الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الضبابية نحيا

إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)

2014 / 1 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


منذ 1956 حُرم الشعب المغربي من رؤية واضحة المعالم و محددة المقاصد ودقيقة الأهداف و المرامي. و أضحت الحياة المغربية ساجدة للسكينة و المزيد من تدهور الأوضاع واغتيال الأحلام و استبعاد كل الانتظارات . وبذلك خطت البلاد، على امتداد عقود، محمولة على الضباب، تنظر بعين من ضباب، وترى الحياة وما في الحياة من طموح وانتظار ورغبات وأحلام وتطلعات أكوام ضباب مبعثرة هنا وهناك. لا ائتلاف بينها ولا انسجام، وغاب المستقبل وتقهقر، ولم يبق إلا شيء واحد في المغرب له مستقبل، إنه الفقر والبطالة.
هكذا ضاعت على الشعب المغربي مواعيده المفصلية والحاسمة مع التاريخ، وها هو الآن ما زال في الضبابية، رؤية ضبابية في كل القطاعات والمجالات، وأضحت مشاكل الأمس معضلات اليوم مستعصية الحل، ولا مخرج منها إلا بالحلول الجذرية المؤلمة، ولا حلول من هذا القبيل إلا بالوعي الواضح الكاشف لفظاعة واقع الحال كما هو دون لفّ ولا دوران، ولا وعي من هذا القبيل غلا باعتماد الحقيقة، كل الحقيقة ولا شيء إلا الحقيقة، تعرية مكامن الخلل في رابعة النهار، وبأوضح الكلمات والعبارات ليعيها الجميع.
لكن يبدو أن هذا مستبعد اليوم إلى حين، لأن الذين في يدهم مفاتيح الكشف عن هذه الحقيقة العارية والخالصة من أي لبس، يخافون من كشفها لأن كشفها سيزيح الستار عن جرائم أقترفت في حق المغاربة. لذلك ظلت الضبابية في كل شيء، ضبابية الرؤى وضبابية القرارات وضبابية المواقف وضبابية السياسات وضبابية الوعود.
عقود من المحنة صعقت المغرب، عرفت سنم ذروتها خلال سنوات الجمر والرصاص... سنوات سوداء سقطت بكل ثقلها على الشباب، طلبة وتلاميذ، وعلى العمال والفلاحين وجميع فئات المجتمع المغربي المغلوب على أمرها. سنوات نخر الفساد والرشوة الوعي، فكان ميلاد لقطاء سياسيين مستعيدين للقيام بأي شيء، وهم الذين شكلوا كتائب تفعيل خطة اغتيال انتظارات المغاربة وخنق كل بذور التوق إلى العمل من أجل غد أفضل ينعم به كل المغاربة وليس شردمة منهم قليلة العدد. لذلك لم يكن هناك بد من تزوير الانتخابات والتلاعب باختيارات الشعب... هكذا تمّ رسم خريطة سياسية تتناسب وما يريده القائمون على الأمور. لكن رغم كل هذه العقود الرصاصية والنارية ظل هناك أحرار بررة، سندة، محافظين على جوهر ما بقي الشعب المغربي يطمح إليه، وعندما سقطت الأقنعة، انكشف بجلاء أمر الأشخاص الذاتيين والمعنويين الذين أجرموا في حق الشعب والأجيال. علما أن هؤلاء، بفعل قوة الأمر الواقع وبفعل ما اقترفوه من جرائم اقتصادية وسياسية وثقافية وإنسانية، اضطروا إلى الاعتراف أن البلاد أضحت على مشارف الإفلاس على جميع المستويات، ولم يعد أمامهم إلا الإسثغاتة لذى بعض من كانوا يحملون همّ انتظارات الشعب ومآسيه. هكذا عاشت البلاد منعطف تسعينات القرن الماضي. وكالعادة لم يقطف الشعب الثمار وظلت انتظاراته حبرا على ورق مرة أخرى أو في خبر كان. ومرت فترة، وتراجع اهتمام المغاربة بالشأن السياسي بشكل لم يسبق له مثيل، ولم يشارك في الانتخابات إلا 37 في المائة من الكتلة الناخبة، علما أن 20 في المائة من الأصوات المعبر عنها كانت لاغية لأنها لم تدل بأي اختيار.
وازدادت الضبابية كثافة... ومع سيادة الضبابية وغياب الرؤية، "تضبّبت" الانتماآت وحارت الهوية، وتحت مظلو الدولة ظل الناس رعية... وكل أحلام ماقبل الاستقلال وما بعده سقطت في الماء وذابت في عقره... خيبة أمل أمل بصيغة الجمع وبامتياز. وكان ذلك بعد أن سام القائمون على الأمور دعاة التغيير والإصلاح الحق أشد العذاب... وفي هذا الخضم قُطعت رؤوس وقُذف بالمئات بل بالآلاف في الغياهب...وظلت القسمة ضيزى وزاد الأثرياء ثراء والفقراء فقرا، وكان لا مناص من الدفاع على المصالح المكتسبة دون وجه حق، وهكذا دخلت البلاد في المتاهات، وتكثفت ضبابية الرؤية حتى ساد الظلام وتكرس عدم الاطمئنان عن الغد القريب والبعيد... وكانت الضرية الموجعة التفريط في جميع المواعيد مع التاريخ... ادلهمّت الخطوب وخسفت كل الوعود بعد أن تمّ تسليم زمام الأمور للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ليديرا مستقبل البلاد والعباد بالمغرب كما يحلو لهما ولا يلقيان إلا السمع والطاعة مهما كان الأمر وبمباركة القائمين على أمورنا... هكذا ذهبت التضحيات سدى، ووجدنا أنفسنا في واقع منتكس باستمرار مع مرور الأيام لأن كل الأحلام تاهت اليوم.
