الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقفون والسيسي بين الرفض المنطقي والأيديولوجيات الجوفاء

جوزيف بشارة

2014 / 2 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


ما تزال قضية ترشيح المشير عبد الفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية في مصر تلقى ردود فعل متباينة. المؤيدون للترشيح هم من مختلف طوائف وأطياف الشعب المصري، ويبررون رغبتهم في رؤية السيسي قائداً للبلاد بتطلعهم للاستقرار والأمن وعودة الحياة إلى مجاريها. المعارضون للترشيح هم الإسلاميون من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين أو المتعاطفين معها، إضافة إلى عدد ممن يطلقون على أنفسهم لقب "النخبة" الذي لا نعرف له تعريفاً واضحاً هذه الأيام. المبرر الأساسي للرافضين ينقسم إلى جزئين، الأول هو معادلة الشرعية والانقلاب بالنسبة للإسلاميين، والثاني هو رفض عودة حكم العسكر بالنسبة لـ"النخبة" قليلة العدد والتأثير. يحيرني كثيراً موقف بعض أفراد هذه "النخبة" الذين تفترض فيهم الثقافة والقدرة على رؤية الأمور وتحليلها وفهمها بشكل دقيق وصحيح.
من أفراد "النخبة" التي أبدت مؤخراً اعتراضها على ترشيح السيسي لرئأسة الجمهورية الشاعر الكبير عبد المعطي حجازي. طالب حجازي في حوار له مع قناة الحياة المصرية بعدم دخول السيسي معترك السياسة والبقاء في قيادة القوات المسلحة. شرح حجازي وجهة نظره بالقول أن اللجوء إلى بطل جاهز ليضمن لمصر المستقبل سوف يصادر على الديمقراطية، مشيراً إلى أن مصر تحتاج لأن تصنع الديمقراطية وتحميها بأدواتها التي يأتي على رأسها الدستور والحريات السياسية والعامة.
حاولت الحقيقة معرفة ماهية علاقة "البطل الجاهز" بالديمقراطية وكيف يمكن لهذا البطل أن يضر بها، ولكني لم أستطع. أما بالنسبة للحديث عن الحماية التي يوفرها الدستور والحريات للديمقراطية فهذا أمر حقيقي وطبيعي في الدول التي ترسخت بها الديمقراطية حتى أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الثقافة العامة. ولكن الوضع في مصر يختلف للأسباب الأتية:
أولاً: أدوات الديمقراطية تحتاج شعوباً متعلمة وواعية ومتفتحة. لست اعتقد أن هذا يتوافر في مصر التي تقترب نسبة الأمية فيها من خمسين بالمائة.
ثانياً: أدوات الديمقراطية تحتاج شعوباً تملك إرادتها، شعوباً لا يسيطر عليها سياسيون مضللون باسم الغيبيات والأديان.
ثالثاً: الدستور من أهم وسائل حماية الديمقراطية، لكن الدستورفي مصر غير مقدس ويخضع لسلطة الحاكم ويتغير حسب هوى النظام وبما يخدم مصالحه. وقد جرّبت مصر حديثاً دستور الإخوان السيء الذي كتب لأسلمة الدولة وقمع الحريات وتكريس وجود الجماعة في السلطة.
رابعاً: الحريات العامة من الأساسيات التي تقوم عليها الديمقراطية، ولكن الحرية السياسية ليست إلا جزءاً من الحريات. هناك الحرية الإجتماعية والحرية الدينية والحرية الثقافية، وهي حريات تتطلب ثورة اجتماعية طويلة الامد تقضي على الجهل والتخلف.
خامساً: الاستقرار الأمني والتطور الاقتصادي من أهم عوامل نجاح الديمقراطية، ولكن من المستحيل أن يتحقق الاستقرار والتقدم الاقتصادي في غياب الأمن عن المجمتع. تتحمل مسئولية غياب الأمن الجماعات الإرهابية التي تستخدم العنف والتدمير والتخريب والتفجير.
السؤال الذي يلح علىّ هنا هو ألا يعي النخبويون أن الحالة المصرية خاصة وتتطلب قدراً من المسئولية والتفهم لظروف المجتمع؟ لا يساورني الشك في أن الشاعر عبد المعطي حجازي من كبار مثقفي مصر، ولكن ما يدهشني حقاً هو عدم انتباهه إلى أن مصر تحتاج بنية اجتماعية متينة تقوم عليها الديمقراطية الحقيقية التي نحلم بها لمصر. القضية لا تتعلق بالبطل الجاهز أو البطل غير الجاهز، القضية تتعلق بوجود قاعدة مجتمعية للديمقراطية. هذه القاعدة هي التي ستحمي الديمقراطية وأداوتها ووسائلها وهي أيضاً التي ستقطف ثمارها.
إن رفض السيسي في الظروف التي تعيشها مصر هذه الأيام لا يبدو خياراً عملياً. دعونا نتوقف عن استخدام الأيديولوجيات الرنانة البليغة في المظهر والجوفاء في القلب. الأيديولوجيات لا يجب أن تكون معياراً دائماً أبدياً. علينا الاعتراف بأن السيسي هو الأكثر نفوذاً وشعبية في مصر. السيسي أيضاً هو الرجل الأقوى عسكرياً وسياسياً، وستبقى له الكلمة العليا إدارة شئون مصر طالما بقيت البلاد تحتاج للقوات المسلحة في أعمال حماية الأمن الداخلي. سيحدث هذا سواءً من القصر الجمهوري أو من مقر وزارة الدفاع.
هل يعني هذا أنه يجب علينا القبول بالأمر الواقع والموافقة على حكم العكسر؟ الإجابة بالطبع لا. لا ولكن دعونا نفكر بهدوء مستخدمين المنطق والحجة في بديل مناسب للسيسي يمنحه المصريون ثقتهم. لست أعتقد أن أياً من السياسيين الموجودين على الساحة يستحق أن يكون رئيساً للجمهورية. لم تثبت القوى السياسية المصرية بمختلف تياراتها واتجاهاتها نضجها وقدرتها على خوض غمار الانتخابات سواء البرلمانية منها أو الرئاسية. ما أعرفه وأدركه تماماً أن المصريين خاضوا تجارب مريرة على مدار السنوات الثلاث الماضية، ولا يبدو أنهم مستعدون لخوض تجارب أخرى مع أنظمة حكم إما ضعيفة أو منحازة أو تنفذ أجندات غير وطنية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. زراعة الحبوب القديمة للتكيف مع الجفاف والتغير المناخي


.. احتجاجات متزايدة مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية




.. المسافرون يتنقسون الصعداء.. عدول المراقبين الجويين في فرنسا


.. اجتياح رفح يقترب.. والعمليات العسكرية تعود إلى شمالي قطاع غز




.. الأردن يتعهد بالتصدي لأي محاولات تسعى إلى النيل من أمنه واست