الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأغوار الفلسطينية والحل الأمني

جمال ابو لاشين
(Jamal Ahmed Abo Lasheen)

2014 / 2 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


الأغوار الفلسطينية والحل الأمني
بقلم/ جمال أبو لاشين

في الأيام الأخيرة فجر الإسرائيليون كعادتهم تحت مبرر الأمن مشكلة أراضي الغور شرقي فلسطين، فقد أصروا على التواجد فيها وعدم التنازل عنها، أمام رفض فلسطيني للذرائع الإسرائيلية التي تحاصر حل الدولتين وتترك للفلسطينيين دولة مقطعة الأوصال محاصرة من إسرائيل، وضعيفة اقتصاديا، مما استدعى تحرك وزير الخارجية الأمريكي ( جون كيري ) واضعاً مقترحات قدمها له فريق الخبراء الأمريكيين المساعد له برئاسة الجنرال ( جون ألين ) الذي حلل الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية مطمئناً الجانب الإسرائيلي أنه وفق الخطة المقترحة ستتمكن إسرائيل من الدفاع عن نفسها إزاء أي تهديد قد يحدق بها فيما ستتصدر الولايات المتحدة الدول التي تقف إلى جانبها في حالات الطوارئ.
ولذلك كانت تلك الدراسة للوقوف على أبعاد الصراع على الأغوار وهل حقاً هناك حاجة أمنية لإسرائيل في إدعاءاتها، وبيان التصريحات والدراسات الإسرائيلية بهذا الشأن مع تبيان موقف الأردن الجار المعني أكثر من غيره بقضية الأغوار.
تعني كلمة الغور اصطلاحاً ( الأرض الهابطة ) وتطلق إشارة للأخدود الممتد على طول الحدود بين فلسطين والأردن والتي يتمركز بها العشرات من القرى الفلسطينية والأردنية، وهي تعد من أكثر الأماكن انخفاضا عن مستوى سطح البحر في العالم ويمتد الصدع من الركن الشمالي للبحر الميت إلى الركن الجنوبي الشرقي لبحيرة طبريا حيث الجزء الشرقي منه يقع في الأردن بينما الجزء الغربي يقع في فلسطين والذي نحن بصدد الحديث عنه حيث تبلغ المساحة الأصلية للأغوار ( 433 كم2 ) أي ما يعادل 7.6% من مساحة الضفة الغربية البالغة ( 5647 كم2 )، والأغوار في فلسطين تمتد من البحر الميت حتى شمال الضفة حيث قريتي ( كردلة وبردلة ) في محافظة طوباس.
وقد قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بفصل الأغوار رسمياً عام 1999 من خلال توسيع الشريط الأرضي المقام على طول الضفة الغربية لنهر الأردن والذي أعتبر منطقة عسكرية مغلقة منذ العام 1967 أي بعد الاحتلال الإسرائيلي للضفة وبعد التوسيع أصبح عرض الشريط من شمال البحر الميت وحتى بحيرة طبريا حدود الأغوار الشمالية مابين 1 كم إلى 5 كم وقد أدى هذا التوسيع لتدمير الكثير من الأراضي الزراعية.
امتد التوسع مرة ثانية غرباً ليطال السفوح الغربية للأغوار وجرى ضم عدد من المستوطنات لها وفي العام 2005 انتهت إسرائيل من فصل الأغوار وسفوحها الغربية عن باقي مناطق الضفة الغربية وباتت المساحة الجديدة بعد التوسعة 1548 كم2 وبالتالي أصبحت تعادل 27.4% من مساحة الضفة بما فيها حصة فلسطين من البحر الميت البالغة 205كم والواقعة أيضاً تحت نفوذ إسرائيل وهكذا ابتلعت إسرائيل 20% من مساحة الضفة الغربية وضمتها للأغوار، وأعلنت إسرائيل في حينها إخراج منطقة الأغوار من أي تسوية محتملة مع الفلسطينيين وأصدرت قراراً منعت فيه الإقامة في الأغوار لغير أهلها، ويعتقل ويرحل من لا يحمل هوية الأغوار.
في الأغوار 18 تجمع سكاني فلسطيني يبلغ تعدادهم (51500) نسمة، 60% منهم في مدينة أريحا ومخيمي عقبة جبر والنويعمة فيما التجمعات الاستيطانية المنتشرة على طول الأغوار يبلغ تعدادها 29 تجمعا يسكنها قرابة 8586 مستوطن ( الجهاز المركزي للإحصاء، 2007)، ولتتمكن إسرائيل من تنفيذ سياسة العزل التي قامت بها في العام 2005 لجأت لإقامة حواجز عسكرية في محيط الأغوار وهي ( تياسير ، معالي أفرايم، الديوك ، نقطة الارتباط الحمرا، بيسان، إضافة للحواجز المقامة بين الأغوار وأريحا لعزل الأغوار عن الضفة والعالم، كما قامت بتحويل حواجز بردلة ( بيسان ) والتياسير والحمرا لمعابر دولية بعد أن حفرت خنادق عميقة ونقاط مراقبة تمهيداً لإقامة الجدار العنصري في تلك المنطقة.
هذا وتعتبر منطقة الغور ( سلة فلسطين الغذائية ) لخصوبة تربتها التي تصلح لزراعة الكثير من اللوزيات والخضروات والزيتون كما أنها تزرع القمح الذي أول ما زرع كان في الأغوار لذلك هي بحق رئة الفلسطينيين اقتصادياً ، وسياسياً تعتبر الأغوار جسر التواصل مع كافة الدول العربية والبوابة الشرقية لفلسطين، وضمها لإسرائيل هو قضاء على حل الدولتين فالكيان الفلسطيني الوليد سيختنق إذا ما لم تنفتح البوابة الشرقية على العالم.
لذلك تعمد قوات الاحتلال لسرقة مياه الأغوار والسيطرة على أحواضها الرئيسية ورغم وفرة المياه إلا أن الفلسطينيين القاطنين في الأغوار يعانون من شح المياه، كما أن قوات الاحتلال تخضع لرغبة المستوطنين الذين يهدفون لتوسيع المستوطنات لدرجة أنهم بنوا خيامهم إلى جانب المضارب وخيام الرعاة، كما تكثف سلطات الاحتلال من عمليات الهدم في الأغوار لتضيق الخناق على السكان وحثهم على الرحيل والتي يصفها السكان بالهجمة الشرسة الهادفة للقضاء على العمق الاستراتيجي للدولة الفلسطينية.

