الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طريق اليسار - العدد 56 كانون ثاني / يناير 2014

تجمع اليسار الماركسي في سورية

2014 / 1 / 31
مواضيع وابحاث سياسية



طريق اليســـــار
جريدة سياسية يصدرها تجمع اليسار الماركسي في سورية / تيم /
* العدد 56 ـ كانون ثاني / يناير 2014 - [email protected] E-M: *


* الافتتاحية *

- مراجعة لـ " الربيع العربي " -

الزلازل تكشف نوعية التربة،وهو مايحصل أيضاً في الزلازل الاجتماعية:أصاب زلزال"الربيع العربي" خمسة مجتمعات عربية(على التوالي:تونس،مصر،اليمن،ليبيا،سوريا) بين 17كانون أولديسمبر2010و18 آذار مارس 2011 وقلب تربتها رأساً على عقب.تم اسقاط رأس النظام في تونس ومصر بجهد ذاتي محلي،وفي ليبيا بمعونة الخارج نبينما حصلت تسوية بين المعارضة والنظام في صنعاء على حساب رأس النظام.في سورية هناك استعصاء ومعادلة صفرية لايستطيع فيها النظام ولاالمعارضة الحسم العسكري،ممايرجح حظوظ التسوية. حصلت تفجرات بالترافق مع تلك البلدان الخمسة،في البحرين والأردن،ولكنها كانت جزئية وموضعية،ممايؤكد بأن الانفجارات الداخلية قد كانت محصورة في الأنظمة الجمهورية العربية التي نشأت أنظمتها من خلال انقلابات عسكرية في مرحلة مابعد23يوليو1952أوتولى أمورها ديكتاتور عسكري كماحصل بتونس منذ7نوفمبر1987مع زين العابدين بن علي،مع استثناءات مفهومة في جزائر مابعد عشرية الحرب الأهلية(1992-2002)وعراق مابعد احتلال2003وسودان مابعد اتفاقية نيفاشا مع الجنوبيين في عام2005.
في تلك المجتمعات العربية الخمسة كان الانفجار هو لبنية مجتمعية بأكملها،على طراز ماجرى للأنظمة العسكرية في أميركا اللاتينية بالثمانينيات وفيلبين1986وكوريا الجنوبية1987ودول "المنظومة الشرقية" التابعة لموسكو بشرق ووسط أوروبة في خريف عام1989،كان حصيلة لاتجاه قسم كبير ،أوأقل ولكنه وازن من البنية المجتمعية، للتحرك ضد البنية السلطوية الحاكمة . في مصر وتونس كان التحرك واسعاً من الناحية الاجتماعية،وفي ليبيا واليمن كان أقل،بينما في سورية كان التحرك قوياً بالقياس إلى التحرك المضاد للسلطة السورية في أحداث1979-1982إلاأنه أضعف من حيث التمثيل الاجتماعي من البلدان الأربعة الأخرى ويمكن القول بعد مايقرب من ثلاثة سنوات بأن المجتمع السوري كان ومازال منذ18آذار2011 مقسوماً وفق معادلة ثلاثة أثلاث للموالاة والمعارضة والمترددين. كان التمثيل الاجتماعي للنظام وللمعارضين محدداً كثيراً للحصيلة في تونس ومصر،وإذا دخل العامل الخارجي فقد كان هذا إما لتثبيت التوازن القائم بين السلطة والمعارضة،كمافي اليمن وسوريا،أولتمييله كمافي ليبيا. أثبت اليمنيون والتوانسة قدرة كبيرة على الحلول الوسط،فيماهذا كان مفتقداً في مصر وليبيا،بينماأثبت السوريون أنهم الأقل قدرة على مد الجسور بين الخنادق المتجابهة،وهو مشهد يتناقض مع المشهد الذي أعطته الحياة السياسية السورية في فترة1946-1963ويعطي في الوقت نفسه الحصيلة للحياة السياسية السورية في فترة8آذار1963-18آذار2011.
كانت المعارضة السورية من أكثر المعارضات في البلدان الخمسة من حيث ضعف المستوى بالمعنى الخاص للسياسة كحرفة وكأداء،ومن حيث ملامسة كراتها للشباك أولأخشاب المرمى الثلاث،في بلد مثل سوريا قدمت الأفكار السياسية الكبرى للعرب من خلال أسماء رشيد رضا (أستاذ حسن البنا،وهو الطرابلسي الذي كان رئيساً للمؤتمر السوري الذي بايع فيصل بن الحسين ملكاً على سورية في آذار1920)وميشال عفلق وساطع الحصري ومصطفى السباعي وناصر الدين الألباني وياسين الحافظ وقدمت شخصيات سياسية ذات قامات عالية مثل سعد الله الجابري ورشدي الكيخيا وخالد العظم وخالد بكداش وأكرم الحوراني وصلاح البيطار وجمال الأتاسي،وقد كان القادمون الجدد للمعارضة،سواء المثقفون أوالمستقلون أوالمنشقون عن النظام،أسوأ من حيث الأداء والحرفية السياسية بالقياس إلى أعضاء الأحزاب السورية المعارضة الخارجة من عمل سري مديد بدأ في عام1979،وهو ماينطبق أيضاً على الفئات الشبابية التي أثبتت شجاعة في (الحراك) ولكن لم تستطع أن تتجاوز حدود الشعاراتية في فهم السياسة،كماأن المعارضة السورية،في بلد يتميز بقوة الوطنية الداخلية تجاه الخارج الغربي أوالتركي في فترة1937-2004،قد فاقت المعارضة العراقية لنظام صدام حسين من حيث الاستعدادية للركوب في مراكب يقودها الخارج. كانت (حركة النهضة)التونسية أقوى من نظرائها في القاهرة، (اخوان)مصر ،من حيث القدرة على العوم في البحار المتلاطمة الأمواج،وهو ماينطبق على اسلاميي (التجمع اليمني للاصلاح) أيضاً الذين أثبتوا وسطية كبرى. كان مثقفوا مصر من أضعف المثقفين العرب في تركيب المفاهيم والمقولات وخاصة في مرحلة مابعد3يوليو2013وقد أثبتوا عبر انقياديتهم مع "من غلب" بأن رأي عمرو بن العاص بالمصريين مازال صحيحاً رغماً عن25يناير2011، وهو مايعطي حصيلة عن حكم عسكري لمصر وآثاره في مختلف المجالات بالقياس لمجتمع أرض الكنانة قبل23يوليو1952لماأفرزت مصر مثقفين وصحفيين وفنانين عظام فيماتعيش الآن تصحراً كبيراً في هذه المجالات الثلاث.
أعطت مصر مابعد3يوليو2013اتجاهاً اجتماعياً قوياً نحو "تفويض المنقذ الفرد" بقيادة الأمور،مماأوحى بانتهاء سريع للموجة الثورية التي بدأت في 25يناير2011،فيمااحتاجت فرنسة 1789إلى عشر سنوات حتى تفعل هذامع نابليون بونابرت وأيضاً فرنسة ثورة شباط1848 التي أوكل معظم فرنسيوها الأمور إلى لويس بونابرت في انقلاب2ديسمبر1851. يعطي هذا صورة عن فشل ثورة وعن عودة النظام القديم في مصر ولكن بغير صيغة حسني مبارك لماكان اتجاه مبارك نحوالتوريث اعتماداً على رجال الأعمال والخارج الأميركي بفترة2000-11فبراير2011سبباً رئيسياً في تململ المؤسسة العسكرية المصرية بالعقد الأول من القرن الجديد ثم انحيازها ضد مبارك في فترة مابعد28يناير2011مماساعد مع حيادية واشنطن في المصير الذي لاقاه الرئيس المصري عند غروب يوم11فبراير2011.هذا اتجاه وجد في كل الثورات ذات الاضطراب العنيف،حيث يصبح(الاستقرار) متغلباً على (النزعة الثورية).يبدو أن هذا ليس اتجاهاً مصرياً محضاً بل هو أيضاً اتجاه عند واشنطن لتفضيل نموذج حكم عسكري،مع واجهة مدنية،في العديد من دول الشرق الأوسط،أوحيث تكون المؤسسة العسكرية حاكمة من وراء ستارة مدنية كمافي باكستان مابعد برويز مشرف وتركية 1963-2002 وجزائرمابعد انقلاب11يناير1992،بعد أن لمست العاصمة الأميركية بأن زواجها السريع مع الحركة الاخوانية في مصر وتونس لم يؤد إلى استقرار البلدين في مرحلتي مابعد مبارك وبن علي،لأن(الاخوان) لم يستطيعوا ممارسة قيادة كفوءة للأمور إما بحكم حجم الصعوبات أولنقص الكفاءة،أوربما للإثنين معاً.
السياسات تقاس بنتائجها وليس بأسبابها:إذا أردنا استخدام هذه المسطرة لقياس"الربيع العربي"فإننا نجده فاشلاً من حيث إقامة حاجز منيع أمام تكرار قيام سلطة سياسية لفرد أوطغمة أومؤسسة عسكرية أوحزب أوعائلة على المجتمع ضد إرادة الأخير،ولوأن هذا"الربيع" قد أثبت بأن هذه العملية قد أصبحت أكثر صعوبة بالقياس إلى فترة23يوليو1952-17ديسمبر2010. أيضاً قام "الربيع العربي" بتظهير كم أن الخارج قوياً في الداخل العربي،كماأنه كان كشافاً لكم أن المجتمعات العربية هي غير موحدة أوضعيفة التوحد في بنيتها المجتمعية وكم هي مازالت بها أزمة هوية حيث الروابط الماقبل وطنية،من عشائرية أوفئوية طائفية أودينية أوجهوية أوإثنية،مازالت قوية بالقياس ليس فقط للعروبة وإنما أيضاً للرابط القطري في البلدان العربية.

