الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر ... نحو إقرار خارطة طريق ترسم مستقبل البلاد

جاك جوزيف أوسي

2014 / 1 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


توجّه الناخبون في مصر يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين إلى لجان الاقتراع للاستفتاء على مشروع الدستور المعدّل، في أول استحقاق انتخابي لخريطة الطريق التي أُعلنت عُقب عزل الرئيس السابق محمد مرسي، وسط رهان من الحكم على تأمين نسبة مشاركة مرتفعة في مقابل رهان «الإخوان المسلمين» وحلفائهم على رواج دعوتهم إلى المقاطعة. لكن ما هو مفهوم الاستفتاء الشعبي الذي راهنت عليه الجميع ، وما هي قيمته الحقيقية في الحياة السياسية في البلاد؟
مفهوم الاستفتاء الشعبي، من الناحية الاصطلاحية، هو عرض موضوع ما على الشعب ليقول كلمته فيه. وبناء عليه، يعد الاستفتاء الشعبي من أهم مظاهر الديمقراطية المباشرة, إذ تتجلى مشاركة الشعب في شؤون الحكم بصورة جلية في هذا المظهر من الديمقراطية, ولهذا النظام أهمية حقيقية لدى أفراد الشعب كونه يُشّعِرُهم بأهمية دورهم في رسم المنهج السياسي لدولتهم. كما أنه يعد الدافع الأساسي الذي يُسهم في تنمية قدرات وكفاءات المواطنين لأنه يتطلب أن يكون الشعب المُستَفتي قد وصل إلى درجة مقبولة من الوعي السياسي. والجدير بالذكر هنا أن القيمة الحقيقية للاستفتاء لا تبدو إلا حين يفهم كل من يدلي بصوته ما هو موضوع الاستفتاء حتى يقرر القبول أو الرفض أما إذا وافق المواطنين من دون إلمام بالموضوع فإن هذا الأجراء يمثل مظهراً بلا جوهر ولا فائدة فيه بل هو مجرد إضفاء الصفة الشرعية على المسألة قد تكون غير شرعية بالمطلق.
وعُرِّفَ الاستفتاء الشعبي في (المعجم القانوني الفرنسي ) كما يلي: «يدل هذا التعبير على أداة ديمقراطية شبه مباشرة وبموجبها تُدعى هيئة المواطنين إلى أن تعبر، عن طريق تصويت شعبي، عن رأيها أو إرادتها تجاه تدبير اتخذته سلطة أخري أو تنوي اتخاذه، وكلمة استفتاء شعبي، اشتقاقياً تفيد مفهوم المصادقة وتوحي بنقطة تلاق بين مؤسسة تمثيلية تقترح وشعب يمتلك».
ما هي أبرز التعديلات التي تمت على الدستور الجديد؟
1- إلغاء تحديد مصادر الشريعة المعيّنة التي سيستند إليها التشريع والإبقاء على النص بعموميته ومن دون تحديد، كما ورد في مسوّدة الدستور السابق (المادة 219).
2- حظر قيام أحزاب دينية (المادة 74).
3- حرص الدستور الجديد على تحقيق العدالة الاجتماعية حيث عمل على إقرار مبدأ تعدد الشرائح الضريبية وتصاعد معدلاتها حسب قدرة المكلف، وﻫ-;-ذا ﻫ-;-و الأساس الرئيس لأي نظام ضريبي عادل يعفي الفقراء ومحدودي الدخل من دفع الضرائب، ويتدرج في معدل الضريبة تبعا لحجم الدخل. كما تجسدت العدالة أيضا في إلغائه للاستثناء من الحد الأقصى للأجر للعاملين لدى الدولة والذي كان موجودا في دستور 2012، وهو ما يعني فتح الباب لإصلاح نظام الأجور.