ولعل أبرز مثال على سيادة الضبابية معضلة تعليمنا. فلا يتناطح كبشان بخصوص هذه المعضلة منذ 1956. فعلى امتداد تاريخ المغرب المستقل، لم تتوقف درجة استفحال أزمة التعليم عن التوقف.
فليس هناك ما يمكن إضافته بخصوص هذه المعضلة التي ظلت تكشف عورة المسؤولين. معضلة التعليم ظلت مستعصية بفعل فاعل، علما أن الجميع كان على بينة أن المغرب لن يتقدم إلا عبر الاهتمام بالتعليم. فكل التقدم الممكن تحقيقه في المجالات الأخرى لن تعط المنتظر منها دون إصلاح التعليم إصلاحا حقيقيا.
كانت البداية مع "المذهب" التعليمي الذي أعدته اللجنة الملكية لإصلاح التعليم سنة 1957، وتلاه البرنامج الذي تضمّنه التصميم الخماسي 1060 ـ 1964، ثم برنامج الدكتور بنهيمة سنة 1966، ثم مناظرة إفران سنة 1970، ثم "مخطط المسار" فيما بين سنتي 1988 ـ 1992، ثم الميثاق الوطني للتربية والتعليم سنة 1999، وكان القاسم المشترك هو الفشل تلو الفشل، والإحباط تلو الإحباط، وضياع أجيال وتراكم الفرص الضائعة "زكلت" فيها البلاد مواعيدها مع التاريخ... وظل الوضع يتأزم.
عموما إن مشكل التعليم نتاج صيرورة ومخططات وخطط سهرت على تطبيقها أياد خفية، مصالحها تناقضت مع مصالح عموم المغاربة، وبذلك طُبع مسار التعليم بمآزق لا حلول لها، إلا باعتماد حل جذري. فمن الواضح أن انتكاسة التعليم، ما هي في واقع الأمر، إلا وجه جلي لانتكاسات المسار الديمقراطي ببلادنا.
إن المتتبع لتناسل الفشل والإحباط والانتكاس في مجال التعليم، يلاحظ دون عناء يد القائمين على الأمور في هذا المسار، وعدم رغبتهم في أن تتوفر البلاد على تعليم حرّ حديث مرتبط بالمسار التنموي ومسار تقدم الوعي السياسي للشعب. والنوازل كثيرة ومتعددة للتدليل على هذا، ونكتفي بالإشارة إلى نازلة ذات دلالة لا تخفى على اللبيب. إنها نازلة منع كتاب المرحوم محمد عابد الجابري الصادر في دجنبر 1973 تحت عنوان "أضواء على مشكل التعليم بالمغرب" الذي منعت السلطات توزيعه بعد أكثر من طبعة لقيت رواجا واسعا. علما أن موضوع المنع هذا تمّ طرحه في البرلمان سنة 1977،إلا أن ممثل الحكومة أنكر إنكارا تاما أن يكون قد صدر أمر بمنع توزيع الكتاب. فهل كان هذا المنع مجرد شطط في استعمال السلطة، أم تعبير عن وجود "لوبي رسمي" لضرب التعليم في صميمه؟ إنه سؤال أجاب عنه المسار التاريخي بكل وضوح.
وهناك قرينة أخرى تكشف مرمى ومبتغى الأيادي الخفية التي عبثت بمنظومتنا التعليمية لضمان مصالح فئة قليلة على حساب عرمرم المغاربة. إنها "جريمة المخطط الثلاثي". فمن المعلوم أن المخطط الثلاثي جاء لتعويض المخطط الخماسي 1960 ـ 1964 الذي أعدته حكومة عبد الله إبراهيم ( "المغتالة") والرامي إلى تغيير توجه المغرب من أفق "البناء الاشتراكي" إلى ما سُميّ آنذاك بأفق "الليبرالية الواقعية". فمنذ الوهلة الأولى انكشف مستور المخطط الثلاثي الذي ارتبط بوزير التعليم وقتئذ، الدكتور بنهيمة، والرامي بالأساس إلى تقليص حجم التعليم من القاعدة احتسابا لبطالة المتعلمين مستقبلا، وكانت ضربة قوية وموجعة لما كان ينتظره الشعب المغربي منذ الاستقلال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تحشد قواتها .. ومخاوف من اجتياح رفح |#غرفة_الأخبار


.. تساؤلات حول ما سيحمله الدور التركي كوسيط مستجد في مفاوضات وق




.. بعد تصعيد حزب الله غير المسبوق عبر الحدود.. هل يعمد الحزب لش


.. وزير المالية الإسرائيلي: أتمنى العمل على تعزيز المستوطنات في




.. سائح هولندي يرصد فرس نهر يتجول بأريحية في أحد شوارع جنوب أفر