الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تزييف الوعي التاريخي

إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)

2014 / 1 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


لا يستطيع أحد أن ينكر أن ثمة أزمة ثقة تشوب العلاقات بين القائمين على الأمور والكثير من المغاربة بخصوص الوعي بالتاريخ وتزييف هذا الوعي. وهي ذات الإشكالية القائمة بين المسلمين وغير المسلمين، علما أن هذه الأزمة محصلة لتراكمات كثيرة تاريخية ومعاصرة بعضها تم بطريق الصدفة والخطأ والآخر وقع عمدا وبسوء قصد . ولا سبيل إلى تخطي هذه الأزمة إلا بمواجهة أسبابها بأقصى قدر ممكن من الصراحة والشجاعة والحسم. فنحن نواجه موقفا يتهدد المسلمين وغير المسلمين والاستسلام له سيقود الجميع إلى قاع أليم والسكوت عليه اشتراك في الجريمة يقترب من التواطؤ وليس أمامنا إذا أردنا لأنفسنا بقاءً واستمراراً إلا أن نستجمع القوى ونتشبث بما تبقى من خير وعقل لدى هذه الأمة لنثبت ونقاوم ونمسك بالزمام قبل أن يفلت. فعلينا أن نتبيّن بوعي مواضع خطانا ونلملم شتاتنا المبعثرة وطاقاتنا المهدورة انطلاقا نحو مستقبل يسع الجميع ويسعد فيه الجميع.
ولن يتأتى هذا إلا بالتخلص من تزييف الوعي والعقول، ولعل أقصر السبل لبلوغ هذا المرمى الوعي بالتاريخ وهي مهمة عسيرة حقا وليست بالسهلة.
ومن الإشكاليات التي تكشف تزييف الوعي والعقول فضية الدين والسياسة. وفي سورة الزخرف ـ الذهب ـ يتبيّن بجلاء كيف تمكّن فرعون من تزييف وعي أهل مصر ـ ونجح في ذلك ـ خلال اللقاء وجها لوجه مع النبي موسى عليه السلام. فهذه السورة تبيّن بوضوح كبير الوعي الكاذب والزائف ، أي كيف نجح فرعون في تزييف وعي قومه وكيف استخوفهم فأطاعوه؟ لكن كيف تأتى له أن يستخّف قومه؟ وما هي المنهجية التي اصطنعها لتزييف عقولهم؟ إنه ادّعى الألوهية والربوبية وصدّقوه في هذا وكذبوا موسى نبي الله الذي نعتوه بالساحر.
تجيب سورة الزخرف على هذا السؤال الكبير بأتمّ الوضوح والدقة، سؤال: كيف يُزيّف وعي الشعوب والجماهير والأفراد والجماعات؟
إنه الذهب والمال، وقد يُقال السلطة، لكن ليس هناك سلطة بدون مال. فالمال يأتي بالسلطة، والمال يمكّن السلطة، وهذه الأخيرة تستمر وتمتد بالمال، وهي تنهار بدون مال. والمال وإن عاش بدون سلطة، فإنه بحدّ ذاته سلطة وأي سلطة. إنها سلطة المال، وهي سلطة أدهى و أخطر من السلطة المجردة. والمال يمكنه أن يتحالف مع صنوف و أنواع من السلطات.
هناك قاعدة دائمة سرمدية، عبّرت عنها سورة الزخرف على الشكل التالي:
ـ وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها ـ أي الأغنياء أصحاب المال والذهب، فهذه قاعدة دائما تقريب، قالوا ـ إنا وجدنا آباءنا على أمة، وإنّا على آثارهم لمقتدون ـ وهذه طبعا ذريعة، فهم رفضوا الحق لأنه تعارض مع مصالحهم وامتيازاتهم. وقالوا كذلك ـ لولا نُزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ـ وليس على رجل يتيم أي النبي محمد صلع ، وما معناه لو نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين، قريش أو ثقيف، أي صاحب مال وذهب. فمعيار الحقيقة عند هؤلاء السلطة والمال، أي سلطة الذهب وسلطة السيف.
فكل المدنيات وكل الحضارات التي اعتمدت هذا المعيار مآلها إلى خراب وزوال، وكل المستفيدين من تزييف وعي الشعوب والجماهير يعملون ويحرصون على تثبيت هذا المعيار، أي حجة السلطة مقابل سلطة الحجة. لذا ظلت الأمة الإسلامية وعيا دينيا زائفا منذ الفتنة الأولى التي أقرّت بالملك العاض والاستبداد. فليس شرط أنك أقوى فأنت على حق، وحتى لو أنك على حق فهذا ليس شرط . فمنذ أن أغتيلت الخلافة الإسلامية وحلّ محلها ملك عاض إلى اليوم ووعينا الديني زائف، فكل الفرق تظن أن الدين الإسلامي لا يقوم إلا بالقوّة.
فالسياسة في تاريخ المسلمين، مثل كل السياسة في العالمين، دجل وكذب ونصب واستخفاف بالناس وتزييف لوعيهم وتحريف لدينهم من أجل الكرسي. فمن معاوية إلى اليوم ظل الصراع والتدابح من أجل كرسي السلطة. ليكن ذلك، لكن وجب ترك الدين بعيدا عن هذا الصراع المصلحي و ألا يكون باسم الدين. الجميع فعل هذا، استعمل الدين من أجل السلطة. فأجهل أمة بتاريخها هي الدولة الإسلامية، و أ كبر عامل مساعد على تحريف الدين عدم معرفة هذا التاريخ حق المعرفة. ومازال الدين ضحية للسياسة لأن في نظر الكثيرين القوة معيار والغنى والغلبة معيار للحقيقة. علما أنه لا وجود في القرآن مجال لإعمال القوة إلا مجالا واحدا وهو درّ العدوان وردّ العوادي لا غير. كما أن الدين يريد الهداية والبلاغ، وليس تسليط السيف على الفرد أو الجماعة لإكراهه على الرشاد.
فإذا كان من الممكن اللعب بالسياسة فلا يحق اللعب بالدين، لكن التاريخ يفيد أن الدين ظل أقصر طريق لبلوغ المرمى بعد تزييف وعي الجماهير.
فالتاريخ التي يبنى على النوستالجيا والزيف يتحول مع الزمن إلى عامل تخدير خطير يقتل أي حاضر أو مستقبل بالاتكاء على أساطير الماضي . الأمة التي لا تناقش قواعدها بالمكاشفة والشفافية لن تصل إلى شمس الغد ، ولهذا ظل العرب اليوم على هامش الأمم لأنها رقاب تلتفت إلى أمس مزيف ، وخادع للوعي .
لب إشكال العقل العربي مع حقائق تاريخه أنه يخلط ما بين الديني وما بين المنجز المادي البشري ، ولهذا تصبح مواجهة التاريخ معركة مقدسة ، وتصبح مناقشة فصوله وأحداثه ضربا من الصراع مع البنية الدينية ، ولعله لهذا يتراجع المحقق المنصف عن خوض المعركة خوفا من ردة الفعل .
إن العربي تعامل مع التاريخ من منظور مقدس ولم ينظر إليه كعلم إنساني يقبل المحاكاة والجدل. وتحول علم التاريخ إلى جزء من الخطاب الديني، وبالمباشرة تحولت حصة التاريخ إلى مقرر ديني.
ومهما يكن، إن الأمة التي لا تساءل ماضيها بكل شفافية لن تصل لمستقبل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الله يعطيك الصحة
الصحابي عبدالرحمان بن عديس ( 2014 / 1 / 30 - 07:37 )
مدراسة جيدة وممتازة الله يعطيك الصحة


2 - شكرا
إدريس ولد القابلة ( 2014 / 1 / 31 - 00:54 )
شكرا جزيلا

اخر الافلام

.. ضربة إسرائيلية ضد إيران في أصفهان.. جيمس كلابر: سلم التصعيد


.. واشنطن تسقط بالفيتو مشروع قرار بمجلس الأمن لمنح فلسطين صفة ا




.. قصف أصفهان بمثابة رسالة إسرائيلية على قدرة الجيش على ضرب منا


.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير تعليقا على ما تعرضت له




.. فلسطيني: إسرائيل لم تترك بشرا أو حيوانا أو طيرا في غزة