الحزب الشيوعي السوري(المكتب السياسي): مشروع رؤية فكرية - سياسية
( كانون أول2013)
لابداء الرأي على الايميل التالي:[email protected]
- التجربة الماركسية -
كانت الماركسية كاتجاه فكري – سياسي من أكثر الاتجاهات تأثيراً في العصر الحديث: وصلت أحزابها إلى السلطة في بلدان رئيسية من العالم،ومارست الكثير من الأحزاب التي اعتمدت الماركسية نفوذاً كبيراً في بلدانها من موقع المعارضة. كماقامت اتجاهات أخرى بالتأثر بالماركسية في الفكر والسياسات،كماحصل عند الاتجاه الاشتراكي- الديمقراطي منذ عام1898وماتبعه بعد عام1919من أحزاب انضوت في الأممية الثانية.
لم يكن ماركس يفكر في امكانية وصول أحزاب ذات اتجاه شيوعي ماركسي للسلطة قبل نضوج وعبور مراحل التطور الرأسمالي في بلدانها،ولم يكن يتصور امكانية تحقق ذلك في البلدان المتخلفة النمو التي مازالت في مراحل ماقبل نمط الانتاج الرأسمالي أوفي طور البدء به. كان هذا واضحاً في كتاب"البيان الشيوعي" عام1848وفي جدالاته ضد الزعيم العمالي الألماني فرديناند لاسال بأعوام1863-1864.
خالف لينين مخطط ماركس،واتجه نحو "ثورة اشتراكية"في بلد متخلف ذوطابع فلاحي وكانت الرأسمالية فيه بطورها الأول.اعتمد في الوصول للسلطة على مسألتي ( السلم)، في الحرب العالمية الأولى، و (الأرض) لجذب الفلاحين. كان نجاح ثورة أوكتوبر 1917مبنياً على هذه السلم المؤلفة من هاتين الدرجتين.بسبب هذا اضطر الحزب البلشفي الذي وصل للسلطة لأن يقود ثورة رأسمالية وكان مجبراً من أجل الشروع في ذلك للوصول للتصنيع الثقيل والتكنولوجيا إلى فرض اجراءات تجميع قسري على الفلاحين في الريف منذ فترة1929-1932 وإلى اجبار عشرات الملايين منهم على التهجير القسري للمدن لكي يصبحوا عمالاً صناعيين. نجح ستالين وفق تعبير اسحق دويتشر بين عامي1924-1953في نقل الاتحاد السوفياتي"من المحراث الروماني إلى القنبلة الهيدروجينية".استطاع الشيوعيون السوفيات في أن ينقلوا روسيا القيصرية التي كانت بمستوى اسبانية الاقتصادي- الاجتماعي عام1917 لكي يصبح الاتحاد السوفياتي عام1970 في مستوى75% من حجم الصناعة الأميركية بعد أن كان عام1917في نسبة 12% منها.
لم يستطع الحزب الشيوعي السوفياتي قيادة بلاده للاشتراكية وبعدها للشيوعية،وقد انهار نظامه السياسي في عام1991وتفكك بنيانه الجغرافي بعد أن اجتمعت الأزمة الاقتصادية بالثمانينيات مع اختلال التوازن الدولي لصالح الغرب الأميركي ليقود هذا كله إلى تضعضع مكانته الدولية في نظام الثنائية القطبية ثم ينهار بنائه الاقليمي في حلف وارسو بخريف1989قبل أن يحصل التفكك الداخلي السوفياتي في الأسبوع الأخير من عام1991. حصل هذا لأن البنية الاجتماعية، وخاصة الأكثر تطوراً عند التكنوقراط والمتعلمين وأصحاب الشهادات العليا، لم يعد يناسبها نمط رأسمالية الدولة ،ممثلاً في(القطاع العام)،وأصبحت تضيق بقيود الحزب الواحد "القائد للدولة والمجتمع"،فرأت في الظرف الدولي المختل لغير صالح الكرملين فرصة لكي تضغط وتقود الأمو نحو (اقتصاد السوق) و(الديموقراطية السياسية).في الصين قاد الحزب الشيوعي العملية الرأسمالية منذ عام1979لذلك تفادى مصير الحزب الشيوعي السوفياتي وكانت نجاحاته الاقتصادية التي نقلت الصين لكي تكون في القرن الجديد في المرتبة الثانية اقتصادياً بعد الولايات المتحدة سبباً أساسياً في عدم تخلخل نظامه السياسي أواهتزازه. يقوم الحزب الشيوعي الفييتنامي بقيادة بلاده في عملية نمو رأسمالية شبيهة بالذي جرى في الصين بالسنوات العشر الأخيرة.
كانت نهاية التجربة السوفياتية انتصاراً لماركس على لينين،وهو ماتؤكده بشكل خاص التجربة الصينية حيث قال الشيوعيون الصينيون منذ الثمانينيات بأنه"لايمكن بلوغ عتبة المرحلة الاشتراكية قبل استنفاذ كافة مراحل التطور الرأسمالي"،وفي هذا المجال أثبتت التجربة كفاءة الشيوعيين الصينيين في قيادة أكبر وأسرع تجربة نمو رأسمالية عرفها التاريخ. من هنا لم يكن فشل اللينينية فشلاً للماركسية،وإنما العكس من ذلك.
بهذا الإطار تعطي تجربة الماركسية السياسية بأنها ليست لكل مكان وزمان عبر قالب ووصفة جاهزة،بل هي إطار فكري - سياسي يعتمد منهجاً تحليلياً في التفاعل مع مكان وزمان محددين،ووفق جدل العام – الخاص(العالمي- المحلي)،لكي ينتج برنامجاً سياسياً للحزب في البلد المعني. من هنا لم تكن الماركسية في تجاربها السياسية واحدة بل أنتجت ماركسيات،سوفياتية ،صينية ،وإيطالية ،وفييتنامية...إلخ. هنا نلاحظ أن الماركسيات التي تفاعلت مع الخصوصيات المحلية،في الثقافة المحلية والقضايا الوطنية- القومية،مثل الصين وفييتنام،كانت الأكثر ديمومة ونجاحاً، فيمافشلت التي أرادت بناء يتخطى الثقافات المحلية والقومية مثل التجربة السوفياتية،التي أظهر انهيارها كم كان العامل القومي والديني قوياً تحت قشرة القمع السلطوي،وعندما ضعفت تلك القشرة ثم انهارت بين عامي1988-1991تحركت وانفجرت الصراعات القومية- القومية في البناء السوفياتي،كمافي أزمة ناغورني كاراباخ بين أذربيجان وأرمينية،ثم شهدنا تفجر الصراعات القومية ذات المحتوى الثنائي القومي- الديني كمافي الصراع الشيشاني ضد الروس منذ عام1994.
تعطي التجربة الصينية ثم الفييتنامية،وبعكس السوفياتية،ضرورة تبيئة الماركسية في التربة المحلية،لكي تتفاعل مع العامل القومي المحلي،ومع خصوصيات البلدان المعنية في الثقافة والتراث المعتقدي الديني،من أجل انتاج ماركسية مخصوصة وخاصة في البلد المعني.الماركسية ليست قالباً جاهزاً،بل هي في العملية السياسية تعتمد منهجاً تحليلياً يستند إلى فكر سياسي،له رؤية لعلاقة الاقتصاد- الاجتماع- الثقافة – السياسة،لكي يستخلص من هذا المنهج التحليلي برنامجاً سياسياً لمكان وزمان معينين وفي إطار جدل العام- الخاص.هذا يعني بأن الماركسية في العملية السياسية ليست عقيدة تجاه الطبيعة وماوراء الطبيعة بل هي مذهب سياسي يفصل العقيدة عن السياسة وهي أقرب إلى مذهب سياسي لايتطلب من الماركسي سوى الاقتناع بالخط السياسي لحزب يعتمد المنهج التحليلي الماركسي. من هنا ليس الإلحاد أولإيمان سوى مسألتان شخصيتان لاتشترطهما الماركسية في المتمذهب السياسي الماركسي،بل يمكن للماركسي المتحزب سياسياً أن يعتقد مايشاء من ايمان ديني،أوأن لايعتقد،وليس مطلوباً منه كعضو في الحزب الماركسي سوى الشروط الثلاث التي وضعها لينين للحزبي:(الاقتناع بالبرنامج السياسي للحزب- أن يكون عضواً في احدى الهيئات الحزبية- أن يسدد اشتراكه الحزبي المالي).
قبل سنوات انتخب ماركس في استطلاع لهيئة الإذاعة البريطانية بوصفه المفكر الأكثر تأثيراً في الألفية الثانية. لم يشمل هذا حصراً السياسة وإنما عالم الأفكار التي تخطت السياسة لتصل للاقتصاد ولتحليل الثقافات،كماأنها لم تشمل الماركسيين فقط بل تعدى تأثير ماركس ليصل لغير الماركسيين في ميادين العلوم السياسية (ريمون أرون) والاقتصاد( جوزيف شومبيتر) ومنهج التحليل النفسي عند متأثر بالفرويدية مزجها مع الماركسية(ويلهلم رايخ).كماجرى استيقاظ كبير عند القراء في الدول الغربية لقراءة ماركس كمفكر اقتصادي في أعقاب أزمة عام2008المالية – الاقتصادية العالمية التي بدأت في الغرب الأميركي ثم امتدت آثارها منذ عام2011نحو دول اليورو.
- الوضع الدولي والعربي -
انتصرت الولايات المتحدة على الاتحاد السوفياتي في الحرب الباردة(1947-1989). أقيم نظام القطب الواحد للعالم بالنتيجة،وقد مورست الأحادية القطبية في حرب1991بالخليج وحرب كوسوفو 1999وفي غزو العراق بعام2003.جاء فشل المشروع الأميركي ب"إعادة صياغة الشرق الأوسط"،والمسمى "مشروع الشرق الأوسط الكبير"13شباط2004،عبر غزو العراق،والذي توضح فشله في أعوام2007-2010،لكي يؤدي إلى تضعضع مكانة القطب الواحد للعالم،وقد اجتمعت الأزمة المالية- الاقتصادية العالمية،البادئة في نيويورك بأيلول2008،لكي تتيح فراغات قوة عالمية سمحت ببداية عملية نشوء تحد لقوة واشنطن،ظهرت معالمها مع تأسيس (مجموعة دول البريكس- روسيا والصين والهند والبرازيل)في حزيران2009،ثم انضمت لها جنوب افريقية في العام التالي. خلال الأزمة السورية،وعبر الفيتو المزدوج الروسي – الصيني في 4تشرين أول2011،ظهرت معالم هذا التكتل الدولي الجديد ضد الولايات المتحدة ومن خلال أزمة عالمية كبرى كالأزمة السورية اجتمعت فيها الكثير من التداخلات الدولية- الاقليمية مع العوامل المحلية للصراع. كان الاعلان عند تأسيس(البريكس) بأن هدف التكتل الجديد هو"عالم متعدد الأقطاب"،وهو مايبدو قد تحقق خلال مجرى أعوام 2011-2013،وقد أتت اتفاقية موسكو في 7أيار2013 حول الأزمة السورية ثم اتفاقية جنيف حول(الكيماوي السوري) في 14أيلول2013 لكي تكرس اتتهاء الأحادية القطبية ودخول العلاقات الدولية في مرحلة انتقالية نحو تعدد الأقطاب،ليكون ترجمة ذلك الفورية في الاتفاقية الأفغانية(20تشرين ثاني) حول تنظيم الوجود العسكري الأميركي حتى 2024،وهو ماتم بمساعدة روسية – ايرانية، ثم الاتفاق الأميركي – الايراني(24تشرين ثاني) حول الملف النووي الايراني،وليأتي تحديد موسكو وواشنطن في 25تشرين ثاني لموعد جنيف 2 السوري حصيلة لكل الاتفاقيات ولصورة دولية جديدة أصبحت واشنطن تقبل مشاركة موسكو، وقوى اقليمية كايران ،وربما السعودية، النفوذ في منطقة الشرق الأوسط،لكي تترك المنطقة مبرمجة وهادئة وغير مقلقلة بينما تتفرغ واشنطن لتركيز اهتمامها على الشرق الأقصى من أجل احتواء ومواجهة صعود العملاق الصيني،الذي تخشى الولايات المتحدة من أن يترجم عملقته الاقتصادية في المجالات السياسية والعسكرية.
خلال الحرب الباردة،وفترة القطب الواحد للعالم،ثم في المرحلة الثالثة مع تبلور نظام جديد من تعدد الأقطاب بفترة2011-2013،كان الوضع العربي في مرحلة تدهور من حيث القوة والوزن العربيين في العلاقات الدولية وفي اللوحة الاقليمية الشرق أوسطية:فشلت الناصرية في تحقيق المشروع العربي بفترة1955-1967،ومنذ وفاة عبد الناصر في 28أيلول1970يعيش العرب في وضع من تدهور للقوة متسارع الوتيرة،كانت أبرز محطاته خروج مصر من ساحة الصراع العربي- الاسرائيلي مع المعاهدة المصرية – الاسرائيلية في 26آذار1979ثم في هزيمة المقاومة الفلسطينية وخروجها من لبنان عقب اجتياح صيف1982الاسرائيلي،واتفاقية أوسلو في 13أيلول1993،وفي احتلال أمريكا للعراق عام2003. أنشأ هذا حالة من فراغ القوة العربية ترافق مع نمو قوى اقليمية مجاورة للعرب في ايران وتركية وإثيوبية،ومع تنام برعاية غربية لتكتلات اقليمية مجاورة للعرب مثل (الاتحاد الافريقي).
ترافق تدهور الوزن العربي في اللوحتين الدولية والاقليمية مع انفجارات داخلية في البنية المجتمعية العربية : ظهر هذا أولاً في لبنان1975-1990،ثم في عراق2004-2008،وفي يمن مابعد2004مع انفجار التمرد الحوثي ثم مع بدء (الحراك الجنوبي) بعام2007.مع تزايد مكانة ايران الاقليمية صعد إلى سطح الساحة السياسية توتر شيعي- سني ظهرت معالمة في عراق مابعد الاحتلال الأميركي ،وفي لبنان مابعد اغتيال الحريري في 14شباط2005،وفي البحرين. عندما حصلت موجة "الربيع العربي" بدءاً من تونس في 17كانون أول2010،إلى مصر 25يناير،ويمن 3شباط،وبحرين14شباط،وليبيا17شباط،وسوريا18آذار2011،فإن هذاعملياً لم يؤد إلى ديمقراطية مستقرة في البلدان التي سقط فيها الحاكم بحكم قوة الشارع،أوبالتضافر مع الضغط الخارجي،بل إلى انفجار البنى الداخلية كمافي ليبيا واليمن وإلى حد أقل في مصر وتونس. في سوريا كان استعصاء التغيير مترافقاً مع انفجار كبير في البنية الداخلية. في البحرين هذا كامن بفعل قوة الضغط السعودي ،المدعوم أميركياً، منذ دخول (قوات درع الجزيرة) إلى البحرين بعد خمسة أسابيع في 18آذار2011 وقمع التحرك المعارض الذي أخذ شكل معارضة ذات ارتكاز شيعي أساساً ضد نظام مرتكزاته الأساسية سنية من حيث المدى الاجتماعي،فيماكانت المعارضة البحرينية في السبعينيات عابرة للطائفتين وذات طابع يساري.
في المحصلة العامة لفترة 1952- 2013العربية يمكن القول بأن هناك فشل للتيار القومي العروبي بطبعتيه الناصرية والبعثية في البلدان الثلاث الرئيسية،مصر والعراق وسوريا،في تحقيق مشروع النهوض العربي في (الوحدة) و(التنمية)،وفي تحقيق الأهداف العربية في (فلسطين) ضد "اسرائيل". هناك عودة للهيمنة الغربية على بلدان عربية،كمانرى من واشنطن في الخليج،وباريس في ليبيا والجزائر والمغرب وموريتانية،وهناك قوى اقليمية تتحكم بمسارات الداخل العربي،كمافي العراق من قبل ايران،أولبنان حيث نفوذ طهران يلمس بقوة عبر قوى محلية مثل(حزب الله). في فترة2011-2013دخل التيار الاسلامي في تجربة الوصول للسلطة،بتونس ومصر وليبيا والمغرب،وفشل في هذه التجربة،وكان أسطع برهان على هذا الفشل تجربة حكم الرئيس محمد مرسي في مصر.
انضاف فشل التيارين القومي العروبي والاسلامي إلى تجربة فشل التيار الليبرالي العربي بالأربعينيات والخمسينيات بمصر وسوريا.هذا يعني بأنه في مرحلة "مابعد الربيع العربي" هناك تساوي في الفشل للتيارات السياسية العربية،ولوأن الماركسيون لم يجربوا عربياً ولكن جرى هذا عالمياً،وأن هناك حالة فراغ في الساحة السياسية العربية مادام لايوجد بديل لهذه التيارات السياسية الأربعة،ومادامت هذه الأخيرة لم تقم حتى تاريخه بمراجعة حقيقية لتجربتها الفكرية- السياسية.
- سوريا -
لم تكن ولادة الدولة السورية طبيعية: قضى الفرنسيون في ميسلون -24تموز1920 على مملكة فيصل بن الحسين بعد سنتين من التحرر من العثمانيين. جرت محاولات من الفرنسيين لتقسيم السوريين بين دمشق وحلب وجبلي الدروز والعلويين قبل اقرارهم بفشل هذه المحاولات في معاهدة1936.خلال ثلاث سنوات سلخوا لواء اسكندرون عن الجسد السوري واعطوه لتركية مقابل ضمان حيادها في الحرب التي كانت تتجمع غيومها مع هتلر.قبل هذا تم سلخ كيليكيا في معاهدة لوزان 1923بعد أن كانت سورية وفق معاهدة سيفر بعام1920. كانت سوريا الجلاء في 17نيسان1946حصيلة لكل ذلك. ساهمت نكبة فلسطين في عام1948في تعزيز شعور سوري عام بأن هذا القميص ضيق على الجسد الذي رأت غالبية كاسحة من السوريين بأنه لايتسع له سوى رداء العروبة. لم يكن الميل للوحدة العربية متعلقاً بفلسطين فقط وإنما كان السلخ والاقتطاع من الجسد السوري هو سببه العميق،إضافة لسعي السوريين بغالبيتهم إلى إطار أوسع لتحقيق النشاط الاقتصادي،وخاصة حلب التي كانت بزمن العثمانيين من كبريات الحواضر الاقتصادية في المنطقة وترتبط ببلاد الرافدين بروابط تجارية ومن ثم دمشق التي تطلعت جنوباً نحو السعودية والخليج بعد اكتشاف النفط في الثلاثينيات والأربعينيات. لهذا شهدت سوريا ظاهرة لم تشهدها بلدان عربية أخرى،وهي سعي السوريين بغالبية شعبية للذوبان في كيان سياسي آخر، كمافي الشهر الأخيرمن عام1949 مع العراق بعد فوز (حزب الشعب)،ذو الارتكاز الحلبي،بالشهر السابق في الانتخابات البرلمانية،وهو ماأجهضه انقلاب 19كانون أول1949بقيادة العقيد أديب الشيشكلي المدعوم من مصر والسعودية،ثم كانت العملية الوحدوية الثانية في 22شباط1958مع مصر قبل أن يجهضها انقلاب الانفصال في 28أيلول1961. ساهمت الصراعات والاستقطابات في فترة1946-1958في جعل سوريا مضطربة داخلياً بفعل تأثيرات المدارات السورية المتباينة بين محوري بغداد،المرتبط بلندن، والقاهرة- الرياض قبل أن تنفك العاصمة السعودية عن المصريين بعد انهيار الحكم الهاشمي في العراق مع انقلاب14تموز1958.هذا جعل الحكم غير مستقر. انضاف لهذا العامل الاقليمي- الداخلي عامل داخلي محض تمثل في عدم حل المسألة الزراعية ،ماساهم في عدم الاستقرار وفي اهتزاز السيطرة السياسية المزدوجة لمدينتي دمشق وحلب. مثلت فترة الوحدة السورية – المصرية ليس فقط انتصاراً للقاهرة على بغداد وإنما كذلك كسوفاً لشمس دمشق وحلب عن سماء السياسة السورية وبداية صعود الريف والبلدات الصغيرة وجماهير الفئات الوسطى والفقيرة التي رأت في عبدالناصر،الذي أعطاها الاصلاح الزراعي في أيلول1958ثم تأميمات المصانع والبنوك في تموز1961، مخلصاً. كان انقلاب الانفصال انقلاباً عسكرياً قامت به أساساً ماسمي بكتلة" الضباط الشوام"بدعم من السعودية والأردن والغرب،ولم يكن الحكم الانفصالي يملك أسس الاستمرار،ليأتي انقلاب8آذار1963حاملاً فئات اجتماعية جديدة على السلطة من خارج المدينتين الكبيرتين أتوا أساساً من أرياف حوران وجبل العرب والساحل ومن بلدات صغيرة مثل السلمية وديرالزور. قاد حكم حزب البعث والضباط العسكريين إلى ثورة اقتصادية- اجتماعية قلبت المشهد السوري لفترة1946-1963وكان أكثر جذرية من حكم الوحدة في احداث التغييرات،وقد كانت عملية تمدين الريف وتحديثه أساساً لانطلاق جديد لتطور رأسمالي بدأ في عام1974بقيادة (نمط رأسمالية الدولة)،الذي أسمي ب(القطاع العام)،وبالتشارك مع التجار والمتعهدين،قبل أن تميل الكفة لصالح صناعيين جدد مع المرسوم رقم10بعام1991ظلوا تحت رعاية وتشارك مع الكثير من رجال السلطة السياسية،قبل أن تشهد سوريا انطلاقة جديدة للرأسمالية في فترة2005-2010مع ماسمي ب"اقتصاد السوق الاجتماعي" كانت عنواناً خجولاً لتطور ليبرالي اقتصادي متوحش ساهم في إعادة رسم الخريطة الاقتصادية – الاجتماعية السورية لصالح طبقة بورجوازية جديدة أتت من رحم السلطة السياسية أومن تحت خيمتها،سواء كانت تنضداتها صناعيون أورجال أعمال أوتجار،وضد الفئات الوسطى المدينية والريفية التي أفقر قسم واسع منها خلال العشرية الأولى من القرن الجديد وضد قطاع واسع من الفلاحين دمرهم مرسوم رفع أسعار المازوت في 3أيار2008 وارتفاع أسعار الكيماويات الزراعية المترافق مع ذلك المرسوم.
في عام2010كان الانقسام الطبقي واضحاً في المجتمع السوري بين الأغنياء والفقراء،بشكل لامثيل له أويوازيه في القرن العشرين،بمافيها فترة1946-1958،مع ظاهرة جديدة غير مسبوقة هي عملية الانقراض الواسعة والسريعة الوتيرة للفئات الوسطى البينية(بين الأغنياء والفقراء)التي كانت تشكل الغالبية العددية في المجتمع السوري بالمدينة والريف والمصدر الأول للطاقة الشرائية المحركة للأسواق السورية.
في أحداث1979-1982لم تكن القوة الانفجارية للأحداث كبيرة مادام الاحتجاج السياسي (الذي أخذ أشكالاً عنفية عند المعارضة الاسلامية)كان غير مترافق مع فوارق طبقية كبيرة في الخريطة الاقتصادية – الاجتماعية،ومادام ليس هناك من أزمة اقتصادية معاشية. في أزمة2011-2013كان الوضع مختلفاً:لاتقوم الحركات الاجتماعية على دافع سياسي محض،بل أساسها اقتصادي في العمق ومن ثم تأخذ أشكالاً سياسية وفكرية – أيديولوجية. يلاحظ في الحراك السوري المعارض بأعوام2011-2013 أنه كان ريفي الطابع بالأساس في أرياف حوران ودمشق وحمص وحماة وادلب وحلب وديرالزور مع استثناء في مدينة حمص،بينما لم يكن كذلك في أحداث1979-1982عندما اعتمدت الحركة الاخوانية على فئات وسطى مدينية متعلمة في مدن حماة وحلب واللاذقية مع استثناء ملفت في ريف محافظة ادلب وبلداتها من دون مدينة ادلب ، وعلى الأرجح هذا هوالسبب الذي جعل الحركة السلفية،ذات الجذور الاجتماعية الريفية كمافي مصر أيضاً، تكون أقوى في سوريا2011-2013من الحركة الأصولية الاخوانية. هذا الحراك السوري المعارض كانت أسبابه الاقتصادية في تدهور الزراعة،وربما كانت قوته في مدينة حمص،التي كانت هادئة في 1979- 1982،ناتجة عن تدهور مكانتها الاقتصادية بحكم تحول الطرق الرئيسية عنها نحو أطرافها بخلاف لماكانت أسواقها تعتمد على كونها عقدة طرق البلد بأكمله بين حلب ودمشق والساحل والشرق مع العاصمة.
في الحراكات العفوية تكون الأسباب الاقتصادية هي الأساس،وأقوى وأكثر تأثيراً منها بالقياس إلى تاثيرها في الحراكات ذات الطابع المنظم والتي تقودها منذ لحظة البدء أحزاب ذات أجندات فكرية – سياسية مؤدلجة. ليس مهماً بعد ذلك من يركب ويمتطي الحركة العفوية ويعطيها من ذاته الفكرية- السياسية ويستطيع برمجتها وفق أجنداته،فهذا لايلغي العفوية والأسباب الاقتصادية، حيث لايمكن لها أن لاتمتد إلى السياسة وأن لاتصبح ذات مطالب سياسية مادامت السياسة هي الباب للدخول إلى البيت الذي تتوزع غرفه بين الاقتصاد والاجتماع والثقافة.
في الثورات يكون هناك اشتراك،عبر اليد واللسان والقلب،لأكثر من 50%من مجموع السكان البالغين خلال السيرورة الحركية الثورية. لم يكن الأمر هكذا في سوريا2011-2013،بل كان هناك ثلاث أثلاث،وهذا مازال مستمراً لاثنين وثلاثين شهراً تفصلنا عن بداية الحراك السوري في درعا18آذار2011: ثلث معارض،وثلث موال، وثلث متردد. لم تستطع المعارضة أن تكون عابرة للطوائف وللأقليات فيمااستطاع النظام أن يكون عابراً للطوائف في قاعدته الاجتماعية،وعلى الأرجح هذا الذي يفسر صموده أمام حركة قوية كهذه من حيث ديناميتها الداخلية ومن حيث ركوب قوى دولية واقليمية عليها ،ضد النظام وضد قوى دولية واقليمية ساندت النظام،أرادت تجيير الأزمة السورية من أجل أجنداتها ليكون ليس فقط (صراع على سوريا) وإنما كذلك(صراع في سوريا) على الاقليم ضد ايران ونفوذها الاقليمي المتنامي في مرحلة 2007-2010، وكذلك في المقلب الآخر من الروس ضد الأميركان لاثبات انكسار الأحادية الأميركية القطبية للعالم،وهو مانجحت فيه موسكو،فيمااستطاعت طهران منع الصراع السوري من أن يتحول إلى ميدان لكسر نفوذها الاقليمي مثبتة العكس عبر اتفاق24تشرين ثاني2013 حول (النووي الايراني) والذي يمثل بطريقة "ما" اعترافاً أميركياً بنفوذ طهران الاقليمي الذي تمت مقايضته بتحديد سقوف البرنامج النووي الايراني، وهو ماكان يمكن أن يتم لولا مجريات (الصراع على سوريا) و(الصراع في سوريا).
أيضاً، الثورات( الحراكات- التمردات- الانتفاضات) مثل الشاحنات،تختلف في الحمولة،فمنها بحمولة كبيرة(مثل الثورة الروسية- الايرانية...إلخ) ومنها ثورات فاشلة (ثورة1905الروسية)،ومنها من يكون بحمولة صغيرة بغض النظر عن قوة محرك الشاحنة،وهذا يتعلق كثيراً بالسائق والظروف المحيطة.
كان هناك استعصاءاً سورياً واضحاً منذ صيف2011أتى حصيلة لتوازن قوى محلية،لم يستطع من خلاله النظام هزيمة المعارضة،ولااستطاعت المعارضة بسببه هزيمة النظام.كانت أقلمة وتدويل الصراع مساهمة أكثر في هذا الاستعصاء بعد أن تحولت الساحة السورية إلى ميدان مفتوح للصراعات الدولية والاقليمية. كان استخدام العنف المعارض مساهماً أكثر في زيادة حدة هذا الاستعصاء وليس في كسره،كماأن سيطرة القوى الاسلامية على قيادة الحركة المسلحة المعارضة قد جعل من مصلحة القوى الدولية والاقليمية أن تبحث عن مخرج تسووي للأزمة السورية،خشية أن تتحول سوريا إلى حالة شبيهة بفوضى أفغانستان مابعد هزيمة السوفيات هناك بعام 1988على يد الاسلاميين الذين دعمهم الغرب والسعودية وباكستان عقب الغزو السوفياتي لأفغانستان في عام1979،وماولدته من (تنظيم القاعدة) ومن تداعيات اقليمية كانت احداها(طالبان باكستان)التي تثير الاضطراب في الداخل الباكستاني بعد أن كانت باكستان هي القوة الدافعة وراء انشاء حركة طالبان الأفغانية لكي تكون امتداداً باكستانياً في بلاد الأفغان. الاضطراب السوري قاد إلى اضطراب دولي- اقليمي وإلى اهتزاز الدول المجاورة في لبنان والأردن وتركية والعراق. أصبحت التسوية السورية ضرورة دولية واقليمية،فيماكان الحريق اللبناني بأعوام1975-1990موضعياً ولم يؤد إلى اضطراب الاقليم.
ستكون التسوية السورية،عبر جنيف2، حصيلة توازن دولي- اقليمي، أكثر منها حصيلة للتوازن المحلي بين الأطراف المتصارعة على الأرض خلال فترة مابعد18آذار2011،وستكون هي قمة جبل الجليد ليالطا شرق أوسطية(على طراز اتفاقية يالطة بعام1945لأوروبة مابعد الحرب) ستتقاسم فيها القوى الأربع: روسيا- أميركا- ايران- السعودية ،مناطق النفوذ بمنطقة الشرق الأوسط،من الحدود الأفغانية – الصينية إلى الشاطىء الشرقي للبحر المتوسط ومن القامشلي إلى عدن. وفق مؤشرات كثيرة،سيكون هناك استبعاد لتركية وأوروبة من هذه العملية لتقاسم النفوذ في منطقة الشرق الأوسط . ستكون روسيا رقم واحد من حيث النفوذ في سوريا القادمة التي ستطوي عبر جنيف2 الصفحة التي بدأت يوم8آذار1963. ايران رقم واحد في العراق ،وأفغانستان للولايات المتحدة باعتبارها مجاورة للصين وكانت واشنطن حريصة في اتفاقية 20تشرين ثاني2013 بخلاف العراق على بقاء قواتها وقواعدها هناك،بينما يوحي طرح السعودية مؤخراً،بكانون أول2013، لفكرة تحويل (مجلس التعاون الخليجي) إلى شكل اتحادي بأن الرياض ستكون رقم واحد في منطقة شبه الجزيرة العربية،وهو ماظهرت ملامحه الأولى عبر التسوية اليمنية في تشرين ثاني2011التي انبنت على(المبادرة الخليجية)،فيماتولت السعودية برعاية أميركية قيادة القوة الخليجية التي تدخلت في البحرين في آذار2011.
- آفاق مستقبلية -
في مسيرة الحزب الشيوعي السوري منذ عام1924 كان هناك أخطاء فادحة في موضوع(قرار تقسيم فلسطين)عام1947وفي موضوع(الوحدة السورية- المصرية)بعام1958،وقد أتى الاثنان بسبب تبعية قيادة الحزب لموسكو. في السياسات العامة للحزب كان هناك عدم ادراك لأهمية المسألة الوطنية- القومية في بلد تحت السيطرة الأجنبية ويسعى أبنائه للتوحد مع أبناء مناطق وبلدان أخرى يعتبروها جزءاً من الوطن العربي ويشترك غالبية السوريين في الشعور معهم بأنهم أبناء أمة عربية واحدة.،وكان هناك عدم ادراك لأهمية المسألة الزراعية في بلد ماقبل رأسمالي ويحبو نحو الرأسمالية. كانت هذه الجوانب الأربعة الأسباب الكبرى لفشل مسيرة الحزب الشيوعي خلال تسعين عاماً من الزمن.
استطاع الحزب الشيوعي السوري(المكتب السياسي)، بعد انشقاق3نيسان1972مع جناح خالد بكداش الموالي للسوفيات وللنظام، تقديم بديل جذري لبكداش وللسياسات السوفياتية المفروضة على الأحزاب الشيوعية العربية في مجال السياسات العامة المتعلقة بمواضيع(الوحدة العربية) و(فلسطين) و(الديموقراطية السياسية)، إلاأنه لم يستطع تقديم بديل في مجال رؤية ماركسية جديدة فكرياً للمجالين السوري والعربي تكون متبيئة بالتربة المحلية كمارأينا في الماركسية الايطالية أوالفييتنامية. غرق الحزب في البحر السياسي وفي الخلافات التنظيمية الداخلية،وقد كانت حملة اعتقالات1980مؤدية إلى جراحات كبيرة في جسد الحزب لم تتح له مجالاً لكي يقوم براحة على قدميه خلال ربع قرن لاحق من الزمن.كان لعدم الوضوح الفكري الماركسي في الحزب وتغليب السياسي في مسيرته على الطوابق التنظيمية والفكرية أن قاد قيادة الحزب بغالبيتها،وخاصة الأمين الأول للحزب، نحو فخ تبديل القميص الفكري الماركسي في أعوام2004- 2005واستبداله بقميص ليبرالي لمارأوا وافترضوا وراهنوا أن هناك مجالاً لتغيير سياسي للنظام السوري بعد الغزو الأميركي للعراق يكون عن طريق سيناريو يحدث في دمشق يكون بهذا الشكل أوذاك شبيهاً بالسيناريو الذي حصل ببغداد في نيسان2003على يد الأميركان. كان هذا هو السبب الأساس لذهابهم نحو تأسيس ماسمي ب(حزب الشعب الديمقراطي)في نيسان2005بعد خلافات عصفت بالحزب على موضوعي(الماركسية)و(المراهنة على الخارج). استمرت كوادر حزبية في التمسك باسم(الحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي) بعد كونفراسين انعقدا في ديرالزور بأيار2005وفي دمشق بتشرين أول2007،وقد شارك(الحزب الشيوعي- المكتب السياسي) في عملية تأسيس (تجمع اليسار الماركسي- تيم) يوم20نيسان2007وفي محادثات تأسيس(الطريق الثالث)،إثر شهر من انشقاق"اعلان دمشق" على موضوع (المراهنة على الخارج)، بين كانون ثاني2008وتموز2010 ، ثم شكل المشاركون في محادثات(الطريق الثالث) النواة الأساسية في عملية تأسيس (هيئة التنسيق الوطنية)في 25حزيران2011بعد ثلاثة أشهر من اندلاع الأزمة السورية.
