الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على ميزان القيمة الإنسانية

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2014 / 2 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا يوجد ميزان لقيمة الإنسان. قيمة الإنسان واحدة ومتساوية بالكامل دون أي زيادة أو نقصان، دائماً وأبداً وفي المطلق. الإنسان، من حيث القيمة الذاتية، ثبات لا يتغير مهما تغيرت أحواله أو قيمه الأخرى. لم ولا ولن يوجد على الإطلاق شخص في ذاته أكثر قيمة من شخص آخر. القيمة الإنسانية واحدة ومتساوية بالكامل بين جميع البشر دون استثناء. لا موازين ولا مستويات ولا درجات ولا طبقات ولا أفضليات ولا تراتبيات ولا هرميات في القيمة الإنسانية.

صاحب الخلق الرفيع متساوي بالكامل في القيمة الإنسانية مع الوضيع والمنحط؛ صاحب العلم العالي مع الأمي والجاهل؛ صاحب الإنجاز الأكاديمي والمهني المشهود مع البليد والعالة على جهود وأكتاف الآخرين؛ المؤمن مع الكافر؛ الفقيه مع العامي؛ الشريفة مع الزانية؛ الشرطي مع اللص؛ الرئيس مع المرؤوس؛ الحاكم مع المحكوم؛ الملياردير مع المعدم؛ رئيس الجمهورية مع عامل النظافة؛ الملك مع المتسول؛ الرجل مع المرأة؛ والطفل الصغير مع الرجل العجوز. جميع البشر متساوون بالكامل في القيمة الإنسانية الثابتة، مهما باعدت بينهم بعد ذلك متغيرات وفوارق أخرى فردية أو مهنية أو سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو علمية أو ثقافية...الخ.

هل يعقل أن يتساوى العالم بالجاهل، المرأة العفيفة بالعاهرة، الملك بالمتسول، أو القاضي بالحرامي؟! ما الفائدة من الاستقامة والكد والجهد والعرق والتضحية والصبر والإنجاز إذا كان الكل متساوون في النهاية؟! هل يتساوى ’الإصلاح‘ مع ’الإفساد‘ في الأرض؟!

لا شك أن مجموع الناس، بما فيهم حتى المفسدين أنفسهم، يستفيدون من جهود وإنجازات المصلحين، وأن المفسدين في جميع الأحوال يضرون بأفعالهم آخرين ممن لا ذنب لهم. لهذا السبب تحديداً تحرص جماعة الناس على أن ’تكافئ‘ المصلح عن ’فعله‘ وفي الوقت نفسه ’تعاقب‘ المفسد عن ’فعله‘ الضار أيضاً. أي أن موضع ’الثواب‘ و’العقاب‘ في الحالتين ليس الإنسان الفرد في ذاته، لكن الفعل الفردي المختلف في الحالتين، الذي يفيد المجتمع في الأولى ويضر به في الثانية. في قول آخر، ما يوزن على ’الميزان المجتمعي‘ هنا ليس ’القيمة الإنسانية‘ للمصلح أو المفسد، لكن ’مردود‘ الفعل الإنساني على مجموع هؤلاء الناس، إذا كان خيراً أثابوا صاحبه مادياً أو معنوياً وإذا كان شراً عاقبوه، إلى حد اقتياده حتى حبل المشنقة أو إلى غرفة الإعدام رمياً بالرصاص أو الغاز أو الحقنة السامة.

’الفعل‘ الإنساني هو ما يوضع على ميزان القيمة، بينما ’الإنسان‘ نفسه ليس له ميزان.

وفق هذا المنطق، يضمن القانون العام معاملة إنسانية متساوية بالكامل للكافة، سواء المواطنين الصالحين أو المجرمين. وفق القانون، يجب أن يحظى حتى أعتى المجرمين إجراماً بحق آخرين أو المجتمع بنفس المعاملة مثل أي شخص سوي آخر. حين يعاقب القانون مجرماً، هو يعاقبه على ’فعله‘ الإجرامي فقط ولا يوقع عليه عقوبة لكونه إنسان، حتى لو كان إنسان فاسد. وفق هذه الفلسفة القانونية الإنسانية، يجب أن تقتصر العقوبة الجنائية على ’سلب‘ الجاني من حريته الشخصية فقط داخل السجون دون تعريضه لأي عقوبات ’بدنية‘. حتى داخل السجن، يعد التعدي بدنياً بالضرب أو التعذيب على المجرم جريمة يحاسب القانون مرتكبيها. كذلك الشتائم والإهانات اللفظية بحق الموقوفين والمحتجزين والمحبوسين يحظرها القانون ويعاقب الضالعين فيها.

لهذا السبب، يوجد اختلاف شاسع بين فلسفة القانون العام الحالية والفلسفة التي تستند إليها حزمة ’الحدود‘ الجزائية المهجورة. هذه الأخيرة لا تكتفي بوضع ’الفعل‘ الإنساني فقط على ميزان القيمة، إنما تضع فوقها الإنسان نفسه أيضاً. هي تقتص من الإنسان وفعله معاً، ولا تفصل بين الاثنين. ففي حين يسعى القانون العام إلى ردع واتقاء شر الفعل الإجرامي عن طريق ’سلب‘ مرتكبه من حريته بإيداعه السجن لكن مع عدم المساس بشخص المجرم ذاته جسدياً أو معنوياً، نجد أن الحدود الجزائية القديمة مثل جلد ورجم الزاني والزانية، قطع يد السارق، أو قتل وصلب المفسدين أو تقطيع أرجلهم وأيديهم من خلاف...الخ تقوم على إخضاع الإنسان ذاته وليس فعله فقط لميزان القيمة، وعندئذ تصبح كافة أشكال الاعتداء اللفظي والبدني ضده مقبولة ومستساغة ومبررة- أخلاقياً وقيمياً ودينياً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 2 / 4 - 21:46 )
تم التعليق في خانة الفيس بوك , و السبب : سعة مساحة الكتابة .

اخر الافلام

.. رئيس وزراء بريطانيا يعلن عن أكبر حزمة مساعدات عسكرية لأوكران


.. متظاهرون يحتشدون أمام جامعة نيويورك دعما لاعتصام طلابي يتضام




.. الجناح العسكري لحركة حماس يواصل التصعيد ضد الأردن


.. وزير الدفاع الروسي يتوعد بضرب إمدادات الأسلحة الغربية في أوك




.. انتشال جثث 35 شهيدا من المقبرة الجماعية بمستشفى ناصر في خان