الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النفور من الفلسفة لماذا ؟؟

علاء الموصّلي
(Alaa Al-Mosuli)

2014 / 1 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



في خِضم التزاحم المعرفي ، وخاصة بعد توفر الوسائل الإلكترونية وبالأخص "الإنترنت" ، برزت مشكلة قديمة كانت في طيَّ النسيان ألا وهي النفور من المعارف أو العُلوم الإنسانية وبالتحديد" الفلسفة " فالفلسفة التي كانت الرائدة والسبّاقة في رفد الفكر الإنساني بشتى المعارف مُنذ وعَييهِ تطلعهِ وتعطشهِ للمعرفة، مرّت في فترات وأزمنة مختلفة بنكبات وصلت لحد المُحاربة وربما القضاء عليها كلياً، ولكنها صَمدَت وأستمرت على أكتاف ثُلة من حَامِلي الفِكر الحُر المُتطلعين والتواقيين للمعرفة ، حتى وصَلت ذروتها في " عصر النهضة " التي أتقدت شُعلتها في إيطاليا وبعدها انتشرت في أنحاء أوربا والتي أعطت للفلسفة دوراً بارزاً وخاصة بعد الترجمات الكثيفة للكتب والمصادر اليونانية وأستمرت تلك المرحلة وكما هو معلوم للقرن السابع عشر الميلادي، ففي القرن الثامن عشر حدث إنقلاب مهم في التاريخ الإنساني حيث برزت الثورة الصناعية بكل تفرعاتها وأخذت في الإنتشار وأوحت للعالم بأن الحلول باتت وشيكة وأن المكننة والأتمتة أصبحتا سيّد الموقف وأنه سوف يجعل من المستحيل واقعاً سهلاً ..والخ، وتناسى أولئك القائمون على الدعاية لتلك الثورة الرائدة بأن لكل مشروع مهما بدت مِعطاءة وواعدة حدوداً لا تتجاوزها ، ولكن وكالمعتاد وعلى مرّ التاريخ فالإنسان مغرور أكثر من اللازم أحياناً أو لنقل متفائل بشكل غير معقول !، فالثورة الصناعية وبالرغم مِما قدمتهُ من إنجازات رائعة ورائدة أفادت البشرية بشكل مُلفت وحسّنت من طريقة وأسلوب العيش الإنساني ورفدته باحتياجاته الأساسية وقدمت له الغذاء والدواء الجيدين والسكن والمواصلات المُريحة ..والخ، ولكن يبقى السؤال والشكّ قائمين !؟، فالإنسان مهما بلغ بهِ الأمر مِن التطور والرُقي ومهما نجح في تأمين احتياجاتهِ يبقى مُتسائلاً وباحثاً عن مغزى الوجود والكون فهذه الأسئلة الخالدة هي التي حرّضت العقول في البدء وغرست بذرة السؤال والشكّ في عقول الثُلة القليلة من البشرية وتلك البذرة وبالرغم من تأخرها في الإنبات إلاّ أنها أنبتت وصارت شجرة كبيرة وضخمة جداً، فالإنسان قبل عشرات القرون لم يكن يملك أدوات كما هو الحال اليوم كي يساعده على البحث إلاّ أن الأداة الأقوى والأنجع والأروع كانت موجودة بداخلهِ وهو العقل أو التفكير فبهذه الأداة الرائعة بنى مَجدهُ المعرفي لبِنة بعد أخرى حتى صارت قلعة للمعارف المُكتسبة، وكانت الفلسفة الأساس المتين لمعظم المعارف في تلك العصور، فالفلسفة التي رفدت الفكر الإنساني على مَرّ التاريخ بأقوى التساؤلات وأجابت على الكثير منها أصبحت في ضلّ التطور الحاصل في زماننا هذا عُرضةً للإندثار، فوسائل الإعلام الحديثة بشتى تفرعاتها ومظاهر الإعلام والتسلية والرفاهية والتكنولوجيا الحديثة وقبل كل هذا اللامبالاة بالأسئلة الوجودية المطروحة منذ بزوغ فجر الوعي البشري ساهمت في طمر معالم هذا العلم الإنساني الرائع ، ولا ننسى الدور الأكاديمي الهزيل وخصوصاً في الشرق حيثُ الجِهات التي تُدرس الفلسفة وصل الأمر بها من التسطيح والتجديف إلى حدٍ لا يُطاق بحيث جعلت من الفلسفة وفروعها طلاسم صعبة الفهم إلاّ لمن يسكن في بروج عاجية مُرصّعة بوهم المعرفة، ولا ننسى العوامل الأخرى والتي كان لها الدور الكبير في النَّيل من أمّ العُلوم - الفلسفة - فالأديان بكل مُسمياتها تقريباً شنّت حرباً شعواء على الفلسفة قديماً وحديثاً لأنها رأت فيها خطراً محدقاً على منظومتها المنغلقة ، وحتى بعض السياسيين