لايرى (الحزب الشيوعي- المكتب السياسي) مستقبلاً تنظيمياً – سياسياً منفرداً له أولسواه من أحزاب وفصائل اليسار الماركسي السوري بكل تنوعاته، وهو يسعى إلى تنظيم واحد مستقبلي لليسار الماركسي السوري وخاصة في مرحلة (مابعد جنيف2).كمايرى أن تجربة(هيئة التنسيق)،بماحوته من خليط يساري عروبي وماركسي وكردي مع شخصيات اسلامية معتدلة وليبرالية وطنية، هي تجربة ثبت نجاحها في مسار الأزمة السورية وهي تملك عوامل الاستمرار والتطوير في مرحلة(مابعد جنيف2)،لمواجهة استحقاقات بناء سوريا جديدة ديمقراطية ولملاقاة استحقاقات (التحديث) ،و التصدي لقوى التطرف الاسلامي،ولمواجهة الأجندات الخارجية التي تريد تتبيع سوريا القادمة لدول أجنبية هنا أوهناك. يأتي هذا انطلاقاً من واقع أثبته اليسار السوري بكل تنوعاته بأنه لاصق وطني عابر للطوائف والأديان والقوميات،كماأنه وطني تجاه الخارج ومستقل ولايمكن امتطائه من قبل قوى خارجية بخلاف قوى اسلامية وليبرالية وكردية انوجدت في "المجلس" و"الائتلاف" .
في المستقبل المنظور لعملية الانتقال السورية لن يعود لموضوعي(المراهنة على الخارج) و(العنف المعارض) ذلك الدور التقسيمي للمعارضة السورية كماكانا في أعوام2004-2013، بل ستكون للمواضيع (الوطنية) و(الديموقراطية) و(الاقتصادية- الاجتماعية) و(التحديثية)الدور الأكبر في تحديد الاصطفافات والمواقع والاستقطابات في عموم الساحة السياسية السورية. ستكون لليسارات العروبية والماركسية والكردية مواقع متقاربة وأقرب للتلاقي في هذه المواضيع الأربعة وعبرها في مواجهة الاسلاميين والليبراليين وأحزاب فئوية كردية على الأرجح ستتجه للتلاقي مع الليبراليين والاسلاميين على نموذج ديمقراطي"توافقي" ،على طراز (الطائف اللبناني) أو(النموذج العراقي- الأفغاني)، يعتمد نموذج المحاصصة وفقاً لنسب الطوائف والقوميات والإثنيات. ربما يؤدي طرح المواضيع التحديثة في التشريعات والقوانين ومكانة الشريعة الاسلامية في الدستور والقوانين إلى انشقاقات وتفارقات مستقبلية في جبهة الاسلاميين- الليبراليين- الأحزاب الفئوية الكردية والتي هي النواة الأساسية ل"الائتلاف"الراهن الموجود في اسطنبول. أيضاً ،سيكون لموضوع دور الخارج الدولي- الاقليمي في سوريا القادمة،وبحكم أدوار هذا الخارج الحاسمة والأساسية في نقل سوريا إلى مرحلة(مابعد جنيف2)، تأثير كبير في موضوع الاصطفافات السياسية القادمة،حيث من المرجح أن يكون لسفارات محددة أدوار كبرى في مجرى العملية السياسية السورية،وسيكون لموضوع (التبعية) أورفضها دور كبير في رسم التلاقيات والتباعدات السياسية،كماأن الاصطفاف في المعسكرات الدولية- الاقليمية هنا أوهناك سيكون مؤثراً إلى حد بعيد في رسم السياسات السورية المحلية كمارأينا في سوريا1954-1958وفي لبنان 2005-2013.
على العموم سيكون البلد الذي اسمه سوريا في مرحلة(مابعد جنيف2) بدون دور اقليمي كماكان في أعوام1976-2010،وسيكون للسفارات أدوار كبيرة في السياسات المحلية . سيكون له مؤسسات ديمقراطية ولكنها ستكون هشة ومزعزعة وغير مستقرة. لن يستطاع فرض ديكتاتورية لحزب أولفرد. ستكون المرحلة الانتقالية السورية أكثر اضطراباً من نظيرتها المصرية ولكن على الأرجح لن نشهد "سيسي سوري"،وعلى الأغلب سيكون الاصطفاف قريباً من مصر مابعد مبارك : الاسلاميون في خندق واحد بمواجهة العلمانيين واليساريين والأقليات،والليبراليون في موقع وسطي مترجرج بين الخندقين.
هيئة التنسيق الوطنية
بيان إلى الشعب السوري
المكتب التنفيذي
انتهت اجتماعات باريس الدولية والإقليمية في الأيام الماضية إلى التأكيد على ضرورة عقد مؤتمر جنيف حول سورية في موعده المحدد في 22/1/2014. وقد طالب الجميع الائتلاف الوطني السوري بتلبية الدعوة لهذا المؤتمر. بل هددت الولايات المتحدة وبريطانيا بقطع مساعداتهما عن الائتلاف في حال قرر عدم الحضور. وطالبت الأمم المتحدة والدولتان الراعيتان (الفدرالية الروسية والولايات المتحدة) الائتلاف بتشكيل وفد وازن للمعارضة السورية في جنيف تحت مظلة الائتلاف. وجرى إعلام هيئة التنسيق الوطنية بهذه المعطيات في 13/01/2014 بتسليمها صورة من رسالة الدعوة الموجهة إلى رئيس الائتلاف الوطني السوري كما جرى أكثر من اتصال عربي ودولي بقيادتها. وكون الجميع يعلم بأن قرار الطرف المكلف بالعمل لتشكيل وفد المعارضة لم يحسم بعد، فقد وُضعت كل فصائل المعارضة السورية أمام سياسة الأمر الواقع ويطلب منها اليوم فعل ما تستطيع لإنجاح هذه المهمة الصعبة والمعقدة في أربعة أيام تفصل بين قرار الائتلاف وافتتاح المؤتمر.
لا يمكن وصف هذه الطريقة في عقد مؤتمر يقرر مصير شعب ووطن ودولة بالجدية. اللهم إلا إذا كان القرار الدولي وحده سيد الموقف. والمطلوب منا كسوريين أن ننصاع للإرادة الدولية في سيناريو قد أعد سلفا لتقرير مصيرنا.
لن نختزل تفسير ما يحدث بمؤامرة تسمح للراعي الأمريكي بتشكيل الوفد السوري المعارض على هواه ووفق مصالحه. فالمشكلة أكبر بكثير. فالدول الراعية لمؤتمر جنيف الأول لم تكن على عجالة من أمرها طيلة 18 شهرا ونيف خسر الشعب السوري فيها أكثر من 80 ألف ضحية إضافية مع تحطيم في البنيات التحتية تقدر تكاليفه بأكثر من مئتي مليار دولار ونزوح ملايين السوريين داخل وخارج البلاد، ودخول لمقاتلين غير سوريين في المعسكرين تجاوز عددهم الخمسين ألف مقاتل، سواء أتوا لحماية النظام أو لمشروع “جهادي” بعيد عن طموحات وتطلعات الشعب السوري. وقد شاركت معظم الدول الموقعة على إعلان جنيف، بنسبة أو بأخرى، في عملية الدمار والخراب وتمزيق النسيج الوطني والمجتمعي والتسليح والتمويل لأطراف الصراع في وضح النهار.
لقد وصلت الأغلبية الساحقة من أبناء شعبنا إلى وضع لا إنساني في أكبر كارثة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وصار من الضروري وضع حد لهذه النكبة. لهذا نجد أغلبية حقيقية في المجتمع السوري تطالب اليوم بوضع حد لما يحدث واستعادة الحق في أمل الخلاص. ولكننا نقول لأبناء الشعب السوري الأبي، الذين دفعوا أغلى التضحيات: لن نقبل من أجلكم ومن أجل مستقبلنا جميعا باستغلال الوضع المأساوي للمجتمع السوري من أجل تمرير أية حلول على حساب المشروع الوطني الديمقراطي الذي كان وراء خروج مئات الآلاف من السوريين في كل المحافظات ومن كل الفئات مطالبين بالخلاص من الفساد والاستبداد. ولن نكون طرفا في أي توافق دولي يوظف المأساة السورية في تقاسم أدوار ولعبة أمم.
لقد وافقت هيئة التنسيق على إعلان جنيف بعد أيام من صدوره، واعتبرته أول قرار دولي جامع حول القضية السورية يمكن أن يحظى بضمانات ودعم دولي فعلي. ووضعت ملاحظاتها النقدية البناءة حرصا على نجاح المؤتمر الدولي من أجل سورية (جنيف2). وقامت بالاتصال بالدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن ومعظم الدول العربية والإقليمية لكسب تأييد ودعم الحل السياسي. وكم كان النضال شاقا يوم كنا نصرخ في الصحراء وتعتبر أطراف كثيرة موقفنا نظريا ومثاليا. إلى أن دفعت الأوضاع والأحداث بمن اعتقد بفضائل حرب الاستنزاف السورية إلى الخوف من انتشار لهيبها ومن جسامة انعكاساتها وخطورة نتائجها الإقليمية والدولية. هنا بدأنا نشعر بنوع من الجدية أكثر في ضرورة الوصول إلى حل سياسي ناجع ومقبول من أغلبية سورية إقليمية ودولية. وبدأت المساعي تتكثف أكثر من أجل عقد المؤتمر.
تواصلنا بانتظام مع الأطراف الراعية. واستمعنا لتصوراتهم واستمعوا لمقترحاتنا. وكنا نشعر بضرورة التفاعل الإيجابي حرصا على إنجاح المؤتمر. فليس المهم مجرد عقد المؤتمر، بل المهم أن يستجيب هذا المؤتمر لحاجات وجودية للوطن والمواطن. ومع تأكيدنا على رفض الشروط المسبقة لعقد المؤتمر، اعتبرنا توفير الأجواء المناسبة تأكيدُ ثقةٍ بجدية المؤتمر: إطلاق سراح النساء والأطفال والمرضى في المعتقلات، تسهيل عمليات الإغاثة والنجدة لكل المناطق السورية المحاصرة، رفع العقوبات الأوربية والأمريكية الغذائية والدوائية عن سورية، إطلاق سراح المخطوفات والمخطوفين، رفع موانع السفر والحركة عن كل السوريين.
وقد طالبنا الدولتين الراعيتين والأمم المتحدة بضرورة إقرار مبدأ الالتزام بالاتفاقات الناجمة عن المفاوضات، ووجود ضمانات دولية للتفاوض والالتزام بالاتفاقيات. وأعدت هيئة التنسيق الوطنية مشروع قرار لمجلس الأمن يضع كل المقاتلين غير السوريين خارج الشرعية الدولية.
لقد ناضلت هيئة التنسيق الوطنية من أجل توفير هذه الأوضاع الطبيعية المطلوبة من أجل وجود حاضنة مجتمعية واسعة مؤيدة للعملية السياسية. كذلك باشرت اتصالاتها واستجابت لكل من اتصل بها من أجل تشكيل وفد وازن ومقنع وقوي للمعارضة السورية. وقد تبلورت نقاط الاتفاق مع عدد كبير من الشخصيات السياسية والتنظيمات الصديقة في خارطة طريق الهيئة التي تسعى لاجتماع تمهيدي للمعارضة السورية بهدف برنامج مشترك ووفد واحد وصوت فاعل وقوي.
لم يتم التعامل بجدية مع أي من مطالب الهيئة والمنظمات الديمقراطية الأخرى بتوفير المناخ الإيجابي لإنجاح المؤتمر. وعلقت المشاكل الداخلية للائتلاف قرار الأخير في المشاركة في جنيف وها نحن على بعد أيام من المؤتمر في حالة ضبابية عامة تقودنا كمعارضة وطنية إلى أن نكون الطرف الأضعف في هذا المؤتمر.
لا شك بأن الطرفين الروسي والأمريكي يتحملان مسؤولية كبيرة في الوضع الراهن. فلم يبذل الطرف الروسي أي جهد يذكر من أجل قيام السلطات السورية بخطوات إيجابية نحو المجتمع السوري، وتنازل في أول مناسبة عن التكوين الثلاثي الرأس لوفد المعارضة السورية (هيئة التنسيق الوطنية، الائتلاف الوطني، الهيئة الكردية العليا) تاركا للطرف الأمريكي مهمة اختزال صوت المعارضة ووفدها بمن يقع في فلكها. كذلك لم يكن الطرف الأمريكي حريصا على التمثيل الوازن والمقنع للمعارضة كما يطالب “إعلان جنيف”.
كيف يمكن أن يكون للمعارضة السورية وفد واحد وبرنامج صلب واحتضان شعبي داعم ولم يقرر الائتلاف الذي اختارته الدولتان الراعيتان ممثلا للشعب السوري حتى اليوم الموافقة على الحضور ولا على بيان جنيف1 الذي تنص دعوة السيد بان كيمون على أنه أساس لمؤتمر جنيف2. وما العمل في حال تفكك هذا البنيان قبل أيام من جنيف. وكيف ندخل المؤتمر وعضوان في وفدنا وراء القضبان (عبد العزيز الخير ورجاء الناصر) وأعضاء آخرين ممنوعين من السفر. هل يمكن التفاوض مع سلطة لم توقف القصف العشوائي بالبراميل على المدن. وهل يمكن أن نعتبر جريمة الحرب هذه واحدا من موضوعات المساومة والضغط للوفد الحكومي… كل هذه الأسئلة وضعتنا أمام موقف مسئول وصعب. موقف يحرص على عدم تشويه وإضعاف صورة الحل السياسي وإعلان جنيف باسمهما وبهذه الطريقة.
لهذا قرر المكتب التنفيذي لهيئة التنسيق الوطنية رفض حضور مؤتمر جنيف بالشروط والمعطيات التي يتم انعقاده بها. والمبادرة لاجتماعات تشاورية مع أكبر عدد من القوى السياسية داخل وخارج سورية، من أجل عقد مؤتمر وطني ديمقراطي سوري جامع يعيد للمعارضة مكانتها ودورها في العملية السياسية ويشكل قوة مدافعة عن مصالح وطموحات الشعب السوري.
عاشت سورية حرة ديمقراطية ومدنية دمشق في 15/01/2014
-----------------------------------------------------------------------------------------------
تصريح إعلامي
مساء أمس تلقى الأستاذ حسن عبد العظيم المنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية اتصالاً من السيد أحمد الجربا رئيس الائتلاف الوطني السوري من استانبول يدعوه للحضور مع وفد الائتلاف في مؤتمر جنيف/2/ بتاريخ 22/1/2014 وكان جواب المنسق العام للهيئة أنه بصفته ممثلاً لهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي بأحزابها وقواها العديدة وشخصياتها الوطنية داخل البلاد وفي الوطن العربي وفي المهجر يرفض حضور المؤتمر ضمن وفد الائتلاف ويتمسك بقرار المكتب التنفيذي الذي صدر بالإجماع بتاريخ 14/1/2014 برفض حضور المؤتمر وفق المعطيات المتوفرة التي تتعمد تجاهل أو تهميش قوى المعارضة الوطنية الديمقراطية التي تتمسك باستقلالية قرارها الوطني ولا تقبل المشاركة الشكلية الضعيفة للمعارضة في مؤتمر دولي طال انتظاره رغم جسامة التضحيات التي قدمها الشعب السوري من دماء شهدائه مدنيين وعسكريين، أطفالاً و نساءً، رجالاً وشيوخاً، عرباً وكرداً وتركماناً وسرياناً آشوريين، مسلمين ومسيحيين وجراحهم النازفة، ورغم تعاظم حجم الدمار والخراب والأوضاع السيئة المزرية المذلة التي يتعرض لها ملايين النازحين واللاجئين رغم ما يسمعونه عن مليارات الدعم المخصصة لهم.
إن الظروف والمعطيات المطلوبة في وفد المعارضة التي تضمنها بيان جنيف الأول لم تتح الدول الراعية للمؤتمر تحقيقها من لقاء وحوار وتفاوض وتوافق على رؤية مشتركة ووفد موحد للتفاوض بسبب عسر الولادة في موقف الائتلاف المتأخر في الوصول إلى قرار بالموافقة على حضور المؤتمر عبر عملية قيصرية قبل يومين من موعده. الأمر الذي يجعل الهيئة تصر على قرارها برفض الحضور قبل توفر المعطيات التالية:
1. تأجيل موعد المؤتمر لاستكمال الظروف الصحيحة لانعقاده .
2. توجيه رسالة من الأمين العام للأمم المتحدة إلى هيئة التنسيق الوطنية. والهيئة الكردية العليا للتعاون مع الائتلاف لتشكيل وفد يمثل هذه الأطراف بشكل وازن وديمقراطي ومقنع. مع ممثلي قوى وشخصيات مستقلة. وفي حال رفض الائتلاف ذلك تشكيل وفد للمعارضة الوطنية الديمقراطية المستقلة.
3. إطلاق سراح دفعة كبير من المعتقلين وبخاصة النساء والأطفال ومن لا علاقة له بالسلاح والعنف، وفي مقدمهم عبد العزيز الخير ورجاء الناصر، ورفع الحصار عن المناطق المحرومة من الغذاء والدواء.
4. التواصل مع قوى المعارضة الوطنية الديمقراطية في الداخل والخارج، وفي مقدمها الهيئة الكردية العليا والائتلاف والمستقلين لتشكيل وفد موحد وازن يمثل المعارضة الديمقراطية في مؤتمر جنيف.
5. العمل على تأسيس تحالف وطني ديمقراطي يتحمل مسؤولية الدفاع عن القضية الوطنية السورية بالتشاور والحوار مع القوى الديمقراطية في الداخل والخارج.
20/1/2014 المكتب الإعلامي



بيان من حزب العمل الشيوعي في سورية
مع جنيف 2 وضد الإقصاء
تجتمع اليوم في سويسرا كل الدول الكبرى وكل دول الإقليم، لتقرير مستقبل سورية، بينما سورية ذاتها غائبة ! هذا المسرح العبثي ليس غريباً، إذ أخذنا بعين الاعتبار أن الأوضاع المأساوية في سورية قد تدولت منذ زمن بعيد، وأصبح للدول الكبرى ودول الإقليم اليد الطولى في الصراع القائم، في حين اقتصر” دور” الشعب السوري على تقديم الشهداء والضحايا وتحمل دمار بلده وجوع أطفاله. كما اقتصر دور القوى السياسية الديمقراطية الوطنية في الداخل على التنبيه للأوضاع المأساوية ومخاطر العنف، وتقديم التصورات الوطنية للخروج من نهر الدم القائم. أثار استغراب الكثيرين عدم دعوة المعارضة الداخلية الوطنية الديمقراطية إلى جنيف! من قبل الأمم المتحدة، ومن خلفها الدولتان الراعيتان، غير أننا إذ وضعنا بعين الاعتبار أن المعارضة الخارجية التي دُعيت، والتي تم تضخيمها بالمال والسلاح والدعم السياسي من قبل دول الإقليم ودول العالم أضحت الصورة ” منطقية “، حيث أنها تمثل مصالح الدول الداعمة لها، بينما تُستبعد المعارضة الوطنية الديمقراطية الداخلية بسبب استقلاليتها، ونأيها عن دول الإقليم والعالم، وإصرارها على تمثيل الشعب السوري، والشعب السوري تحديداً.
إن المعارضة الداخلية لم تمثل المصالح الأمريكية والروسية ! ولا مصالح دول الإقليم! لذا فان عدم دعوتها تصبح تحصيل حاصل. إن استبعاد المعارضة الوطنية الداخلية ، وبالتالي إضعاف الوفد السوري المعارض يصب موضوعياً في صالح النظام نفسه.
ولإيضاح بعض التفاصيل المتعلقة بالإعداد لمؤتمر جنيف (2) نذكر بان الحل السياسي هو رؤية المعارضة الداخلية المتمثلة في هيئة التنسيق الوطنية بعيداً عن الحل الأمني العسكري الذي فرضه النظام وعنفه الإجرامي المتواصل، وكذلك بعيداً عن عنف التنظيمات السلفية الجهادية، وان هذا المخرج السياسي هو الطريق الوحيد أمام شعبنا لإنهاء العنف والدمار و الاستبداد، والتأسيس لدولة ديمقراطية مدنية تعددية، ورغم ذلك لم يتم دعوة المعارضة الداخلية المستقلة، وأدخل ذلك الجسم السياسي في سورية في الدخل والخارج في ملابسات ولغط وانقلاب في المعطيات، حيث على عكس ما كان رائجاً تمت دعوة أنصار العنف والدمار والمستقتلين على التدخل العسكري الخارجي ليناقشوا مستقبل سورية الآمن، والبعيد عن العنف والدمار و الارتهان لقوى الإقليم والعالم !
ويؤكد صواب ذلك حصر مسألة تشكيل الوفد السوري المعارض بالائتلاف السوري _ أو ما تبقى منه _ لا يقلل من صحة هذه الدعوة ” الشخصية ” التي قدمها رئيس الائتلاف إلى المنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الوطني الديمقراطي.
لابد من القول انه إذا ظل الشعب السوري هوا الغائب الأكبر عن مسار الحدث، وإذا استمر إقصاء وتهميش المعارضة الوطنية الديمقراطية عن المساهمة في صياغة مستقبل البلاد، فان المسؤولية الوطنية والأخلاقية تتطلب منا ومن جميع القوى الوطنية الديمقراطية العمل على توحيد الصفوف، وتشكيل جسم سياسي وطني ديمقراطي جامع في الداخل والخارج يأخذ على عاتقه إعادة التوازن إلى هذا الخلل، ويساهم في بناء سورية مدنية ديمقراطية.
إننا في حزب العمل الشيوعي في الحين الذي ندين فيه عدم دعوة قوى المعارضة الوطنية الداخلية المستقلة، ونستشعر اكبر الأخطار على مستقبل سورية إذا استمر هذا النهج الاقصائي؛ نعيد التأكيد على أهمية الحل السياسي لأوضاع بلدنا، كما نؤكد على أهمية جنيف 2 باعتباره المخرج الوحيد المتاح اليوم أمام شعبنا سواءً حضرنا – عبر الهيئة – أم لم نحضر، ونؤكد أخيراً استعدادنا للمساهمة لاحقا في كل ما يخدم بلدنا وشعبنا ومستقبله بعيداً عن القتل والدمار واستمرار الاستبداد. نقول ذلك لمعرفتنا أن جنيف 2 هو بداية لمسار طويل من المفاوضات التي تشوبها التعقيدات و المناورات من مختلف الأطراف. وهنا نطالب مع شعبنا في أن يكون جنيف 2 بدايةً لمسار معاكس لكل ما شهدناه في السنوات الثلاث الماضية ، توفيراً على شعبنا مزيداً من الدم والدمار.
المكتب السياسي لحزب العمل الشيوعي في سورية
دمشق 22/1/2014
- هل سيكون أردوغان مندريس الثاني؟..... -
- محمد سيد رصاص -
مثل الجسم الطبيعي تظهر علامات الموت على الجسم السياسي قبيل فترات من النهاية: كان يوم14تموزيوليو1958مع سقوط نوري السعيد ببغداد نقطة البدء للنهاية السياسية لرئيس الوزراء التركي عدنان مندريس في أنقرة التي توجت يوم27أيارمايو1960مع الانقلاب العسكري ضد مندريس ومن ثم محاكمته واعدامه يوم17أيلولسبتمبر1961. كان ماحصل في اليوم المذكور ببغداد نهاية لمشروع غربي يحاول ربط الشرق الأوسط بمنظومات عسكرية- أمنية غربية ضد السوفيات أثناء الحرب الباردة:كان مندريس ( رئيس وزراء تركية منذ يوم22أيارمايو1950بعد فوز "الحزب الديمقراطي"، بتوجهه الاسلامي – الليبرالي ،على "حزب الشعب الجمهوري"الأتاتوركي العلماني الاتجاه) قد ربط عدائه الداخلي للأتاتوركية مع التحالف مع الغرب الأميركي- الأوروبي منذ الانخراط في الحرب الكورية مع واشنطن في عام1950 ثم الدخول في حلف الناتو عام1952 ثم تأسيسه مع بغداد ولندن "حلف بغداد"عام1955برضا ضمني من واشنطن،وفي مجرى فترة1955- 1957كانت أنقرة وبغداد واجهة اقليمية للغرب ضد القاهرة التي يممت وجهها نحو موسكو منذ صفقة الأسلحة التشيكية في أواخر أيلولسبتمبر1955في مواجهة اقليمية- دولية كانت محطاتها في حرب1956وفي الحشود التركية على الحدود السورية بخريف1957. كانت نهاية نوري السعيد قد انطلقت بدايتها يوم22شباطفبراير1958مع حصول الوحدة السورية- المصرية، ولتكون دمشق بداية الطريق نحو ذلك الزلزال البغدادي بعد خمسة أشهر،ومن ثم يكون الأخير هكذا بالنسبة لماحصل في أنقرة بعده بإثنين وعشرين شهراً.
يعيش رجب طيب أردوغان منذ سقوط محمد مرسي في القاهرة يوم3يوليو2013الوضع الذي عاشه عدنان مندريس بعد سقوط نوري السعيد.أتى سقوط مرسي بعد زلزال أميركي حصل أيضاً في 11سبتمبر ولكن عام2012ببنغازي عندما قتل اسلاميون ليبيون السفير الأميركي بليبيا بعد عام من مساعدة (الناتو) في حسم صراع المعارضة الليبية مع القذافي. أدت صدمة بنغازي إلى مراجعة أميركية تدريجية لخطط التحالف مع الاسلاميين التي بدأت في قاهرة مابعد سقوط حسني مبارك يوم11فبراير2011ورأينا تجسداتها في تونس و في انشاء "المجلس الوطني السوري"باسطنبول يوم2تشرين أولأوكتوبر2011. كان النموذج الأردوغاني في خلفية الصورة عند واشنطن وهي تنفتح وتنسج تحالفات مع اسلاميي القاهرة وتونس و"المجلس"السوري.لهذا عندما انتفضت الوزيرة كلينتون ضد "المجلس الوطني السوري" في يوم31تشرين أول أوكتوبر2012في زغرب أثناء مؤتمر صحفي فقد كان ذلك علامة على أن تداعيات بنغازي قد بدأت بالظهور،قبل أن تساعد (حرب مالي) بالشهر الأول من عام2013 ،ثم تفجير بوسطن بالشهر الرابع من العام، في اقناع الإدارة الأميركية بفك زواج المصلحة مع الاسلاميين. كان تجسيد هذا عند الإدارة الأميركية بيوم7أيارمايو2013في موسكو لماكان واضحاً أن اتفاق كيري- لافروف يشمل تشاركاً أميركياً – روسياً في رؤية عامة لعموم منطقة الشرق الأوسط تجعل تلك الصورة التي جمعت السفيرة الأميركية بالقاهرة آن باترسون مع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع بمقر الجماعة بالمقطم لاتتكرر. كانت الهزة التي حصلت ضد أردوغان في ساحة تقسيم باسطنبول منذ 31أيارمايو2013بداية ترجمة محلية لماحصل بموسكو قبل ثلاثة أسابيع. استوعب رئيس الوزراء التركي تلك الهزة وامتصها بمهارة،ولكن عندما سقط مرسي تصرف برد فعل ليس كرئيس وزراء تركي وإنما كزعيم لحزب اسلامي،وقد بانت عصبيته وانفعاليته على الشاشات تجاه الحدث المصري، ولم يكن ذلك الرجل البارد والقوي الشكيمة والماهر كماكان أمام خصومه المحليين من عسكر ومدنيين،أوكماكان في أثناء نسج استراتجيات جديدة لتركية جعلت "العثمانية الجديدة" عنده تأخذ الغطاء الأميركي بفترة2007-11سبتمبر2012.
في خريف2013كان واضحاً أن انحسار مشروع أردوغان الاقليمي ،بعد فشله في القاهرة ودمشق وبعد سحب الغطاء الأميركي عنه،سيكون له ترجمات محلية في أنقرة:ظهرت هذه الترجمات في تباعد جماعة فتح الله غولين( ذات الشبكات الاجتماعية الدينية الواسعة،فيما زعيمها مقيم منذ عام1999بالولايات المتحدة )عن أردوغان بعد أن كانت الأسانسول الأكبر في صعود حزب أردوغان منذ انتخابات 3تشرين ثانينوفمبر2002،ثم في كشف قضائي- أمني لفضائح فساد شملت العديد من أبناء وزراء أتراك أورجال أعمال أتراك مقربين من الحزب الحاكم،في وسط قضائي وجهاز شرطة تتمتع جماعة غولين بنفوذ كبير فيهما،فيمايقبع نائب رئيس الوزراء بولنت أرينج منتظراً في الظل،بعد أن أظهر في أحداث تقسيم مسافة عن رئيس الوزراء في معالجة الاضطرابات،مع العلم أنه هو الجسر الذي كان بين أردوغان وغولين.
كانت انفعالية أردوغان أمام هذا التطور المحلي الدراماتيكي أكبر من تلك التي أظهرها إثر سقوط مرسي،وكان أدائه مهزوزاً بالقياس إلى أدائه في (أحداث تقسيم).لم يطرح في مواجهة هذه العاصفة أكثر من "نظرية المؤامرة"،ولم يستطع أن يظهر أكثر من صورة سياسي يعاني من وضعية وجود ظهره للحائط،ولايملك القدرة على الارتداد من الدفاع إلى مبادرة هجومية تتجاوز الطوق الذي يقترب كثيراً من عنقه.
السؤال الآن: هل يستطيع أردوغان تجاوز الحالة التي يتجه فيها الآن إلى أن يكون (مندريس 2) في أنقرة الأتاتوركية،ولوكان هذا ليس بالمعنى الانقلابي لماجرى في27أيارمايو1960،أوبالمعنى الفيزيائي الذي جرى لمندريس يوم17أيلولسبتمبر1961؟................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الطبقة البورجوازية السورية والثورة الشعبية
“الثورة الدائمة” العدد الرابع - كانون الثاني٢٠١٤ا
الكاتب: غياث نعيسة - تيار اليسار الثوري (سوريا)
تقترب الثورة الشعبية السورية من اختتام عامها الثالث، مستمرةً في مواجهتها لآلة القتل والدمار للنظام الدكتاتوري الحاكم، وتواجهها العديد من التحديات والمخاطر. وقد قدمت الجماهير الشعبية خلال هذه الفترة تضحيات هائلة، حيث يضاف الى عدد القتلى الذي تجاوز مائة الف جرحى ومفقودون بمئات الآلاف، و هنالك حوالى نصف سكان سوريا اصبحوا مهجرين داخل البلاد، او لاجئين في البلاد المجاورة.
ومن الجدير بالذكر ان هذه الصورة القاتمة تعني خريطة المناطق الثائرة وبالتالي المدمرة، وهي مناطق حياة وعمل الطبقات الشعبية ومنها الطبقة العاملة. وهذه الخريطة الجغرافية تتطابق الى حد كبير مع طبيعة القوى الاجتماعية المحركة للثورة.
ما يميز الفهم السياسي لأوساط اليسار التقليدي القومي والستاليني، قبل موجة الثورات التي تجتاح المنطقة وخلالها، انه خليط من مقولات تتحدث عن أن الثورة القادمة – الجارية- هي ثورة وطنية ديمقراطية، والبعض الاخر يتحدث عن ثورات على مراحل، بمعنى انه يقر بأن المرحلة الاولى هي ثورة وطنية ديمقراطية، ولكنها «بأفق اشتراكي»، سيأتي ذات يوم بعيد جداً، بما هو استعادة لنقاشات سبق ان دارت في صفوف القوى اليسارية من خلال تجارب ثورات القرن العشرين، وكأنه لم يقتبس منها أي درس كان.
