الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة مفتوحة إلى لجنة البوكرز العربية

رياض رمزي

2014 / 1 / 18
الادب والفن



أفتى أعضاء المنظمة السرية للجنة البوكرز قبل أيام بأهم الروايات التي صدرت في العالم العربي لهذا العام، أما الروايات الباقية و عددها أربعون فليست سوى حشائش غير نافعة تستحق الجز. أنجز هؤلاء صنيعهم و قرروا التوقف في استراحة كاستراحة الخالق في سفر التكوين، لأن عملية الاختيار لديهم كان عملا شاقا و مضنيا أعياهم فقرروا الاستراحة بعدما قرؤوا بإمعان ما يقرب من مائة و ست و خمسين رواية" كذا". أنهم مبدعون و رواد بقدرات فائقة للعادة، يحوزون على مواهب فائقة لتقييم الأدباء. فما لديهم من معرفة ستكون مثالا رائدا في أي تقييم مقبل، و لا يجوز أن تخرج جائزة البوكرز عن رهن إرادتهم. هؤلاء هم أعضاء المنظمة السرية الذين يمنع وجودهم من أن يحل الخراب في أرض الإبداع الخالص، مثل حرس المسارح العظيمة التي يؤدي فيها عازفون عظماء سمفونيات عظيمة، يتدخلون لمنع تسلل عازفين متطفلين يدخلون نشازا في الأداء.
هناك 140 رواية تعفنت في صناديقها، و بقيت شخصياتها تنتظر زمنا للإفراج عنها، وجوهها تستدر الشفقة، و من ضمنهم شخوص روايتي المسماة" التيس الذي انتظر طويلا".
أجد من واجبي الأخلاقي نحو شخصيات روايتي، التي سلختُ خمسة عشر عاما في التفكير بها و كتابتها، الدفاع عنهم. فهم، عند صدور القائمة الطويلة، انتصبوا أمامي و طالبوني كمؤلف، و بلجاجة فيها خيط من رعونة، أن أنهض و أدافع عنهم كما يدافع الأب عن وليده قائلين لي" لا يحق لك أن تجيء بنا إلى الدنيا، إن لم تكن قادرا على الدفاع عنّا". لم يقولوا هذه الجملة بنحيب بل باحتجاج، لأنهم يعرفون أن لا أحدا من أعضاء المنظمة السرية شاهد أدائهم و أصغى إلى كلماتهم. كانوا، و على مدار عقد و نصف، صابرين، دون أن يأخذهم التعب و الإشفاق على أنفسهم، و لم تعلو وجوههم مسحة حزن. كانوا مواظبين على إخراج رواية بأفضل ما باستطاعتهم، و لم يسمحوا أن يتفتت يوم واحد من أياديهم، لأنهم ببساطة كانوا عازمين على إنجازها بجودة تلفت النظر. بما أن الشخصيات هتفت في وجهي جملة أن أسوأ أنواع الجبن هو الكذب على النفس، و لا يجوز أن ترفع كتفيك لا مباليا مثل ذلك المخرج الذي جاء بممثلين درّبهم سنينا طويلة و تركهم وحدهم على منصة المسرح بحجة رفض الجهات الرسمية الموافقة على إجازة النص. و خشية من أن يحدث لي ما حدث للمخرج الذي صوب الممثلون نحوه أصابعهم و اتهموه، كما يتهم الطلاب مدرس التربية الوطنية الذي أسمعهم ضجيجه، طوال خمسة عشر عاما، عن البر بالوالدين، بممارسة عقوق بحق والديه، قررتُ أن أوصل احتجاج شخصيات روايتي لأعضاء المنظمة السرية، لأستوضح منهم أسباب عدم قراءة الرواية، و لماذا رفضوها، وفقا لمبررات نفعية، حتى بدون قراءتها. قررت ألا استخف بمطالب شخصيات روايتي بأن أعمد إلى إسماع أصوات احتجاجهم للجمهور و أمام الملأ. ما أثار حنق شخصيات روايتي أكثر من أي شيء أنهم شاهدوا ضحكة ظفر تلوح على وجوه أعضاء المنظمة السرية كما تلوح على قادة الجيوش الذين يتوقون لتقديم براهين على كفاءتهم في القتال بقتل أكبر عدد من أعدائهم من كتاب الروايات المائة و الأربعين الذي لم يدخلوا ضمن دائرة المعصومين الذين من رشحوهم.