فالعام 2013 حسبما أفاد مجلس المالح والمضارب في الأغوار شهد 650 حالة هدم منشآت وخيم وحظائر للسكان، و 420 إنذار بالهدم والترحيل وغرامات لسكان الأغوار، كما صودر 500 ألف دونم من الأراضي وخاصة في منطقة الفارسية، وتم إغلاق 25 ألف دونم تحت مسميات مختلفة هذا إلى جانب مصادرة مئات الشاحنات ورؤوس الأبقار والأغنام ومنع العشرات من الرعي في الجبال.
ومما يذكر أن الإحصائيات الفلسطينية للعام 2010 تشير إلي أن عدد المستوطنين سواء في محافظة طوباس، أو محافظة أريحا بلغوا 1452، و 6108 على التوالي مما يعني أن المستوطنين شرقي الضفة على الحدود مع الأردن وفي الأغوار مجموعهم 7560 مستوطن أي أن أعدادهم انخفضت عنه في العام 2007 بمقدار 1026 وهو إما أن يكون سببه عدم وجود عنصر جذب استيطاني للمنطقة من فوائد اقتصادية وتسهيلات، أو أن هذا الفرق وجه للقدس والمستوطنات الكبرى حولها في ظل الحملة المسعورة على المدينة المقدسة، وتتبع غالبية تلك المستوطنات مجلس إقليمي يدعى ( أرفوت هيا ردين ) أو وادي الأردن الذي يسيطر على 19 تجمع منها في عددهم 5160 مستوطن وخمسة تجمعات استيطانية أخرى تتبع مجلس إقليمي يدعي (ميجليوت) وعدد مستوطنيها 1101 مستوطن .
أما الخمسة المتبقين فلا يوجد لها تبعية لأحد وهي تجمعات طيارة لذلك لم ترد لها إحصائيات وكانت الإحصائيات للعام 2011 تشير إلى 6261 مستوطن فقط في القطاع الشرقي، وهذا يؤكد أن تضخيم إسرائيل لموضوع الأغوار في الآونة الأخيرة لا يتناسب والحاجة الأمنية لإسرائيل بقدر ما هو تعطيل للحل السياسي.
هذا وتتوزع التجمعات الفلسطينية ( بردلة ، وعين البيضا ، وكردلة، والفارسية ) شرقي محافظة طوباس، و أعدادهم حسب الإحصائيات الرسمية 1637، 1163، و 307، و 151 على التوالي وهذه التجمعات تقع غربي الغور أو ما يطلق عليه ( الأغوار الشمالية ) فيما محافظة أريحا والأغوار فتضم التجمعات التالية ( مرج نعجة، والزبيدات، ومرج الغزال، والجفتلك، وفصايل، والعوجا، والنويعمة، وعين الديوك الفوقا، ومخيم عين السلطان، ومدينة أريحا، وعقبة جبر، والنبي موسى، ودير القلط، ودير حجلة، وتظهر الإحصائيات الرسمية أن أعداد تلك المحافظة بلغت 46718 مواطن ولم تتوفر معلومات فيما يخص التجمعين ( دير القلط، ودير الحجلة )، مما يعني إجمالي 49976 مواطن لكل القاطنين في منطقة الغور والفرق هنا في الإحصائيات سببه عدم توفر البيانات عن التجمعين المذكورين ( الإحصاء الفلسطيني للعام 2011 ) مما يعنى أن الأعداد الفلسطينية مستقرة في السنوات الأخيرة .

بعض المواقف الإسرائيلية المؤيدة لضم الأغوار
بتاريخ 2011.3.9 شارك رئيس الوزراء الإسرائيلي ( بنيامين نتنياهو ) بجولة تفقدية على طول نهر الأردن، وتحدث عن وجوب بقاء الجيش الإسرائيلي منتشراً على امتداد نهر الأردن في أي أوضاع وأي تسوية مستقبلاً مما سيضمن أن تعيش دولة إسرائيل في مأمن موضحاً أن الحدود الأمنية لدولة إسرائيل تقع في نهر الأردن، وخط الدفاع يبدأ في غور الأردن فلا بديل له.
بعدها بشهور وتحديداً في نهاية سبتمبر 2011 رفض السفير الإسرائيلي الأسبق في أمريكا ( دوري غولد ) فكرة تنصيب قوات دولية في إطار تسوية محتملة لحل النزاع مع الفلسطينيين، وكمقدمة لسيناريو انسحاب من غور الأردن معتبراً أنها فكرة غير فعالة في نزع السلاح من الضفة مستشهداً بتجربة ( قوات اليونيفيل ) في جنوب لبنان، وشدد على أهمية سيطرة الجيش على غور الأردن كخط دفاع أول من جهة الشرق، أما الجنرال الإسرائيلي الاحتياط (عوزي دايان) فقد رأى في ديسمبر 2012 أن الحدود الشرقية الآمنة توجب توفر ثلاثة احتياجات أمنية أساسية وهي :
1- الحفاظ على عمق استراتيجي ( وهنا يتحدث عن عرض إسرائيل من البحر لنهر الأردن ).
2- القدرة على الدفاع عن أي هجوم تقليدي شرقاً ( متذرعاً بالانسحاب الأمريكي من العراق ومستقبل الأردن ).
3- تجريد المناطق التي تحت سيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية ( ويعتبره شرط للموافقة على حل الدولتين لشعبين ) وبرأيه أن مناطق الدفاع الحيوية هذه توجد فقط في غور الأردن لافتاً أن إسرائيل يجب أن تكون ذات سيادة كاملة عليه.
في حين جاء في صحيفة ( الشرق الأوسط ) اللندنية بتاريخ 2012.1.31 " أن نتنياهو أبلغ الفلسطينيين موافقته على التنازل عن السيادة الإسرائيلية على الأغوار ولكن بشرط التوصل لاتفاق يتيح وجود قوات إسرائيلية في هذه الأغوار لعدة عقود " إلا أن نتنياهو نفى خلال أحاديث له على موقعه الشخصي تلك التصريحات وقال " إن إسرائيل لن توافق على أي تسوية مع الفلسطينيين لا يكون للجيش الإسرائيلي فيها وجود في غور الأردن ".
كما أن وزير الخارجية الإسرائيلي( ليبرمان) رفض وجود قوات دولية متذرعاً بالتغيرات الإقليمية واصفاً ( غور الأردن ) بالمفتاح لمنطقة تل أبيب وبأهم مانع تمتلكه إسرائيل حيال التهديدات التي تواجهها.