هذان المفهومان، وهما في الحقيقة مفهوم واحد، ستاليني الاصل والمنبع، يقومان على فكرة وجود برجوازية، أو رأسمالية، وطنية، لدينا. ما يتطلب، وفق هذا الطرح الستاليني، التحالف معها من اجل الوصول الى هذه المرحلة الوطنية الديمقراطية المنشودة، لبناء اقتصاد قوي وصناعة وتنمية...الخ. وتتفرع من هذا الطرح الفكري الستاليني الاصل جملة من المدارس العالمثالثية ، التي تدين برجوازية مافيوية وكمبرادورية أو ريعية ...لتمايزها عن برجوازية صناعية وطنية سيكون لها دور تنموي، وبعضٌ منها يرى ضرورة قيادة «الحزب الثوري» لتحالف طبقي (شعبي- برجوازي وطني) لهذه المرحلة الوطنية الديمقراطية. وهذا هو في الواقع تكرار للديماغوجيا التي رأينا بؤس تجاربها، تحت عنوان حركات التحرر الوطني، وما كان يسمى بالديمقراطيات الشعبية، التي انكشفت حقيقتها كدكتاتوريات رأسمالية صرفة، او رأسماليات دولة.
ليس موضوعنا سجالاً فكرياً مع هذه الاطروحات المذكورة، التي نقف على النقيض منها، بتبنينا لمفهوم الثورة الدائمة، ولكون كل الثورات الجماهيرية تحمل في طياتها، في عصر الرأسمالية، التي تهيمن على كل العالم، دينامية الثورة الاجتماعية، أي راهنية الثورة الاشتراكية في عصرنا. بل لنرى من خلال الواقع أين هي اليوم هذه البرجوازية السورية، المفترض، وفق المواقف المذكورة اعلاه، انها معنية بالثورات «الديمقراطية»، وما هو موقفها السياسي والطبقي؟
بورجوازية قوية مالكة وحاكمة
لقد استطاع نظام الاسد الاب والابن، خلال اربعة عقود، اعادة تكوين طبقة برجوازية قوية وواسعة، ولكن ما فعله الدكتاتور الاب خلال ثلاثة عقود في هذا الخصوص تميز بالحذر و بإعادة الروح البطيئة للبرجوازية الكبيرة، من خلال اجراءات مدروسة وبربطها العضوي بالسلطة. واستعمل في هذا الخصوص اداتين هما قانون الاستثمار رقم ١٠ لعام ١٩٩١، من جهة، واقامته لنظام فساد عام، ونهب معمم، تحول من خلاله كبار بيروقراطيي الدولة، وخاصة الطغمة الحاكمة وشركائها، من خلال نهب الثروات، الى برجوازية كبيرة عقارية وتجارية وصناعية. ولكن الاسد الاب حافظ الى حد ما على الدور الاجتماعي للدولة من خلال الحفاظ على نظام للصحة والتعليم المجانيين، ودعم السلع الاساسية لمعيشة الغالبية العظمى من الطبقات الكادحة، كما انه امتص جزءاً من البطالة من خلال ضخها في بيروقراطية دولة واسعة لا وظيفة انتاجية عقلانية لها، ولا سيما في الجيش والاجهزة الامنية وموظفي الإدارة.
هذا الحذر على صعيد الابقاء على شيء من المكتسبات الاجتماعية الذي حافظ عليه الاسد الاب، تخلى عنه بشار الاسد الذي خلف اباه في تموز ٢٠٠٠، حيث قام بتحولات اقتصادية نيوليبرالية عنيفة وسريعة، باستخفافٍ مزرٍ بأي ردود فعل اجتماعية متوقعة، لاعتقاده بأن اجهزة السلطة القمعية قد اجهزت، وخلال عقود من الزمن، على كل محاولة احتجاج عليها. وهو خطأ فادح، لأن الاحتجاجات الاجتماعية لم تتوقف بل تزايدت منذ عام ٢٠٠٦.
وقد اطلق النظام على سياسته النيوليبرالية اللااجتماعية، لصالح البرجوازية الكبيرة السورية، اسم «اقتصاد السوق الاجتماعي». فقد اوصل نظام الطغمة بعد توريث الابن عدداً ممن يعيشون تحت حافة الفقر من ١١ الى ٣٣ بالمائة، واذا اضفنا الذين يعيشون بأقل من دولارين في اليوم، يصبح عدد الفقراء في سوريا عام ٢٠٠٩ ،وفق احصائيات الامم المتحدة، نحو نصف السكان.
هذه البرجوازية الصاعدة استحوذت على ٧٠ بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي بحسب احصائيات عام ٢٠٠٩1، في الوقت الذي كان بينها وبين سلطة الطغمة الحاكمة نوع من العقد غير المكتوب تقول فيه الاخيرة للطبقة البرجوازية الصاعدة: «اغتنوا كما تشاؤون ولكن دعوا السلطة لنا». وهذا ما جرى خلال العقود الاربعة الماضية. حيث ادخلت السلطة رمزياً عدداً من رجال الاعمال إلى مجلس الشعب، الذي لا دور فعلي له. وعززت من قدرات الاتحادات الصناعية والتجارية، بل وشكلت مجالس رجال الاعمال مع ٦٩ دولة عام ٢٠٠٩، بما يسمح للأخيرين بالتعامل والتواصل مباشرة مع الشركات والمؤسسات التجارية والمصرفية والصناعية في هذه البلدان (وهي المجالس نفسها التي تم حلها في حزيران من هذا العام نتيجة الحصار والمقاطعة الاقتصادية المفروضين على سوريا وتلاشي دورها).
هذا ويُعَدُّ الشكلُ الاستبدادي للحكم الشكلَ الملائم للبرجوازية السورية الصاعدة، حيث لا مكان للاحتجاج على استغلالها ونهبها، ولا عوائق قانونية او نقابية امام جشعها.
أي بورجوازية وطنية؟
مع اندلاع الثورة الشعبية في آذار ٢٠١١، كان مثيراً للانتباه ان قسماً من هذه البرجوازية الكبيرة السورية عبَّر بوسائل الدعاية والاعلانات عن دعمه للنظام الحاكم، في تلك المرحلة من الاشهر الاولى للثورة، التي كانت فيها مظاهرات التأييد للطغمة ما تزال حاجة ملحة للنظام، كما استمر قسم آخر منها في تمويل وتجييش ميليشيات موالية للنظام، وخاصة ذلك القسم البرجوازي الشريك للطغمة العائلية الحاكمة.
لكن من المعروف أن رأس المال لا وطن له ولا دين سوى أرباحه، فمنذ نهاية العام الاول للثورة بدأت حركة متصاعدة لتهريب اموال هذه البرجوازية نحو لبنان، وغيره من الدول العربية والاجنبية، وبدأت هذه، في العام الثاني، بإغلاق مصانعها والتسريح التعسفي لعشرات الآلاف من العمال، او نقل مصانعها او بيعها.
لم تتردد البورجوازية طويلاً في ادراك خطر الثورة الشعبية عليها، حيث بدأت فوراً بتسريحات تعسفية واسعة للعمال، منعاً لهم من المشاركة في اضرابات داخل مصانعهم، وايضاً من اجل تأمين رؤوس أموالها بأفضل الشروط لضمان مصالحها. فلقد نشرت صحيفة الوطن شبه الرسمية خبراً عن «تسريح أكثر من ٨٥ ألف عامل خلال العام الأول من الثورة، ونصف عدد المسرحين من محافظتي دمشق وريفها، وتشير الارقام الرسمية الى ان ١٨٧ منشأة من القطاع الخاص تم اغلاقها بشكل كامل في الفترة من ١/١/٢٠١١ ولغاية تاريخ ٢٨/٢/٢٠١٢». ويشير الخبر الى «ان هذه الارقام لا تحمل اي مصداقية فعدد الورش والمصانع المغلقة يقدر ب٥٠٠ مصنع وورشة...»2.
وكانت جريدة الفايننشال تايمز البريطانية قد اكدت «أن رجال الاعمال السوريين نقلوا بهدوء اموالهم للخارج منذ بداية الازمة في البلاد، واكد اقتصاديون ان العملية تسارعت مع اجتياح العنف المراكز التجارية في دمشق وحلب...»3.
وقدَّر الباحث سامر عبود قيمة ما تم سحبه من ايداعات في المصارف السورية من قبل المودعين (ولا سيما كبار البرجوازيين)، مع نهاية عام ٢٠١٢، بما يقارب ١٠٠ مليار ليرة سورية4.
لكن احداً لا يملك تقديراً دقيقاً لحجم رؤوس الاموال التي هربتها البورجوازية، ومنها ذلك القسم وطيد الصلة بالطغمة العائلية الحاكمة، ولا يوجد تقدير صحيح لعدد المصانع التي تم نقلها الى الخارج لتشغيلها او بيعها، او تلك المدمرة والمتوقفة عن العمل.
فوفق تصريحات غرفة تجارة دمشق، تؤكد هذه «هروب رؤوس اموال سورية تقدر ب٢٠ مليار دولار»5، وهو رقم نعتقد انه اقل بكثير من الواقع وخصوصاً انه صدر في بداية العام الجاري.
في الواقع، فإن عدد المصانع الخاصة التي توقفت عن العمل في حلب وحدها، التي تشكل صناعتها نحو ٣٦ بالمئة من مجمل الصناعة الوطنية، هو اكثر من الف معمل، ما يعني تسريحاً تعسفياً لأكثر من ٥٠٠ الف عامل.6
كما ان البرجوازية الصناعية لم تقم بتهريب اغلب مصانعها في ظلمة الليل، بل ان العديد من المعامل التي تم نقلها الى خارج البلاد كان بموافقة السلطات السورية نفسها، وما اكد ذلك هو تصريح وزير الصناعة والتجارة الخارجية المصري حاتم صالح، في نهاية شهر آذار ٢٠١٣ ،حيث اعلن عن «ان ٨٠ مصنعاً سورياً قد انتقلت الى مصر»، مشيراً الى « وجود ٣٠٠ مصنع آخر في انتظار الحصول على الاراضي»7. وما يدل على ذلك ايضاً هو قرار الحكومة السورية منع تصدير المعامل، الذي صدر في آذار من هذا العام8، وما صرحه الخبير الاقتصادي السوري محمد سعيد الحلبي، الذي اكد بأن «حوالى ٩٠ بالمئة من المنشآت الصناعية نقلت بسماح من الدولة وموافقة اصحابها...الى الخارج»9.
لم تبع او تنقل غالبية البورجوازية السورية منشآتها ومعاملها فحسب، بل انها هربت القسم الاكبر من رؤوس اموالها ايضاً. والاهم من ذلك ان هذا القسم الكبير من البرجوازيين هرب هو نفسه خارج البلاد ليضع نفسه وامواله في مأمن، متفرجاً على الدمار والقتل الجاري، الذي يدفع ثمنه ابناء الفقراء والكادحين، أكانوا من المدنيين، او من مقاتلي «المقاومة الشعبية»، او جنود الجيش النظامي. هذا في حين يزدهر و ينتشي القسم الباقي في البلاد من الطبقة البورجوازية من اقتصاد الحرب، أكان بشراء الاراضي او البناء او التهريب او المضاربة او الاحتكار، وغير ذلك من النشاطات الربحية التي توفرها الحروب. والبعض منهم اصبح يعتاش من هذه النشاطات حصراً، ممَّن اصبح يطلق عليهم اسم امراء الحرب.
اننا نشهد ما يشبه نزوح «طبقة»، او قسم كبير منها، الى خارج البلاد، بانتظار ان تنهك طبقات اخرى نفسها (من بينها ذلك القسم منها الذي يمسك بتلابيب السلطة السياسية)، في صراعها العنيف، ولحين تستتب الامور بشكل يسمح لها لكي تعود وتسود مرة اخرى، وبشروط اكثر من مناسبة لها، على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وهي الطبقة التي حافظت على نفسها جسدياً وعلى كامل طاقاتها الاقتصادية والمالية.
اذ تقدر معلومات متطابقة في بداية عام ٢٠١٣ ان عدد «رجال الاعمال السوريين الذين وصلوا الى مصر بنحو ٣٠ بالمئة من اعداد رجال الاعمال الذين فروا من سوريا البالغ عددهم ٥٠ ألف مستثمر»10.
وهو ما يؤكده، رغم بعض التفاوت في التقديرات، العديد من التصريحات الرسمية السورية، فقد اعلن مازن حمور عضو مجلس ادارة غرفة تجارة دمشق: « غادر البلد ٦٠ بالمئة من رجال الاعمال في اوج ازمتها وتكبد الاقتصاد خسائر تقدر بنحو ٢٠ مليار دولار»11. هذا في حين اعلنت مروة الايتوني، عضو مجلس ادارة غرفة صناعة دمشق وريفها، أن « ٧٠ بالمئة من رجال الاعمال السوريين اصبحوا خارج البلاد وهذا شيء مرعب»12.
الطبقة العاملة والكادحون وعموم الشعب
تعرضت الطبقة العاملة السورية الى تأطير رسمي لنشاطها الكفاحي والنقابي منذ استلام البعث للسلطة، ولكن السلطة الحاكمة انجزت الحاقها للنقابات العمالية بها، وهنا نقصد القيادات النقابية العليا، في عام ١٩٧٤ تحت شعار «النقابية السياسية»، وهو حال بقية التنظيمات النقابية والمهنية مثل اتحاد الفلاحين او الطلبة وغير ذلك.
في الاشهر الاولى للثورة عام ٢٠١١، استخدمت السلطة البرجوازية الحاكمة هذه الهياكل الصفراء للنقابات، اضافة الى تراث عريق من الترهيب والقمع، من اجل حشد العديد من العمال والموظفين والمعلمين للمشاركة في مظاهرات مؤيدة لبشار الاسد، لكن السلطة خوفاً من ان ترتد هكذا مظاهرات ضدها، من جهة، وبسبب انزالها لقوات الجيش لمواجهة المظاهرات الجماهيرية المعارضة، من جهة اخرى، اوقفت استخدامها لمظاهرات التأييد لها التي نكرر، بالمناسبة، أنها كانت تحظى بدعم وتمويل من العديد من كبار البرجوازيين السوريين.
ومعروف ان للسلطة السورية كرهاً وخشية معلنين لشريحتين اجتماعيتين أساسيتين هما العمال والطلبة، فقد ادرجت في الوثيقة التأسيسية للجبهة الوطنية التقدمية الحاكمة، التي تضم اضافة الى حزب البعث بعض الاحزاب الصغيرة القومية، والشيوعيين الستالينيين، فقرةً تؤكد التزام هذه الاحزاب عدم النشاط في هذه القطاعات، اضافة الى الجيش.
لكن تفاقم الوضع المعيشي لقطاعات واسعة من السكان، ادى بدءاً من عام ٢٠٠٦ الى تفاقم الاحتجاجات والمظاهرات العمالية والجماهيرية بشكل ملحوظ، بل وصل التذمر الى صفوف النقابات الرسمية نفسها. فقد كان ملاحظاً، مع بداية الثورة، ان عنف النظام ودماره مس بشكل اساسي اماكن سكن وعمل الجماهير العمالية والكادحة، في ريف دمشق ودرعا وحمص وحلب ودير الزور، كما قامت البورجوازية بتسريحات تعسفية ومتواصلة للعمال حتى في المعامل التي هي بمنأى عن العنف وفي المناطق الموالية للنظام.
من جهته، يقوم النظام بحصار المنشآت العمالية المتبقية بميليشياته واجهزته، ويحاول تجيير قطاعات عمالية في معاركه، مانعاً على أفرادها امكانية التواجد او التصرف كطبقة لها مصالحها المتميزة. وخصوصاً مع زيادة الانهيار الاقتصادي والمعاشي في البلاد، التي تدفع بمن بقي له عمل إلى التمسك به، وبمن فقده إلى البحث عن عمل آخر لم تعد توفره الشروط الاقتصادية والسياسية الراهنة. فالبعض ممن اصبح عاطلاً عن العمل اضطر اما الى الالتحاق بالمجموعات المعارضة المقاتلة، التي تدفع معاشاً لمقاتليها، أو التحق بما يسمى الجيش الوطني السوري، وهو شكل من الميليشيا التابعة للنظام، ليس عن قناعة، بالضرورة، بقدر ما يكون ذلك وسيلة للعيش ومحاولة البقاء.
إن الصورة العامة للوضع الاقتصادي الاجتماعي في سوريا اصبحت اكثر من مأسوية، فقد وصل عدد العاطلين عن العمل، مع انتهاء الربع الاول من عام ٢٠١٣ ، إلى حوالى ٢،٩٦ مليون عاطل عن العمل، ما يرفع نسبة البطالة الى ٤٨،٧ 13، في حين تقلصت قوة العمل الفعلية، اليوم، الى حوالى ٣،١ مليون عامل، بعد ان كانت نحو ستة ملايين عامل في عام ٢٠١٠. وهو ما يؤدي الى ارتفاع عدد العاملين في القطاع الاقتصادي غير النظامي، كالباعة الجوالين لكافة انواع البضائع والسلع، ومنها النفط، أو المهربين.
لقد تفاقمت الاوضاع المعيشية لقطاعات واسعة من العمال والطبقات الشعبية الى حد دفع باتحاد عمال دمشق الى نقد الاوضاع الراهنة في تقريره السنوي لهذا العام، الذي قدم فيه ارقاماً عالية جداً تؤكد هذا التدهور الحاصل في مستوى المعيشة. وهو يشير مثلاً الى ان الدولة زجت كتلة هائلة من النقد، ما جعل نسبة التضخم تتجاوز ٧٥ بالمئة، وأدى إلى ارتفاع مذهل لأسعار السلع وخاصة الغذائية والمشتقات النفطية. ويشير التقرير المذكور الى «ان هروب رؤوس الاموال تسبب بإغلاق آلاف المنشآت والمعامل في سورية وبالتالي بارتفاع نسبة البطالة الى معدلات قياسية وظهور الآفات الاجتماعية»، مؤكداً تدهور المستوى المعيشي لنحو ٦،١ مليون شخص، وارتفاع قيمة الايجارات بنسبة تزيد عن ١٠٠ بالمئة. وطالب الاتحاد العمالي «الرسمي» بتحسين الوضع المعيشي للطبقة الافقر في المجتمع وهي العمال، بزيادة اجورهم بنسب تتراوح بين ٣٠ و ٣٠٠ بالمئة.14
ومن النافل التذكير بأنه استناداً الى المعطيات المذكورة اعلاه، اضافة الى التحول المسلح لجزء كبير من الثوار، وعنف النظام ووحشية المعارك الدائرة، كل ذلك جعل حتى الآن تحرك الطبقة العاملة، بصفتها الطبقية هذه، وفي أماكن عملها، ضعيفاً للغاية. مع أننا رصدنا عام ٢٠١٣ اول اضراب عمالي في معامل المتوسط للأدوية في دمشق بتاريخ ٢٩ تموز. ولكن هذا لا ينفي ابدا ان العمال والكادحين يشكلون الكتلة الاساسية من ثوار الحراك الشعبي والمسلح.
إذاً، في هذه الظروف الشديدة العنف من الصراع الطبقي الجاري، نشهد من جهة هروب جزء أساسي من الطبقة البرجوازية بكل مكوناتها الى الخارج للحفاظ على نفسها وأموالها، وذلك الجزء الباقي يزداد اغتناء نتيجة اقتصاد الحرب، بل وتشجعه السلطة الحاكمة على نقل معامله ومنشآته الى ما تسميه المناطق الآمنة بشروط سخية. ومن جهة اخرى، نشهد في المقابل بزوغ شريحة جديدة من اغنياء الحرب وأمرائها، وخاصة في المناطق «المحررة»، وهي شريحة برجوازية جديدة لا تقل فساداً عن شقيقاتها.
ما هو الموقف السياسي للبرجوازية السورية؟
ان برجوازية الحرب الجديدة تجد مصلحة لها بامتداد الصراع امداً اضافياً، بشرط ان يكون ذلك لصالح امكانية اعادة تدوير الاموال التي نهبتها، ونجد بعضاً من ممثليها في عدد من الهيئات السياسية للمعارضة، ولا سيما المجلس الوطني السوري وائتلاف قوى الثورة والمعارضة، ولكنها لا تمانع ايضاً بالتعامل مع النظام نفسه، فعدد منها ممن وضع يده على عدد من آبار النفط يقوم ببيع إنتاجها للنظام الذي يقول انه يحاربه، ويهرب قسماً آخر إلى تركيا. والحال، فإن البرجوازية السورية بكتلتها الأساسية بقيت ترى في النظام «نظامها»، ولم تقدم على أي خطوة سياسية تعبر عن موقف مناهض له أو مميز لها عنه. فيمكن القول إن مبادرات معاذ الخطيب، الرئيس السابق للائتلاف الوطني، كانت تعبر عن موقف للبرجوازية الدمشقية فحسب، وتقوم على فتح باب الحوار والتفاوض مع النظام، من دون شروط. ولكن المبادرة السياسية الوحيدة واليتيمة «للبرجوازية السورية» جاءت بعد عامين من الثورة عقب اجتماع لبعض رجال الاعمال السوريين في عمان – الاردن، في أواخر آذار ٢٠١٣، الذين أطلقوا ما اسموه «مبادرة الضمير السوري»، التي تضمنت بقاء الاسد حتى عام ٢٠١٤ والابقاء على الحكومة الحالية مع تغيير وزيري الدفاع والداخلية فقط. كان واضحاً ان هذه المبادرة البرجوازية الوحيدة لم يهتم بها أحد من الثوار، بل كانت تشكل محاولة بائسة لإنقاذ النظام البرجوازي الدكتاتوري15. بينما لم يعد للشرائح الوسطى وجود تقريباً، وهي التي كانت تعاني اصلا في السنوات العشر الماضية من حالة اضمحلال مستمرة. فحالة الافقار ساوت هذه الشرائح الوسطى بالطبقات الشعبية المفقرة ، بل والمدقعة الفقر.
كائناً ما ستكون عليه الأوضاع السياسية في المرحلة القادمة في سوريا وتقلباتها، وما ستكون عليه مآلات الثورة، فالمطالب الاقتصادية – الاجتماعية ستفرض نفسها في لب أي مشروع سياسي قادم. وبالأخص فإنها ستبرز بوضوح اكبر، كونها بين الدوافع الاساسية – بجانب التوق إلى إطاحة الاستبداد، وانتزاع الحريات الديمقراطية - للنضالات المستمرة والديناميات الثورية لعموم الكادحين حتى تحقيق مطالبهم.
تشكل هذه اللوحة صورة عن عمق التحولات الاقتصادية - الاجتماعية الجارية في سوريا، والتي تزداد تفاقماً وتفككاً، وهو ما استفاد منه النظام، اضافة الى سياستي التدمير والتهجير، بعمله على الدفع بقطاعات واسعة من الجماهير الواسعة الثائرة الى حالة من اليأس واللهاث من أجل البقاء، هرباً من القتل والدمار والجوع والحرمان، آملاً بذلك اخراجها أو شلها عن الفعل الثوري والاحتجاجي. وهو في الواقع نجح نسبياً، لأن «المناطق المحررة» تعاني نفس الآفات التي كانت تعانيها تحت الحكم الدكتاتوري. يضاف إلى ذلك تزايد نفوذ القوى الجهادية والتكفيرية الرجعية والمضادة للثورة، التي تحاول، اضافة لما سبق، ان تفرض نمط علاقات اجتماعية متخلفة، وتطرح رؤية رجعية تتحدث عن فهم مغرق في تخلفه وتزمته وضيق افقه عن الدين الاسلامي، وتعلن رغبتها بفرض قيام دولة الخلافة ، وهذا بتناقض واضح مع أسباب وأهداف الثورة الشعبية السورية العظيمة، ما يجعل من هذه القوى الرجعية والفاشية عائقاً خطيراً دون استمرار الحراك الشعبي وانتصار الثورة. فقد اصبحت هذه القوى الرجعية، في هذه اللحظة، تشكل خطراً داهماً على مستقبل الثورة والبلاد. وفي هذه اللحظة من الثورة ، ومن أجل انتصارها، لا مناص للحراك الشعبي والمقاومة الشعبية الثورية المسلحة، من أن تتحمل مسؤوليتها في مواجهة هذه القوى الرجعية بحزم، وبالسلاح ان اقتضى الأمر، وبلا تردد، مع الاستمرار بالثورة الشعبية ضد نظام الطغمة الحاكم، في آن معاً، ما قد يسمح بإعادة الثورة الشعبية الى مسارها الاصيل، من أجل الحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية.
وهذا الأمر يتطلب، بالضرورة، تلاقي القوى الكفيلة بوضع استراتيجية انتصار الثورة الشعبية السورية، بما هي ثورة الحرية والكرامة والعدل الاجتماعي. وهو ما يستدعي، برأينا، السعي الحثيث لأجل قيام قيادة ثورية جماهيرية، تستفيد من أشكال التنظيم الذاتي الشعبي، في مناطق شتى من الارض السورية، الخارجة عن سيطرة النظام، بخلاف الاشكال الهزيلة القائمة، فضلاً عن إنضاج عملية بروز قيادة سياسية وعسكرية موحدة للمقاومة الشعبية المسلحة، وانهاء تشرذمها، ومحاصرة المجموعات الفاشية التكفيرية، وعزلها عن الحراك الجماهيري، تمهيداً للقضاء على الدور التخريبي، والتصفوي، الخطير، الذي تضطلع به. وبالنسبة لليسار الثوري، فإن بناء الحزب العمالي الاشتراكي الثوري الجماهيري يبقى مهمة ملحة، وقضية حياة أو موت، في هذه المرحلة الراهنة من الصراع الطبقي العنيف الحالي، وفي القادم من الأيام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• 1.يمكن مراجعة هذه الاحصائيات في مقالتنا، غياث نعيسة : «ثورة جارية» المنشورة بتاريخ ٢٤ تموز ٢٠١١ على موقع الحوار المتمدن ، وغيرها من المقالات والاحصائيات الواردة فيها في نفس الموقع.
• 2.نقلاً عن موقع عنب بلدي ، البطالة في سوريا الى أين؟ ، بتاريخ ٤/٤/٢٠١٢.
• 3.نقلاً عن موقع جريدة الزمان بتاريخ ١٥/٢/٢٠١٣.
• 4.سامي عبود، «الاموال السورية الهاربة الى الخارج ارتدت اقنعة تجعل من الصعب عودتها»، موقع الاقتصادي، بتاريخ ١٣/٥/٢٠١٣.
• 5.موقع شام برس بتاريخ ١٢/٢/٢٠١٣.
• 6.- باسل ديوب، هكذا تهاوت قلعة الصناعة السورية، جريدة الاخبار اللبنانية، العدد ١٩٣٥ بتاريخ ١٩/٢/٢٠١٣.
• 7.سلام السعدي، مصانع سوريا تهاجر ايضاً، موقع المدن، بتاريخ ٤/٤/٢٠١٣.
• 8.المصدر نفسه.
• 9.موقع بلدنا، الصناعة السورية تمرض ولا تموت، بتاريخ ٤/٦/٢٠١٣.
• 10.موقع سكاي نيوز ، لاجئون سوريون بدرجة رجال اعمال، بتاريخ ٣٠/١/٢٠١٣.
• 11.شام برس، غرفة تجارة دمشق: هروب رؤوس اموال سورية تقدر ب٢٠ مليار دولار، بتاريخ ١٤/٢/٢٠١٣.
• 12.موقع عنب بلدي، نقلاً عن الفايننشال تايمز، مصائب قوم عند قوم فوائد...رؤوس الاموال السورية المهاجرة، بتاريخ ٣١/٣/٢٠١٣.
• 13.موقع شام برس، القتال في سوريا... خيار اقتصادي للعاطلين عن العمل، بتاريخ ٢٠ تموز ٢٠١٣، والارقام التي ينقلها هذا الموقع في المقال المذكور مستقاة من دراسة للمركز السوري لبحوث السياسات، صادرة هذا العام.
• 14.موقع جريدة الثورة الحكومية، اتحاد عمال دمشق: توفير بيئة عمل آمنة ...، بتاريخ ١٧/٧/٢٠١٣.
• 15.انظر موقع المركز الاعلامي السوري وتقريره الصادر بتاريخ ١٨/٤/٢٠١٣، الذي تضمن أسماء عدد من رجال الأعمال المنظمين لهذه المبادرة، وهم «أنس الكزبري، راتب الشلاح، موفق قداح، عادل مارديني، زينة يازجي، أديب الفاضل، عبدالله الدردري، ورجل أعمال محسوب على الثورة».
-----------------------------------------------------------------------------------------------

