الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اوراق من المهجر 16

صلاح حسن رفو
(Salah)

2014 / 1 / 16
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


اوراق من المهجر 16

وللكلاب حظوظ ...!

بدأت حملة القضاء على الكلاب السائبة في بغداد ومدن العراق في نهاية القرن الماضي لما خلفته تلك الكلاب من مشاكل واضرار صحية وظواهر غير حضارية في المجتمع لدرجة ان بلديات المدن الكبرى اعلنت عن مكافأتها بمبالغ مالية للمتعاونين معها في هذا المجال ، وكانت تلك الحالة فسحة للتندر ، اذ قيل ان " الحاجة ام جاسم " ذهبت لخطبه احدى الفتيات في احدى ازقة بغداد لأبنها العاطل عن العمل ، ولما سألوها اهل العروس عن مؤهلات ابنها قالت بعد تلعثم : ابني يقتل في اليوم سبعة كلاب وسلوقي (الكلب السلوقي _الكلب السليماني )، وهي كانت كل مؤهلات ابنها جاسم الذي كان يجمع بمقابل هذا القتل مبلغاً لا بأس به من الدنانير انذاك .
نظرة المجتمع من قتل الكلاب لم تتغير قيد انملة خلال الاربعين سنة الاخيرة ، فقد عاصرنا حملات عدة لقتل الكلاب السائبة في البلاد وكان منظر جمع جثث الكلاب واحراقها لا يختلف عن منظر تبليط شارع او تنظيف رصيف من قبل عمال البلدية .
في النظر الى سلوكيات الكلاب ومميزاتهم نراها اذكى الحيوانات الاليفة واكثرها قرباً الى البشر فهي وفية لأصحابها وتتذكرهم وان مر وقت طويل على بعدهم عنها ، وتمتاز ايضا بالذكاء وسرعة التعلم اذ يقدر ذكاء الكلب بذكاء طفل يناهز العامين الى العامين ونصف حسب اخر البحوث العلمية ، ويستطيع ايضا تعلم اكثر من 250 كلمة (بحث لـلكندي ستانلي كورين من جامعة بريتش كولومبيا ) ، لكن الغريب ان اول النعوت التي تعلمنا ان ننطقها كانت وصف الخصوم واسلافهم بالكلاب اولاد الكلاب ، بالمقابل يوصف الرجل الشجاع والسريع والمثابر بالذيب (الذيب – الذئب ) علماّ ان اهم صفات الذئب هي الغدر والشراسة واستحالة التدجين ، رغم ذلك فأن احدى القوى العسكرية التي جابهت الارهاب في البلاد سمت نفسها بلواء الذيب !.

الاشخاص الشرقيون حينما يستقرون في الغرب تواجهم صعوبات التأقلم ومن ضمنها تفاجئهم للتعامل الخاصة الذي يبديه المجتمع مع الكلاب ، اذ لا يرى كلبا سائبا او اي حيوان غير مروض في الشارع لدرجة ان حتى القوارض من الفئران والجرذان معروضة للبيع في محلات بيع الحيوانات ، ومن النكات الشائعة هنا في المانيا التي تقال عندما جاءت العمالة التركية الى المانيا لتشارك في بناء هذه البلاد المنكوبة بعد الحرب العالمية الثانية ان احد العمال الاتراك شكى لصديقه الالماني في استراحة العمل عن معاناته اليومية منها جلبه لأطفاله للمدرسة كل يوم وزيارة زوجته الراقدة في المستشفى لأيام وكذلك التسوق ومراجعة الدوائر ، فما كان من صديقه الالماني الا ان يطبطب على كتفه ليواسيه وبالقول : قلبي معك ايها الكلب العجوز !، وما هي الا لحظات حتى يثور ويصرخ الشخص التركي محاولاً ضرب رفيقه بسبب تلك العبارة الى ان تدخل بعض من من حولهم ليستفسروا ويـُفهموا الشخص التركي بأن صاحبه الالماني يقصد وصفه بأنسان بمنتهى الوفاء لعائلته .

منذ تواجدي على ارض هذه البلاد حضرت ورايت مواقف عدة اردت ان ادون اقربها الى ذاكرتي وفي الدائرة الصغيرة التي حولي تحديداً ، سأبدئها بصديقة زوجتي الالمانية الطيبة التي تعابها الثرثرة ، ففي اول جلسة تعارف قامت بها زوجتي بيني وبين صديقتها سردت معظم تاريخ حياتها قبل ان اسال ،اذ علمت انها من حماة الطبيعة وضد الادوية الكيمياوية وفشلت في علاقتها مع صديقها ولوالديها كما تدعي معزة خاصة لديها ، اذ ان والدها جاوز الثمانين من العمر وهو راقد في المستشفى وهي مشغولة معظم الوقت به
، وفي احدى الليالي اتصلت تلك الصديقة كالمعتاد لكنها كانت تجهش بالبكاء لأستفهم من نظرات زوجتي بأن والد صديقتها قد توفي في المستشفى ،البكاء على عزيز نستكشفه بسهولة من نبرة الصوت او حدته وهذا ما كان واضح في الاتصال ، واستها زوجتي مراراً الا انها لم تتوقف عن البكاء والحديث في نفس الوقت ، كانت تقول : كنت اعلم بان هذا اليوم قادم لكن لم اكن اظنه بهذا السوء ، فترد زوجتي : نعم يا صديقتي لقد كان عجوزاً ومتعباً ، فترد هي :نعم... نعم لكنه كان افضل صديق ومعين ، وتكمل زوجتي : وقريب ، وتكمل هي : نعم... نعم... وقريب ، لكن الذي يحز في نفسي ان الطبيب اعطاني الابرة وقال احقنيه وخلصيه من هذا العذاب وفعلت ...واجهشت مرة اخرى بالبكاء ، قاطتعها زوجتي مستغربة : كيف ؟!..آماتَ بالموت الرحيم ؟!
_ نعم وبيدي انا .
_ ولكن هذا القانون غير مسنن في المانيا .
_ هذا صحيح بالنسبة للبشر ، ولكن القانون جائز للحيوان .
_ "اهااااا"...وانت انهيت حياة كلبك العجوز .....آليس كذلك ؟!
_ نعم ، نعم ... مات بول العجوز .
_ حسنا ..حسنا ..نامي الان وسيكون بأستطاعتكِ شراء كلب من فصيلته مستقبلاً....تصبحين على خير.

ما ان نظرت زوجتي لي بعد اغلاقها لهاتفها بغضب حتى فهمت مغزى القصة واسباب بكاء الصديقة ، لكن القصة لم تنتهي احداثها الا عندما ارتني زوجتي رسالة الكترونية مرسلة من الصديقة بعد عدة اشهر من هذه الحادثة تقول فحوها :
اصدقائي الاعزاء
يؤسفني ان ابلغكم بنبأ وفاة والدي ، وسيقام العزاء في الاسبوع المقبل في الكنيسة الفلانية وفي التاريخ الفلاني ،بأمكاني استقبال عزاءكم على رقم هاتفي الثابت ، ولمن يود الحضور يرجى عدم جلب الورود معه لأنها ستكلف مبلغاً اضافياً في تهيئة وتنظيف المكان بعد الجنازة .
صديقتكم...!.

قصة اخرى لا تقل طرافة وغرابة حدثت مع حماتي التي مازالت تحن لخبزالتنور الطيني وجلسات النسوة امام باب الدار رغم مرور اكثر من عشرين سنة من تواجدها هنا في المانيا ، اذ لديها جارة في خريف العمر لا تفصل حديقة منزليهما سوى سياج خشبي بطول ربع متر، كانت حماتي قد جهزت صحن " الدولمة " لجارتها الالمانية التي تعشق كل انواع الاكل ككل الالمان ، الا انها راتها اليوم عن قرب وهي جالسة في باحة الحديقة والدموع تنسكب من عينيها لتسألها عن السبب ، رحبت الجارة بضيفتها ودعتها للجلوس بالقرب منها على الكرسي المجاور لتخبرها بخطبها : اشكرك ياجارة على مكارمكِ واكلكِ الطيب ، لكنني تعرضت هذه السنة لنكسات وازمات لم اكن اتوقع حدوثها او حتى تحملي لها لشدتها ، ترد حماتي بعبارات المانية بسيطة مع اشارات يد : كلنا سنموت ...العمر واحكامه ، تهز الجارة راسه وتبكي : كانت امي كبيرة في السن واستطعتُ تحمل وداعها ، وزوجي غادرني بعدها بأشهر وادركت بان الموت قادم ، لكن ان يفارقني صغيري ...لا .. لا...كان هذا بمثابة الصدمة ، آلا تتذكرينه ياعزيزتي عندما كان يركض هنا ؟!...ويجلب الكرة من هناك ، ويلعب على هذا الثيل الى ان يتعب ، التبس الامر على حماتي ، فهي تعرف بان ابناء الجارة في الجامعة وغير متزوجين وليس لهم اطفال ، فمن تقصد ياترى بصغيرها ، الجارة ادركت ايضا ان الضيفة لم تفهم مغزاها والا لتأثرت بحكايتها ، لذا اخبرت الاخيرة بأنها ستجلب صور لصغيرها لتفك العقدة ، ماهي الا دقائق لترى حماتي صور لكلب الجيران وهو يقضم الكرة تارة ، و تارة اخرى وهوعلى ظهر احداهم ، ادركت حماتي لحظتها الهوة والفراغ الكبير بينها وبين جارتها رغم كل محاولاتها في الانسجام والتأقلم ولم تستطع تحمل المزيد لتضرب كفة بكفة وتنهض مغادرة دون وداع لتقول بهمس مع نفسها : آلست مجنونة لمجالسة هذه المراة ؟! ، لو تعلم هذه كم طفل يموت وكم شاب تقتل احلامه بسيارات مفخخة في بلادي البعيدة لمَ حزنت على كلبها المترف ، الجارة لاحظت حركة ضيفتها وهي مغادرة ظنتها غادرت من شدة الحزن لتخبرها بصوتٍ مبحوح : نعم ياعزيزتي ، كنت ادرك بأن قلبكِ الرقيق لن يتحمل حزني الكبير!.

صلاح حسن رفو








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت