاضة على الدولة البرجوازية، اي مد اليد لانتزاع السلطة السياسية.

ان الثورة البروليتارية هي اول ثورة في التاريخ ينبغي تحقيقها بصورة واعية وان يخطط لها من قبل. ان ثورة اكتوبر افضل نموذج. بعد ثورة شباط 1917، خطط الحزب البلشفي للثورة ونفذها لانتزاع السلطة بابداع واصرار لينين.

مااود قوله ان النشاط الشيوعي، بالاضافة الى ذلك، هو اعداد الصف الطليعي للطبقة العاملة للقيام بالثورة. ومثلما يذكر البيان الشيوعي، ان النشاط الشيوعي هو من اجل الاطاحة بالحكومة البرجوازية وجعل البروليتاريا السلطة الحاكمة. لايمكن تحقيق الثورة البروليتارية عبر امتطاء موجة ثورات الطبقات الاخرى. ان الطبقات الاخرى (البرجوازية) اكثر وعياً واقتداراً وبالاخص بعد تجربة ثورة اكتوبر، واكثر استعداداً من الناحية السياسية والفكرية والعملية من ان يُسْتَغْفَلوا. بوسع البرجوازية وتقاليد البرجوازية ان تركبا موجة العفوية. اما البروليتاريا ففقط عبر نقد هذه الحركات، بالوسع تشكيل حركة اخرى، حركتها وان تعمم الوعي. ان موضوعي هنا لايتعلق بالتحريض على عدم التدخل في تطورات المجتمع وتحولاته. بل ان موضوعي يتعلق بالسجود لاطار هذه التحولات وعدم اعداد الطبقة العاملة للمعركة الحاسمة والنهائية على جميع اقسام الطبقة البرجوازية.

ان هدف النشاط الشيوعي هو انتزاع السلطة السياسية. ولتحقيق هذا العمل، ينبغي ان تكون البروليتاريا مستعدة لذلك من ناحية الوعي، الوحدة والتنظيم. كي لاتستولي على السلطة فقط، بل ان تكون قادرة على الدفاع عنها. يؤكد ماركس، انجلز ولينين مرات ومرات على ان مقاومة البرجوازية ستتضاعف مئات المرات بعد الاطاحة بسلطتها السياسية. في عالمنا الراهن، ينبغي ان نرى هذه المئات المرات ملايين المرات. ستواجه الحكومة البرجوازية بمقاومة مستميتة من قبل كل اقسام البرجوازية. لانك توجه ضربة الى اصل حياتها، اي ربحها. كلهم يقاومون، من البرجوازية الصغيرة الى البرجوازية الكبيرة. كلما تطال يدك الملكية يشنون عليك جهاداً. وان الطبقة العاملة التي ليست مستعدة، ولاتعد نفسها من اليوم لمثل هذه الاوضاع، ستلحق بها الهزيمة.

ان هذا اختلاف ماركس مع الفوضويين، وان هذا اختلاف ماركس وشيوعية الطبقة العاملة عن بقية الشيوعيين البرجوازيين. وعليه، ان هدف النشاط الشيوعي هو اعداد الطبقة العاملة لهذا الصراع وتوعية القسم الطليعي منها بحقيقة ان الثورة البروليتارية تتم من قبل اقلية الطبقة العاملة، وهو الامر الذي تناولناه بالتفصيل بالابحاث المتعلقة بـ"الحزب والسلطة السياسية".

على هذا الاساس، هل بوسع الحكومة العمالية ان تستلم السلطة عبر الانقلاب؟ الم نقل ان اقلية هي من تنتزع السلطة؟ الجواب كلا. لايمكن الدفاع عن الثورة البروليتارية وتحقيقها دون دعم قسم بارز وملموس من الطبقة العاملة، وبالاخص البروليتاريا الصناعية.

وبوجه البرجوازية التي ستحارب بكل قواها ضد تطاول الاخير على ملكيتها وستحشد قوى طبقتها، ليس ثمة حظوظ امام الثورة والحكومة العمالية سوى التمتع بدعم القوة المنظمة للطبقة العاملة.

ان الانقلاب، طبقاً للتعريف، هو التخطيط لانقلاب مجموعة، بصورة مفصولة عن صلتهم بالمجتمع والطبقة، السيطرة في توقيت مناسب على القصر والمعسكر الفلاني والاذاعة والتلفزيون. ان هذا هو اختلاف بحث الحزب والسلطة السياسية للشيوعيين عن الفوضويين وسائر التيارات الاخرى التي تتحدث عن انتزاع السلطة السياسية بغياب الدعم والمساندة العمالي. للقيام بالثورة البروليتارية، اي انتزاع السلطة السياسي، تحتاج الى حشد قسم مهم من الطبقة. ودون شك، اذا ارادت الطبقة العاملة ان تنتزع السلطة او تقوم بالثورة، فان اداتها هو التحزب السياسي. ان الحزب السياسي هو اداة هذا العمل، وليس اي تنظيم او منظمة جماهيرية اخرى.

قلنا ان الثورة البروليتارية ثورة مخطط لها ومدروسة ضد مجمل النظام القائم. ليس بوسع الطبقة العاملة وتيارها الشيوعي ان ينتزعا السلطة او يحافظا عليها دون ان يكون لهما حزب، ودون ان يكون واعيين ومنظمين من الناحية السياسية. ينبغي على النشاط الشيوعي ان يغطي هذه المسالة.

وعليه، ينبغي ان اؤكد مرة اخرى ان هذا البحث يتخطى اطار بحث تنظيمي، انه بحث حول النظرية التنظيمية للاحزاب الشيوعية. انه بحث صلة هذه الاحزاب بالطبقة العاملة وبطليعييها.

ان حزب "جيد"، حزب ثوري، حزب "اناس طيبين"، حزب اناس تقدميين، حزب اناس دعاة مساواة وغير ذلك لايرد على هذه المعضلة. ان نقطة انطلاق النشاط الشيوعي هو طبقة خاصة وحركة خاصة داخل هذه الطبقة.

حين قام الحزب البلشفي بثورة اكتوبر 1917، وحين نظم الانتفاضة، كان معه آنئذ قسم مهم ومحوري من الطبقة العاملة الصناعية. لقد حذر لينين مراراً وتكراراً وناضل ضد تنظيم انتفاضة قبل اوانها او استلام السلطة السياسية قبل كسب قسم مهم من البروليتاريا الصناعية. لم يجلب البلاشفة معهم في يوم الثورة دون شك اغلبية الطبقة العاملة، وان اول ردود الفعل السلبية تجاه استلام السلطة السياسية من قبل الحزب البلشفي قد برز عند عمال المناجم. لكن كان قسم محوري من الطبقة العاملة مع الحزب البلشفي.

ان التاكيد على هذه الحقيقة والمبدأ المهم في النشاط الشيوعي وهو ان مسالة انتزاع الشيوعيون للسلطة السياسية يتم اهمالها وتجاهلها من طرفين وجانبين غير شيوعيين تماماً. احدهما من طرف اناس يفكرون ان الثورة العمالية مسموح بها فقط حين تكون اغلبية الطبقة العاملة معها. وفق هذه الرؤية، ولان مثل هذا العمل محال في مرحلة الحكومة البرجوازية، يُحال امر استلام السلطة السياسية الى المحال. من جانب اخر، ثمة شيوعيين لايولون اهمية تذكر لضرورة وعي وتنظيم ودعم قسم مهم من البروليتاريا الصناعية. وفق هذه الرؤية، ينظر الى استلام السلطة السياسية عملياً على انه عمل حزب (اجتماعي او غير اجتماعي او فدائي)، وبالتالي لايرى هذا النشاط حاجة اساساً لتعريف النشاط الشيوعي بوصفه نشاط طبقي واجتماعي للطبقة العاملة ويتبنى السياسة والممارسة الشعبوية.

الفصل 3-الظروف الموضوعية والذاتية للثورة الاشتراكية

ان الحلقة اللاحقة لتوضيح النشاط الشيوعي هي ان نسأل انفسنا ماهي ظروف واوضاع الثورة الاشتراكية؟ لماذا لاتتحقق اليوم، وماهي العوائق امام ذلك؟ ان هذا البحث هو احد نقاط الانشقاق داخل الشيوعية.

ان احد اسس الشعبوية، الليبرالية والقومية اليسارية هو ان تحقيق الثورة الاشتراكية منوط بنمو قوى الانتاج وتطور الراسمالية. وعليه، فان تحقيق الثورة الاشتراكية بالنسبة لهؤلاء ليس مطروحاً على جدول اعمالهم، الاعداد والتحضير لها هو مامطروح على جدول اعمالهم، اي ان تحقيق الثورة مرهون بالنمو المتعاظم للراسمالية.

طبقاً لفلسفة ماركس، يستلزم تحقيق اي تحول اجتماعي سلسلتين من الظروف. اولا الظروف الموضوعية. ان هذه الظروف تشير الى وجود الامكانية المادية، التكنيكية والانتاجية للمجتمع الجديد، ظروف بمعزل عن تفكير الافراد في المجتمع. ثانياً، الظروف الذاتية. ان هذه الظروف تشير الى ذهن وفكر من يقوم بمثل هذا التحول او الثورة. في المجتمع، قد تكون الظروف الموضوعية لتحول انتاجي او اجتماعي موجودة منذ مدة طويلة، بيد ان هذا التحول يتاخر تحقيقه وذلك لعدم استعداد الفاعل بعد. ان مثالاً بارزا على ذلك هو الثورات البرجوازية. ان هذه الثورات عادة تتم وذلك لان المجتمع والنظام الانتاجي للمجتمع جعل ذلك امراً ممكناً منذ مدة.

في مرحلة العبودية او الاقطاعية، لم تكن الظروف الموضوعية للثورة الاشتراكية موجودة. حتى اذا ارادت مجموعة ما تنظيم مجتمعاً اشتراكياً، فان الامكانات العملية لذلك غير موجودة. بالنسبة لماركس، ان الظروف الموضوعية للثورة الاشتراكية هو وجود المجتمع الراسمالي. وفق رؤية ماركس والبيان الشيوعي، مع وجود سلطة الراسمالية على المجتمع، خلقت الظروف الموضوعية للثورة الاشتراكية، ويمكن القيام بالثورة الاشتراكية وينبغي انجازها. ان البيان الشيوعي في الاساس هو اعلان هذه الحقيقة ونداء لانجاز الثورة الاشتراكية من قبل الطبقة العاملة. لايعتبر البيان الشيوعي اختراع والاتساع المتعاظم للقوة المنتجة او انتاج الراسمالية في المجتمعات الراسمالية شرط الثورة الاشتراكية. ان هذا هو احد اختلافات ماركس مع الاصلاحيين البرجوازيين واحد الاختلافات الاساسية للينين مع المناشفة.

ذكرنا مع الظروف الموضوعية لاي تحول اجتماعي (ومن بينه الثورة البروليتارية)، يتحدث ماركس عن الظروف الذاتية. من وجهة نظر ماركس، ثمة فاعل لاي تحول اجتماعي، وان الظرف الذاتي لانجاز ذلك التحول هو وعي ومطلب الفاعل او التغيير و"ذات" منجز التحول او الثورة.

وعليه، من وجهة ماركس، فان العائق الوحيد امام الثورة الاشتراكية هو عدم توفر الاوضاع الذاتية لهذه الثورة، اي عدم استعداد فاعلها، الطبقة العاملة. ان العائق الوحيد امام الثورة الاشتراكية هو التشتت، عدم الوعي ووجود الخرافات البرجوازية داخل صفوف الطبقة العاملة. ان مجمل سياسات البرجوازية تجاه الطبقة العاملة، من بينها القمع، الدين، الحركات والثقافة البرجوازية وغير ذلك، تصب في خدمة ابقاء الطبقة العاملة مشتتة وتبليهها كي تحول دون تحقيق الثورة الاشتراكية.

وعليه، فان النشاط الشيوعي هو مباشرة نشاط للتغلب على عدم الاستعداد هذا. ينبغي ان لانشك ان مجمل مؤسسة القمع الحكومية، مجمل صناعة الدين، مجمل الاكاديمية البرجوازية والفلسفة والثقافة البرجوازية والرجعية تستخدم ضد هذا النشاط الشيوعي. ان هذا النشاط الشيوعي هو ليس نشاط توعوي، بل نشاط سياسي يقف بوجه مجمل مؤسسة القمع والتبليه البرجوازي. وتستمد مجمل تكتيكات ومجمل الاشكال التنظيمية فلسفتها من هدف هذا النشاط. كي تكون الطبقة العاملة اكثر تنظيماً، وحدة، وعياً واقتداراً. ان هذه فلسفة كل التكتيكات في النشاط الشيوعي.

الفصل 4- وحدة وفصل ظاهرتين: الطبقة العاملة والمثقفين الشيوعيين

للحركة الشيوعيين للطبقة العاملة اساسين وركنين. احدهما اساس موضوعي ومادي نابع من المكانة الموضوعية للطبقة العاملة في الانتاج، واساس فكري علمي ونظري يتشكل خارج الطبقة العاملة.

ان الاحتجاج التلقائي للطبقة العاملة لايبلغ باحد بصورة تلقائية لنظرية الشيوعية. ان النظرية الشيوعية هي ثمرة اكثر الاشكال العصرية والمتقدمة لنقد المجتمع الراسمالي ومجمل النظريات البرجوازية. ليس بامكان الطبقة العاملة، استنادا الى نفسها وفقط عبر تعميم تجربتها اليومية، ان تبلغ هذه النظرية. اذ ليست نظرية ماركس تعميم لتجربة الحركة النقابية. ومثلما يوضح لينين في المصادر الثلاثة والاقسام الثلاثة للماركسية، نظرية ماركس هي نقد اكثر نظريات البرجوازية تقدماً. في تلك المرحلة، كان نقد فلسفة هيكل والمادية الميكانيكية لفيورباخ، نقد الاشتراكية الخيالية، نقد الاقتصاديين البرجوازيين مثل ادم سميث وريكاردو. غدت اليوم فلسفة علم الاقتصاد، الاشتراكية البرجوازية ومجمل منظومة انتاج الخرافات اكثر تقدماً وتعقيداً الى حد كبير من مرحلة ماركس.

ليس بوسع احد ان يرد على هذه النظريات والحركات والخرافات البرجوازية استناداً الى الاسس الطبقية او الغريزة الطبقية او التجربة اليومية في المعامل والمحلات، او استنادا الى التجربة اليومية للطبقة العاملة، ان يكتب الراسمال، البيان الشيوعي، الايديولوجيا الالمانية، تكتيكان، الامبريالية وغيرها. الابسط من هذا، ان يوضح للطبقة العاملة حتى الحثالة البرجوازي من احمد نجاد وصولاً الى بوش واوباما او الحركات البرجوازية، ويمضي في شن الحرب عليها.