حتى نلتقي
" هيروسترات " السوري!!!

.. أن يكون علماً يشار له بالبنان
أو نكرة .. لا فرق
أن يكون مبدعاً لا يشق له غبار
أو تلميذاُ في مدرسة .. لا فرق
أن يكون الديمقراطي الأول
أو الدكتاتوري الأخير .. لا فرق
أن يكون جلجامش القرن الحادي والعشرين
أو يكون الأفعى .. لا فرق
أن يكون هابيل
أو يكون قابيل .. لا فرق
أن يكون فرداً
أو جماعة .. لا فرق
ما دام قد سد كل منافذ الضوء في قوقعته
وما دامت مرآته لم تر أجمل منه
ولا تعكس سواه ..............
الشيخ
تجمع اليسار الماركسي " تيم "

تجمع لأحزاب وتنظيمات ماركسية . صدرت وثيقته الـتأسيسية في 20 نيسان2007.
يضم (تيم) في عضويته:
1- حزب العمل الشيوعي في سوريا .
2- الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي .
3- الحزب اليساري الكردي في سوريا .
4- هيئة الشيوعيين السوريين .











الموقع الفرعي لتجمع اليسار في الحوار المتمدن:
htt://www.ahewar.org/m.asp?i=1715








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشدد مع الصين وتهاون مع إيران.. تساؤلات بشأن جدوى العقوبات ا


.. جرحى في قصف إسرائيلي استهدف مبنى من عدة طوابق في شارع الجلاء




.. شاهد| اشتعال النيران في عربات قطار أونتاريو بكندا


.. استشهاد طفل فلسطيني جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي مسجد الصديق




.. بقيمة 95 مليار دولار.. الكونغرس يقر تشريعا بتقديم مساعدات عس