عندما تراءت أمام عيني مصيبة شخصياتي كان عليّ أما أن أجعلهم يستمرون في الاحتجاج الذي ربما سيتحول إلى نحيب، أو أجعل أعضاء المنظمة السرية أنفسهم ينتحبون. فشخصيات روايتي ليسوا من النوع الذي يرتضي أن يصبر لمدة خمسة عشر عاما على ثقب شحمات آذانهم بمخارز من حديد محمى كي لا يحملوا أقراطا، و إن حملوا فمن العاج الرخيص.
دعني أبدأ بمحنة الرواية نفسها. طبعت الرواية في دمشق أيام كانت تحت مرمى قذائف
المهاجمين و رد المدافعين عن المدينة. و عندما أنجزت الطباعة لم يتم توزيعها سوى في بغداد. تعلل الناشر السوري أن الطرق مقطوعة مع بلدان العالم، و ليس بوسعه إرسالها إلى أي مكان، ثم قال أن المخزن الذي يحوي النسخ تعرض للقصف و احترقت النسخ المتبقية. من الناحية العملية لا أستطيع التيقن من ذلك، فحرقها في الحالتين الفعلية و المزعومة تصبان في مصلحة الناشر. النسخ التي وزعت في بغداد برغم عددها الذي يفوق الثلاثمائة نسخة لم تكن كفيلة باستخلاص تقييم واحد. ففي بلد تطوف الضغائن في عقول أبنائه، كان أمرا مقدرا لها أن تُواجه بالإهمال في بلد نخرته الحروب و جاءت الطائفية و الحرب الأهلية فلم تعطه وقتا للتعافي، فتسارعت الوتيرة، التي بدأت منذ عقود، التي سارت بها الثقافة نحو الإفلاس. لا شك هناك تقييم ايجابي للرواية جاء على شكل مقالات كتبها الدكتور حسين الهنداوي و الدكتور عقيل الناصري و الأستاذ حسن سرمك و مقابلة مع الدكتور حسين مزعل.
قال تولستوي عن الحياة أنها تكون للبعض أشبه بشطيرة خبز مدهونة باللعنة. يصح هذا القول على هذا العمل. أنها رواية جوزيت بالإهمال و النكران في البلدين اللذين شهدا ميلادها و توزيعها، لكنه نوع من نحس يقول شيئا عن محنة الثقافة في كل بلاد العرب، و لا يفسر شيئا عن مضمون العمل. لكنني إن قيل لي، على سبيل التعزية، إن كان حكم الله سار على كل بلاد العرب فلماذا تستثني روايتك من قضائه، فسيصبح شأن الرواية شأن امرأة يقتل ابنها فيقال لها لا تحزني لقد مات خلق كثيرون ولكنها ترد بنبرة تقطر حزنا" لا يمكن أن أمنع الدموع عن عيني بناء على موت غرباء. سأثابر على رثائه حتى لو هلك نصف أبناء الأمهات الأخريات".
لن أقبل لروايتي خضوعها للمبدأ الذي يحكم العلاقة بين الأنظمة العربية و شعوبها و الذي فحواه أن يذعن الفرد لما قيل له، كي تغدو اللامبالاة و صمت المحكومين الذين يكابدون ، طريقا سالكا حتى للمبدعين و كأنه أمر مقدر عليهم بما قدر لشعوبهم.
هناك سلوك معروف لدى أصحاب الجوائز يدعم هذا التخمين. ثمة حقائق رائجة عن من يعطي الروايات و الكتب لآخرين كي يقولوا فيها رأيا على طريق أسلوب المقاولة الثانوية، و هناك من يخطو بعزم لكي يحيل المناقصة مباشرة لجماعته. هذه هي اللجان الشجاعة التي تقامر على إجبار الكاتب على نسيان عمله أو خيانته و التنكر له بعدم ذكره كي تشيع رأيا يقول ضمنا" لقد قرأنا، من غير ريب، الرواية وهي لا تستحق، و لسنا ملزمين بقول شيء عنها". أنه صمت يجب أن يأخذه المرفوضون مأخذ الجد، لأن أعضاء الطليعة يوصلون قراراتهم دون نصوص تقييم مكتوبة، بل بإيماءات من الرأس: فإن ألووا بنظرهم عن رواية فهي لا تستحق حتى قيمة الحبر الذي كتبت به، و إن هزوا رأسهم استحسانا لها فيجب أن ترشح للمكافآت. أليست الجوائز هي دجاجات بيّاضات تبيض ذهبا، أليس اصطلاح سوق الأدب صحيحا، لأن هناك من امتهن حرفة العمل كعضو لجنة تقييم الأعمال الأدبية، فبات قادرا بمجّة واحدة من سيجارته و بكمشة سم واحدة من يده أن يحوّل مائة و أربعين رواية إلى أسماك ميتة.
