الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دهاء إيران السياسي

منعم زيدان صويص

2014 / 1 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


يجب أن نعترف أن الزعماء الإيرانيين ساسة حاذقون، وان طُرُق تعاملهم مع الأنظمة والشعوب العربية ناجحةٌ تماما، ولولا الأزمة السورية والتوجس من الأهداف الشيعية لاستمروا في التأثير على الشارع العربي إلى الآن. لا شك أن أهم هدف للإيرانيين هو السيطرة على منطقة الخليج، أوعلى الأقل إقتسام هذه السيطرة مع الولايات المتحدة، فهم يرون، خطأ أو صوابا، أنهم أقوى دول المنطقة الخليجية. هذا هدفهم منذ عهد الشاه، ولتحقيقه إتبع الشاه سياسة موالية للغرب وإسرائيل، وهذا جعله يخسرتأييد شعبه والشعوب العربية والإسلامية التي لم يستطع حكامها أن يجهروا بصداقتهم له. ومن ناحية ثانية لم يكن الغرب مرتاح لطموحات الشاه الذي كان يسعى لاستعادة عهد الإمبراطورية الفارسية. كان الشاه يأمل أن الشعب الإيراني، الذي بدأ يتململ بعد سماع خطابات الخميني المسجلة والتي كان يبعثها لهم من منفاه في العراق قبل أن يذهب إلى باريس، سيصبر عليه بضع سنوات حتى يُحول إيران إلى قوة عظمى في المنطقة. لقد بدأت قوة إيران تظهر في أيام الشاه، وبنت أول مفاعل ذري في عهده. وتوصل الشاه وصدام حسين، الذي كان الحاكم الفعلي للعراق حتى قبل أن يصبح رئيسا للجمهورية، إلى أتفاق وقّعاه في الجزائر في آذار 1975، ولم يكن هذا الإتفاق مشرّفا للعراق.

ولم تتغيرأهداف إيران في الخليج بعد ثورة الخميني ولكن طرق تحقيق هذه الأهداف أختلفت، فبينما أكدت إحتلالها وملكيتها للجزر الإماراتية الثلاث واستعرضت عضلاتها أمام جيرانها في الخليج، تبنت إيران، بقيادة الخميني، سياسة معادية للولايات المتحدة "الشيطان الأكبر،" ولإسرائيل، "الكيان المغتصب للقدس." وحقق الخميني شعبية واحتراما كبيرين رغم محاولاته غير الناجحة في تصدير ثورته ومبدأ ولاية الفقيه. ووقفت أنظمة الخليج، مدعومة من الغرب، ضد إيران، وشجعت صدام أن يهاجمها ويقضي على ثورة الخميني في مهدها قبل أن تقضي عليه. تعلم الإيرانيون درسا قاسيا خلال الحرب العراقية الإيرانية واكتشفوا شدة عداء دول الخليج لهم وخوفها منهم ومن نظامهم الشيعي التوسّعي. ولم تكن إيران مستعدة للحرب، وبعد التدمير الهائل، ومقتل عدة مئات من الألوف من الإيرانيين، قبل الخميني وقف إطلاق النار عام 1988 واعترف أن هذا القبول "كتجرع السم،" وتوفي عام 1989، عشرة أشهر بعد تجرعه لهذا السم.

بعد ثورة الخميني أعلنت إيران عداوتها المطلقة لإسرائيل، فأغلقت السفارة الإسرائيلية في طهران وفتحت مكانها سفارة لدولة فلسطين، و"بهدلت" السفارة الأمريكيه وموظفيها في حصار طويل. وحسّنت هذه الخطوات من شعبية الجمهورية الإسلامية. وبعد حرب الخليج إستمرت إيران في سياستها المناوئة للولايات المتحدة وإسرائيل وبلغت تهديدات إيران لإسرائيل قمتها في عهد أحمدي نجاد الذي أعطى العالم الغربي الإنطباع أنه يعمل على "إزالتها من الخريطة." وساعدت إيران في تأسيس حزب الله في لبنان الذي ما فتىء يكرر ما تقوله طهران، وشكل هؤلاء مع النظام السوري، ما أصبح يسمي "بمحور الممانعة" الذي خلف جبهة الصمود والتصدي التي شكلت بعد زيارة السادات لإسرائيل.

بعد تصريحات أحمدي نجاد، وبمساعدة حزب الله، أصبحت إيران لاعبا مهما في الشرق الأوسط. فمن ناحية أصبح لها حق الفيتو، من خلال حزب الله، على أي قرارلا يعجبها في لبنان، وتبنّت حركة حماس، وحولت إنتباه شعوب المنطقة بعيدا عمّا كانت تفعله في العراق والخليج، من خلال تهديداتها اللفظية لإسرائيل والضجة التي خلقتها حول برنامجها النووي، وظهرت لبعض العرب كقوة مقاومة للولايات المتحدة وأضعفت من معنويات ومواقف دول الخليج في نظر الشعوب العربية. كانت تهديدات ايرن هي ما تريده إسرائيل بالضبط لان العالم ربط بين البرنامج النووي وإصرار إيران على تخصيب اليورانيوم بدرجة عالية يمكن أن تستخدم في تطوير سلاح نووي. وتنبأ أحمدي نجاد بأن أسرائيل ستزول قريبا، وكرر حسن نصرالله نفس التهديدات قائلا أن نهاية إسرائيل باتت قريبة، مستعيرا وصف الخمينى لإسرائيل بأنها أوهى من بيت العنكبوت. فتهديدات إيران مكنت إسرائيل من مجابهة عواطف العالم الذي بدأ يتفهم القضية الفلسطينية بطريقة أشمل، وتجييش حلفائها الغربيين ضد إيران وتجميد أي بحث لحل قضية الشعب الفلسطيني، واستغلت إسرائيل هذه الفترة، التي إستمرت عدة سنوات، في تهويد القدس وبناء المستوطنات وإطالة أمد الحصار على سكان الضفة الغربية وقطاع غزة. ولولا تصريحات الإيرانيين هذه وتهديداتم، مدعومة بالحديث عن تخصيب اليورانيوم، لما جُمّدت نشاطات اللجنة الرباعية كل هذه السنين. وبدل أن يتفرغ العالم لحل القضية الفلسطينية، تفرغ لمعالجة نشاطات إيران النووية وتهديدها لإسرائيل.