يعد الوعي الشيوعي للطبقة العاملة امراً ممكناً فقط عبر النظرية الشيوعية لماركس. وان كانت هذه النظرية نفسها ثمرة وجود المجتمع الراسمالي، وان اساسها المادي يستمد من وجود الحركة او الغريزة الشيوعية داخل الطبقة العاملة، بيد انها تولد خارج هذه الطبقة. ان النظرية الشيوعية هي من اجل الصراع مع الحركات والنظريات البرجوازية، وهو قسم اساسي من النشاط الشيوعي وضروري للتغلب على الفرقة بين صفوف الطبقة العاملة. ان النظرية-العلم والفكر الشيوعي يستمدان قدرتهما وانسجامهما من الاستناد الى اكثر المكتسبات الفكرية والعملية للانسان. ان الشيوعية علم، وحالها حال سائر العلوم، يعد الالمام بها واستخدامها في المطبات اليومية خارج عن ايدي الطبقة العاملة. وتجعل البرجوازية فقط ذلك القسم وذلك المقدار من العلم والمنجزات الفكرية والمادية للبشرية يمكن ان تناله الطبقة العاملة فقط لماهو ضروري للعمل باداة الانتاج. الاهم من هذا، ان ابعاد الطبقة العاملة عن بلوغ المنجزات الفكرية هو لتامين فعالية الخرافات البرجوازية من الدين الى القومية، ومن الشيوعية البرجوازية الى الليبرالية. بدون نظرية ماركس الشيوعية، يُجعَلْ من امر التحديد السليم والخاطيء في السياسة وامام التكتيكات البرجوازية امراً مستحيلاً. مثل ان تنشد صناعة طيارة دون الالمام بعلم الطيران. او ان تعالج المريض دون معرفة طبية. الماركسية علم تحرر الطبقة العاملة.

لقد ذكرت ان النظرية الشيوعية تصاغ خارج الطبقة الطبقة العاملة وفي ذلك القسم من المجتمع الذي توفر له مكانته الطبقية امكانية الحصول والالمام بهذه النظرية. وان هذا القسم من المجتمع، قسم المتعلمين الاتين من البرجوازية ذوي الاوضاع الجيدة معيشياً. ان قسم من متعلمي البرجوازية، وفي صيرورة تعميق راديكاليته في خضم الصراعات الفكرية والاجتماعية للمجتمع، يبلغ شيوعية الطبقة العاملة. اذ ينتمي ماركس، انجلز، لينين، تروتسكي، منصور حكمت والاغلبية المطلقة من منظري الحركة الشيوعية وتكتيكييها ومحرضيها الى ذلك القسم من المجتمع. ان هذه الوضعية هي انعكاس للمكانة الاجتماعية والاقتصادية للطبقة العاملة. ولكن بجوار المثقفين الماركسيين، فان قسماً اوسع من المتعلمين في مرحلة من حياتهم يعلنون انفسهم او يعدوها تنتمي الى الشيوعية او حركة الطبقة العاملة، سواء جراء تذبذبهم وتيههم اوجراء النزعة الثورية، او جراء اوضاع واحوال العالم. ان امرءاً تعقب تاريخ الحركة القومية في العالم يعلم ان القسم الاعظم من القوميين في الستينات والسبعينات يعلن نفسه اشتراكي او حتى شيوعي.

على اية حال، تَشَكَّلَ النشاط الشيوعي، تاريخياً، فقط من اندغام هذين العنصرين، اي القسم الطليعي العملي للطبقة العاملة والمثقفين الماركسيين، وفقط عبر هذا الاندغام او التمازج تمكن من التشكل. امتزاج الحركة والغريزة الطبقية والشيوعية للطبقة العاملة والنظرية التي تصاغ خارجها. ان النشاط الشيوعي بمعناه الماركسي كان دوما وحدة هاتين الظاهرتين.

وعليه، يواجه النشاط الشيوعي امتزاح هاتين الظاهرتين: ان طبقة ومكانة طبقة في الانتاج يجعلان من الشيوعية ضرورة لها وترتبط بها غريزياً، ومثقفون خارج هذه الطبقة، يكتشفون عبر القناة الفكرية والمنطقية نظريتها ويستخدموها. احدهما تستلزمه حاجته الطبقية والاخر مسار منطقه الفكري. ان هاتين الظاهرتين مرتبطتين ببعض ويشكلان هوية، حركة، افق، تحرك ونشاط واحد.

ان لهذا الامتزاج شقوقه في الوقت ذاته، وتُدمَّرْ هذه الحركة جراء شقيها هذه مرات وعلى الاغلب، يحرفوها ويعطلوها. ان طرف هذا الشق في الطبقة العاملة. ان اساس هذا الشق هو التوهم الذي يرى ان الشيوعية، بوصفها علم، بوصفها امكانية النضال ضد الخرافات البرجوازية بوسعها بصورة تلقائية وعفوية ان تخضر داخل الطبقة العاملة ونشطائها العمليين. ان هذا التيار متخلف ويجعل الشيوعية عملياً بعيدة المنال على الطبقة العاملة.

بيد ان الطرف الاكثر اهمية، وعلى الاغلب الاكثر هلاكاً في هذا الشق، تجده في صف المثقفين.

لتوضيح هذا الشق، والذي استناداً الى سمته المثقفاتية، يجعله اعقد. قبل اي شيء ينبغي ان ندقق بالتفاوت ما بين العامل نفسه والمثقف من وجهة نظر النضال.

بالنسبة للعامل، لايعد النضال امراً اختيارياً. اما للمثقف، فانه اختيارياً. العامل يشرع بعمله من الصباح، وهو مجبر يومياً على القيام بذلك، وان يتجابه بالنظام الراسمالي. احدهم يريد سلب حقوقه، واخر يريد طرده، احدهم ينشد الغاء ضماناته او رفعها، اخر يبغي رفع وتيرة عمله وزيادة ساعة عمله، احدهم لايعطيه اجره وغير ذلك. بالنسبة للعامل، يبدء كل يوم بصراع ونضال ومقاومة. ان الحياة اليومية للعامل ممزوجة بالنضال ولايمكن فصلها عنه. وان هذا هو الصراع الطبقي. حيث يقول ماركس ان الصراع الطبقي ليس فقط اضراب او النزول للشارع والقاء الهتافات. يتحدث ماركس عن الصراع مستتراً مرة وعلنياً مرة اخرى، حتى التذمر الذي يقوم به العامل تجاه الراسمالي والراسمالية ويقول ان هذا ليس حقي هو جزء من الصراع الطبقي. العامل مثل العبد، يجابه يومياً مالك العبد، وعلى حياته ان تشرع يومياً من جديد عبر العمل لدى مالك العبيد.

ما اود قوله ان الحياة اليومية للطبقة العاملة هي هذه. انه ليس مثل الفلاح، حيث يقف لينظر هل يهطل المطر ام لا، او على سبيل المثال ان عمله فصلياً، يناضل فصل ليجلس يستريح بعدها. ان العامل، وحتى حين يعود لبيته، يديم حياته الانتاجية ويديم نضاله. ان الطبقة العاملة ليس العامل كفرد. ان العائلة العمالية مكان اعادة انتاج قوة عمل وهي جزء من اطار يجعل عملية الاستغلال الراسمالي امراً ممكناً. بالنسبة لطفل الطبقة العاملة، اي الجيل القادم من العمال، ومنذ شروع طفولته، ان مفاهيم مثل البطالة، ساعات العمل، الطرد من العمل، الاجور غير المدفوعة، العمل الاضافي، الراسمال، العامل وفي المطاف الاخير الاحتجاج، الاضراب، عمال المعمل هي مفاهيم مفهومة لديه. يكبر معها. وترى المراة، ربة البيت في العائلة العمالية، ان عملها ورسالتها تتمثل باعداد وتهيئة الرجل العامل للغد، وتعد الاطفال للعمل في المستقبل ولاتنال اجر عن عملها، ليس هذا وحسب، بل انها ترسف في الاحتقار والقمع. انها حتى ترزح تحت قمع الرجل العامل غير الواعي والساخط على حياته، وتلوثه الخرافات التي تنتجها البرجوازية. ورغم هذا كله، تكون مجبرة على الاغلب على ان تعمل هي نفسها. ما اود قوله هو بالنسبة للطبقة العاملة، سواء أكان عامل ام عائلة عمالية، عدم النضال هو ليس اختيار. ان الطبقة العاملة تعيش مع النضال ضد الراسمال.

الامر ليس كذلك اساساً بالنسبة للمثقف، الذي يتمتع بنشأة برجوازية او بوسعه ان يعمل في المجتمع بوصفه برجوازياً. بوسع المثقف ان يقرر ان لامزاج له للقيام بالامر الفلاني، انسحب من النضال، اغلق محلي اليوم، اخذ اجازة، لا اعمل مدة، الان اقوم بتغيير نمط حياتي، ادرس وغير ذلك. المهم يتمتع بدرجة من الاختيار. ليس بحثي حول ان هذا الاختيار حسناً او سيئاً. ليت للطبقة العاملة هذا الاختيار كذلك، وبوسعها ان تستريح قليلاً. المثقف، البرجوازي الصغير او البرجوازي يؤسس منظمة ولكن بوسعه ان يقول يوماً ما ساعمل بصورة فردية، ساستريح. او اترك النضال اساساً.

ليس بوسع العامل ان يعفي نفسه من النضال ضد البطالة، ليس بوسعه القول: "مع السلامة!"، لا اشارك بعد في النضال من اجل الضمانات، من اجل زيادة الاجور. ليس بوسعه الانسحاب من النشاط الشيوعي او الحزب الشيوعي الذي يقف في مقدمة مثل هذا النضال. ان حياته تتراجع.

ان العمل الفكري عمل فردي على الاغلب، وان المثقف بصورة تلقائية او غريزية ينظر للعالم بصورة فردية. بالنسبة للمثقف وحملة الشهادات، الفرد محور كل شيء. انهم بوحدهم يبلغون شيء ما، شيء يخترعوه او ينتجوه. ان صلة المثقف بثمار عمله مثل صلة البرجوازي الصغير بثمار عمله، وان هذه العقلية ذاتها تنتقل الى العمل المنظم والنشاط السياسي ايضاً.

بالنسبة للعامل، الحياة والنضال امراً جماعياً، البطولة والانضباط جماعي، التقارب والابتعاد ذا معايير جماعية، اي سواء بصورة عمل جماعي او على شكل نضال جماعي. ان حياة الطبقة العاملة ونضالها اجتماعيان. ان اختلافاتها واحتكاكاتها وتصادماتها وشقوقها تولج النشاط الشيوعي كذلك.

ان البرجوازي الصغير والذهنية الفردية تحل ببساطة العصيان الفردي محل النضال الجماعي، تضع البطولة الفردية محل البطولة الجماعية، الانضباط والالتزام في النشاط المنظم هو امر يكبل الايادي. اعلان الموقف محل السعي للاتحاد والانتصار. بالنسبة له الانتصار غير مهم، النضال والبطولة الرومانسية امراً جذاباً. الاستماتة الفردية وانا الاصل، وعليه تغدو النزعة المغامراتية والفردية محور ومركز كل شيء.

مثلما ان العامل غير مصان من النزعة المتخلفة المعادية للمثقف، ان المثقف غير مصان تماماً امام هذه التيارات الفردوية، ويدفع على الاغلب الى تشكيل حركات معادية للعمال الى حد بعيد.

على اية حال، ان هذه الشقاق، كلاهما، تضفي تعقيدات مهمة على النشاط الشيوعي سواء من حيث البعد التنظيمي او البعد السياسي والاجتماعي ينبغي ان تاخذ ردها دوماً وبوعي.


الفصل الخامس- اي تنظيم يستلزمه النشاط الشيوعي؟

الى هنا تحدثنا عن ان النشاط الشيوعي هو ليس نشاط عاماً وفنياً. انه امر نظري وحركي (من حركة-م). ذكرنا ان الهدف والوسيلة، الاهداف واسلوب العمل ظواهر مندغمة مع بعض ولايمكن وضعها بتناقض مع بعض. ان الهدف والوسيلة، الحركة واسلوب العمل مرتبطين ببعض.

ومثلما يؤكد البيان الشيوعي، ان النشاط الشيوعي ليس نشاط احادي البعد. ان لهذا النشاط سمات عامة واحدة اشرت لها سابقاً؛ ومع التغير في خصائص المجتمع سواء من حيث الزمان او من الناحية التاريخية والجغرافية لاندحة من ان يكون له سمات خاصة ايضا دون شك. ولهذا، فان موضوعنا يتعلق بالخصائص العامة وخصوصية النشاط الشيوعي في اوائل القرن الحادي والعشرين وفي ايران.

من الواضح ان النشاط الشيوعي هو نشاط يرتبط بالتنظيم؛ وان التنظيم يجد معناه فقط عبر منظمة. وعليه، فان السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: على اي معضلات ينبغي ان يرد النشاط الشيوعي في عالمنا المعاصر، وباي سمات ينبغي ان يتمتع.

حين تدخل حرباً ما ينبغي عليك اولاً ان تحدد معنى النصر فيها. في الخطوة اللاحقة، ينبغي ان تقيّم بصورة صحيحة قواك وقوى العدو، واخيراً، ينبغي ان تحدد تنظيمك وتكتيكاتك في هذه الحرب. ان اي امرء شارك في معركة، صراع او حرب ما يعرف ان اي غموض او ابهام في هذه التكتيكات او تحديدها على شكل مرحلي (اي على شكل مراحل عمليا منقطعة ومنفصلة عن بعض ولايربطها رابط-م) (وفق قول لينين، عبر تكتيك مرحلي او هدف مرحلي او تنظيم مرحلي وغيرها) هو امر مميت وقاتل. برايي، ان هذه التشوشات والابهامات هي مصدر الحاق الهزيمة بنا في الحزب الشيوعي الايراني وكوملة امام الجمهورية الاسلامية حين كانت في اضعف اوضاع النظام.

تحدثنا سابقاً عن اهداف حرب البروليتاريا مع البرجوازية. ان السؤال المطروح هو اي تنظيم نحتاج للنصر في هذه الحرب؟ ليس قصدي من التنظيم هو الترتيبات التنظيمية الادارية والهيكل التنظيمي وضوابطه. الاهم من ذلك هو ينبغي توضيح الامكانات اللازمة في الميادين المختلفة لهذه الحرب. ان كل حرب تشمل، دون شك، جملة من المعارك المختلفة، وان ماينبغي ان ننتبه اليه هو ان الانتصار في معركة ما لايعني الانتصار في الحرب. لهذا، فان تحديد الانتصار في كل معركة ينبغي ان يتضمن صلته في الانتصار بالحرب. اذا حددت المعارك بمعزل عن الحرب، ستصل الى مجموعة من النشاطات المعزولة عن بعض، لاتربطها صلة عضوية وبنيوية ببعض، ولذا تقع في نزعة اكسيونيستية (حركية-م). ولهذا فان التنظيم الذي نحدده للنشاط الشيوعي ان يكون قادراً على الانتصار في المعارك وفي الحرب على السواء. لذا، من الواجب ان نحدد بدقة، بالاضافة الى التنظيم بمعناه الفني، مايخص نجاعته وتاثيره، واسلوب عملنا التنظيمي والعوائق التكتيكية والاستراتيجية التي تعترضه؛ ونحدد طرح او خطة عامة لمثل هذا التنظيم بوسعهما ان يلبيا مستلزمات الهدف الاخير للحرب في مرحلتنا. ان الحرب لاتبدء من لحظة انطلاق اول طلقة او ان الحرب لايمكن تصويرها على انها فقط نشاط وفعالية اللحظة في ميدان المعركة. الحرب مجموعة متنوعة جدا من النشاطات والتفاعلات التي تسبق كثيراً الشروع باطلاق النار، بالاضافة الى ان مصير حرب ما يحدده مجموعة واسعة كثيرا من الاعمال في الجبهة وخارج الجبهة قبل الحرب الاخيرة. التدريب، التحضيرات، معرفة العدو، التكتيك الصحيح و..... غيرها ليست سوى نماذج من هذه التفاعلات.