ورجالات الحكم توجّسوا من الفلسفة، وفي بعض الأزمنة حاربوها، فالنفور من الفلسفة وتحاشي الخوض فيها كانت ولازالت قائماً وللأسباب المذكورة آنفاً وغيرها من الأمور التفصيلية التي أوحت للكثيرين بأن الفلسفة لا جدوى ولا فائدة ينتظر منها ، ومشكلة أخرى ليست بالهيّنة جعلت من الفلسفة موضعاً للنفور وهي كثرة مدارسها وتشّعب أواصرها حسب الثقافات والتوجهات التي يدرسونها أو يشتغلون بها أو عليها ، وكانت ولازالت هنالك معضلة أخرى كبيرة ألا وهي اللغة، فالفلسفة التي بدأت ودُونت باللغة الإغريقية واليونانية القديمة واجهت في عصور مختلفة صعوبات كبيرة في ترجمتها إلى مختلف لغات العالم مع الحفاظ على معانيها ومواضيعها الجوهرية ، فالترجمات التي حدثت للمصادر والمواضيع والكتب الفلسفية ساعدت في بقائها و وصولها إلى أجيال متلاحقة وحتى يومنا الحاضر، ولكنها في الوقت ذاتها أخلّت بالكثير من موضوعاتها وتفاصيلها الدقيقة ، وبالانتقال لمعضلة أخرى وهي ذات تأثير كبير على المسيرة الفلسفية نجزم بالقول بأن الثقافات والتقاليد الشعبية والدينية المختلفة مارست الضغط الكبير على موضوعات الفلسفة وحرّفت من سيرها ، وحدث الأسوأ من كل ذلك عندما حاول بعض الجهات والطبقات الدينية والإجتماعية تجيير الفلسفة لمصالحها وأغراضها وبالأخص بعض المذاهب والفروع الدينية ولا سيما المسيحية التي وصل بها تزييف وتجيير الفلسفة لمصالحها الدينية ولتبرير بعض الأفكار والمواضيع العويصة وخاصة مسالة وجود الإله والغيبيات، فظهر متفلسفون كُثر أدعوا العقلانية والتحليل المنطقي وكل ذلك وهم يجترون الفلسفة ويلوون عُنق مواضيعها كي يبرروا بها ما لا يتبرر، و وصَلت تِلكَ العَدوى المُستشرية للدين الإسلامي حيثُ ظهر من يُسمون بالفلاسفة المسلمين في القرن الثاني الهجري فأزدهرت تلك المدارس المتفلسفة وبلغت قمة مسيرتها خلال فترة قصيرة وكان كل هَمِهم تثبيت أركان الدين المتزلزل والغير مُستقر أصلاً فكتبوا وناقشوا وجادلوا وزيّفوا الكثير من موضوعات الفلسفة حتى وصل بهم الأمر بأن يؤسسوا لفلسفة مُزيّفة لازالت أركانها قائمة ليومنا هذا !!، كل هذه العقبات والنكبات على مرّ التاريخ الفلسفي الذي يزيد على ثلاثة ألاف سنة، جعلت من الفلسفة موضع شكّ الكثيرين من أصحاب الفكر السطحي الذين لا يستطيعون الخوض في أعماق تلك الأداة المعرفية الإنسانية الرائعة كي يستطيعوا التمييز بين الصالح والحقيقي منها والمزيف والموضوع عليها، فبذلك تم الإجهاز على الفلسفة وتهميشها والنيل منها وأصبحت من العلوم التي لا قيمة تذكر لها، وعلى مرّ التاريخ نرى بأن المشتغلين بالفلسفة قد يُتهمون بالشاذين فكرياً ويُنعتون أحياناً بالمجانين أو المُنطوين أو أنهم مرضى !!، والحقيقة أن هؤلاء الفلاسفة فهموا العالم والحياة على حقيقتها واستوعبوها جيداً وبذلك صَدَموا العوام والسطحيين بما توصلوا إليه فأولئكَ لم يتحملوها فوصفوهم بما ذكرت آنفاً، وأخيراً نختم بتذكر كلمات الفيلسوف الفرنسي الوجودي الرائع ( جـان بـول سـارتـر) حين قال : "أنا لا أحاول الحفاظ على حياتي من خلال فلسفتي فهذا شيء حقير, ولا أحاول إخضاع حياتي لفلسفتي فهذا شيء متحذلق, لكن في الحقيقة الحياة والفلسفة شيئاً واحداً "

علاء الموصّلي
24/1/2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هي نعمت شفيق؟ ولماذا اتهمت بتأجيج الأوضاع في الجامعات الأ


.. لماذا تحارب الدول التطبيق الأكثر فرفشة وشبابًا؟ | ببساطة مع




.. سهرات ومعارض ثقافية.. المدينة القديمة في طرابلس الليبية تعود


.. لبنان وإسرائيل.. نقطة اللاعودة؟ | #الظهيرة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية لحزب الله جنوبي لبنا