ورغم هذه التهديدات، فقد صرح حكام إيران أكثر من مرة أن إنتاج أسلحة نووية ليس من أهدافهم، وهذه التصريحات كررها حسن نصرالله في خطاب ألقاه قبل شهور قليلة عندما كان يتحدث عن قضية تدمير الأسلحة الكيماوية السوريه، قائلا إن المذهب الشيعي يحرم إستعمال الأسلحة "ذات الدمار الشامل." ولكن إسرائيل والغرب لم يعيروا هذه التصريحات أي أنتباه لأن إيران كانت متشددة حول برنامجها النووي وفي نفس الوقت تتحدث عن إزالة إسرائيل من الوجود. وهذا يثبت أن الإيرانيين، سياسيا، كانوا يعرفون نتائج ما يقولون وأنهم على درجة كبيرة من الذكاء فالتصريحات المبهمة والمتناقضة تعطي رسائل معينة للغرب وتدعم أهداف إيران في المنطقة.

ولكن التطورات في سوريا قلبت الموازين. فزعماء إيران وجدوا أنهم لا يستطيعون الإستمرار في هذه السياسه التي خدمت أغراضهم في فترة معينة، فمحور "الممانعة" يتهاوى، وسوريا لن تبقى حليفة قوية لهم، ووضع حزب الله لم يعد كما كان، والمقاطعة الإقتصادية والمالية ضدهم لم تعد تُحتمل، ولذلك بدأوا يُظهرون الليونه مع الغرب في المسألة النوويه، فقبلوا بشروط الغرب، ليثبتوا عمليا أنهم لا ينوون تصنيع سلاح ذري. وما إن خفّ التوتر حول برنامج إيران النووي حتى بدأت رحلات جون كيري للمنطقة بهدف إيجاد حل لقضية فلسطين.

إن التقارب الإيراني الأمريكي والتغاضي عن أهداف إيران في العراق والخليج سيؤدي إلى تمسك دول الخليج بالولايات المتحدة، وليس العكس، لأنها ستحتاج لحمايتها، وهكذا تؤمن الولايات المتحدة إستمرار وجودها القوي في الخليج. لقد كان دهاء الإيرانيين واضحا في التعامل مع الأزمة السورية، فهم مطمئنون إلى الإستمرار في لعب دور مهم هناك حتى تنتهي الأزمة، فلم يطلبوا صراحة حضور مؤتمر جنيف 2 لأنهم يعلمون أن الغرب وروسيا سوف يدعونهم إليه حتى لو لم يطلبوا ذلك، وهذا ما فعله بان كي مون أمس.

لقد تعاون الإيرانيون ضمنيا مع الأمريكان خلال حربهم في أفغانستان ضد أعداء إيران، القاعدة وطالبان، وكذلك عندما غزوا العراق، لأن الإيرانيين يعلمون أن العراق الضعيف سيسقط في أيديهم إن عاجلا أم آجلا، وسمح الأمريكان لأحمدي نجاد بزيارة بغداد "في عز الإحتلال." صحيح أن العقوبات أضرّت بإيران ولكنها غذّت الشعور القومي الإيراني ووحدت البلاد ودعمت شعبية النظام .

وعلى أية حال، فمهما بلغ دهاء الساسة الإيرانيين، فإن العرب، شعوبا وحكومات، لا يمكنهم أن يثقوا بهم رغم الصوره البريئة التي يعكسها روحاني وظريف. فبينما يتنقل وزير الخارجية بين دول المنطقة وعلى وجهه إبتسامة وبراءة الأطفال، يصرح قائد الحرس الثوري الإيراني محمد رضا نقدي أن "إيران تعتزم إنشاء وحدات لقوات الباسيج في الأردن ومصر، وذلك بعد أن خُضنا تجربة تشكيل هذه القوات في فلسطين ولبنان."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله ينتقم لمقتل 3 من قادته وإسرائيل تحشد ألوية عسكرية ع


.. التصعيد الإسرائيلي الإيراني يسحب اهتمام الغرب من حرب غزة




.. الأردن يؤكد أن اعتراضه للمقذوفات الإيرانية دفاعا عن سيادته و


.. رئيس وزراء قطر: محادثات وقف إطلاق نار بغزة تمر بمرحلة حساسة




.. تساؤلات حول أهلية -المنظومة الإسرائيلية الحالية- في اتخاذ قر