هذا فيما أشارت صحيفة ( الخليج ) نقلاً عن الصحيفة الإسرائيلية ( معاريف ) بتاريخ 2012.3.17 إلى مخطط إسرائيلي للسيطرة على أكبر مساحة من غور الأردن وذلك بتحويل معسكرات ومواقع أقامها جيش الاحتلال على أراضٍ واسعة استولى عليها الجيش الإسرائيلي على طول الحدود بين الضفة الغربية والأردن إلى محميات طبيعية، بحيث يتم إخلاء 60 معسكراً متروكاً لجيش الاحتلال في الغور والتي أقيمت في فترة ( المطاردة ) والتى تطلق على عمليات التسلل التي جرت للفدائيين الفلسطينيين بعد احتلال العام 1967 مابين الضفة والأردن وأنه سيتم تسليم أكثر من 20 موقعاً من بين المعسكرات ال 60 إلى ما تسمى سلطة الطبيعة والحدائق الإسرائيلية لتحويلها إلى محميات طبيعية بمزاعم حماية حيوانات بينها خفافيش نادرة.
وفي 14.مايو. 2012 كشفت صحيفة " كلكلست " الملحق الاقتصادي لصحيفة يديعوت أحرونوت العبرية أن حكومة إسرائيل تفكر في إعادة إحياء مشروع إقامة منطقة صناعية مشتركة بين إسرائيل والأردن والمسمى ( بوابة الأردن ) والمبرم منذ العام 1997.
وذكرت الصحيفة أنه بعد 18 عاماً من اتفاق التسوية مع الأردن يتوقع أن تقوم الحكومة بإقرار المنطقة الصناعية المشتركة مع المملكة الأردنية من جديد، وأن اللجنة الوزارية برئاسة عضو الكنيست " سيلفان شالوم " ستجتمع لمطالبة الحكومة بالتوقيع على قرار إنشاء المشروع، حيث ذكر شالوم " أن المقصود بالمشروع تعاون حقيقي يوصل بين إسرائيل والعالم العربي سيكون له مردود اقتصادي جيد على الجانبين " .
هذا فيما صرح إيهود باراك وزير الحرب الإسرائيلي " أن بين نهر الأردن والبحر المتوسط ستكون دولة إسرائيل فقط " موضحاً أنه يهمه مستقبل الاستيطان وقال يجب مراجعة مصنع الاستيطان في ال 45 عاماً الماضية ومن يهمه أمر الاتفاق النهائي فإننا نستطيع أن نعيد 80% أو 90% من المستوطنين في الضفة الغربية لداخل إسرائيل ووضعهم في الكتل الاستيطانية التي سيعترف بها العالم، وإن لم نفعل ذلك سنضر مكانة إسرائيل في العالم" .
وفي يناير 2013 نقلت صحيفة معاريف خبراً مفاده أنه للمرة الأولى منذ توقيع اتفاقية السلام مع الأردن عام 1994 تقرر في الجيش الإسرائيلي توسيع عرض السياج الحدودي مع الأردن هذا بالإضافة إلى وضع عوائق هندسية، وآلات تصوير ووسائل رصد وجمع معلومات لمنع أي محاولات لاجتياز الحدود.
وفي بداية يناير 2014 كتب ياريف اوفنهايمر صحفي في جريدة هآرتس مقالاً بعنوان ( الحقيقة وراء الغور ) يقول فيه : " ما عدد الإسرائيليين الذين يعيشون اليوم في غور الأردن في الحقيقة ؟ هل مئات الآلاف ؟ هل عشرات الآلاف ؟ لا. فعلى حسب معطيات المكتب المركزي للإحصاء للعام 2012 يعيش في غور الأردن 6042 إسرائيلياً أي أقل من عدد الجمهور في إستاد تيدي ".
ويكمل " أنه ليس لاستيطان بهذا الكبر أي معنى أمني بالنسبة لمستقبل دولة إسرائيل وكل الكلام على خط البلدات في الغور الذي يحمي حدود دولة إسرائيل الشرقية ليس أكثر من دعاية سياسية يمينية مقطوعة عن الواقع غايتها كلها إفشال احتمال حل الدولتين ".
أمام الأطماع الإسرائيلية في الأغوار، والإدراك الفلسطيني لمدى أهميتها استراتيجياً للدولة الفلسطينية تحولت المفاوضات الجارية برعاية جون كيري وزير الخارجية الأمريكي إلى حالة أكثر سخونة، ورغم تقديمه عدة اقتراحات للخروج من تلك النقطة إلا أنه لم يوفق، فقد كانت مقترحاته تبحث في حلول مؤقتة تتحدث عن بقاء الإسرائيليين في المنطقة عشر سنوات مع تخفيض عددها على فترات، وزرع أجهزة دفاعية وأجهزة إنذار مبكر، كذلك كان المقترح المطروح هو إدارة مشتركة للمعابر.
موشيه يعلون صرح أن " إسرائيل لن ترهن أمنها لأي جهة أجنبية، الجيش لا يمكنه التنازل عن حرية الحركة في مدن الضفة الغربية لأن من شأن ذلك تعزيز وجود قوى معادية".
وصائب عريقات تحدث للشرق الأوسط " بعد قيام الدولة لن نقبل وجود جندي إسرائيلي واحد في الضفة وفي الأغوار، لا براً، ولا جواً، ولا على المعابر هذا فيما تعالت أصوات من الجانبين ترفض الحلول الوسط الذي يقترحها جون كيري، الفلسطينيون يعتقدون جازمين، أن إسرائيل ترفض الانسحاب متذرعة بالأمن، وهي بذلك تحاول التأثير في الأمريكان في حين الإسرائيلون في نفس الوقت يهاجمون الأمريكان ويرفضون نشر قوات دولية حتى أمريكية بدون محاصصة منها مدعية أنها تعي جيداً الوضع في الشرق الأوسط وتحاول أن تجعل كيري يتبنى موقفها بالبقاء في الأغوار.
وفي خطوة إسرائيلية كما هي عادتها نظم وزراء وأعضاء كنيست جولة من مجمع مستوطنات غوش عتصيون إلى البحر الميت، لشق طريق يربط المستوطنات مع البحر، وتجولوا على طول مخطط الشارع الذي سيمر بالأراضي الفلسطينية والتي يتم التفاوض عليها تحت مبرر أن الشارع يمر في منطقة ( C ) الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية.
وحسب المخطط الذي سيعمل بدءاً من فبراير 2014 قدروا أنه يحتاج هذا عام ونصف العام لإنجازه، وبتكلفة تصل إلى 35 مليون شيكل، وقد صرح رئيس المجلس الاستيطاني غوش عتصيون ( دافيدي بيرل ) قائلاً " إن شق الشارع هو حلم تحقق، وبمثابة حدث تاريخي للاستيطان ويشجع السياحة إلى المستوطنات والبحر الميت.
وقد كان ضمن الوفد المشار إليه وزيري المواصلات والزراعة يسرائيل كاتس ويائير شامير، و أفيغدور ليبرمان رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي.
أتبعت إسرائيل ذلك بخطوة أخرى في 28. ديسمبر. 2013 فبعد أن تقدمت النائبة عن حزب الليكود في البرلمان الإسرائيلي ( ميري ريغيف ) بمشروع قرار لضم منطقة غور الأردن إلى إسرائيل، صادقت لجنة التشريع في الكنيست على مشروع القرار، مما يعني أنه سيتم طرحه أمام الكنيست للتصويت عليه.
وقد وقع على مشروع القانون 18 عضو بالكنيست من أحزاب الائتلاف الحكومي ومن المعارضة أيضاً، وقد جاء طرح هذا المشروع رداً على خطة كيري التي تضع ترتيبات أمنية لمنطقة الغور تنقل بعضها للسيادة الفلسطينية بعد سنوات يتم الاتفاق عليها.
هذا في حين صرح نتنياهو وبعض قادة إسرائيل برفضهم لتمرير هذا القانون، وذلك حتى لا تنزعج الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، هي محاولة لذر الرماد في العيون فقد عبر نتنياهو في أكثر من موقف عن رغبته في السيطرة على الأغوار، وهو يحاول مع القادة في إسرائيل إلباس تلك الرغبة الشرعية القانونية.
وفي معرض تعليقها على القرار صرحت النائبة في الكنيست ميري ريغيف : " أن الهدف من إقتراح القانون سياسي وأمني فقط لأن مستوطنات غور الأردن تشكل خط دفاع أمني استراتيجي للحدود الشرقية الطويلة لدولة إسرائيل ".
ردود الفعل على مشروع القانون
نددت حركة فتح بقانون ضم مستوطنات الأغوار في الضفة الغربية وقالت : " إن مشروع القانون باطل ولاغي وجريمة ضد الإنسانية ويهدف لإفشال الجهود الدولية المبذولة لتحقيق تسوية عادلة وشاملة ودائمة في المنطقة ".
بينما استنكرت حماس القرار وعدته " عدواناً سافراً وشكلاً من أشكال العدوان الإسرائيلي يستدعي مقاومته والتصدي له والعمل على إفشاله بكل الطرق "، هذا فيما استنكرت باقي فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، والفصائل خارجها مشروع القانون، وعدته استغلال للوضع العربي، وللمفاوض الفلسطيني، ودعت جميعها للتصدي للمشروع الذي يخنق الدولة الفلسطينية المستقبلية.
كما ردت السلطة الوطنية الفلسطينية بعقد اجتماعها الأسبوعي في الأغوار، وخصصت ميزانية مالية لدعم صمود الفلسطينيين هناك.
فيما علق البروفيسور بجامعة النجاح إبراهيم أبو جابر ومدير مركز الدراسات المعاصرة بقوله : " الكنيست الحالي من أكثر الدورات تطرفاً وعنصرية واستيطان وأقرت من خلاله قوانين مصيرية في مقدمتها مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك الذي بحث تقسيمه مكانياً وزمانياً بين اليهود المتطرفين وأصحاب المكان " وتابع يقول " إن مشروع القانون الجديد المتعلق بضم كافة مستوطنات غور الأردن والطرق المؤدية لها إلى إسرائيل، الخطير فيه هو طرحه أثناء مفاوضات سياسية مع الجانب الفلسطيني، حيث تسن قوانين قاتلة للفلسطينيين، وستضع حد للتطلعات الفلسطينية ".
أما النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي جمال زحالقة فيقول : " كل يوم نسمع قانوناً جديداً لنواب من اليمين، وذلك بهدف جعل موقف اليمين الإسرائيلي من التسوية قانوناً وليس موضوعاً للنقاش السياسي، وأن النواب الذين يطرحون مثل تلك القوانين يسعون لكسب شعبية في الشارع الإسرائيلي من خلال هذه المواقف المتطرفة، فالتطرف الإسرائيلي موجود، والفرق هو شكل هذا التطرف وطرق التعبير عنه فالكل يتبنى هذه الأفكار والاختلاف فقط في كيفية إظهارها ".
هذا فيما أشار الكاتب الإسرائيلي في صحيفة هآرتس ( ياريف أوفنها يمر ) في مقالته الحقيقة وراء الأغوار إلى " أنه ليس أمن إسرائيل هو الذي يهم ميري ريغيف وجدعون ساعر ورفاقهما بل أمن المستوطنات كلها، ويعلم اليمينيون أنه لن ينشأ اتفاق سلام مع الفلسطينيين من غير خروج من الغور لهذا يجندون في غوغائية الغور بصفته ورقة لعب سياسية في محاولة لتعويق اتفاق وهم يعلمون أيضاً أن الغور خال وقيمته الأمنية في الواقع الحالي غير مهمة فعدد المستوطنين قليل وأكثرهم سيوافقون على الجلاء مقابل اتفاق ".
إن ما يتحدث عنه الكاتب الإسرائيلي تدعمها وثيقة صادرة في سبتمبر 2011 عن " المجلس الإسرائيلي للسلام والأمن " والذي يضم مجموعة خبراء في مجال الأمن القومي من كبار الجنرالات السابقين في الجيش الإسرائيلي والوثيقة تدحض الحاجة الإسرائيلية لحدود قابلة للدفاع عنها وبالتالي السيطرة الإسرائيلية على منطقة غور الأردن حيث روج لتلك الحاجة في مشروع آلون عام 1967 متذرعاً بغياب العمق الاستراتيجي حيث تشير الوثيقة إلى أن هناك تغيرات في الميزان الاستراتيجي في الشرق الأوسط أدى إلى اختفاء التهديد بالهجوم البري معدداً الأسباب التالية :
1- التغيرات على النظام العالمي وفقدان العرب قوة عظمى داعمة كان يمثلها ( الاتحاد السوفيتي ) سابقاً .
2- انهيار فكرة الوحدة العربية، وانعدام فرص قيام تحالف عربي.
3- توقيع إسرائيل معاهدتي سلام مع دولتين عربيتين ( مصر والأردن ) أدتا لإخراجهما من دائرة الحرب والمواجهة.
4- إقرار العرب جميعاً في المبادرة العربية 2002 بانعدام إمكانية تحقيق أهدافها إزاء إسرائيل بالطرق غير السياسية.
5- تعرض العراق كعنصر مركزي على الجبهة الشرقية لإسرائيل لسحق قواته العسكرية واحتياجه لأعوام طويلة من أجل إعادة بناء قوة عسكرية مؤثرة هذا إذا نجح في الحفاظ على وحدته.
وتضع الوثيقة تصوراً للتهديدات العسكرية المحتملة في الحاضر والمستقبل المنظور لإسرائيل في مجالين رئيسيين وهما :
1- مواجهة في مجال حرب العصابات ( الإرهاب ) كما أسموها أي لن يكون هناك حرب كلاسيكية بالمعنى المتعارف عليه وهنا تظهر حقيقة التفوق الكمي والتكنولوجي للدولة العبرية.
2- خوض حرب بأسلحة إستراتيجية ولا سيما الصواريخ الباليستية، وأسلحة الدمار الشامل وتعتبر إسرائيل كما يرى خصومها دولة ذات قدرة نووية عسكرية وقدرات صاروخية متطورة.
ووفق الوثيقة لاتشكل منطقتا غور الأردن وغربي الضفة رداً واقعياً على التهديدين الرئيسيين الجديدين، فمدى الصواريخ يتيح إمكان تغطية كامل مساحة دولة إسرائيل بتهديد صاروخي مكثف دون الحاجة إلى نشر قاذفات أو منصات إطلاق غربي نهر الأردن.
لذا فزحزحة حدود إسرائيل لا تشكل حلاً حتى لو كان الحديث يدور على مشكلات موضعية مثل حماية مطار ( بن غوريون ) في اللد فهذا المطار معرض لخطر نوعين من التهديدات أولهما الصواريخ الباليستية والصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى، والتي تعتبر مسألة الحدود ليست ذات صلة حيالها كما أنها ليست ذات صلة لأي هدف أو موقع آخر في إسرائيل، وثانيهما تهديد الصواريخ الموجهة التي بالإمكان أن تصيب الطائرات أثناء الهبوط أو الإقلاع، وهنا أيضاً لا تعتبر مسألة الحدود ذات صلة.
لذلك خلصت الوثيقة للتالي :
1- استخدام مصطلح عمق استراتيجي فيما يتعلق بالأغوار أو غربي الضفة هو ضرب من السخرية، فإسرائيل لا تملك عمقاً استراتيجياً سواء مع غور الأردن أو بدونه لذلك ثمة حاجة لحلول أخرى.
2- إذا كان الهدف من السيطرة على غور الأردن ضمان وجود رد عسكري على هجوم بري فأي قوة عسكرية منتشرة هناك ستعاني من ضعف طوبوغرافي وستكون عرضة للنيران من الشرق والغرب.
3- القوة العسكرية التي ستتواجد في غور الأردن ستكون محدودة حجماً ومعرضة لخط دائم بالمحاصرة لذلك لا غور الأردن ولا غربي الضفة تشكلان حلاً للتهديدات المتوقعة بعد التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين.
4- لذلك تدعو الوثيقة إلى اتفاق دائم مع الفلسطينيين ضمن ترتيبات أمنية أكثر ملائمة من الفائدة الهزيلة من استمرار السيطرة على غور الأردن وغربي الضفة الغربية.
5- كما أن التوصل لاتفاق دائم مع الفلسطينيين يحسن مكانة إسرائيل في الساحة الدولية ومع الولايات المتحدة، وهذا يساعد إسرائيل في تطوير قدراتها العسكرية لمواجهة السيناريوهات الأكثر خطورة، وإعطاءها حرية أكبر في استخدام القوة ضد تهديدات يمكن تحققها بعد التوقيع على الاتفاق الدائم.
وقد نبه المعدين للوثيقة أن ما جاء فيها يسحب الذريعة الأمنية من تحت قدمي نتنياهو، ويكشف أن سبب عدم توصله لتسوية يعود إلى موقفه الأيديولوجي وإلى سياسة حزبه وحكومته.
الموقف الأردني من الأغوار
في 1988.7.31 أعلن الأردن قراره بفك الارتباط الإداري والقانوني مع الضفة الغربية دون أن يشمل ذلك القدس والأماكن المقدسة، وحسب خطاب الملك حسين وقتها الذي وجهه للشعب الأردني برر القرار بالتجاوب مع رغبة منظمة التحرير الفلسطينية في إقامة الدولة الفلسطينية التي أعلن عنها فيما بعد في الجزائر بتاريخ 1988.11.15، وحسب قوله أن الأردن أمام خيارين أحلاهما مر فالخيار الأول ( الإبقاء على حالة الارتباط ) سيترك المجال لضغط إسرائيلي ودولي وخصوصاً الأمريكي للدخول في تسوية بديلاً عن الفلسطينيين وبالذات أن السياسة الأمريكية في المنطقة هي سياسة إدارة أزمات دون امتلاك أي إستراتيجية شرق أوسطية سوى دعم إسرائيل وبذلك يمكن التصادم مع منظمة التحرير، والخيار الثاني ( فك الارتباط ) وإن أضعف الأردن ديمغرافياً إلا أنه يوصد الأبواب في وجه توريط الأردن في تسويات بدلاً من الفلسطينيين ويؤسس لعلاقة أردنية فلسطينية متكافئة، وهو يتماثل مع التوجه العربي الذي لم يعترف رسمياً بوحدة الضفتين منذ العام 1950 كما يستبعد أن يطرح الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين.
في العام 1992 طرح مشروع الكونفيدرالية مع الأردن بقوة أثناء سير المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية خصوصاً في اصطدام اللجان المتعددة الأطراف بالملفات الكبرى الخمس وهي ( القدس ، والحدود، واللاجئين، والمياه، والمستوطنات ) وكان الطرح وقتها سببه إيجاد عامل ربط ثنائي لحل القضية الفلسطينية تكون الأردن فيه جزءاً من الحل بحيث أن موضوعات مثل القدس والحدود والتوجه الفلسطيني نحو الأردن سيعطي إسرائيل هامش أوسع للإبقاء على المستوطنات، وهو بالنسبة إليها ما يحافظ على يهودية إسرائيل بضم المستوطنات الكبرى.
هذا التصور الاستراتيجي الإسرائيلي شكل فيما بعد أساساً لعدد من الخطط الإسرائيلية تجاه الأردن.
في 1994.10.2 وقعت الأردن مع إسرائيل اتفاقية وادي عربة وكان جلياً في الاتفاقية طغيان التكامل الإقليمي، وأن المطلوب ليس فقط عملية سلام بل إلغاء كامل لحالة العداء وهو ما بينه التزام الأردن بالتعاون ضد أي طرف ثالث معاد للكيان الصهيوني.
وبموجب الاتفاقية أعطت إسرائيل الأردن مكانة في إدارة الأماكن المقدسة في القدس وبذلك كرست نفسها كمرجعية للأردن والسلطة الوطنية الفلسطينية وأصبحت تنظر لنفسها أنها صاحبة الصلاحية في إقرار الوضع النهائي لمدينة القدس في حين اعتبرت قيادة م.ت.ف أن إسرائيل تسعى لخلق معركة سياسية ورأت أن إسرائيل خدعتها وانتهكت اتفاق أوسلو الذي ينص على بحث قضية القدس في مفاوضات الحل النهائي.
لم تخدم الاتفاقية الأردن في الوصول لحالة رخاء اقتصادي، وفي الاتجاه الآخر تعثرت المفاوضات الفلسطينية مع إسرائيل، مع صعود اليمين الإسرائيلي الذي تعامل بخفة مع الأردن، وهو ما دفع مدير مركز بيغن للدارسات الإستراتيجية في دراسة له بعنوان صعود وهبوط نموذج حل الدولتين مطلع العام 2009 ليقول " إن الطريقة الأنجع لمجابهة طابع الحركة الوطنية الفلسطينية لا تكمن في إعطاء هذه الحركة مكانة دولة، وإنما في إعادة توجيه قطاع غزة نحو مصر، وإحياء العلاقة بين الضفة الغربية والضفة الشرقية ( الأردن ) وسوف يكون أسهل لمصر والأردن زيادة تدخلهما إذا ما جرى تحت مظلة دبلوماسية دولية ويمكن تبرير ذلك بالقول أن مصر والأردن ستلعبان دوراً مؤقتاً ريثما يكون الفلسطينيين جاهزين لإقامة دولة خاصة بهم.
في 2012.11.29 نالت فلسطين عضوية دولة مراقب في الأمم المتحدة من الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وقد عارضت إسرائيل والولايات المتحدة القرار الأممي في حين كان الملك عبد الله الثاني ملك الأردن أول الزائرين والمهنئين لدولة فلسطين .
و في 2012.12.28 نقل موقع ديبكا الإسرائيلي المقرب من الاستخبارات الإسرائيلية خبرا عن لقاء قبل أيام بين رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، والملك عبد الله ملك الأردن بنية الاستماع مباشرة من الملك لكل ما يتعلق بنواياه حول إقامة اتحاد كونفيدرالي واستعداد الأردن لتحمل مسئولية الرقابة العسكرية والإستخبارية في الضفة الغربية، وكيفية ملائمة النوايا الأردنية مع احتياجات إسرائيل بعد التوصل لاتفاق مرحلي فلسطيني وإسرائيلي.
بعدها بشهر استقبل الملك عبد الله رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل وعضوي المكتب محمد نصر، ومحمد نزال، وتحدث مشعل عن أن قيام دولة فلسطين وحده يحدد العلاقة ذات الخصوصية التي تخدم مصلحة الأردن، ومصلحة فلسطين وعبر عن رفضه لطروحات الوطن البديل.
في حين تحدث الملك عبد الله عن جهوده في عملية السلام وإطلاق المفاوضات لإخراج عملية السلام من دائرة الجمود، ووضع إطار زمني واضح لإحراز حل الدولتين.
هذا في حين أشارت أوساط دبلوماسية، أن مستقبل العلاقة بين دولة فلسطين والأردن سيبدأ يوم 2013.3.21 أي بعد أن يصبح قرار الجمعية العمومية نافذاً بموجب نظام الأمم المتحدة، وأنه بناء على ذلك ستجهز تقارير إستراتيجية مفصلة حول أفضل الطرق لقيادة مفاوضات محتملة مع الأردن لتحديد طبيعة العلاقة بينهما، والقضايا التي تهم الطرفين.
وفي 2013.3.31 وقعت في العاصمة عمان اتفاقية بين الملك عبد الله الثاني والرئيس محمود عباس تلخصت في دور الملك في الحفاظ على المقدسات وحمايتها أسوة بالسابقين من عائلته، بينما لحكومة دولة فلسطين باعتبارها المجسدة لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ممارسة السيادة على جميع أجزاء إقليمها بما في ذلك القدس.
قيل الكثير في هذه الاتفاقية بإنها تمهد لحل فدرالي بين الضفتين، و أن ذكر السيادة الفلسطينية على القدس كان المقصود منه التمهيد لحل الدولتين قبل أن يتم الحديث عن أي علاقة لاحقة بين الجانبين الفلسطيني والأردني .
مع تفجر قضية غور الأردن ومحاولات إسرائيل المعروفة بضمه والتذرع بالأمن وما طرح من حلول حول سيادة إسرائيلية على غور الأردن صرح وزير الخارجية وشئون المغتربين الأردني ( ناصر جودة ) أن بلاده ترفض أية سيادة إسرائيلية على غور الأردن، وأن الأردن لن يقبل بأي حل لا ينسجم مع مصالحه، ولن نوافق على أي ترتيب لا يوافق عليه الفلسطينيون، ويحول دون ممارسة سيادة الفلسطينيين على أراضيهم، مؤكداً ثبات الموقف الأردني بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة والمتواصلة جغرافياً على التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس الشرقية وذات سيادة كاملة على أراضيها مركزاً في حديثه أن الحدود بين الأردن على الجانب الغربي ستكون مع دولة فلسطين، كما أكد أن الأردن كانت المحطة الأولى في زيارات جون كيري والأردن ليس غائباً عن المفاوضات الفلسطينية والإسرائيلية.
هذا فيما صرح د. صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين، أن هناك تنسيق عالي المستوى بين القيادة الفلسطينية والأردن، وأن الأردن صاحب مصلحة في الحدود والأمن واللاجئين والقدس والمياه، وبالتالي هناك قنوات تنسيق على مستوى الملك عبد الله الثاني والرئيس أبو مازن بحيث لا تقدم لنا ورقة أو نقدم ورقة حول كل القضايا إلا بالتشاور مع الأشقاء في الأردن وفي مصر وأيضاً مع لجنة المتابعة العربية للسلام مستنكراً ما يتم الحديث عنه في الإعلام عن اتفاقيات سرية من خلف الأردن.
فيما ألمحت بعض المصادر أن الجانب الفلسطيني يدرس الموافقة على مرابطة قوات أردنية وأمريكية وإسرائيلية على الحدود الشرقية لدولة فلسطين مع وجود تمثيل فلسطيني بصفة مراقب على تلك الحدود للخروج من أزمة إصرار إسرائيل على السيطرة على منطقة الأغوار الفلسطينية بحجة الأمن.
وقدأعلن كيري بعد جولته العاشرة أن خطة السلام ستكون عادلة ومتوازنة للجانبين وهذا ما يضمنه لكل الأطراف، وأنه والرئيس الأمريكي أوباما ملتزمان بتقديم أفكار عادلة ومتوازنة للجميع.
صحيفة القدس العربي الصادرة في لندن أشارت في 2013.12.25 أن طاقم الديوان الملكي الأردني بقيادة فايز الطراونة يدرس مرحلة وصفتها في غاية التعقيد والارتباك ( إذ يلمح إلي قرب جلوس الأردن على طاولة مفاوضات التسوية النهائية )، وقد أشارت الصحيفة إلى حديث وزير الاتصال والإعلام الأردني ( محمد المومني ) " عن وجود بلاده في غرفة المفاوضات دون الجلوس على طاولة الفرقاء حرصاً على استقلالية المفاوض الفلسطيني "، كذلك التصريح الذي ألقاه رئيس الوزراء الأردني عبد الله النسور نهاية نوفمبر. 2013 حيث قال " ما يعرفه الإسرائيلي والفلسطيني في الغرف المغلقة مع الوزير الأمريكي جون كيري يعرفه تماماً الأردني ".
في 2 يناير. 2013 نشر موقع ديبكا الإسرائيلي تسعة نقاط هي خطة كيري بعد تعديلها والتي من المقرر مناقشتها، وجاء في النقطة السادسة منها بخصوص الأغوار ما يلي " إخلاء كافة المستوطنين من منطقة الأغوار وتواجد جنود أمريكيين على طول الحدود مع الأردن، ومن ثم إنشاء معابر حدودية بين الأردن وفلسطين يكون فيها تواجد أمني أمريكي وأنه لن يكون هناك تواجد أمني أمريكي في أراضي الدولة الفلسطينية.
في نفس اليوم صرح رئيس الوزراء الأردني ( عبد الله النسور ) بأن قرار الأردن واضح ولا لبس فيه بأن كامل أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة هي أراضي فلسطينية تحت الاحتلال وأي ممارسات وإجراءات يمكن أن تقوض حل الدولتين ستعرض عملية السلام برمتها إلى الخطر، في حين أبدى البعض خشيتهم من مفاوضات سرية بين إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية بعد تردد أنباء غير مؤكدة عن قنوات سرية بين الرئيس عباس ونتنياهو قد تكون على حساب الأردن، وهو ما نفاه الفلسطينيون وتعارض مع التصريحات السابقة للمسئولين الأردنيين المطلعين على كل ما يجري.
وفي الوقت الذي سرت فيه تلك الشائعات كان وزير الداخلية الإسرائيلي ( جدعون ساعر ) وعشرات من أعضاء الكنيست الإسرائيلي يضعون حجر الأساس لحي استيطاني جديد في مستوطنة (جيتيت) في غور الأردن، وقد صرح ساعر أن الأغوار ستبقى العمق الاستراتيجي لإسرائيل، أما نائب وزير الخارجية الإسرائيلي ( زيئف ألكين ) فقد صرح أن وضع حجر الأساس في اليوم الذي يصل فيه وزير الخارجية الأمريكي هو توقيت مثالي، في حين طالب رئيس المجلس الإقليمي الاستيطاني في الأغوار ( دافيد الحيين ) الحكومة الإسرائيلية بالعمل على ضم الأغوار لإسرائيل مؤكداً أن لا يوجد لنتنياهو " ائتلاف سلام ".
في منتصف يناير نشر الصحفي والمؤرخ الإسرائيلي لشئون الشرق الأوسط ( غي بخور ) مقالاً افتتاحيا في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية بعنوان الخطة ( ب) " تنبأ فيها أن مفاوضة الفلسطينيين مآلها الفشل، وأن المفاوضة سذاجة أمريكية، وبرأيه السلطة أخطر من السلفيين في المنطقة، وأن كل ما تسعى إليه هو إنهاء إسرائيل، ويرى الكاتب أنه قد جاء الوقت لإعداد وصوغ الخطة ( ب ) أي الأردن بعد أن أصبحت الخطة ( أ ) غير ممكنة " ويقول : كما اضطرت مصر للعودة إلى قطاع غزة وقضاياه يتوقع أن يحدث هذا مع الأردن في حين كتب ( رؤوف باركو ) من كتاب الفكر اليميني في إسرائيلي وأحد المستشرقين في صحيفة إسرائيل اليوم يقول " يجب أن يؤخذ في الحسبان خطر تسليم المسئولية عن حدود الأردن ومعابره إلى الفلسطينيين فهذه الخطوة ستعرض الأردن الذي أكثر سكانه فلسطينيون لتهديد انقلاب فلسطيني في المستقبل ويدحض الكاتب فكرة عدم وجود تهديد عراقي أو سوري بالتذرع بما أسماهم ( سواح الجهاد ) الذين يتدفقون على مراكز المواجهة في المنطقة، مدعياً عدم حماسة الأردن لتسليم الحدود للفلسطينيين وأن ذلك من شأنه الإضرار بالأمن المشترك بين إسرائيل والأردن.
نفس الكاتب قال على صفحات يديعوت أحرنوت الإسرائيلية في 15.7.2010 "حان وقت أن ننعش الماضي غير البعيد فمنذ الآن يجب على إسرائيل في كل تفاوض أن تطلب أن تكون الضفة الشرقية أيضاً جزءاً من الحل ولا يهم أيكون اتحاد فيدرالي بين الضفتين أو كونفدرالي أو اتفاقات تعاون، فإسرائيل الصغيرة المكتظة لن تستطيع أن توافق على أن يكون الحل على حسابها، وفي موضع آخر يقول: "مكانة إسرائيل كما يرى الملك في مقابلة صحافية هي مكانة كوريا الشمالية وتنبغي عقوبتها، وكأنما نسي وجود اتفاق بين الدولتين وفي هذا الإطار تطلب الأردن في كل مكان إنشاء دولة فلسطينية وكأن هذا يأتي لعقاب إسرائيل لذلك حان وقت أن نذكرّها ونذّكر قادة إسرائيل، والعالم كله بأن للأردن جزءاً من المشكلة الفلسطينية أكبر وأعمق وأكثر تاريخية من جزء إسرائيل".
إن الموقف الأردني المعلن حتى تاريخه لا يزال يرفض المواقف الإسرائيلية المتطرفة التي تتحدث عن الأردن هو فلسطين، وكذلك يؤيد الدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة والقطاع، ويرفض أن تكون هناك دولة حاجزة بين فلسطين والأردن، في حين يرى البعض أنه قد يوافق على ترتيبات أمنية في الأغوار يكون الأردن جزء منها.
الأراضي المحتلة عام 1967 والقانون الدولي
بعد احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1967 صدر قرار 242 الذي يطالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي أُحتلت في النزاع الأخير (ويقصد هنا حرب حزيران) وقد جاء القرار 338 ليعزز نفس فكرة الانسحاب الذي لم تقبله إسرائيل، وادعت أن القرار يتحدث عن أراضٍ وليس الأراضي التي فهمها الجميع كل الأراضي التي تم احتلالها في حرب العام 1967.
وبتاريخ 5. 1. 1988 وافق مجلس الأمن بالإجماع على القرار (607) الذي يدين سياسة الإبعاد، وأكد مرة أخرى على أن معاهدة جنيف بشأن المدنيين في زمن الحرب (والصادرة بتاريخ 12. 8. 1949 تسري على فلسطين والمناطق العربية الأخرى التي تحتلها إسرائيل منذ سنة 1967 بما فيها القدس.
وكان قبلها وزارة الخارجية الأمريكية في مقدمة تقريرها الصادر عام 1987 قد أكدت التالي : "أن الولايات المتحدة تعترف بأن إسرائيل قوة احتلال وعليه فإنها تعتبر إدارتها تخضع لإحكام لاهاي لسنة 1907 ولمعاهدة جنيف الرابعة لسنة 1949 بشأن حماية السكان المدنيين في ظل الاحتلال العسكري".
فماذا فعلت إسرائيل لتشرع احتلالها؟ لقد مرت إسرائيل بأربعة مراحل للسيطرة على المناطق وهي:
1- اعترفت أولاً بوضعها كقوة احتلال (رغم بأن الحرب فرضت عليها حسب زعمها) وكانت تصريحاتها أن الاحتلال سيستمر إلى أن تتم تسوية نهائية يجري بمقتضاها مبادلة الأرض بالسلام.
2- أعلنت بعدها أن المناطق ذات الأهمية الإستراتيجية لدفاعها ستصادر من أجل إقامة مستوطنات تخدم أمنها، مواصلة ادعاءها الاستعداد لمبادلة الأرض بالسلام.
3- ثم تطورت تطوراً مفاجئاً بعد صعود الليكود بتصريحاتها أنها صاحبة الحق في الأراضي المحتلة، بل أنها صاحبة حق إلهي فيها ولا مجال لمصادرة ما هو حق ديني لإسرائيل.
4- صادرت الأراضي الأميرية ومنحتها للمستوطنين اليهود، وصار اصطلاح الضفة الغربية (مرادفاً للخيانة) وأصبح الاسم الجديد هو (يهودا والسامرة) وصارت الأراضي مدارة، لا محتلة وبذلك أعطوا أنفسهم الشرعية لتملكها في حين أن الفلسطيني مجرد محتل لأرض الغير.
إن المادة (55) من أحكام لاهاي تنص على أن الدولة المحتلة تعتبر منتفعة ومديرة للأملاك الحكومية، لذلك عليها أن تحافظ على قيمة الأملاك وأن تديرها طبقاً لقواعد الانتفاع، ويمكن للمنتفع أن ينتفع باستخدام الأملاك ولكن ليس له أن يفسد جوهرها أو يغير طبيعتها.
لذلك لجأت إسرائيل منذ بداية الاحتلال في 5. 6. 1967 وحتى 3. 12. 1987 إلى إصدار الأوامر العسكرية بوصفها أداة قانونية، وللالتفاف على القانون الدولي نجد أن الأمر (1213) اعتبر المستوطنين جزءاً من الأهالي المحليين مع احتفاظهم بوضعهم الخاص فيما يتعلق بالحقوق المدنية الإسرائيلية.
وبذلك كانوا يمهدون للضم الفعلي للضفة الغربية، والفصل الإداري والقانوني بين اليهود والفلسطينيين، وبذلك سهلت الأوامر العسكرية والاستيطان اليهودي بتخصيص مساحات واسعة للمستوطنين للاستعمال المطلق واستمروا سنوات في إحكام الرابطة بين مستوطني الضفة وإسرائيل، وأعفوهم من تطبيق قانون الضفة عليهم، ونظموا إدارة المستوطنات اليهودية لتتوافق مع أنظمة الإدارة المحلية في إسرائيل، وأعادوا تنظيم الحكم العسكري من خلال تعديل قوانين الضرائب وإدخال ضريبة القيمة المضافة ليسيطروا على الأموال الداخلة للضفة الغربية وبذلك عادت الفوائد للمحتل نتيجة احتلاله اقتصادياً على إسرائيل وهذا ما أشار له الرئيس أبو مازن بأن إسرائيل حصدت من الأغوار 620 مليون دولار سنوياً وهو الدافع الذي يجعلها تتمسك بالأغوار تحت حجة الأمن.
لقد تلاعبت إسرائيل بوضعها القانوني في الضفة الغربية، وعدلت القانون الأردني الساري هناك بالأوامر العسكرية التي لها قوة القانون بحيث منحت سلطة عسكرية عينها قائد المنطقة جميع الصلاحيات والامتيازات، بل أُضيفت مواد خولت قائد المنطقة صلاحية استخدام القوة للسيطرة على الأرض وإجلاء مالكيها.
من هنا وجب أن نعرف أن الأغوار يجب أن تكون جزءاً من دولة فلسطين في اى حل سياسي رغم كل المبررات التي تسوقها إسرائيل لأنها الرئة الفلسطينية على العالم الخارجى كما أن اقتصاد فلسطين يعتمد اعتماداً كبيراً على سلة الأغوار الغذائية فمعضلة الأمن التي تتحدث بها إسرائيل مردود عليها من نفس إسرائيل كما بينت الدراسة، إضافة إلى أن القانون الدولي يقف في صف الفلسطينيين، أما فائض القوة التي من خلالها تريد إسرائيل فرض رؤيتها فلن تجلب سلاماً دائماً أو عادلاً ولا يمكن أن تقوم دولة فلسطينية لها مستقبل حسب الرؤية الإسرائيلية.


* مركز عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إسرائيلية ضد إيران في أصفهان.. جيمس كلابر: سلم التصعيد


.. واشنطن تسقط بالفيتو مشروع قرار بمجلس الأمن لمنح فلسطين صفة ا




.. قصف أصفهان بمثابة رسالة إسرائيلية على قدرة الجيش على ضرب منا


.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير تعليقا على ما تعرضت له




.. فلسطيني: إسرائيل لم تترك بشرا أو حيوانا أو طيرا في غزة