ان حرب الاطاحة يالبرجوازية هي اعقد من اي حرب اخرى، وان الانتصار فيها هي اكثر لامتماثلة (اي لايشبه الطرفين واساليبهم بعض-م) من اي حرب مالوفة، اي ان الطرفين كلاهما يستخدمان امكانات وادوات مختلفة كلياً. ولهذا، يجب التدقيق والانتباه الى مجمل جوانب هذه الحرب. ان امرء يدعي ان الطبقة العاملة ستنزل للشوارع في يوم مشمس وترسي حكومتها اما ساذج او انه يسعى الى جر الطبقة العاملة، مغمضة العينين، الى ميدان لانتصار هذا الطرف او ذاك من البرجوازية. ذكرت ان النشاط الشيوعي للطبقة العاملة لاندحة له من تنظيم الثورة البروليتارية مسبقاً بصورة واعية وتجلب الحكومة العمالية او ديكتاتورية الطبقة العاملة، اي الاطاحة بكل البرجوازية من كرسي السلطة.

اود ان اشير هنا الى تحريف منظم ورثه اليسار من الحركات البرجوازية. يتمثل التحريف باختزال معنى الاطاحة، من وجهة نظر الطبقة العاملة، الى الاطاحة بالحكومة، الاطاحة بـ"النظام"، وحتى بعض الاحيان، بالاطاحة بقسم من النظام او قسم من البرجوازية. من الواضح ان الاطاحة بالبرجوازية يقتضي دون شك الاطاحة بالجمهورية الاسلامية بوصفه شرط مسبق، بيد ان تعريف الثورة البروليتارية بالاطاحة بالجمهورية الاسلامية، يتضمن تصور ان حصيلة هذه الاطاحة هو حكومة اشتراكية. ان الشعبوية تحل بهذا الشكل الطبقة العاملة وتذيبها في الحركات البرجوازية الاوسع. حركات يمثل هدفها لا الاطاحة بالبرجوازية، بل الاطاحة بنوع من سلطة البرجوازية وحكومتها. بوسع الطبقة العاملة ان تنتزع السلطة فقط حين تعرف البرجوازية بكامل قيافتها وهيئتها وتعرّف نفسها على انها بالضد منها وتعرّف حربها بكل هيئتها ضد الراسمالية كي تتمكن من برمجة وصياغة معاركها، ومن ضمنها معاركها من اجل الحقوق الديمقراطية او حتى المطاليب الاقتصادية للطبقة العاملة بدقة.

ان هذا التحريف كان على امتداد التاريخ احد اكثر الادوات تاثيراً في حرف حركة الطبقة العاملة. ان احد اهم اساليب البرجوازية للابقاء على الطبقة العاملة في اطار الحركات البرجوازية هو بالضبط اختزال وتقليل البرجوازية الى النظام او الحكومة السائدة.

ان التيارات الاساسية للبرجوازية تعرّف النظام الحاكم بوصفه النظام او الحكومة السائدة. عبر هذه القناة، تتعقب مجمل الاصلاحية البرجوازية، القومية، الشيوعية البرجوازية والشعبوية، الخط ذاته بوصفها خدمة التيارات الاساسية البرجوازية. عبر اختزال النظام الراسمالي الى النظام او الحكومة القائمة، يتخذ الاحتجاج والبديل السمة غير الاشتراكية نفسها كذلك. تخلي الثورة الاشتراكية مكانها للثورة الشعبية، ثورة الشعب، ثورة انسانية وثورة وطنية وغيرها. وعبر هذا السبيل، يُبتسر نضال الطبقة العاملة، ويُختزل النشاط الشيوعي والمنظمة الشيوعية الى نشاط وتنظيم معادي للنظام والنضال الشيوعي الى نضال ما عام. ان صلة المنظمة الشيوعية غير العمالية بالطبقة العاملة هي اما صلة نشاط وتنظيم معادي للنظام بصورة محض، او لاقل ان غياب صلتها الراهن ناجم عن هذا الافق وليس عن الاخطاء التنظيمية او انعدام المعرفة. بل ان اشكال المعرفة هذه هي التي تحدد وتصيغ عملنا. ان تغيير المعارف هو كنه الشيوعية البرجوازية. ان النقطة المشتركة لمجمل التوجهات والحركات البرجوازية هو افراغ الدولة من محتواها الطبقي. ان الحكومة الراسمالية في ايران يتم تفسيرها والتعبير عنها بمفاهيم من مثل النظام الاسلامي، جمهورية اسلامية ليست راسمالية كثيرا، حكومة احمد نجاد، حكومة سارقي النفط وغيرها. وعلى هذا الاساس، يسعى ذلك القسم من البرجوازية الذي هو خارج الحكومة القائمة او الذي يتعقب مصالحه الخاصة امام الاقسام الاخرى من البرجوازية، عبر هذه النظريات والحركات، الى كسب اعرض القوى وبالاخص من الطبقة العاملة، وفي الوقت ذاته يتستر على المحتوى الراسمالي للنظام الحاكم ويخفيه. ان هذا هي بالاخص قسم من هوية حركة حملة الشهادات المحتجين في بلدان مثل ايران. انهم كلهم لايتخطون نطاق التحول البرجوازي، ليس هذا وحسب، بل ان مجمل سعيهم هو ان لايسمحوا للطبقة العاملة ايضاً ان تخرج من هذا النطاق. وتجد انعكاس هذه الحقيقة في منظمتهم المنشودة او المنظمة والحزب والتحزب الذي يوصون به للطبقة العاملة.

اذا كان هدفك الاخير هو الاطاحة بالنظام او الحكومة، بدون اي محتوى طبقي، فانك تحتاج الى نشاط ومنظمة تتناسب وتتطابق مع هذا النشاط. واذا كان الهدف هو الاطاحة بالبرجوازية، بوصفها طبقة على اية هيئة كانت او شكل من اشكال الحكومة، فانه يستلزم نشاط ومنظمة اخرى.

بوسع النشاط الشيوعي والثورة الشيوعية ان يجلبا، في احسن الاحوال، كادحي المدينة وفقرائها واقسام من البرجوازية الصغيرة للطبقة العاملة والثورة البروليتارية. ولكنه لامر واضح ان بقية اقسام المجتمع التي هي اساساً بمكانة ووضع برجوازي (كبير او صغير) سيتصدون بمجمل قدراتهم العملية، الفكرية والدعائية لهذا النشاط وهذه الثورة، وسيرفعون السلاح بوجهها. ان اي توهم بهذا الخصوص هو امر مميت وقاتل. ان حرب البروليتاريا من اجل الاطاحة بالراسمالية هي حرب طبقية اخيرة. ومثلما يتحدث النشيد الاممي، ان هذا الصراع هو اخر الصراعات واكثرها حسماً. انه اخر صراع طبقتين تقفان بوجه بعض. ان الاقسام الدنيا للبرجوازية التي اشرنا اليها تنضم، بدرجة ما، وفي عملية وصيرورة ما، بالثورة البروليتارية او تتخذ موقف محايد ينبغي ان لايغطي حقيقة وواقع اساسيين و عموميين واوسع. حين يمضي المجتمع صوب الثورة البروليتارية يستقطب بصورة كبيرة وستقف كل البرجوازية بوجه البروليتاريا. اذا غشا البروليتاريا وهماً بهذا الصدد او ان تكون غير مستعدة تجاهه، سيكون مصيرها الهزيمة دون شك.

يستلزم النشاط الشيوعي تنظيم ومنظمة ترد على هذه الحاجة. ان النشاط والمنظمة التي تسعى لتسلم السلطة عبر التناقض مابيد دولتين، نشاط ومنظمة يعتقدان ان بوسعهم اقامة الثورة البروليتارية" خلف الكواليس" وعبر "الشطارة السياسية" الحركة القومية بصورة مباغتة وفورية وبدعم الجماهير، فانهم اما يقوموا بخداع النفس او بالتلاعب بالاخرين وتضليلهم. وعلى الاغلب انه تلاعب وخداع لان الحركات البرجوازية تاريخياً قد "غرسته" في الطبقة العاملة. في السياسة والصراع الطبقي، يقع كل هذا "الذكاء" و"الشيطنة" على راس الطبقة العاملة وحسب.

وكي نتمكن من معرفة القدرات والامكانيات التي تحتاجها منظمة شيوعية، علينا ان نشرع بتبيان وتوضيح قدرات البرجوازية وامكانياتها. لنرى ماهي الادوات الاساسية التي تتمتع بها البرجوازية، وباي قدرات وامكانيات تتمتع الطبقة العاملة وكيف يمكن عبر الاستفادة من هذه الامكانيات ان تمضي لحرب البرجوازية والحاق الهزيمة بها. ساخصص الفصلين المقبلين لهذا الموضوع، واتناول بعدها السمات التنظيمية اللازمة لنشاط شيوعي.

الفصل السادس-امكانيات البرجوازية

ساشرع بدءا بالحديث عن امكانيات البرجوازية لمجابهة النشاط الشيوعي. تشن البرجوازية حملتها على الطبقة العاملة عبر ادوات متنوعة كثيرة، وتسعى الى التضييق على النشاط الشيوعي او تجعله امراً مستحيلاً.

ثمة مشكلة الا وهي ان اغلبية اليسار وبعض الناشطين الشيوعيين يرون ادوات البرجوازية على الاغلب بشكل يقتصر على القمع والاستبداد. ولهذا يظنون، من جهة، بانه ما ان يزول القمع، يغدو النشاط الشيوعي اسلس وابسط واكثر مباشرة، ومن جهة اخرى، وعبر عدم رؤية كل الادوات الاخرى للبرجوازية التي هي على الاغلب ان لم تكن بقدر القمع تاثيرا، فانها ليست اقل تاثيراً، وبالتالي، يخسرون الحرب مع البرجوازية. من المؤكد ان القمع هو اهم ادوات البرجوازية. بيد ان قصر ادوات البرجوازية على القمع يخلق "معضلـ"تين. اولا، لايمكن توضيح مسالة ان في البلدان الراسمالية التي تتمتع بحريات ديمقراطية، فان الطبقة العاملة مشتتة وان الثورة الاشتراكية خارج ايديها. ثانياً، ان مثل هذا الفهم يقصر نضال الطبقة العاملة والنشاط الشيوعية في اطار النضال الديمقراطي، ويضعهما في خدمة التيارات البرجوازية الاصلاحية او الشيوعية البرجوازية، الشعبوية وغيرها.

وعليه، نسعى هنا ان نشير الى اهم ادوات البرجوازية. ونظراً لمحدويات الوقت لانستطيع ان نشير الى مجمل امكانات البرجوازية، ولكننا نشير الى اهمها.

من بين امكانيات البرجوازية وادواتها نشير الى ثلاث مجاميع من هذه الامكانيات التي تبقي على تبعثر وغياب الوعي لدى الطبقة العاملة، وعلى النشاط الشيوعي احباط اثرها. ان هذه المجاميع الثلاثة هي:

• امكانات الدولة
• الامكانات غير الحكومية ومافوق قانونية
• الثقافة، الافق، الاحزاب، الحركات والاهداف

من المؤكد ان هذه المجاميع الثلاثة مرتبطة ومندغمة مع بعض. ولكن فصلها عن بعض يساعد على توضيح جوانب مهمة من نشاط ينبغي تنظيمه.

1- امكانيات الدولة
ان اول مجموعة ينبغي رؤيتها هي في اطار الدولة. ان الدول اداة قمع. يواجه اي نشاط شيوعي او عمالي في الخطوة الاولى العوائق التي تضعها الدولة امامهما. ان اهم هذه العوائق هي القوانين التي تدافع عن ملكية وسائل الانتاج، وعن التضييق على مدى ونطاق عمل التنظيم والنضال العمالي. ان سند ودعم هذه القوانين هي القوة القسرية والقمعية للدولة. ان هذه القوانين لايمكن تطبيقها دون هذه القوة. ان هذا امر يعرفه اي عامل واساساً اي فرد في المجتمع.

القانون في مجمل العالم هو: الملكية الفردية لوسائل الانتاج امراً مقدساً، استغلال العامل هو امر قانوني. وطبقاً للاعراف العامة في المجتمع، للراسمالي حق الربح، واذا لم يربح بوسعه اغلاق المعمل وطرد العمال. ان اي نشاط يتناقض مع هذه القوانين، اي ان اي نضال يومي للطبقة العاملة التي تجابه دوماً هذه القوانين او تكون مبعث حملة العمال وهجومهم، سيجابه بالقوة القمعية للدولة.

الاكثر من هذا، ان البرجوازية دائماً، وباشكال متنوعة، هي في حالة استباق للنشاط العمالي والشيوعي وفي صراع دائم للحيلولة دون تشكل هذه النضالات والتشكيلات. فالنشاط الشيوعي والناشط الشيوعي في حالة مجابهة دائمة مع مؤسسات الدولة والشرطة، تحت اعينها وعند الضرورة يكونا عرضة لحملة مباشرة. ان اي نشاط يوحد الطبقة العاملة، اي يعرض طبقاً للتعريف اركان ربح الراسمال، يجابه برد فعل الدولة. الشرطة، القوة القضائية، قوة القانون، وعند الضرورة، الجيش وسائر القوى المسلحة للدولة. القمع، المطاردة والتعقيب، تحديد الاشخاص والامور، ترهيب النشاط الشيوعي هي اساس القضية. ينبغي على النشاط الشيوعي ان يكون قادراً على ان يديم ويواصل عمله بمجابهة هذه المنظومة ويلحق الهزيمة بها.

2- الامكانيات مافوق القانونية وغير الحكومية

زد على الامكانيات القانونية والحكومية، تتمتع البرجوازية دوماً بطيف واسع من الامكانيات مافوق القانونية. بيد ان هذه الامكانيات اتخذت ابعاد واسعة جداً اليوم. فبالاضافة الى الجماعات مافوق القانونية من مثل قوات البسيج وحزب الله وانصار الله وغيرها، نُواجه بطيف واسع من الاحزاب البرجوازية المسلحة التي تبدو في المعارضة، ولكنها على استعداد، اذا ماتمكنت، ان تجابه النشاط الشيوعي بحملة نظامية وترهيبية من قبل العصابات المنتمية لها. ان هذه تشمل من الاحزاب الدينية الى القومية.

ان هذه الظاهرة لاتقتصر على ايران، ففي العديد من بلدان العالم، فان شرطة متقاعدين او ماجورين منظمة على هيئة جماعات مسلحة وتدافع عن مصلحة البرجوازية. في امريكا، يكون عادة العمال الشيوعيين عرضة لقمع وطرد وارهاب الشرطة الخاصة للبرجوازية. في البرازيل، لازال رجالات الشرطة المتقاعدين او المستقيلين والماجورين يستخدمهم الراسماليون لقتل اطفال الشوارع عديمي المعيل والمأوى، يقمعون الاحتجاجات العمالية ويغتالوا الناشطين الشيوعيين ذوي النفوذداخل الطبقة العاملة.

ما اريد قوله هو اننا لانواجه الجماعات المسلحة الحكومية فقط. ان الراسماليين او الاحزاب والتيارات البرجوازية والدينية تشكل نفسها جماعاتها وعصاباتها. يستفادون من المنظمات التي لديها قوى مسلحة، من المافيات الى التيارات القومية التي، بالاضافة الى الدعاية واشاعة الخرافات الدينية والقومية والسياسية، تسعى الى ارهاب العامل والناشط الشيوعي للطبقة العاملة، وبالاخص حيث يناضلان ضد هذه الخرافات، وان يدمروا تنظيمهم وغير ذلك. ان نماذج ممارسات الحزب الديمقراطي الكردستاني في ايران بوجه الحزب الشيوعي واحزاب اليسار، نماذج ممارسات السلفيين وقوى من مثل حماس وحزب الله وغيرها هي فقط غيض من فيض النماذج الموجودة. على النشاط الشيوعي، الزاماً، ان يضع بالحسبان هذه الظاهرة التي اتسعت في قرننا بصورة لامثيل لها، وان يشكل مقابلها قدرة الدفاع عن نفسه.

