الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ترشيح السيسي: يوم حداد على المجتمع المدني في مصر

جوزيف بشارة

2014 / 1 / 28
المجتمع المدني


ثلاث سنوات مرت على أحداث 25 يناير 2011 شهدت فيها مصر أحدثاً جساماً لم تعرف خلالها طعم الهدوء أو الاستقرار أو الأمن. حكم مصر خلال هذه السنوات ثلاثة أنظمة هي المجلس العسكري برئاسة المشير حسين طنطاوي، ثم الإخوان المسلمون من خلال دميتهم بالقصر الجمهوري محمد مرسي، وأخيراً النظام الانتقالي الذي يظهر في واجهته المستشار عدلي منصور وتديره من خلف الستائر القوات المسلحة بقيادة المشير عبد الفتاح السيسي. قادت السنوات الثلاث الماضية المصريين للكفر بالتيارات السياسية والمدنية والأحزاب. والحقيقة أن المصريين معذورون لأن القوى المدنية لعبت الدور الأبرز في ما آلت إليه مصر من وضع مترد لا يمكن أن يقبل به المرء. ولم يكن أمام المصريين إلا التشبث بشعاع الأمل الذي جلبه لهم قائد الجيش عبد الفتاح السيسي عندما أيد ثورتهم في الثلاثين من يونيو وعزل نظام الإخوان الفاشستي.

لم يتخذ السيد عبد الفتاح السيسي قراره بالترشح لرئاسة الجمهورية إلا بعد أن قام الرئيس المؤقت عدلي منصور بترقيته من رتبة الفريق أول إلى رتبة المشير التي تعرف بأنها الرتبة الأعلى على الإطلاق بين صفوف قادة القوات المسلحة. برأيي أن لقرار الترقية أهمية قصوى سيعيها المصريون في الفترة المقبلة. لم تكن الترقية مكافأة للسيسي على ما قدمه لمصر، ولكنها تشير إلى أن السيسي ينوي الاحتفاظ بنفوذه ووجوده داخل القوات المسلحة بعد انتقاله إلى القصر الجمهوري. الرجل أراد أن يكون الأعلى رتبة بين قادة القوات المسلحة بعد رحيله عنها حتى يبقى القادة على طاعتهم وولائهم له. هذا يعني أن السيسي لن يكون رئيساً مدنياً خالصاً وأن مصر سيحكمها عسكري حالي وليس عسكرياً سابقاً. ورغم السلبيات التي يحملها وجود نفوذ كهذا للسيسي داخل القوات المسلحة بعد رئاسته للجمهورية، إلا أن في الوقت نفسه لا يمكن إنكار أن هذا ربما يساعده في ضبط إيقاع العسكر ويضمن عدم حدوث انشقاق داخله.

لم يكن ترشيح السيد عبد الفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية اليوم قراراً مفاجئاً، بل كان متوقعاً على نطاق واسع بعدما حصل الرجل على شعبية لم يتمتع بها قائد سياسي في مصر منذ جمال عبد الناصر. القضية هنا لا تتعلق باستحقاق السيسي بالتأييد الشعبي الساحق الذي حصل عليه من عدمه. الأمر المؤكد أن الرجل قدم للمصريين ما لم يقدمه زعيم أخر منذ محمد علي. نجح السيسي في فضح وإبطال مؤامرات الإخوان ضد مصر. يضاف إلى هذا أنه تحمل كل التبعات السياسية والأمنية لقراره بتأييد ثورة الثلاثين من يوينو. كما أظهر الرجل صلابة في مقاومة الضغوط الاجنبية على مصر. غير أنه إذا كان دور السيسي في إسقاط نظام الإخوان من الأسباب التي أدت بالمصريين للاقتناع بقدرة الرجل على قيادة مصر، إلا أن هناك سبباً أخراً مهماً وراء تعلق المصريين به. السبب هو يأس المصريين من ظهور سياسين مدنيين لديهم القدرة على قيادة مصر.

جرّب المصريون الكثيرين من السياسيين في السنوات الثلاث الماضية كمحمد البرادعي وحمدين صباحي وأحمد شفيق وكمال الجنزوري وحازم الببلاوي وغيرهم، ولكنهم جميعهم فشلوا فشلاً زريعاً. لم يستطع أحدهم إقناع المصريين بشخصيته كما فعل وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي. ظهر البرادعي وصباحي مترددان ولم يمتلكا شعبية حقيقية في الشارع. وبالنسبة لأحمد شفيق فقد اتهم بأنه صنيعة نظام مبارك ما أضعف فرصه. واقتصر دور الجنزوري على المجال الاقتصادي، وأصبح وجهاً مكرراً ملّه المصريون. أما بالنسبة للببلاوي فهو لم يستطع تحقيق أية انجازات في الشهور السبعة التي قضاها كرئيس للوزراء. ولعل فشل السياسيين المدنيين يبرز المعضلة التي تواجه مصر اليوم وفي المستقبل التي تتعلق بإفلاس مؤسسات مصر وعدم قدرتها على صناعة قيادات قوية ذات شخصيات نافذة ومؤثرة، إذ باستثناء القوات المسلحة، لا يبدو أن مؤسسات مصر، بما فيها الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، قادرة على إيجاد قيادات قادرة على اجتذاب المصريين حولها.

إذا كان ترشيح السيسي لرئاسة الجمهورية يحمل بعض الإيجابيات مثل قبول المصريين به وتأييدهم له، إلا أنه بدون شك نقطة بالغة السلبية في تاريخ مصر. تأييد المصريين لترشيح لرئاسة الجمهورية من جديد يعني أن المجتمع المدني المصري قد مات. إعتلاء عسكري سدة الحكم في مصر يجب أن يكون مناسبة لإعلان الحداد على كل القوى السياسية والمدنية التي نضبت قدراتها على إنجاب القادة. إعلان موت المجتمع المدني اليوم يعني أن قادة مصر في العقود القليلة القادمة سيكونون من صناعة القوات المسلحة، إذ لست أعتقد بأن السيسي سيقوم بتسليم السلطة إلى مدني بعد ثماني سنوات في القصر الرئاسي. وبهذا ستنتقل المسئولية من عسكري إلى أخر إلى أخر إلى أن ينبعث المجتمع المدني من جديد وينجب لمصر قادة أكفاء قادرين على إدارة البلاد. ومن المهم هنا التأكيد على أن انبعاث المجتمع المدني من عدمه سيتوقف على مدى الدعم الذي سيتلقاه من نظام السيسي وخلفائه.

إن وصول السيسي ربما سيحمل على المدى القريب بعض الطمأنينة للمصريين القلقين على أوضاعهم الأمنية، ولكنه على المدى البعيد لن يضمن تحوّل الحلم بالديمقراطية والدولة المدنية إلى واقع، أو تحسن الأداء الاقتصادي، أو استئصال من مصر التطرف الديني، أو قيادة مصر إلى الأمام كما يتوقع الكثيرون. مرة أخرى القضية لا علاقة لها بما قدم عبد الفتاح السيسي لمصر في الماضي، ولكنها ترتبط بكونه عسكرياً وأيضاً بما يقدر على تقديمه لوطنه في المستقبل. المتغيرات التي يشهدها العالم من حولنا تلعب دوراً مهماً في رفض وصول العسكر إلى الحكم. من الصعب اليوم أن يقبل المجتمع الدولي بقيادة عسكرية لمصر أو أي دولة أخرى. هذه ليست حقبة الخمسينيات التي قاد فيها عبد الناصر مصر، نحن نعيش في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين حيث يستحيل أن تعيش مصر بمعزل عن العالم ويستحيل أيضاً أن يؤيد العالم نظماً غير ديمقراطية وليدة.

لذلك تقع على السيسي مسئولية إقناعنا وإقناع العالم ببطلان المخاوف من وصول عسكري إلى السلطة، وبقدرته على إدارة مصر سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وبأنه سيعمل بكل طاقته إعادة بعث مصر وقواها السياسية عبر برنامج رئاسي يهتم بالتعليم والثقافة والحرية والديمقراطية والمساواة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - إبن مصر البار
Nima ( 2014 / 1 / 29 - 00:45 )
مصر تتربص لها الأعداء وتمر بمرحلة خطره جداً وقيض لها رجل من أبنائها المخلصين لينقذها من شر هؤلاء الأوباش فهنيئا لمصر بأبنها البار


2 - الخطأ الفادح
Nima ( 2014 / 1 / 29 - 11:00 )
السيسي كوزير دفاع أنقذ مصر وشعبها من الفوضى والأفضل بقاءه في منصبه ليكون العين الساهرة للسير بمصر نحو دولة المواطن الديموقراطيه
ونحن في العراق لدينا تجربه تاريخيه مشابه لظاهرة السيسي هي ثورة 14 تموز وقائدها الزعيم عبد الكريم قاسم اللذي ألتف حوله الشعب العراقي ولكن عملاء الداخل ودول الجوار والقوى الاستعماريه أتحدت لتقتل الثوره وقائدها، يجب على السيسي إعادة التفكير أعادة التفكير وألا يرشح نفسه
لأنه سيرتكب خطأ فادحا


3 - ترشيح السيسي رب ضارة نافعة
عبد الله اغونان ( 2014 / 1 / 29 - 12:46 )
ترشيح السيسي شيئ طيب وفي محله
لأنه سيكشف الزيف ويفضح الأسطورة ويكشف الغطاء
ماذا يملك هذا الانقلابي غير الدبابات؟
ماذا سيفعل في الملفات المطروحة في الاقتصاد في ايجاد العمل للعاطلين في ايجاد السكن للمشردين في انعاش السياحة وتوفير الأمن في اصلاح التعليم في العلاقات الخارجية مع اسرائيل والغرب وافريقيا وسد النهضة الذي سيقلل من حصة مصر في الماء
ماذا سيفعل في دماء الشهداء
وتلك الدماء التي أسالها
كيف سيحاكم من اعتقلهم؟

دعوه فقد دخل المستنقع وعنق الزجاجة


4 - اليوم سي سي غدا نو نو
عبد الله اغونان ( 2014 / 1 / 29 - 12:59 )

الثقة لم وضعوها فيه ترتبط بالانجاز
وعندما يزول الوهم سينقلب الوضع
اذ المشاكل منذ عهد مبارك زادت استفحالا
التاريخ المصري يقول ان العسكر قد يحكمون بالقوة ولكن يفشلون في الواقع

تابعوا المسلسل

اخر الافلام

.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟


.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط




.. ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ا


.. مخاوف إسرائيلية من مغبة صدور أوامر اعتقال من محكمة العدل الد




.. أهالي الأسرى الإسرائيليين لدى -حماس- يغلقون طريقاً سريعاً في