4- كما قدمت الدستور الجديد ضمانات جدّية تصون حقوق العمال والفلاحين، وتحظر الفصل التعسفي وتعمل على بناء علاقات متوازنة بين العمال وأصحاب العمل. كما ألزمت الدولة بشراء المحاصيل الأساسية من الفلاح بأسعار عادلة، وأن يكون له نصيب محدد في الأراضي المستصلحة وفي الحصول على ضمان اجتماعي يحفظ كرامتهم. كما خصصت مادة مستقلة لأول مرة في دساتير مصر لحماية الصيادين وتمكينهم من مزاولة أعمالهم دون إلحاق الضرر بالنظم البيئية والتي أولتها الوثيقة اهتماما خاصا في أكثر من مادة، بل وأفردت لها مادة خاصة (مادة 46) التي تنص على حق الفرد في بيئة صحية وسليمة وحمايتها واجب على الدولة بما يحقق المعادلة بين الاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية بما يكفل تحقيق التنمية المستدامة من جانب، وضمان حقوق الأجيال المقبلة من جانب آخر.
5- في ضوء المكانة الثقافية التي تشغلها مصر بتراثها وآثارها، فقد خصصت الوثيقة فصلاً مستقلاً للمقومات الثقافية ألزمت الدولة بمقتضاه الحفاظ على الهوية الثقافية لمصر بروافدها المتنوعة، مؤكدة على أن الثقافة حق لكل مواطن، وتشجيعه لحركة الترجمة من العربية وإليها، فضلاً عن إلزام الدولة بحماية الآثار والحفاظ عليها وجعل الاعتداء عليها جريمة لا تسقط بالتقادم. كما أفردت مادة خاصة بتراث مصر الحضاري والثقافي المادي والمعنوي وألزمت الدولة بالحفاظ عليه وصيانته.
6- في خضم ما واجهته مصر على مدى العقود الماضية من تفشي الفساد وانتشاره، فقد حرص الدستور من خلال النص في مواد مفصّلة وبصورة واضحة على مكافحته، فقد ألزم الدولة في مادة (218) على وضع استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد واجتثاث جذوره وتعزيز قيم النزاهة والشفافية بين المواطنين. كما حرص الدستور على إزالة كل العقبات التي تحول دون تمكين أجهزة الرقابة من القيام بواجبها على أكمل وجه.
7- فتح الدستور الباب أمام المصالحة الوطنية، فلم يقص أحدا ولم يعزل مجموعةً أو حزباً كما فعل دستور 2012، بل جعل الأمر كله موكولاً إلى القضاء في تأكيده على ترسيخ دولة القانون وسيادته.
8- رسّخ الدستور لمبدأ المساواة بين المواطنين كافة، حيث نصت المادة (35) على أن المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر. كما جعل التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون، وأوجب على الدولة اتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على جميع أشكال التمييز.
9- أكد على ضمانة حرية الإعلام ، فقد نصت المادة (212) على إنشاء هيئة مستقلة للصحافة تقوم على إدارة المؤسسات الصحافية المملوكة للدولة وتطويرها، وتنمية أصولها وضمان تحديثها واستقلالها وحيادها والتزامها بأداء مهني وإداري واقتصادي رشيد، وبذلك تُنّزع الصحافة القومية من أحضان الأنظمة الحاكمة أيا كان اسمها أو انتماؤها لتتحول إلى صحافة قومية مستقلة تؤدي دورها بعيدا عن سلطة النظام الحاكم في الدولة، وتتكامل هذه المادة مع ما ورد في المادة (27) التي أكدت التزام الدولة بضمان استقلال المؤسسات الصحافية ووسائل الإعلام المملوكة لها بما يكفل حيادها، وتعبيرها عن كل الآراء والاتجاهات السياسية والفكرية والمصالح الاجتماعية، ويضمن المساواة، وتكافؤ الفرص في مخاطبة الرأي العام.
وبقيت ثلاث قضايا لم يتم النص عليها في الدستور وهي:
1- طريقة انتخاب البرلمان، هل تكون بالنظام الفردي أم بالقوائم النسبية؟
2- تحديد كوتا لتمثيل العمال والفلاحين والمرأة والشباب والمسيحيين وذوي الاحتياجات الخاصة، بما يضمن تمثيلهم تمثيلاً ملائماً.