3- الثقافة، الدين، الحركات والافاق، الاعلام والاكاديميا

بيد ان اهم اداة مؤثرة بيد البرجوازية لاخضاع الطبقة العاملة، واهم من القمع، منظومة هائلة لانتاج الخرافة سواء اكانت سياسية، اقتصادية، دينية، قومية، جنسية وغيرها. ان الدولة البرجوازية تديم عمرها استناداً الى الفرقة داخل الطبقة العاملة. وان اهم سمة للخرافات هي صيانة وتامين هذه الفرقة داخل صفوف الطبقة العاملة. ان اهمية النضال ضد هذه الخرافات لايتمثل بالرد العلمي عليها صرفاً، بل في نضالنا مع انفسنا تجاه ماتبثه من فرقة في صفوف الطبقة العاملة.

ان صناعة الدين، صناعة القومية، مؤسسة انتاج واعادة انتاج الثقافة البرجوازية السائدة، الافكار، الثقافة، الاعلام والاكاديميين المنهمكين بـ"قلب الحقائق"، النظريات والعقائد التي تبرر للنظام القائم التي يروج لها صباح مساء عبر التلفاز ووسائل الاعلام، المدارس والتربية والتعليم، عبر الثقافة السائدة، عبر خلق الاساطير، الابطال واللا ابطال، القيم واللاقيم، عبر صياغة النظريات السياسية والفلسفية والاقتصادية، ينتجوها لكي يمرروا عالماً مقلوباً على المجتمع وبالاخص الطبقة العاملة. عالم تقبل فيه الطبقة العاملة ان قانون العالم هو هذا بالاساس، وان تبقى مبعثرة كطبقة امام البرجوازية.

في عالمنا، ومنذ اليوم الاول الذي يولد فيه الانسان، تعمل عليه هذه المنظومة الهائلة لغسل الدماغ. لو انك تقوم بالف دعاية شيوعية لطفلك، فانه ياخذ بدءاً مَعْلَمْ الحسن والسيء من المجتمع ومن الثقافة السائدة في المجتمع ومن التلفاز والاطراف المحيطة به.

الاعلام والصحافة ومنظومة الترفيه والشهرة والاستعراض، الاثراء والنجاح قد هيمنت على عالمنا المعاصر. ففيما يخص تبليه البشر، فان الصحافة تلعب الدور ذاته الذي قامت به الكنيسة في اوج العصر المظلم للقرون الوسطى. اذ تنقل اليوم بي بي سي وسي ان ان وقناة سكاي وشبكات التلفاز المختلفة كل شيء في عالمنا هذا بصورة مباشرة وحية وبتحليل وتوضيح مبرمج للصحافة الخانعة والذليلة الى بيتك وتلقنه لك ولاطفالك. لم يكن الوضع كذلك في مرحلة ماركس ولينين وحتى اواخر القرن العشرين.

تتمتع البرجوازية اليوم اكثر من اي وقت مضى بمؤسسة هائلة لانتاج الخرافات وتبليه الناس بحيث لاتحتاج الى القمع المباشر على الاغلب. التربية والتعليم، المدارس والجامعات وقبل ان تكون مراكز لانتاج الفكر، فانها مؤسسات لانتاج الاوهام والخرافة. والى الحد الذي تحتاج فيه البرجوازية الى العلم بمعناه الفيزيقي في عملية الانتاج الراسمالي، فان مصلحتها تستلزم ان تبقى موضوعية. ولكن بمحض ما تبلغ ميدان المجتمع، تكون المنظومة كلها مؤسسة لانتاج الخرافة والاوهام، مؤسسة يؤمل منها قولبة النظام القائم. مثلاً، مديرية تدرسكم في الجامعة استناداً الى فرضية "بديهية"، وهي ان احد يعمل لدى الاخر، وان ذلك الشخص يؤمن معيشته عبر هذه القناة؛ وان الاجر ونيل الاجر اساس حقيقة عالمية. تنشأ وتترعرع امام انواع واشكال من هذه الحقائق.

اذا سالت اي امرء يدرس في مدرسة او جامعة هل ان نيل الاجر واعطاء الاجر هو امر طبيعي ام لا؟ لاحظ ماهي النسبة المئوية التي تقول: حسناً، انه لامر معروف ان الانسان يعمل، وفي المطاف الاخير، وينال اجرا واخر يعطي اجراً. ان الانسان في المجتمع البرجوازية يعتبر وبصورة طبيعية هذا امرا طبيعياً ولايحتاج الى سؤال اساساً. لايعتبر المجتمع الاستغلال امراً سخيفاً. الدين كذلك هو خالق مبررات الحقيقة ذاتها وترياق لنسيانها. ان نظام المدرسة ونظام المسجد، نظام الجامعات والحوزة العملية هي اشكال مختلفة لالية التبليه.

لايُرد على هذه المنظومة بالنشاط الصحفي ونشر الحقائق الشيوعية. ومن ضمن انه ينبغي عليه ان يستفاد من هذه الاليات، يستلزم النشاط الشيوعي سبيل عمل والياته الخاصة به.

انه حكم المادية التاريخية لماركس الذي يقول "الثقافة السائدة في المجتمع هي ثقافة الطبقة السائدة على المجتمع". وعليه، فان مايتم تقديسه بوصفه ثقافة الجماهير، ثقافة الشعب، هو ليس شيئاً سوى التعبير عن احاسيس واشكال فهم وقيم في اطار ثقافة الطبقة الحاكمة. وحتى اكثر الصلات خصوصية بين الناس، مثل صلة المراة والرجل، التعامل مع الاطفال، التطلع من الحياة هو امراً تابعاً لثقافة الطبقة السائدة في المجتمع.

وان هذه الثقافة تعيد انتاجها بصورة منظمة المؤسسة البرجوازية الهائلة، بالدولة والحركات السياسية والاجتماعية والحركات الفنية والفكرية. وتعتبرها المنظومة الانتاجية للمجتمع امراً طبيعياً. ونظراَ لامكانيتها المحدودة في الحصول على المكاسب الفكرية والثقافية والعلمية للمجتمع، تبقى الطبقات الكادحة للمجتمع عادة في اوضاع اكثر تخلفاً. ويعاد انتاج هذه الثقافة في المجتمع بصورة منتظمة من قبل مجمل الاعلام، الدولة، الدين، الجامعات، الحركات القومية والتيارات البرجوازية الاخرى، واخيراً التربية والتعليم وتضعها امام المجتمع ككل بوصفها بديهيات. ان هذه المؤسسة الضخمة هي بهدف اقناع العامل والكادح ان تغيير العالم هو فقط في اطار هذه المعطيات "الطبيعية".

اليوم في اوربا، وفي بعض الاحيان في العالم كله، يُمَثَّلْ سبيل السعادة بان تكون معروفاً، مطرباً، لاعب كرة قدم او فنان. اليوم، وحتى مثل المرحلة السابقة للمجتمع البرجوازي لايُقتدى بشخص يكتشف علاجاً للسرطان، او شخص ذا فائدة للمجتمع او اشياء من هذا القبيل. اذ يتم تعقب السعادة علنياً خارج العلاقات الانتاجية للمجتمع.

ان الاتحاد الداخلي للطبقة العاملة والنضال ضد التشرذم و الفرقة التي يعيد انتاجها مجمل هذا النظام تحول الى امر نضالي سياسي معقد، وهو امر ممكن فقط عبر وضوح الرؤية الماركسية و اطلاق المحك الطبقي على كل شيء. في هذا السياق، تجعل هذه المنظومة النشاط الشيوعي عرضة للهجوم والحملات كي تؤمن تشرذم الطبقة العاملة وسلطة طبقة الراسمال.

ان التحرر التام للمجتمع، ومن ضمنه تحرر الطبقة العاملة، منوط بزوال الصلة الانتاجية التي تجعل هذه الثقافة وهذه القيم امراً ضرورياً وتعيد انتاجهما. سنوضح في مكان اخر كيف ان بوسع الطبقة العاملة، في خضم نضالها اليومي، وتجد البرجوازية وجها لوجه معها باوجه واشكال مختلفة، ان تخلّص نفسها من هذه المنظومة.

من هذا الجانب، ومن هذه الزاوية، على النضال المناهض للدين، النضال ضد اضطهاد المراة، النضال ضد القومية، النضال ضد مجمل اوجه الثقافة السائدة التي تضيق الخناق وتشوش الاتحاد الشامل، العام والطبقي للطبقة العاملة، وبالاخص ناشطيها وقادتها، ينبغي المضي ابعد من النقد المنطقي، الانساني والديمقراطي، وان ترتقي الى نقد اشتراكي، ان الصلة بينها هو انتاج واعادة الانتاج الراسمالي وتامين تشرذم الطبقة العاملة. ان النشاط الاقتصادي ليس موضوعا يتعلق بالاجر والنضال الاقتصادي فحسب، بل ان النشاط الشيوعي يجعل من هذا النضال اساس لفرض التراجع على كل هذه الخرافة. تستند درجة الاتحاد الداخلي للطبقة العاملة بصورة مباشرة بدرجة وعيها بالسمة الطبقية للثقافة السائدة.

ان فرق الطبقة العاملة عن سائر الكادحين والمحرومين يتمثل بان هذه الطبقة تتجابه في كل لحظة من حياتها بالنظام السائد، تتجابه بحقيقة عماليتها وبرجوازية الطرف المقابل، وتجربهما. ان حقيقة دورها الجمعي في الانتاج وحقيقة نضالها اليومي يوفران الاساس المادي لفرض التراجع على الثقافة البرجوازية. ان هذا الواضع لايتمتع به الفلاح ولا البرجوازي الصغير حتى ..... اذا اراد العامل تحسين حياته، ان يرفع من اجره وغير ذلك ان يقول ان هذا ليس حق، الاستغلال ليس نصيبي، الاستغلال ليس نصيب اي احد. ساتناول هذا لاحقاً. اود ان اؤكد هنا ان ليس بوسع النشاط الشيوعي ان لايولي بالاً لهذه الجوانب، وان لايفتح ميداناً واسعاً ضد البرجوازية، وان لايعد هذا جزء لايتجزء من نضاله.

وعليه، يعود النشاط الشيوعي الى امر هو يجب ان لاتكون قادراً على الرد على الشرطة والمؤسسة القمعية للبرجوازية، بل ان تنقد الثقافة والسياسة الحاكمة، ان ترد على الجامعة والمدرسة، ترد على الدين، وعلى الصحافة الخانعة الذليلة ليس من زاوية المنطق والحجج والبراهين والنزعة الانسانية، بل من زاوية المصلحة المباشرة للبرجوازية والطبقة العاملة. وان هذا ليس نشاطاً توضيحياً (توضيح الحقائق والامور-م). انه حرب. حرب على جميع الاصعدة، على صعيد المعمل، في المحلة وفي ميدان سيادة افكارها وتصوراتها على اذهان الطبقة العاملة وبالاخص طليعييها وقادتها وناشطيها.

اذا كانت الثورة الاشتراكية ثورة واعية ومبرمجة، واذا كان العائق امام هذه الثورة هو العامل الذاتي واستعداد فاعل هذه القضية، عندها الحرب من زاوية المصلحة اليومية للطبقة العاملة مع هذا النظام هو جزء لايتجزء من النشاط الشيوعي.


الفصل السابع- امكانيات الطبقة العاملة

تحدثنا، في القسم السابق، عن امكانيات البرجوازية التي تبدوا مرعبة جداً. حين تنظر الى البرجوازية، تجد كل هذه الامكانات الهائلة التي تتمتع بها؛ دولة، برلمان، قانون، محاكم، معتقلات، وزارة استخبارات، جوامع، كنائس، قساوسة وملالي، ايات الله، حماس، حزب الله، فاشيين وليبراليين وكل انواع الناس والمؤسسات. كما ذكرنا ان النشاط الشيوعي لايبلغ غايته دون حساب امكانيات العدو. في الموضوع السابق، تركز الموضوع حول امكانات العدو، امكانات البرجوازية لقمع النضال الطبقي للطبقة العاملة، سواء من حيث ابعاد القمع الفيزيقي او من حيث ميدان مؤسستها التبليهية.

السؤال المطروح هو: ماهي امكانيات الطبقة العاملة والنشاط الشيوعي بوجه هذه الامكانيات الهائلة للبرجوازية؟ على اي شيء وعلى اي اليات بوسعهما وبمقدورهما الاتكاء؟ في الحقيقة ، وامام هذه الامكانات الهائلة للبرجوازية، الطبقة العاملة كذلك تتمتع بامكانيات هائلة، من نوع اخر. على الطبقة العاملة ان يكون لديها امكانيات مماثلة لامكانيات البرجوازية مثل جرائد، وسائل اعلام جماعية، امكانيات انترنيتية وغيرها. ولكن حتى لو استخدمت كل هذه، فانه ليس بوسعها ان يكون في متناولها واحد من مليون من امكانيات البرجوازية. اذا نظرنا للامر من زاوية اخرى، فان امكانيات الطبقة العاملة وامكانيات النشاط الشيوعي هي هائلة و البرجوازية عاجزة عن مجابهتها. اذا عرفنا المجتمع البرجوازي، اذا عرفنا ان هذه الحرب هي حرب غير متماثلة، اي ان كل طرف يدخل باسلحته الخاصة، ليس بوسع الطبقة العاملة والنشاط الشيوعي الانتصار في المنافسة والسباق مع البرجوازية والتيارات البرجوازية.

لتسليط الضوء على هذه الامكانيات، يمكن ربما تصنيف امكانيات الطبقة العاملة بالشكل التالي:

1- تنظيم الانتاج

لتبيان اهمية تنظيم الانتاج في نضال الطبقة العاملة، قد لايكون امراً ضاراً ان ننظر بدقة الى طبقة اخرى مثلاً؟ اذا كنت برجوازي صغير، لاتتمتع في الحياة الواقعية بمكانة مناسبة لمجابهة البرجوازية. ماذا تعمل؟ تغلق دكانك؟ سيكون الامر ان دكاناً قد اغلق، لا اكثر. اغلق دكانين او عشرة! وماذا بعد؟! في الحقيقة ان البرجوازية الصغيرة هي جمع متذرر (من ذرات-م) وفردي. وان كل شخص يوجد بصورة فردية في عملية الانتاج او التوزيع تكون قدرة مجابهته الجمعية للنظام ضعيفة. لايمكن للمزارع او الفلاح وحتى الموظفين ان يقوموا بهذا العمل. فمن الناحية الذاتية، ومن ناحية المكانة الموضوعية في تنظيم الانتاج، اذا لم يكن هذا مستحيلاً، فانه امراً غير محتمل الى حد كبير. يستحيل على الفلاح والبرجوازي الصغير ان يوقفا عجلات المجتمع. ليس الطلبة ايضاً بقادرين على القيام بذلك العمل. ليس بوسع اي قسم في المجتمع ايقاف عجلات المجتمع بهذه الصورة المباشرة والبسيطة، وحتى البرجوازي الصغير بهيئته تلك هو عاجز عن ان يقوم بهذا العمل. يكفي في بلد مثل ايران ان يسحب عمال النفط والكهرباء اياديهم من العمل. ستنشل ماكنة القمع الهائلة للبرجوازية. ليس للدراجات النارية لجماعات البسيج (قوات مليشياتية تابعة للنظام-م) بنزين، ليس بوسعهم اخراج سياراتهم من مرآبها، ستكف دباباتهم عن الحركة، ولاتُنتَجْ حتى تجهيزاتهم ومعداتهم كذلك. من الواضح ان لديهم احتياطي، الا انه يُصرف كذلك. وبعدها لايبقى لديهم شيء. او لنفترض ان عمال شركة واحد للسيارات قد قرروا يوماً ما ان يتوقفوا عن العمل، لو نفترض ان يوما ما في طهران يتوقف عمال الحافلات والمترو عن العمل ولايذهبوا للعمل، ستنشل المدينة، سيعم حد من ازدحام واكتضاض مروري، وحدّ من الشلل يعم كل شيء، بحيث لا تبقى امكانية لذهاب احد للمدرسة، ولا للعمل ولا تسير الحياة في ذلك المجتمع اساساً. ان هذه هي القدرة الهائلة التي تتمتع بها الطبقة العاملة، وان هذه القدرة الهائلة التي لاتدركها الحركات الاخرى، وبالاخص الحركات البرجوازية الصغيرة.

ولهذا، يصعب على للبرجوازي الصغير الذي يتمثل اقتداره في بطولته وامكانيته الفردية، ان يفهم ان يتمكن العمال الذين هم بدرجة من النحافة، و لم ياكلوا وجبة غذاء بصورة كافية طيلة حياتهم، ناهيك عن انهم، من الناحية الفردية، هم اقل بطولة من البرجوازي الصغير، ان يوقفوا حركة المجتمع بعمل جماعي بطولي ومشترك.

ان هذه القدرة لهي هائلة. ان العامل الذي تنشد ان يتصدى للبرجوازية استناداً الى هذه القدرة، اي استناداً الى واقع عماليته في المجتمع، في تنظيم الانتاج، وليس في الشوارع، بوسعه ان يتصدى للبرجوازية، وان ينظم النشاط الشيوعي. لايمكن لتنظيم هو اطار تحقيق نشاط شيوعي يستند الى الحياة والشبكات الراهنة في حياة الطبقة العاملة ونضالها، ان لايكون جزء مندغم ولايتجزأ عنهما.

ليس للنضال الشيوعي المعزول والمنفصل عن هذا الوجود الموضوعي معنى او قيمة. لايمكن للنشاط الشيوعي ان يكون منفصلاً عن تفاصيل ودقائق الحياة اليومية للطبقة العاملة. وحتى لو كان المحيط الطلابي والمحيط الفلاحي اكثر عدديا من العمال، فلا يمكن لهما ضمان وتامين ذلك، اي الاقتدار. ليس العامل بعدده، بل بدوره في تنظيم الانتاج في المجتمع. ان اقتدار العامل في الشارع هو فقط في حالات معينة، تتحدد على الاغلب في عملية ثورية، هذا اذا كان للعامل، قبل ذاك، تنظيمه الشيوعي في تنظيم الانتاج، بوسعه الاستفادة من الشارع وان لايتحول الى اطار دفع امال الحركات الاخرى.

من الطبيعي ان على الطبقة العاملة، وفي مقدمة الجماهير الكادحة العريضة، ان تحطم الجيش، قوى القمع ومؤسسة الدولة البرجوازية، وان هذا ممكناً في الشارع وفي خندق الثورة. ولكن الشرط المسبق لهذه الامكانية وهذه اللحظة من نضال الطبقة العاملة هو ان يتمكن العامل من شل البرجوازية ومؤسستها القمعية وجيشها. بايقاف صنابير النفط، بقطع التيار الكهربائي، باغلاق الشوراع، كي تحول هذه الامور دون استفادة البرجوازية من هذه الامكانيات التي تعتمد على الطبقة العاملة، وان تشل الطائرات عن الاقلاع، عبر تعطيل المطارات وتوقف عمال المطارات عن العمل، وعدم فسح المجال امام اقلاع الطائرات الحربية، او اذا اقلعت عشرة منها، تبقى المئات جاثمة على الارض.

ما اود قوله هو انه اذا نظرتم الى هذا الافق، سترون عندها ان الطبقة العاملة تتمتع بحد من ترسانة الاقتدار تبهت مجمل امكانات البرجوازية امامها. ان اقتدار وقدرة الطبقة العاملة لاينضبان. تدرك البرجوازية من زاوية مصالحها الطبقية، والبرجوازية الصغيرة من زاوية عدم فهمها الطبقي، ومجمل الايديولوجية والحركات البرجوازية ومجمل مؤسسة التبليه البرجوازية، التي تحدثت عنها، ضرورة ابعاد الطبقة العاملة من اداة قدرتها هذه، ابعاد ذهنها عن الاهمية الحياتية والمماتية لدور تنظيم الطبقة العاملة بوصفها طبقة في رحم تنظيم انتاج المجتمع. احدها عبر حرمانها من الاستفادة من مكانها الانتاجي، اي الاضراب، باعلان ممنوعية الاضراب، فيما يسعى الاخر لاقناع الطبقة العاملة ان بوسعها فقط في الشارع او اساساً عبر النضال المسلح ان تطيح بالبرجوازية، اي يجب اتباع الاسلوب الجيفاري او اسلوب القومية الكردية (النضال المسلح-م).

تعد البرجوازية ايقاف العمال للعمل اكبر جرماً، وتعلن عن ممنوعية اي حركة ومنظمة عمالية بحاجة الى هذه الاداة. ليس للبرجوازية الصغيرة والحركات البرجوازية اساساً صلة وانتماء لهذه المكانة الانتاجية، ويعتبران امراً غير ضرورياً ان يدرجاها (اي المكانة الانتاجية-م) ضمن استراتيجيتهم. في الحقيقة ان النشاط الشيوعي الذي لايستند اساسه الى تنظيم الطبقة العاملة في الانتاج ليس بوسعه الانتصار في الحرب على البرجوازية مهما ابدى من بطولة وتفاني. لايمكن للمنظمة الشيوعية ان تنتصر عبر اللعب على حبل الشق والخلاف بين الدول او بالاستناد الى البطولة الفردية او عبر التوهم بان بوسعها في عالم النضال الطبقي ان تنتصر عبر "المراوغة".

بوسع اؤلئك الذي يتذكرون الحزب الشيوعي الايراني وحرب كومه له (منظمة كردستان للحزب الشيوعي الايراني-م) والحزب الديمقراطي الكردستاني (حزب برجوازي قومي كردي- م) ان يتصوروا لو ان الحزب الشيوعي في وقته كان يتمتع بمثل هذه السمة الاساسية لمنظمة شيوعية عمالية، لو استطعنا ايقاف مجتمع كردستان احتجاجاً على الحزب الديمقراطي، لتوارى الحزب الديمقراطي، اذا لم يكن من الناحية العسكرية، فمن الناحية الايديولوجية، السياسية والحركة، لانفجر من داخله. عندها لما بلغ الامر بان يُقتل قسم من افضل شيوعيي كردستان على ايدي البرجوازية الكردية.

ان الية دفاع وحملة منظمة شيوعية للطبقة العاملة تختلف عن الية حملة ودفاع البرجوازية. انها حرب غير متماثلة. ليس بوسع الطبقة العاملة ان تنتصر عبر المنافسة مع المنظمات والاحزاب البرجوازية في ميدانهما. ومهما تقوم البرجوازية من قمع الطبقة العاملة، لاتقدر ان تحلّ او تصفي العامل المنظم حول الانتاج او التوزيع. ان هذا العمل يحل البرجوازية ويصفيها. يكمن سحر قدرة وقوة الطبقة العاملة في ان البرجوازية في عملية توسيع ارباحها، في عملية توسع الراسمال، تزيد من الطبقة العاملة وقدرة الطبقة العاملة في تنظيم الانتاج بصورة مستمرة.

وعليه من الواضح انه حين تشن حرباً فان كل طرف، ومن جملة ذلك الطبقة العاملة، لاندحة له من ان يشارك بهذه الحرب باي وسيلة بيده. يتعلق الامر باي اداة يمكن للطبقة العاملة ان تهزم البرجوازية في حرب مثل هذه؟ لايتعلق الامر بعدم وجود منظمة شيوعية تجذرت في رحم الصلات الانتاجية للمجتمع، فان ذلك لايبقي للطبقة العاملة حظوظاً تذكر. ان منظمة شيوعية في رحم الصلات الانتاجية للمجتمع هي اكبر امكانية واداة اقتدار للطبقة العاملة. ان هذه الصلات اهم واكثر اركان النشاط الشيوعية اساسية ومحورية. صحيح ان النشاط الشيوعي عبارة عن نشاط احد التيارات داخل الطبقة العاملة ، وبالتالي يتعلق بالمجتمع كله، ولكن ينبغي ان يكون اساسه داخل الطبقة العاملة. ان اساس اقتدار واساس عمل المنظمة الشيوعية هو خلف عجلة انتاج المجتمع. يمكن لهذه القدرة وينبغي ان تلقي بضلالها وتنعكس على المجتمع قاطبة، ومنه في الشارع.

ان الشارع ومتاريس الانتفاضة تحسم دون شك مسالة مصير السلطة السياسية. اذ تندلع الانتفاضة في الشارع وليس خلف عجلة المعمل. يُطاح بالبرجوازية عبر الاعمال العنفية للطبقة العاملة، الانتفاضة، وليس عبر الاضراب. ولكن طبقة الشيوعية العمالية تنتصر في هذه الحرب بشرط ان تتنظم وتتوحد في رحم تنظيم انتاج المجتمع وتكون قد اضعفت العدو الى حد كبير. بخلاف هذا، حتى اذا الحقت الثورة الهزيمة بالبرجوازية بهيئة النظام الحاكم، ففي الميدان الاكثر عمومية للمجتمع، فان الحرب قد ال نصرها لقسم اخر من البرجوازية. ان التقاليد والحركات البرجوازية، وطبقاً لسمتهما ومكانتهما وتجربتهما الطبقية، لاتدركان ولاتعتقدان بقدرة الطبقة العاملة. ان القسم الاكبر من مؤسسة التبليه البرجوازي تدرك ان ادراك الطبقة العاملة لهذه القدرة والاقتدار هو هش وعرضة للضربة.

وعليه فان جواب سؤال ماهي امكانيات الطبقة العاملة بوجه البرجوازية؟ ينبغي القول، في الوهلة الاولى، التنظبم الانتاجي للمجتمع. اذ تحيى البرجوازية على التنظيم الجمعي والعام للطبقة العاملة من اجل الانتاج او التوزيع. العامل مندغم في اطار العلاقات الانتاجية، وهو الامر الذي لاتتمتع به اي طبقة اخرى، وان البرجوازية ليست قادرة على انهاء ذلك، ليس هذا وحسب، بل تُمحى بدونه. انه كعب اخيل البرجوازية. ولهذا، لايمكن للنشاط الشيوعي ان لايستند على تنظيم انتاج الطبقة العاملة. لايمكن لحزب شيوعي ان لا يكون مركز اقتداره البروليتاريا الصناعية، وان يكون مرتبطاً اساساً بالجامعة والمدرسة او الفلاحين او الحركات العامة.

لقد ذكرت ان على حزب شيوعي ان يكون مقتدراً في الجامعة وبين الفلاحين وفي جميع اشكال الحركات الداعية للحقوق. لايتعلق الموضوع بعدم ايلاء الاهمية لها. ينبغي ان تكون مقتدراً في مجمل الميادين السياسية والاجتماعية، وينبغي ان يرتهن كل احتجاج تحرري مساواتي في المجتمع بالنشاط والتنظيم الشيوعي، ولكن ينبغي الانتباه ان المنظمة التي لاتستند الى تنظيم انتاج الطبقة العاملة، هي ليست منظمة عمالية، ولاشيوعية، ولو حتى كانت منظمة خيرية اشتراكية، فان حظها ببلوغ ذلك هو امنية. يقمعوها، يلحقون بها الهزيمة ولاتتمتع حتى بنيل المطاليب الرفاهية.

لايمكن لنا ان ندخل حرباُ ميدانها الاساسي هو ليس الميدان الاساسي لقوتنا وقدرتنا. ان الصراع المسلح مع البرجوازية، بصورة منفصلة عن هذه الصلة بالطبقة العاملة في رحم العلاقات الانتاجية، يدفعها للحرب في الجبال مع البرجوازية التي تتمتع بامكانات وقدرة اعظم. فعلى الرغم من ابداء البطولة، والحقانية، وعلى الرغم من ان قوى البرجوازية هم على الاغلب من العملاء او المُبَلّهين، وعلى الاغلب كلاهما، ونحن اناس ايديولوجيين ودعاة امال ومساواة الى حد كبير، ولكننا سننهزم.

ذكرت ان الحرب بين البروليتاريا والبرجوازية حرب غير متماثلة الادوات تماماً. الطرفان يشاركان بادوات وتكتيكات تختلف وغير متماثلة كلياً في هذه الحرب. ان المنافسة واستنساخ امكانات الادوات والتكتيكات البرجوازية من قبل الطبقة العاملة هي امراً مهلكاً وذلك لان مثل هذه الامكانات ليست في متناولها وتدخل حرباً غير متكافئة ويلحق بها الهزيمة.

ان الطبقات الاخرى التي هي غير قادرة جراء فلسفة وجودها، وطبقاً لتقليدها وحركاتها، على ان تضع قدرتها في تنظيم انتاج الطبقة العاملة، تجلب بصورة غريزية وتلقائية نظرياتها التي لاتحتاج الى ذلك (تنظيم انتاد الطبقة العاملة-م)، يسالون ماهو المعمل؟ الشارع محل النضال، انا نفسي في الشارع وعامل وانتزع السلطة. ان هذا تصور ساذج او مضلل للثورة العمالية تلقى فيه الطبقة العاملة الهزيمة.

حين تنظر الى الحزب البلشفي بوصفه نموذجاً ناجحاً للتنظيم الشيوعية، حين يتحدث الحزب البلشفي، ترى فيه حديث فايبرغ، حديث اكثر المناطق الصناعية في بطرسبورغ وموسكو، ليس بحديث الفلاحين في المناطق النائية. وان يكن الحزب البلشفي قد كسب اليه الفلاحين الفقراء في المناطق النائية، وان يكن قد جذب اليه اقسام عريضة من الفئات الدنيا للبرجوازية الصغيرة، بيد ان ارضية نفوذه وامكاناته هيئها العامل والبروليتاري الصناعي في روسيا. حين قرر القيصر على ان يعود مع الجيش من الجبهة الى بطرسبورغ لقمع الثورة، غيَّرَ عمال سكك الحديد وارسلو القيصر والقيصرية لقرية مهجورة، ولم يتمكن القيصر وكل الثورة المضادة من معرفة ماذا عليهم ان يعملوا. بدون مثل هذه الارضية والاساس في عمق البروليتاريا الصناعية الروسية، فان حتى طروحات نيسان للينين ستبقى على الرف او في الارشيف.