يما أن المجتمعات تتطور وفقا لما يسود طليعتها من مبادئ أخلاقية تجعلهم مسئولين عما عهد إليهم من مهام تتمثل في قدرتهم على اكتشاف الجديد و المتميز في الأعمال الفكرية التي هي بطيئة في الظهور، فلا يحق للهوى، إذن، أن يقرر في لمح البصر.
عندما يجد كاتبٌ روايته رفضت بدون أن تقرأ، لا يجوز له خيانة أبطاله بإظهار اللامبالاة تجاههم، أو إظهار بغض لهم لأنهم خذلوه، فذلك موقف له مدلولات مهنية و أخلاقية. من العبث أن نشاهد وجوه شخصيات رواياتنا وهي حزينة تستدر الشفقة و لا ترفع عقيرتنا بالاحتجاج. لا يجوز ترك أبطالنا تحت رحمة من سيغدو أكثر طيشا في التعامل مع رفاق آخرين سيواجهون نفس المصير. علينا أن نقف و نقول لهم أن تصرفهم يشبه أولئك الرومان الذين يتركون أسودهم المفترسة تفتك بعبيد عاجزين و هم يتمتعون برؤية ذلك. نحن لا نقلل من جدارة بعض الروائيين في الترشح للجائزة، بل نقول لأعضاء اللجنة إن كنتم صيادين فنحن لسنا سربا مفزوعا من طيور. إن كان هناك تقييم للروايات أو كانت هناك قراءة جادة أنشروها و دعونا نرى مواهبكم المتمرسة و براهينكم في حالتي القبول و الرفض. أما أن يتم العمل بسرية ووراء الكواليس فذلك سلوك ينطبق على سياسيين فاشلين لا يحفلون بمصير شعوبهم. عندما يقرر الكاتب المسئول خلق شخصية تتبدل طريقة تصرفه تجاهها حتى لو كانت الشخصية سيئة، كما حرص بلزاك على التعلق يراستنياك الوغد و الوصولي و الفظ و حافظ على مسيرته في الرواية حرصه على حدقات عيونه.
من حق المؤلفين الذين رفضت رواياتهم و اعترضوا أن يطالبوا بنشر أسباب الرفض. أنني مستعد لقبول ما يرد من أسباب لرفض روايتي حتى و أن كان لدى أعضاء المنظمة السرية إخفاق في فهم الجديد في الروايات العالمية. ليس في ذلك عيب. سوف يزداد احترامي لهم إن كان لهم رأي في الرواية، بشرط أن يجاهر به. و إن كانت مدروسة و ذكية، فسأعدهم، عندما أقرأ تقييماتهم، بأنني سأكون كالماء الذي ينظر بعين الرضا نحو الأماكن العالية. و كما يقال أن الغرض من فرض الأخلاق هو حفظ نظام الكون، و أي تنازل عن المطالبة بسيادة الأخلاق ستحدث خللا، سيجد الأعضاء السريون في اللجان المقبلة في أنفسهم الجرأة في المستقبل في إعلان أسماء الفائزين حتى قبل استلام الترشيحات. فنحن المرفوضون كالآباء و الأمهات أن سكتنا سنجعل أولادنا و بناتنا الذين سيقررون كتابة رواية في مذلة و احتياج.
مواقع المجد لا يصنعها الناجحون فقط، المرفوضون سبق لهم أن أسمعوا قدراتهم محتفظين لأنفسهم بمواقع كان الاحتفاظ بها متعذرا حتى ذلك الوقت.
لنتذكر دوي ما صنعه الفنانون المرفوضون في باريس، و كيف أدخلوا الارتياع في الفن السائد آنذاك خالقين البدايات للفن الحديث. ما هو أهم أنهم اكتشفوا مقدار جهلهم بقوتهم.
أخيرا فأنا أصرخ كما صرخ المتنبي يوما ما مطالبا من يحق له التدخل أن يبادر لحمل شرف المواجهة بإنهاء مهزلة وجود كافور مستحثا الهمم بحرف" ألا" التحريضي" ألا فتى يورد الهندي هامته/ كيما تزول شكوك الناس و التهم. فأنه حجة يؤذي القلوب بها....ألخ. إضافة إلى ذلك فأن كل من يزدري الصمت، و يعتقد أن ما قيل حال لا سبيل إلى القبول به، و يجد في نفسه الحق و القدرة و الواجب الأخلاقي في التأكد من صحة إدعاءاتي يحق له أن يطالبني بإرسال نسخة له كي يقرأها ليرى صدق و عدم صدق ما أدعيه من خلال تبيان رأيه فيها كتابة. أنني أضع عنواني الالكتروني كي أرسل نسخة من روايتي لأي شخص من أهل المعرفة كي يحكم على صدق أو ضلال زعمي.
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما