الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف تقعّد الريع عندنا؟

إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)

2014 / 1 / 16
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


يكمن الريع عندنا – كما أضحى الجميع يعرف اليوم – في الحصول على دخل أو ثروة أو استفادة أو سلطة أو امتياز أو إكرامية دون استحقاق موضوعي، ودون جهد، ودون مسوغ قانوني واضح وشفاف.
وغالبا ما يستهدف الريع الجانب المادي لتنميط العقول والتصرفات. وهكذا يتم تكريس تراتبية في المجتمع بطريقة مصطنعة وفوقية غريبة كليا عن آليات الارتقاء الاجتماعي العادية والمقبولة المتعارف عليها والتي تبدو معقولة للجميع أو للكثيرين على الأقل. وبذلك يساهم الريع في إنتاج – على حين غرة – بجرة قلم أو مكالمة هاتفية أو وساطة، فئات محظوظة تستأثر بالخيرات والامتيازات و الاكراميات دون وجه استحقاق. علما أن الكثير من أنماط الريع تنتج – مقابل – هضم حقوق فئات اجتماعية واسعة وحرمانها منها. ومن هنا يتضح دور تفعيل آليات الريع في صنع نخب مرغوب فيها وبمواصفات خاصة، أي نخب مكبلة بالسعي نحو المزيد من الاستفادة أو على الأقل الاحتفاظ بالمزايا المكتسبة والحرص على استدامة سبل الانتفاع.
فقد ارتبط مفهوم الريع – تاريخيا- بمفهوم وعقلية الرعية والخدم،وهي العقلية القائمة على آليات التطويع والتدجين.
فالدولة تحتكر كل ينابيع الريع في مختلف المجالات والقطاعات، فهي الطرف المحتكر لكل مقدرات الاقتصاد الوطني، وبذلك تكون المتحم الوحيد في الريع ومصادره.
لا يتناطح كبشان على الإقرار بأن الريع يُعد ألذ أعداء التغيير والإصلاح، والمنتفعين منه من أقوى مناهضي التغيير والإصلاح، إنهم يشكلون لوبيات معاكسة للتغيير الذي من شأنه النيل من مصالحهم. وهذا من شأنه تأجيج الاحتقان الاجتماعي.
ويظل القرب من دوائر صناعة القرار والقرابة والموالاة، أهم وأوضح السبل للاستفادة من الريع. وهذا السبيل يُبرز بجلاء علاقة الريع بالتسلط. وفي هذا النطاق يعتبر البعض أن الريع يمثل قوّة ناعمة إبقاء الحال على ما هو عليه دون المطالبة بتغييره.
إن أقصر السبل وأجداها للاستفادة من الريع ببلادنا، التودد والتملق للقائمين على الأمور. إنه نوع من أنواع الصراع والمنافسة لنيل حظوة القرب، فالقرب أو التقرب هو أوسع بوابة للانتفاع بالريع وآلياته. وقد ظل القرب من السلطة ونيل رضاها الطريق السيّار للفوز من حصة من كعكة الريع.
تتنوع أشكال الريع حسب القطاعات، كما يمكن للريع أن يتخذ شكل دعم أو مساندة مالية، كما هو الأمر بالنسبة للإعلام والأحزاب السياسية والنقابات وبعض جمعيات المجتمع المدني.
فأشكال الريع وتمظهراته كثيرة ومتنوعة،، منها العينية ومنها المعنوية. وقد يكون الريع على شكل مناصب ووظائف واحتكار وهبات وإكراميات وامتيازات اقتصادية وإعفاءات، علما أن الاستفادة من الريع لا ترقى إلى حق، إذ يمكن سحبه في أي وقت وحين، وهنا يتجلى جانب الريع كقوّة ناعمة للإخضاع.
وأجمع الاقتصاديون أن الريع يعتبر مُقوّم ومرتكز أساسي للفساد الاقتصادي وحتى السياسي.
ويساهم الريع في تشكيل فئات اجتماعية تمثل الرأسمال الاجتماعي للسلطة القائمة، لأنها ستظل تسعى للإبقاء واقع الحال مقابل الاستفادة والانتفاع. ومن هذه الزاوية، يأخذ شكل وسيلة للإذعان والقبول بالوضع القائم.
فلا يخفى على أحد الآن أن ضعف الطبقات الوسطى وارتهالها يشكل معضلة كبيرة لن تستقيم معها أي استراتيجية للتنمية مستدامة فعلية. والريع بفعل قيامه بتوسيع الهوة بين الفئات الاجتماعية يساهم بشكل كبير في نسف شروط وعوامل بروز طبقة وسطى التي يمكنها أن تحفظ نوعا من التوازنات الاجتماعية، وهنا تكمن مصيبتنا.
إن سيادة الريع وآلياته، ساهمت بشكل كبير في حشد الوصولية. ويتجلى هذا المظهر بشكل جلي في المجال الثقافي والمعرفي، حيث يمكن معاينة كيف ساهم منطق الريع في صناعة نخبة من المثقفين الوصوليين الذين تخصصوا في تمجيد وشرعنة واقع الحال المزري، ولو باعتماد التضليل والتبرير.
تقوم العقلية الريفية على تكسير العلاقة المفروضة بين العمل والاستفادة، إذ أن الاستفادة أو المكافأة تعود كسبا غير متوقع وغير مرتبط بمجهود أو المجازفة وليس كثمرة للجد والعمل المتواصل، وإنما مرتبطة بالتموقع الاجتماعي والروابط الاجتماعية ودرجة القرب بالقائمين على الأمور.
يهدم الريع العلاقة المفروضة بين الجهد والمكافأة، باعتبار أنه يتأسس على الوضع والتموضع. وينعكس هذا كذلك على القطاع الخاص الذي من المفروض أن تحكمه المنافسة بالأساس، إذ أن التنافس عندنا لا يرتكز على الإنتاج والاحتكار والاجتهاد والمجازفة من أجل عرض سلع وخدمات أفضل وأجود وأقل ثمن، بل ينبني بالأساس على روابط زبائنية وعلى درجة القرب من القائمين على الأمور. هكذا يصبح دوام النعمة واستمرار الاستفادة من دوام بقاء دار لقمان على حالها، والتغيير سيؤدي إلى زوال النعمة. وبذلك يضيع منطق الحقوق والواجبات، ومع ضياعه تتفتت أرضية الإقرار بالمواطنة وتنمحي فكرة المحاسبة والمسائلة.
وقد ساهم الريع بدرجة كبيرة في هدم مسار التنمية. فبعد الاستقلال بقليل استفحلت أمراض الحزبية والوصولية والمحسوبية والرشوة استفحالا عظيما ، لتصير بذورا لما نحصد ثماره اليوم من الويلات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله ينتقم لمقتل 3 من قادته وإسرائيل تحشد ألوية عسكرية ع


.. التصعيد الإسرائيلي الإيراني يسحب اهتمام الغرب من حرب غزة




.. الأردن يؤكد أن اعتراضه للمقذوفات الإيرانية دفاعا عن سيادته و


.. رئيس وزراء قطر: محادثات وقف إطلاق نار بغزة تمر بمرحلة حساسة




.. تساؤلات حول أهلية -المنظومة الإسرائيلية الحالية- في اتخاذ قر