2- اليات الصلات الاجتماعية

بيد ان اداة اقتدار الطبقة العاملة والحركة الشيوعية لاتتمثل فقط بوجودهما في رحم الصلات الانتاجية. بموازاة ذلك، مع وجود الطبقة العاملة في صلب هذه الصلات الاجتماعية، يكون لاندحة للطبقة العاملة من ان تصيغ صلاتها الاجتماعية والنضالية الخاصة بها. مثلما ان البرجوازي ليس قادراً باي اداة او شيء كان ان يزيل العامل من الصلات الانتاجية، وان منطق الربح لديه يجبره على توسيع هذه الصلات، وفقاً لذلك لايمكن للبرجوازية ان تستأصل الصلات الاجتماعية والنضالية للطبقة العاملة التي تشكلت بحكم وجودها في مثل هذه الصلات الانتاجية. وبموازاة الصلات الانتاجية الراسمالية، توجد البرجوازية العامل وشبكات اجتماعية ونضالية، بالاخص بين القادة والناشطين العماليين ولاتفلت رقبتها من ذلك.

يدخل العامل، سواء في محل عمله او في محل معيشته، اي المحلة بصورة تلقائية في مثل هذه الصلات. ذكرت ان العائلة العمالية هي هيئة عمالية. ولهذا، فان المحلة العمالية هي ايضاَ جزء من التنظيم الانتاجي والاجتماعي للطبقة العاملة. انه لخطأ تصور ان العامل هو عامل فقط في محيط العمل. ان هذه التصورات هي احد ابتكارات التيارات البرجوازية والنقابية التي تحرم الطبقة العاملة من تنظيمها الطبقي. في العالم الواقعي، تعد المحلة العمالية والعائلة العمالية مهمة بقدر المعمل.

لايمكن للنشاط الشيوعي الذي يعد توحيد العمال اساسه غض النظر عن هذه الحقيقة. ان حضور الشيوعيين وتواجدهم في هذه الشبكات الاجتماعية والنضالية ووجودهم في التجربة اليومية للعامل والعائلة العمالية وبوجه المجتمع الراسمالي هو اهم ادوات مجابهة البرجوازية وابعاد مجمل مؤسستها التبليهية. وعليه، فلا مناص للتنظيم اللازم للنشاط الشيوعي من ان يستند الى الية الصلات الاجتماعية والسياسية والنضالية للطبقة العاملة. لكل من تنظيم الطالب، الفلاح، البرجوازي الصغير وغيرهم اسلوبه والياته الخاصة. بيد ان تنظيم الطبقة العاملة، وبحكم وجودها في مكانة استثنائية في المجتمع، فان له اسلوبه الاستثنائي. اي الاستناد الى الصلات الاجتماعية والنضالية التي تتمتع بها الطبقة العاملة في تنظيم الانتاج بوصفها طبقة خاصة.

لايمكن للنشاط الشيوعي ان يكون منفصلاً عن هذه الصلات. وان هذا مستهل موضوع تحدثت عنه:النشاط الشيوعي ليس نشاطاً فنياً-تنظيمياً. ينبغي ان يتضمن العمل الشيوعي ويؤمن مكاناً فيه لاليات الطبقة العاملة، ينبغي ان يندغم ويتوحد بها. ساتناول هذه الموضوع بصورة مفصلة لاحقاً.

ان الصلات الاجتماعية والتجربة اليومية هي اهم اليات وعي واحباط الدعاية البرجوازية. تتواجه الطبقة العاملة في صلب علاقاتها الاجتماعية في كل دقيقة بحقيقة عماليتها وراسمالية الطرف المقابل. ان هذا الواقع يوفر للنشاط الشيوعي المجال لاحباط مجمل دعايات البرجوازية سواء على هيئة جامع وملا، او على هيئة القومية والليبرالية او على هيئة الاعلام والاكاديمية الخادمة الذليلة. ان هذه الدعايات تبين في الحياة والتجربة اليومية للطبقة العاملة تهافتها وخرافيتها اكثر من اي شيء اخر. وهنا بمقدور الدعاية والنشاط الشيوعي ان يمضيا لمجابهة البرجوازية بصورة اكثر تاثيراً من اي شيء اخر. اذ يمكن في محل عمل ومعيشة العامل الكردي، وبصورة افضل واكثر من اي مكان اخر، تبيان ماهية القومية الكردية، والبرجوازية الكردية والتاريخ المصطنع وتفنيده. في محل العمل وفي الصراع اليومي افضل من اي مكان اخر يمكن فضح السمة المناهضة للمراة، سمة ومزية العائلة العمالية بالنسبة للبرجوازي ومزية الدين وغيرها. وان هذا هو المكان الذي بوسعنا تعويض نقص الاف وسائل الاعلام والمساجد والاحزاب والحركات البرجوازية. هنا مركز واساس ونقطة قدرة النشاط الشيوعي.

3- منظمة الثوريين الحرفيين

من الضرورة ان نشير هنا الى اداة حياتية جداً اخرى في النشاط الشيوعي. اداة لايمكن لاي نشاط شيوعي راسخ ان يغض النظر عنها. بدون ذلك، لن تكون ثمة اي حظوظ بمجابهة البرجوازية. انها اداة منظمة او شبكة الثوريين الحرفيين.

قلنا ان امكانات البرجوازية ذا بُعدين. بُعد القمع وبُعد التبليه وتعميق الخرافات السياسية والثقافية مثل الدين، القومية، الليبرالية، الفاشية، السنديكاليتية وغيرها. وقلنا ان الطبقة العاملة معرضة للضربة امام هذه البُعدين على السواء. ان ادوات البرجوازية في كلا البعدين تستهدف توجيه الضربة للنضال العمالي، النشاط الشيوعي والمنظمة الشيوعية. اذا اراد النشاط الشيوعي ان يكون له حظوظ ما، فعليه ان يكون قادراً على احباط حملة البرجوازية بكلا البعدين.

خذ بعد القمع بنظر الاعتبار. تستند البرجوازية اليوم الى اكثر الادوات والطرق والاساليب تطوراً. من التنصت الى اختراق والاندساس في الشبكات والمنظمات العمالية والشيوعية. من التحقيقات والاستجوابات الى اعقد اشكال الحرب النفسية، الدعائية والثقافية. من البلطجة السافرة الى بلطجة المثقفين والاعلام والاكاديميات المأجورة للنظام. تستند البرجوازية الى اكثر الامكانات تطوراً.

اذا اردت سابقاً التجسس على الناشطين العماليين، ستكون مجبراً على ارسال جواسيس او مخبرين في هذه النشاطات. اليوم يضعوا في كل مكان كاميرات مراقبة تعمل على مدار الساعة، حتى يستفادون من تعقب والتصنت على الهواتف الجوالة والامكانات المستندة الى الاقمار الصناعية كي يكشفوا العلاقات ويتعقبوها. اذ تعمل اليوم في ايران، في الجامعات، المعامل، المحلات والشوارع كاميرات مراقبة سرية على مدار الساعة. تتم مراقبة الانترنيت، مراقبة المعلومات. ان التحقيقات اليوم في الجمهورية الاسلامية اكثر تطوراً وتعقيداً من اساليب السافاك. بوسعهم اليوم، وحتى بدون اللجوء الى التعذيب البدني، ان يحطموا المتهم.

لمجابهة هذه المؤسسة القمعية والجاسوسية، ولمجابهة مؤسسة انتاج الخرافة والتبليه هذه، على النشاط الشيوعي والمنظمة الشيوعية ان يستندا الى شبكة من الناشطين الحرفيين. حرفي لا بمعنى ان يؤمن سائر الناشطون الشيوعيون معيشته او ينال امكانات مالية من الحزب. حرفي بمعنى ملّم بعلم وطريقة وتكنيك مجابهة الشرطة والمؤسسة القمعية ومجابهة مجمل مؤسسة انتاج الجهل البرجوازي باعلى مستوى واكثر الاساليب تاثيراً. حرفي مثل اي ميكانيكي حرفي ملّم بعمله وبوسعه ان يصلح ويعمر اخر موديل من العربات العصرية.

بغياب هذه الشبكة من الشيوعيين الحرفيين، يكون مجمل النشاط الشيوعي قليل التاثير ومؤقتاً. ان شبكة لاتستند الى منظمة من الثوريين الحرفيين، لاتتمتع بقدرة مجابهة سيل الخرافة والتبليه، ولايمكن لها ان تقاوم المؤسسة البوليسية للبرجوازية. لن يكون لها ببساطة قدرة التاثير المستمر والدائم وديمومة العمل. تحطمها البرجوازية بصورة منظمة وتجبر الطبقة العاملة والنشاط الشيوعي على البدء من جديد. في الكثير من الحالات، ينبغي ان ينال هؤلاء الثوريون دعماً مادياً من قبل المنظمة الشيوعية دون شك. بيد ان تقليد اليسار حوّل الثوري الحرفي الى امرء يعيش على الاخرين.

تناول لينين في كتاب "مالعمل؟" هذه الموضوع بالتفصيل بوجه الاقتصادويين. حيث يوضح ان النشاط الشيوعي بدون وجود شبكة الثوريين الحرفيين هو امراً غير ممكن. شبكة ملمة بحرفتها. ليس مهماً ان تنال دعماً مالياً من المنظمة او الحزب ام لا. حرفي لانه ملم بمجابهة الشرطة، ملم باحباط المنظومة، ملم باخذ موازين القوى بنظر الاعتبار، ملم بموأمة العمل السري والعلني، ملم بالقاء الخطاب والرد على خزعبلات بي بي سي وتلفزيون ايران والجمهورية الاسلامية وغيرها.

ينبغي ان يلم الثوريون الحرفيون بهذه. على اي منهم ان يكون مختصاً في ميدان معين من الميادين. الالمام بهذا يستلزم وقت. ان اعداد هؤلاء الثوريون يستلزم طاقة، ولهفة ووقت. لايولد اي كان بصورة تلقائية ومن رحم امه ملما بهذه المواضيع. انها علم. ينبغي تعلم التكنيك وينبغي تجربته دون شك. ان وجود مثل هذه الشبكة فقط يوفر امكانية النصر للنشاط الشيوعي. وهنا يبرز امر الا وهو اهمية جذب وكسب الشيوعيين الذين هم من خلفيات غير عمالية والذين يتحلون في اغلب الاحيان بفرصة اكبر من العمال بعلم وتكنيك عصرهم. وهنا نرى ايضاَ كم ان الطبقة العاملة معرضة للضربة عملياً بالاستناد فقط الى العامل وبغياب المثقفين والمتخصصين البرجوازيين.


الفصل الثامن - الخصائص التنظيمية للنشاط الشيوعي
ساتناول في هذا القسم السمات العامة للتنظيم اللازم للنشاط الشيوعي. في الفصول اللاحقة، ساتطرق بتفصيل اكبر الى بعض من هذه السمات. وندرج هنا السمات الاساسية لتنظيم شيوعي للتحلي بامكانية مجابهة البرجوازية.
1- امكانية تنظيم النضال ضد البرجوازية خندق خندق وصولاً الى تنظيم الانتفاضة
لقد ذكرنا ان النشاط الشيوعي هو نشاطاً لتنظيم الثورة الاجتماعية للطبقة العاملة. وقلنا ان هذه الثورة، ومثلما يتحدث عنها النشيد الاممي، هي الحرب الاخيرة والنهائية، وهي الحرب التي تضع البرجوازية امكاناتها لاخر قطرة دم واخر ريال. ستوظف كل امكاناتها ضدنا. وستكون هذه المقاومة وهذه المجابهة البرجوازية في مرحلة الحكومة البرجوازية، وكذلك بوجه الانتفاضة البروليتارية، والاهم من هذا كله، بعد ذلك في مرحلة الحكومة العمالية.
تعلمنا الماركسية، وفي الحقيقة العقل السليم، ان تشكل الازمة الثورية والثورة نفسها، التي تعد الانتفاضة نقطة منها، هي ليست امراً بيد احد وتحكمه. الثورة، مثل هزة ارضية اوبركان، مرهونة بعوامل متنوعة ومعقدة جدا وخارج تحكمنا.
لكن، وان هذه لكن مهمة، مصير ثورة ما، وبالاخص سيرها صوب ثورة بروليتارية، مرهون تماماً بالدور الذي يلعبه فيها الشيوعيون والطبقة العاملة. السؤال هو باي درجة من الوعي والتنظيم، او باي درجة من التبعثر وعدم الوعي تدخل الطبقة العاملة مثل هذه الثورة؟
ستكون حظوظ الطبقة العاملة قليلة ان دخلت مثل هذه الثورة بدون وجود منظمتها الشيوعية ومبعثرة، وبالاخص وهنا نحن نرى البرجوازية وقد ارتقت بمجابهة الثورات ودخول الطبقة العاملة الميدان الى فن.
بهذا الخصوص، يمكن ان تكون هناك استراتيجيتين: الاولى، ان تنتظر لحين اندلاع الثورة، وبعدها تأمل ان تتمكن الطبقة العاملة من ان تنسجم. اي استراتيجية الانتظار واستراتيجية "التحضير" للثورة البروليتارية. الثانية، السعي باسرع مايمكن لاعداد الطبقة العاملة باكثر الدرجات انسجاماً، وتنظيماً وتحزباً في اي تحول او ثورة تحدث في المجتمع. اي استراتيجية تنظيم الثورة البروليتارية وعدم احالتها الى لوتري (يانصيب) سياسي. اي يعني سياسة شيوعية. من الجلي ان الطبقة العاملة، في الاوضاع الثورية، تتعلم يومياً بقدر مئة عام. بيد ان هذا يصح على البرجوازية كذلك. تتمثل المسالة بان البرجوازية اليوم تدخل مثل هذه الثورة وهي اكثر تجربة من اي مرحلة اخرى. السؤال ببساطة هو: باي استراتيجية تكون حظوظ الطبقة العاملة اكبر؟ بالانتظار ام اعداد النفس لدخول الثورة والدفع بها صوب الثورة البروليتارية؟ مهما تكن الشيوعية فهي ليست علم الانتظار. ان فن ومجمل الفسلفة التنظيمية للنشاط الشيوعي هما كيف تدفع الطبقة العاملة والمجتمع صوب هذه المواجهة الاخيرة، وتؤمن، مع تشكل المرحلة الثورية، ان تكون الطبقة العاملة في مكانة اكثر اقتداراً والبرجوازية في مكانة اضعف. اي فن التنظيم الشيوعي والتحزب، على الاقل، على صعيد الطليعيين والناشطين الشيوعيين في المرحلة اللاثورية. ان نشاطاً لم يعد الطبقة العاملة لهذه المجابهة، سيدفع، في الحياة الواقعية، العامل الى حرب تكون امكانية النصر فيها محدودة وقليلة.
في عملية توحيد واعداد الطبقة العاملة هذه، ينبغي ان يرد النشاط والمنظمة الشيوعيين على التهديدات والمعضلات والتعقيدات التي تخلقها البرجوازية وامكانياتها.
لايمكن لمنظمة شيوعية ان تكون تنظيماً لايتحلى بامكانية وقدرة تنظيم نضال الطبقة العاملة خندقاً بخندق في مجابهة البرجوازية وقدرة توحيد شبكة قادة وناشطي الطبقة العاملة على الاقل. على المنظمة الشيوعية ان تكون قادرة على اخراج الطبقة العاملة في نضالها اليومي وفي صلب الصلة الانتاجية والشبكات الاجتماعية خندقاً بخندق من اللاوعي والتبعثر.
ان النضال اليومي والخنادق هي ليست في المعامل فقط، بل يتشكلان في كل ميدان للمجتمع ويتضمنا من النضال من اجل الحرية الى النضال ضد الحرب، من النضال من اجل تحرر المراة الى النضال الاقتصادي. بالاضافة الى ميدان المعمل، الطبقة العاملة منهمكة في نضال بابعاد اوسع في ميدان المجتمع. ان عملية اعداد الطبقة العاملة ودفعها نحو تلك الحرب الاخيرة هي ظاهرة جارية. ساتناول لاحقاً صلة النضال من اجل الاصلاحات والنضال من اجل الثورة البروليتارية بصورة اوسع. ينبغي ان اؤكد هنا على ان ليس بوسع المنظمة الشيوعية ان تنجح في تحقيق اهدافها، الا ان تمزج بصورة ماهرة وماركسية النضال من اجل الاصلاحات، من المطاليب اليومية الى تلك الاكثر عمومية، بالنضال من اجل الثورة العمالية.
اشرت سابقاً، وساوضح لاحقاً بصورة اوسع ان هذا النشاط الشيوعي ليس عملية تعليمية وتوضيحية صرفاً، بل ان اكثر منها واهمها هو نضال سياسي وعملي. ان الطبقة العاملة، وقبل اي شيء اخر، بحاجة الى منظمة بوسعها ان تتحلى بالاعداد الذاتي والعملي، العقل والدراية والتدبير، قدرة اتخاذ القرار، امكانية المناورة وقدرة تطابقها مع الاوضاع.
وعليه، ان احد السمات الاساسية للنشاط الشيوعي والتنظيم الشيوعي هي قدرة تنظيم النضال خندق بخندق وقدرة دفع الطبقة العاملة نحو الثورة وقدرة تنظيم الانتفاضة البروليتارية.
2- حزب عصري: الاستفادة من اساليب واليات المجتمع المعاصر
لقد تغير عالمنا عن عالم القرن 19 و20 في جميع الاصعدة. مثلما ان النضال بصورة عشائرية ليس بوسعه ان يكون له حظوظ في التصر على البرجوازية، ليس للنشاط الشيوعي اليوم كذلك، وبدون الاستفادة من التكنولوجيا المعاصرة، حظاً في النصر على البرجوازية.
في اوائل القرن العشرين، كانت ادوات البرجوازية، ولذا ادوات البروليتارية، متخلفة مقارنة باليوم. اذ عدت الكتابة، وتوزيع النشريات، الكراريس والكتب والاستفادة من التلفون اعلى اشكال الاستفادة من التكنولوجيا المعاصرة. واستفاد منها الشيوعيين بكثرة.
وان كانت الاستفادة اليوم من تلك الادوات، سواء بالنسبة للبرجوازية ام بالنسبة للشيوعيين كذلك، هي اساس ومبدأ، ولكنها بذاتها لاترد على الامر. اذ لاتستفاد البرجوازية اليوم من اخر التقنيات في وسائل الاتصالات العامة، في التمركز والاستفادة من المعلومات والتربية والاعداد فحسب، بل انها ايضا وبصورة لامناص منها في متناول الطبقة العاملة والشيوعيين كذلك. بدون الاستفادة من هذه الادوات، لايمكن للنشاط الشيوعي ان يوصل صوته الى مسامع احد ولا حتى يستطيع ان يصل لسائر الناشطين الشيوعيين والطبقة العاملة.
ولكن حين نتحدث عن ضرورة تحديث النشاط الشيوعي وجعله مواكباً للعصر، ينبغي ان لانقصر الامر على الابعاد التقنية للموضوع. التحديث في مسالة التنظيم والاساليب، التحديث في كسب ونيل وعكس اشكال التقدم الثقافي والعملي للبشرية، القدرة والرد على المعضلات الجديدة التي يضعها المجتمع البرجوازي امام النشاط الشيوعي، مثلاً خطر السيناريو المظلم، وتغيير ابعاد صلة التحزب الشيوعي بالسلطة وغير ذلك بموازاة اهمية فهم عالمنا المعاصر.
ينبغي ان اؤكد على نقطة هنا. حين تصبح المطبوعات في متناول يد المجتمع بابعاد جماهيرية، وتبدء الادبيات الثورية بتاثيرها الواسع في المجتمع، تصوروا طبقاً للعادة ان هذه سمة الجريدة. مثلما تصوروا ان النظارات تجلب المعرفة. اليوم كذلك، وبالاخص بين الاوساط السطحية البرجوازية الصغيرة، التصور هو ان التكنولوجيا المعاصرة، التلفزيون، الانترنيت، الفيسبوك وغيرها تخلق الثورة. ينبغي القول لهذه الجماعة ان النظارات لاتجلب المعرفة. ان مزية هذه الادوات، حين تتوضح في النشاط الشيوعي هي حمالة او شريط ناقل لسياسة شيوعية. ان جزء من ذلك النشاط وادوات النشاط في المجتمع، في صلب الصلات الانتاجية وفي رحم الصلات الاجتماعية للطبقة العاملة.
نؤكد هنا على ان النشاط الشيوعي، ومثل اي نشاط اخر، ان يكون تابعاً لادوات انتاج وتوزيع عصره. لايمكن لهذا النشاط ان لايستفاد من اكثر الامكانيات والاساليب الجارية في المجتمع تطوراً، ليس بوسعك ان تمضي لحرب البرجوازية باسلوب القرن المنصرم. ينبغي ان تتحلى بقدرة الاستفادة من الامكانات الجديدة والاساليب التنظيمية الجديدة. ينبغي ان يصل صوتك في القرن الحادي والعشرين الى مسامع الطبقة العاملة، ايصال صوت الطبقة العاملة لمسامع طبقتها، تنظمهم وتوحدهم.
ينبغي ان يكون بوسع النشاط الشيوعي ان يكسب شيوعيين يتحلون بهذه الامكانيات. كسب المراكز الفكرية، الثقافية والاجتماعية حول النشاط الشيوعي هي احد اساليب ادغام هذه الامكانيات في النشاط الشيوعي. ان الاقتصار على المحيط العمالي، معاداة المثقفين وعدم القدرة على جذب وكسب اكثر العناصر الفكرية والثقافية في المجتمع هي نسخة تحجر النشاط الشيوعي وهزيمته.
3- النجاعة في تنظيم النضال من اجل الاصلاح والنضال من اجل الثورة
على المنظمة الشيوعية ان تكون قادرة على القيام بالنضال من اجل الاصلاحات والنضالات من اجل الثورة بصورة متوازية مع بعض. وان هذا ليس بعمل سهل، وبالاخص بالنسبة لتيار اخذ تقليده النضالي من البرجوازية الصغيرة.
ان تحسين ظروف عمل ومعيشة العمال، سواء من زاوية البعد الاقتصادي او السياسي والثقافي، وليس تحسين اوضاع الطبقة فحسب، وهو منطق اي تيار عمالي، بل ان تحول سمة الاتحاد الى جزء من وعي الطبقة العاملة وتعمق من امكانية النضال، التنظيم والوعي داخل الطبقة العاملة.
ان هذا يناقض ويقف بوجه التصور البرجوازي الصغير الذي يعد الفقر والمصائب هما مصدر الثورية، ويتصور كلما كان المجتمع اكثر قمعية وفقراً تصبح معه الثورة العمالية امراً ممكناً. ولقد ذكرنا ان النضال من اجل توحيد وتوعية الطبقة العاملة هو نشاط نضالي سياسي وعملي، وليس نشاط تثقيفي صرفاً. ولهذا، فان عملية النضال من اجل الاصلاحات هو مسار اساسي في عملية انضاج وعي الطبقة العاملة وتنظيمها. ان عملية ربط شيوعية الطبقة العاملة بحياة ونضال جماهير الطبقة وقادتها هي عملية تربية واعداد وتطوير القادة العمليين والناشطين الشيوعيين داخل الطبقة العاملة.
ومقابل التصور والفهم البرجوازي الصغير للنضال من اجل الاصلاح، هناك فهم سنديكاليستي واصلاحي لهذا النضال، فهم يعد النضال من اجل الاصلاحات هو هدفه النهائي وغايته. وفق هذه المنظومة، العامل دوماً عامل وبائع قوى عمل ورسالة النضال العمالي هي فقط تحسين ظروف عمل العامل وليس استئصال عبودية الاجر والمجتمع الراسمالي.
انه النشاط الشيوعي والمنظمة الشيوعية من بوسعهما فقط ان يدغما هاتين الظاهرتين، و يحولان في الحياة الواقعية، لا اي اضراب عمالي فحسب، بل اي نضال عمالي الى مدرسة الثورة البروليتارية، وان اي انتصار في النضال من اجل الاصلاح يكون تحوله الى عتلة دافعة في امكانية نضال الطبقة ووعيها واتحادها من اجل الثورة البروليتارية.
4- الامور الامنية: السرية ومبدأ الحد الادنى من المعلومات
لقد ذكرنا مسالة الا وهي: وان يكن النضال الجماهيري للطبقة العاملة هو علني دوما، ولكن، ومن اجل صيانة النشاط الشيوعي والمنظمة الشيوعية انفسهما امام مؤسسة القمع البرجوازية، فانهما بحاجة الى السرية والاستفادة من اكثر الاساليب تاثيرا لمجابهة شرطة البرجوازية.
السرية والامنية هما موضوع واسع كثيرا وذو جوانب عدة، لايمكن تناولها كلها هنا. ربما ان اهم اسس الوضع الامني التي ينبغي ان نؤكد عليها هنا هو مبدأ الحد الادنى من المعلومات. وفق هذا المبدأ، كل امرء ينبغي ان يحصل على المعلومات بالحد الذي يحتاجه للدفع بمهامه.
يبدوا ان هذا المبدأ بسيطاً، ولكن الامر ليس كذلك. ان اهم اساس لحصول الشرطة على المعلومات هي تسرب هذه المعلومات من قنوات محفلية. في هذه المنظومة، ليس المندس فقط بوسعه ان تصل اياديه لكل المعلومات، وان خطأ ما في قبول عضوية احد يؤدي الى كارثة، بل بالنتيجة ان تسرب المعلومات هذه، يجعل بمقدور كل شخص تعتقله الشرطة ان يبوح بكل المعلومات. وان هذا الواقع يضع المعتقل كذلك في وضعية في غاية السوء (الشخص الذي ليس لديه معلومات كثيرة ليس بوسعه ان يعترف كثيراً) ويدمر تنظيمه كذلك.
في الحقيقة ان المحفل والحلقة، ووفقاً للتعريف، يتشكلا على اساس الثقة الفردية، وان هذا امر طبيعي. ولكن المشكلة، من الناحية الامنية، هي ان في هذه الشبكة التي تعتمد على الثقة الفردية، تتحول مسالة عدم البوح بالمعلومات وافشائها الى معيار ثقة او عدم ثقة. اذا لم تعطي معلومات لاحد ما، يُنظر الى هذا العمل على انه دلالة على عدم الثقة بالشخص المذكور. ان احد علامات عدم استمرار وديمومة عمل الشبكات المحفلية امام الشرطة او عدم قدرتها على توسيع نشاطها هو هذا السبب.
اذا كانت الشبكات المحفلية تحمل معها موازين وصلات ماقبل حزبية، فان الفضول هي سمة برجوازية صغيرة. البرجوازي الصغير مبعث انعدام امان وفقاً للتعريف. الفضولية هي الية البرجوازي الصغير للاحساس بالامان. الاسوأ من هذا، تسريب المعلومات هو الية البرجوازي الصغير او العامل قليل التجربة والنفوذ، يرى فيها نفسه مهماً، وان تكون لديه معلومات، فان ذلك يدلل على انه مهم جداً.
ذهب النشاط الشيوعي والتنظيم الشيوعي مرات ومرات وببساطة ضحية هذه الصلات المحفلية، وانعدام التجربة هذه والاخلاقيات البرجوازية الصغيرة هذه.
5- الانضباط، القيادة الجماعية ووحدة الارادة
ان الانضباط هو احد المفاهيم المحورية في حياة الطبقة العاملة وفي نضالها، وبالاخص احد علائم النضج السياسي والطبقي للعامل والناشط الشيوعي. اشرت سابقاً الى ان الحياة اليومية للعامل في محيط العمل هي حياة جماعية. فعلى العكس من البرجوازي الصغير الذي يعيش على عمله وابداعه الفردي، يعيش العامل على العمل والابداع الجماعي. ان اي شيء تنتجه الطبقة العاملة، تصنعه او تعمله هو حصيلة عمل جماعي. يعيش ويعمل البرجوازي الصغير بمنافسة مع اقرانه، يعيش العامل عبر التعاون ومساعدة بعض. ان هذه الحقيقة تعطي سمتين مختلفتين تماماً الى هاتين الطبقتين.