3- أيهما الأسبق الانتخابات الرئاسية أم البرلمانية؟
وحول هذه الانتخابات، يقول الخبراء إن السلطة الجديدة ترى في هذا الاقتراع وسيلة للحصول على مبايعة شعبية. وتنقل وكالة الأنباء الفرنسية عن اندرو هاموند، الخبير في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، قوله: «إنهم بحاجة إلى اقتراع شعبي بالثقة يتيح للفريق أول السيسي الترشح للرئاسة إذا ما قرر ذلك».
من جانبه يؤكد اسندر عمراني، مدير إدارة شمال إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، أن الاستفتاء «اختبار لنظام ما بعد مرسي، أي للنظام الجديد القائم». ويشير إلى أن هذا استفتاء «يتم تقديمه بوضوح بهذه الطريقة من قبل النخبة الحاكمة».
بينما يعتبر آخرون، أن هذه الانتخابات قد طوت صفحة حكم جماعة «الإخوان المسلمين» بإقبال لافت على المشاركة في الاستفتاء على مشروع الدستور المعدّل، ما يعزز شعبية الجيش ويمنح مشروعية شعبية لعزل الرئيس السابق محمد مرسي، ويسحب من يد الجماعة الورقة التي يتمسكون بها وهي «ورقة الشرعية الانتخابية».
وقد تحدى المصريون مخاوف العنف واقترعوا بكثافة في الاستفتاء الذي شهد طوابير امتدت عشرات الأمتار أمام لجان الاقتراع، خصوصاً في المدن الكبرى. ووجه الجيش في بيان «تحية» إلى الناخبين، قائلاً أن «كثافة الحضور مبعث فخر للقوات المسلحة».
وإذا كان دستور العام 2012 يعكس فلسفة الإخوان في الحكم، فإن دستور العام 2014 يعكس فلسفة النظام الجديد القائم على تحالف بين الجيش والقوى الوطنية، فالأول منح مرسي والإسلاميين سلطات كبيرة لتثبيت أقدامهم في الحكم الجديد، مع محاولة لاسترضاء العسكر بمنحهم استقلالاً مؤثراً، في حين أن الدستور الجديد هو نتاج تحالف من داخل القوات المسلحة والقوى الشعبية، الأمر الذي أعطى نوعاً من التوازن بين الجيش وباقي القوى الوطنية. والملاحظ أنه لم يعلن أي حزب سياسي في مصر عن رفضه الدستور، باستثناء «حزب مصر القوية»، الذي يتزعمه القيادي المنشق عن الإخوان والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية عبد المنعم أبو الفتوح.
إن مصر المرهقة اقتصادياً واجتماعياً من جراء تصرفات الطبقة السياسية الفاسدة التي نشأت حول السادات ومبارك، لا يمكنها تحمّل إرهاق سياسي يزيد من صعوبات الحياة في ظل صراعات مستمرة وأعمال عنف وإرهاب، وتحتاج الآن إلى استقرار سياسي وتوافق وطني كي تتمكن من المضي بالعملية السياسية بطريقة سلسلة، والتوّجه لإعادة بناء مؤسسات الدولة، وردّ الاعتبار لهيبتها التي فُقدت من جراء تصرفات السياسيين السابقة، وللعمل على إعادة بناء علاقاتها الدولية والإقليمية على نحو يعيد للقاهرة مكانتها على الصعيدين الإقليمي والدولي.
هل سيتحقق ذلك ... الإجابة على هذا السؤال ستأتي في قادم الأيام؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بدأ العد العكسي لعملية رفح؟ | #التاسعة


.. إيران وإسرائيل .. روسيا تدخل على خط التهدئة | #غرفة_الأخبار




.. فيتو أميركي .. وتنديد وخيبة أمل فلسطينية | #غرفة_الأخبار


.. بعد غلقه بسبب الحرب الإسرائيلية.. مخبز العجور إلى العمل في غ




.. تعرف على أصفهان الإيرانية وأهم مواقعها النووية والعسكرية