بالنسبة لعامل انضم تواً الى صف هذه الطبقة، وانضم عادة من خلفية فلاحية او برجوازية صغيرة الى هذه الطبقة، فان هضم هذه الوضعية وهذا الوجود الجمعي هو عملية، وعملية طويلة بعض الاحيان. يقولون اعتبر ماركس جيل من الحياة العمالية ولينين شيء بحدود ثلاثة سنوات كاساس (هضم هذه الوضعية-م). ليس موضوعنا كم ان هذه التخمينات دقيقة وكم هي مرتبطة بالاوضاع التي ابديت بها الاراء في وقتها. بيد ان ماهو موجوداً هو اذا كان العامل ينتبه اسرع الى ان الانضباط والتعهد بالقيام بعمل مشترك هو شرط البقاء، فان كسب هذا الوعي ستغرق عملية اطول في النضال الذي يتخطى او خارج حدود المعمل. تعميق ضرورة النضال الجماعي، امام وقبالة الاحتجاج الفردي او تخريب ادوات العمل، تعميق على سبيل المثال ضرورة النضال ضد البطالة من قبل العامل العامل وامثاله هي احد التحديات المهمة التي يجابهها اي ناشط عمالي في تنظيم النضال في اجواء العمل. ان المنبع الطبقي لعامل يلج المحيط العمالي حديثاً هو عائق امام سبيل تنظيم العامل.
في النشاط الشيوعي، التحلي بالانضباط واللانضباط هو فرق الحياة والموت. لايمكن تنظيم النشاط الشيوعي اذا قام اي امرء باي عمل يراه هو صحيحاً. انها حرب، وان لم تتحلى في هذه الحرب بالانضباط والنشاط المشترك ولاتقوم بهما وفق خطة واحدة وسياسة واحدة، سيكون من السهولة جداً الحاق الهزيمة بك. لايمكن ان يقوم احد بالاضراب في يوم الاضراب ولايقوم به اخر، وينتفض احد يوم الانتفاضة ولاينتفض اخر. انها نسخة مندحرة ومهزومة.
الانضباط ليس سوى ارادة واحدة. وحدة الارادة اساس الحياة والنضال المؤثر للعامل. بيد ان هذا الانضباط في الممارسة ليس انضباطاً انتقائياً كذلك. بوسع هذا الانضباط فقط ان يكون عملياً حين يكون واعياً ومستنداً الى عملية نقاش وقرار جماعي.
الواقع هو ان في الحياة اليومية يعتبر الناس سياسات، اساليب وتكتيكات مختلفة على انها صحيحة او يبدو لهم كذلك. السؤال هو كيف يمكن لتنوع الاراء هذه ان تتحول الى وحدة ارادة او انضباط في تنفيذ اساليب وسياسات وتكتيكات واحدة؟ ان سبيل البرجوازي الصغير هو سبيل شبه ديني، يكون فيه ضرورياً ان يفكر الجميع بالطريقة ذاتها، وان تكون تحليلاتهم واعتقادهم واحد. ان هذا الاسلوب يؤدي الى خلق فرق وفئات ايديولوجية وشبه دينية يكون اساس اتحادهم ليس الوجود الاجتماعي في النضال، بل اعتقاداتهم المشتركة.
لايمكن للتنظيم اللازم للنشاط الشيوعي ان يستفاد من هذه الاساليب، ينبغي ان تكون هناك الية سياسية وغير ايديولوجية وفرقوية وفئوية لتحويل تعدد الاراء الى وحدة ارادة. اليات، يطرح من خلالها جميع الاطراف المنهمكة في الجدل ارائهم خلال مدة معينة ومحددة، وبعدها يصوتون اويقررون على ماينبغي القيام به. وبعد اتخاذ القرار، يتعهد الجميع بنتيجة التصويت والقرار الجماعي. وان يحترم الجميع مسؤولية وحقوق المسؤولين لتنسيق والدفع بهذا القرار، الخطة او العمل المتفق عليه. انها الالية ذاتها التي يعمل على اساسها كل تجمع عام واي تنظيم اجتماعي.
من الواضح ان لايمكن ادارة وتسيير تنظيم شيوعي على شكل تجمع عام. انه، من جهة، تنظيم خاص، ومن جهة اخرى، لايمكن تسيير هذه العملية تحت ضغط البرجوازية. بيد ان فلسفة تعدد الاراء واتخاذ القرار، وبعد ذلك وحدة الارادة في تنفيذ السياسة هي واحدة: تعهدنا حين نناقش امر ما، ونبلغ نتيجة ما، نتيجة يتم معرفتها بالتصويت ومعرفة الاراء، نمضي سوية لتنفيذه. نطلق عليه وحدة اركان، وحدة اصدار القرار. لايمكن في الحرب ان يكون لديك 5 امرين وكل منهم يقول شيء ما. ينبغي الانتباه هنا الى تعقيد وعقدة الا وهي حين يكون التنظيم الشيوعي سرياً، حيث ينبغي ان يتحول القرار الذي يتم اتخاذه الى قرار جميع الناشطين والقادة العماليين خارج التنظيم كذلك. ان هذا العمل ذا عملية اكثر تعقيداً، بالاخص في اوضاع القمع وسيادة البرجوازية.
تتمثل النقطة بان لايمكن للنشاط الشيوعي ان تقوم له قائمة دون الانضباط. اذ بدون تامين وحدة الامرية والاركان في الحرب، تخسر. ذكرت لايمكن حين توجه نداءاً بالاضراب، يقول احد ما لنضرب، فيما يقول الاخر كلا. ان مثل هذا الاضراب يندحر من اليوم الاول. لايمكن تنظيم الطبقة العاملة والنشاط الشيوعي وفق معايير البرجوازية الصغيرة، اصحاب الدكاكين والفلاحين. ينبغي ان يتطابق مع حياة الطبقة العاملة. عمل جماعي وتنفيذ خطة واحدة.
اذا تتذكرون، قلت ان اقتدار الطبقة العاملة في تنظيمها في الانتاج. ليس للعامل من معنى بدون العامل الذي يقف بجنبه. صاحب المحل والفلاح وسائر اقسام البرجوازية الصغيرة، لهم معنى بدون الذي بجنبهم، ليس هذا وحسب، بل ان حياتهم تمر عبر المنافسة مع صاحب الدكان او البرجوازي الصغير الاخر. ولهذا يختلف تنظيم النضال العمالي وثقافة النضال العمالي عن سائر الطبقات، وبالاخص البرجوازية الصغيرة. اذا كان الانضباط الجماعي بالنسبة للبرجوازي الصغير هو امر استثنائي وغير عادي، فان حياة العامل اليومية توأم مع الانضباط. ينبغي ان يكون حاضراً العمل صباحاً في الساعة والدقيقة الفلانية، وفي عملية العمل، ينبغي ان يُنفذ كل شيء طبق القرارات بصورة جماعية ومنسقة. بخلاف ذلك، اما يستحيل انجاز العمل، او تتعرض يد رفيقه للخطر والاذى. الانضباط هو ليس امراً استثنائياً بالنسبة للعامل. انه منطق حياته اليومية.
لقد ذكرت ان احد شقوق النشاط الشيوعي هو التناقض بين النزعة الفردية للمثقفين مع الانضباط اللازم في النشاط الجماعي للطبقة العاملة. ان احد هذه الشقوق بوسعه ان يخل بالانضباط، مراعاة الامور الامنية، ديمومة العمل واستمراريته، العمل المشترك والجماعي. العامل يعيش مع الانضباط ويولد مع الانضباط، ومع الانضباط يموت. الانضباط جزء من حياة العامل، ومنطق الانضباط بالنسبة له ليس امراً غريباً.
6- حزب جماهيري وحزب الثوريون الحرفيون: حزب الاعضاء وحزب الكوادر
لقد ذكرنا ان سمة واحد خصائص النشاط والتنظيم الشيوعي هي وجود شبكة الثوريين الحرفيين. ان هيكل هذا النشاط يتضمن اناس مُلّمين بعملهم. اناس ليسوا ملّمين بالنضال ضد الشرطة فحسب، بل بوسعهم الرد على الدعايات الدينية، الدعايات القومية والرد على البرجوازية باي شكل وهيئة كانت. اناس بوسعهم اقناع الاخرين، توحيدهم وتنظيم مجمل جوانب نشاطهم. كما اكدنا انه ليس ثمة شخص مُلّماً وذا خبرة بكل هذا. ان هذه السمة يؤمنها جمع من المتخصصين الذين توفرهم هذه الشبكات وهذه اللجان والنشاط الشيوعي. نطلق على هؤلاء الثوريين الحرفيين اسم كادر. ان اساس اي عمل واي نشاط يقع على كاهل كوادره.
ان هذا الطيف ياتي بصعوبة وعدده قليل. بيد ان النشاط الشيوعي لايقتصر على هذا المستوى من الناشطين. ثمة جماهير عريضة من العمال وغير العمال الشيوعيين، وينبغي اعادة انتاجهم دوماً، يكونون حمالة القيام بالنشاط الشيوعي.
نبلغ هنا نوع اخر من الناشطين الشيوعيين، اناس لامعنى للنشاط الشيوعي بدونهم. بدونهم تتحول شبكات الثوريين الحرفيين او الكوادر الى امرين بدون جيش، يمكن فقط لهم ان يفتخروا بمداليتهم. ان هذه الجماهير العريضة من الناشطين الشيوعيين في الحقيقة، تتمايز عن الكوادر والثوريين الحرفيين، هم اعضاء منظمة شيوعية.
ينبغي ان تكون المنظمة الشيوعية منظمة جماهيرية. ينبغي ان يلتف حول شبكة الكوادر اعضائها، مثلما ينبغي ان يلتف حول اعضائها طيف واسع من اصدقاء وناشطين مستعدين. مبدئياً، ان مَعْلَمْ كادر جيد هو ان يكون قادر على ان يكون موحداً ومبعث اعتماد وثقة جماهيريين.
الاهم من هذا، وعلى النقيض من صلة الامر والجندي، النفوذ والصلة بين الكوادر والاعضاء يكونا على اساس نفوذ الكوادر ومكانتهم مما على اساس رتبتهم ومكانتهم في الهيكل التنظيمي. وعلى هذا الاساس، لايتمتع الكوادر في النظام الداخلي للحزب الحكمتي بحقوق وامتيازات وصلاحيات خاصة مقارنة بالاعضاء. لديهم مهمات اوسع واكثر تعقيداً. حين ينتخب هيكل منظمة شيوعية، للكل حق متساوي ومماثل في التصويت. كيف يعطى هذا الصوت والى اي جهة يمضي مرهون بدرجة كبيرة بالاعتبار والنفوذ المعنوي للكوادر.
ولهذا، مَعْلَمْ اي منظمة شيوعية هي ان تنتظم جماهير عريضة من الشيوعيين حول هيكل من الكوادر. بدون هيكل الكوادر هذا، يغدو التنظيم الحزبي مثل جماهير على شكل جلاتين عديمة الملامح والحدود على الارض، وبدون جماهير الاعضاء، يصبح هيكل الكوادر مثل هيكل عظمي للانسان، لاياتي على ايديه الكثير. واؤكد على ان الفرق بيم الكوادر (الثوريين الحرفيين) والاعضاء هو ليس فرقاً بين الجيد والافضل او المهم والاهم. انه تقسيم عمل وخطة وخارطة تنظيمية على اساس واقعنا القائم. بدون تقسيم العمل هذا لايمكن تنظيم عمل ما مبدئياً. لايمكن القيام بهذا النشاط الشيوعي دون فصل ووحدة هذين المستويين في ان واحد.
بدون هذا الفصل والمزج، يؤول النشاط الشيوعي الى: اما كوادر حرفية بدون نفوذ، او اعضاء لاياتي على ايديهم شيئاً او كلاهما. عندها تعجز المنظمة الشيوعية عن الرد على البرجوازية، ولابوسعها ان تدافع عن نفسها امام الشرطة، ولا تستطيع مبدئياً تنظيم نضال مؤثر وناجح.
7- حزب سياسي او محفل اناس يقبلون بعضهم البعض
الصلة المحفلية او الحلقية اساس تشكل اي شبكة نضالية ويصاب اي تنظيم شيوعي بالشلل اذا لم يلف حوله طيف واسع من الشبكات الحلقية.
بيد ان البقاء في اطار هذه الصلات وادامة هذه الصلات والمعايير المحفلية والحلقية الى عمل منظمة شيوعية هو امر مميت وقاتل. تحدث لينين بالتفصيل في "مالعمل؟" و"خطوة للامام خطوتان للوراء" بهذا الخصوص. نستطيع هنا فقط الاشارة الى جوانب منها.
يتشكل المحفل والحلقة استناداً الى الثقة الشخصية، قرب وتقارب الطباع، الاشتراك في مدينة او مقاطعة واحدة، الثقافة المتماثلة، الارتياح الشخصي وغير ذلك، وان هذه الصفات والعلاقات هي امر طبيعي كذلك. ولكن الانتقال من محفل الى منظمة شيوعية ينبغي ان يرافقه تحول من هذه المعايير الى معايير سياسية واجتماعية. والا فان امكانية تنظيم النشاط الشيوعي الذي اشرت له يغدو مستحيلاً. ان للمحفل امكانية توسع محدودة، وبوسع تنظيم شيوعي فقطا، يكسر هذه العراقيل المُضيّقة.
ينبغي ان تكون مجمل الصلات في المنظمة الشيوعية مستندة الى اسس وموازين وقرارات متفق عليها. ينبغي ان تتخذ القرارات وتنفذ وفق نمط وعملية ومقررات مدونة وواضحة. ان هذا الحال يعكس موازين وصلات المجتمع والطبقة العاملة كذلك. ان الطبقة العاملة وتنظيمها في المجتمع يستندان الى الصلات الانتاجية والاجتماعية وليس الصداقات واشكال التقارب الفردي. ان العمال الذي ينتجون ويصنعون السيارات او الحديد او حتى عمال يعملون في فرن للصمون هم شيء وكتلة واحدة في حين ان سلوكياتهم وسماتهم الفردية ليست متماثلة على الاغلب.
ان النضال العمالي هو نضال غير شخصي كلياً؛ نضال طبقي. وبمجرد ان تدخل عنصر القومية، الامة، الدين، الجنس، الصنف، السلوكيات والثقافة تخلق التفرقة فيما بينهم. ان المنظمة الشيوعية هي منظمة لانهاء التبعثر والفرقة داخل الطبقة العاملة وليس تابيدها او اضفاء الصفة الرسمية عليها. ان وجود الطبقة العاملة، وبمعزل عن الدين، القومية، الاثنية، الصنف والسلوكيات، هو اساس قدرة الطبقة العاملة؛ وان القسم الاعظم من الخرافة التي تنتجها البرجوازية لتعميق هذه الفرقة القومية، الجنسية، الصنفية، السلوكية والثقافية وغيرها.
8- خط ماركسي واضح
لقد ذكرت ان اساس النشاط الشيوعي هو السعي للوحدة الطبقية للطبقة العاملة. وقلنا ان هذا السعي هو امر نضالي، وليس تعليمي او توضيحي محض. يعد التوضيح الصحيح في هذا النضال للصلات الاقتصادية والسياسية للطبقات والحركات المختلفة امراً حياتياً. بدون مثل هذا التحليل او وضوح رؤية عميق لايمكن اتخاذ سياسة وتكتيك واستراتيجية صحيحة. لايستطيع ان يدخل احد هذه الحرب باعين معصوبة، وباوهام، وبتحليلات سطحية او خيالية، ويحدوه الامل بالنصر.
كما ذكرنا ان احد الاركان المهمة للسعي من اجل توحيد الطبقة العاملة هو احباط الدعايات والتفسيرات البرجوازية لاوضاع المجتمع، ومن بينها اوضاع الطبقة العاملة. اذ يسعى الدين، القومية، الليبرالية، الفاشية ومجمل التقاليد والتيارات البرجوازية لطرح تفسير مقلوب ليمرره على المجتمع والطبقة العاملة. تفسيرات تؤبد الخرافات والفرقة داخل صف الطبقة العاملة. كما ذكرنا ان البرجوازية في هذا المسار تصيغ اكثر نظرياتها ودعاياتها تعقيداً والتواءاً كي تخلق تيه وتشوش فكري. تقوم بعصب الاعين، وتجعل الابيض اسوداً والاسود ابيضاً. اذ تقوم بهذه الحملة الفكرية والثقافية كل يوم وكل لحظة حول اي مسالة كانت، حتى فيما يتعلق باكثر صلات الانسان خصوصية تتضمن من صلة العشق الى صلة الزواج والصلة بالاطفال، تصويرها عن نفسها، صلة العمال في المجتمع. تعرف للمجتمع الدين، القومية، الليبرالية البرجوازية، ماهو سيء وماهو حسن. انظر الى اماني وامال اي شخص، حتى اي طفل، ستجد عمق نفوذ ثقافة الطبقة الحاكمة (البرجوازية) بهذا الشكل او ذاك. يعلمنا ماركس ان الثقافة السائدة في اي مجتمع هي ثقافة الطبقة السائدة وثقافة العلاقات السائدة.
ان المشاركة في هذا النضال، سواء من حيث البعد العملي او السياسي والثقافي، بدون نظرية واضحة، بدون ماركسية شفافة هي ليست امراً عملياً.
بدون تحلي النشاط الشيوعي، المنظمة الشيوعية، والشيوعيون الذين اتوا للميدان هذا، بخط ماركسي واضح، سيعملوا بصورة عمياء. وعليه، ينبغي الارتقاء بالفكر الماركسي، ويعتبر الانتباه للخرافات والخزعبلات التي تطرح لاستهلاك المجتمع والطبقة العاملة باسم الدين، القومية، الليبرالية، الفاشية، النزعة الرجولية وغيرها، ناهيك عن باسم الماركسية هو امراً حياتياً. ان النضال ضدها هو حياتياً بقدر النضال في اي ميدان اخر.
ولهذا، فان مَعْلَمْ بارز للنشاط الشيوعي هو وجوب الاهتمام بالنظرية الماركسية، ينبغي مركزة السعي لفضح مجمل جوانب الحياة الانسانية وفق وجهة نظر البرجوازية. وذكرنا انه ينبغي في اغلب الاوقات انجاز هذا العمل بصورة صبورة، دؤوبة وفي مجرى النضال والتجربة اليومية للطبقة العاملة.
الجزء الثاني يتبع قريبا.....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد