الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراع على أوكرانيا

جاك جوزيف أوسي

2014 / 2 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


تُعتبر أوكرانيا أحد أهم البلدان استراتجياً في الصراع الدائر بين القوى العظمى حالياً. فهي تُعتبر بالنسبة لروسيا حجر الأساس في عملية النهوض كي تصبح قوة عظمى على المسرح العالمي، فبدون أوكرانيا ستتحول روسيا إلى دولة أسيوية أكثر فأكثر الأمر الذي قد يؤدي إلى نشوب صراعات قد تندلع مع الصين والدول الناشئة في أسيا الوسطى ستستنزف قوى جميع الأطراف. أما إذا انضمت أوكرانيا إلى روسيا فستتحول روسيا إلى قوة عظمى ستتحدى الغرب في عُقرِ داره وتحُد من سيطرته على مستوى العالم.
ومن هذا المنطلق دعمت أوروبا "الثورة البرتقالية" في أوكرانيا عام 2004 بهدف وضع حدّ لما اعتبرته الهيمنة الروسية على أوكرانيا وتوجيّه ضربة قاضية لأحلام موسكو "الامبراطورية". ومن أجل ذلك، دعم الغرب الأقاليم الغربية "الثائرة" على روسيا، والمتعجّلة لفكرة الاندماج مع الاتحاد الأوروبي، وتغاضى عن الأقاليم الشرقية التي تُشاطر الروس لغتهم وطريقة تفكيرهم وميولهم، وبعبارة أخرى تغاضى الغرب عن قسم كبير من المواطنين الأوكران الذين يتقاسمون مع الروس وحدة الهدف والمصير.
لكن جرت الرياح الأوكرانية بما لا تشتهي السفن الغربية وفاز فيكتور يانوكوفيتش في الانتخابات التي جرت في 2 شباط 2010 على فيكتور يوشينكو زعيم "الثورة البرتقالية" وأميرتها يوليا توموتشينكو. وبعد أن قال الأوكران كلمتهم، أدرك الغرب أن اتخاذ سياسة تصادمية مع أوكرانيا قد لا تكون ذات جدوى، فاعتمد سياسة ظاهرها التقارب، وباطنها التماس أساليب ملتوية تضع العراقيل أمامها، ولهذا “باركت” أمريكا نجاح يانوكوفيتش في الانتخابات ومثل ذلك صنع الاتحاد الأوروبي، وانتهزوا الفرصة الملائمة ليلقوا جزرة مشروع "الشراكة الشرقية" التي أدى رفضه من جانب الحكومة الأوكرانية إلى نشوب الاحتجاجات من قِبل الأوكرانيين الموالين للاندماج مع للغرب.
معركة ميونخ
قد تكون "معركة ميونخ" الكلامية التي نشبت بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف حول أسباب الاحتجاجات المناهضة للحكومة في أوكرانيا خير دليل على مدى عمق الأزمة السياسية التي تُخّيم على سماء كييف منذ أكثر من شهرين.
فقد اتهم لافروف الدول الأوروبية بـ "تشجيع المتظاهرين في أوكرانيا على اللجوء إلى العنف"، وسأل: "هل يرتبط التحريض على الاحتجاجات العنيفة ومهاجمة الشرطة وحرق مبانٍ حكومية بالديموقراطية؟ ولماذا يشجع سياسيون أوروبيون هذه الأعمال، فيما لا يترددون في معاقبة أي انتهاك للقانون بشدة في بلادهم؟".
وردّ كيري على هذا الاتهام، فأكد دعم واشنطن المتظاهرين الأوكرانيين، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يقفان إلى جانب الأوكرانيين في "معركتهم" للتقارب مع أوروبا، وقال: "يناضل هؤلاء لتحقيق التقارب مع شركاء سيساعدونهم في تحقيق تطلعاتهم، ويعتبرون أن مستقبلهم لا يعتمد على دولة واحدة"، في إشارة إلى روسيا. وحضَّ موسكو على "عدم اعتبار الأحداث في أوكرانيا تهديداً لمصالحها". معترفاً في الوقت نفسه بوجود "عناصر مشاغبة في شوارع كييف"، لكنه استدرك قائلاً: "أن الغالبية الساحقة من الأوكرانيين تريد العيش بحرية في بلد آمن ومزدهر".
ولم يتأخر الرد الروسي على أقوال الوزير كيري ولكن هذه المرة على لسان سيرغي غلازييف، مستشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمسؤول عن العلاقات مع أوكرانيا ، حيث أتهم الولايات المتحدة بـ "تدريب وتسليح متمردين أوكرانيين داخل حرم سفارتها في كييف"، وحضّ الحكومة الأوكرانية على إحباط ما أسماها "محاولة انقلاب"، مهدداً بتدخل بلاده للحفاظ على أمن الجمهورية السوفياتية السابقة.
وقال غلازييف: "ينتهك التدخل الأميركي معاهدة أبرمتها واشنطن وموسكو عام 1994 لضمان أمن أوكرانيا وسيادتها، بعدما تخلصت كييف من ترسانتها النووية".
وتابع قائلاً: "تنص المعاهدة أيضاً على التزام روسيا والولايات المتحدة بالتدخل لدى نشوب صراعات في أوكرانيا"، لكنه لم يوضح التحرك الذي قد تتخذه روسيا.
وكانت حركة الاحتجاج في أوكرانيا اندلعت اثر تراجع الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش في تشرين الثاني 2013 عن توقيع اتفاق "الشراكة الشرقية" مع الاتحاد الأوروبي، مفضلاً التقارب مع روسيا.
صراع القوى الكبرى على أوكرانيا
أوكرانيا واقعة بين فكي كماشة الولايات المتحدة من جهة وروسيا من جهة أخرى، حيث يحاول كُّلٌ منهما فرض إرادته السياسية عليها باستغلال ظروفها الاقتصادية الصعبة. فروسيا تهددها "بقطع التجارة بين موسكو وكييف" والولايات المتحدة تغريها بالاتحاد الأوروبي لما له من مزايا اقتصادية من سهولة التنقل ورفع الجمارك عن بعض البضائع، الأمر الذي سينعكس انتعاشاً اقتصادياً على كييف، وعلى المستوى السياسي تبنّي القوانين المعلنة للاتحاد الأوربي وبذلك سيكون أوكرانيا وزناً سياسياً بين الدول الأخرى.
فالموقع الاستراتيجي لأوكرانيا وغناها بالثروات الباطنية بالإضافة إلى كونها المعبر الروسي إلى أوربا لتمرير الغاز، إضافةٍ إلى إشرافها على البحر الأسود، هي الأسباب غير المباشرة للتدخلات الخارجية من وراء الستار.
الولايات المتحدة وسياسة التمدد الناعم
استغلت واشنطن المحتجين، الذين لهم بعض المطالب المحقة والحانقين على نظام الحكم، واستخدمتهم للتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد بحجة حماية الديمقراطيات "بدعم المعارضة التي صُنعت بأيدٍ خارجية وتسعى إلى السلطة لا أكثر" في محاولة من أمريكا لإعادة مشهد الثورة البرتقالية إلى البلاد وتقليص النفوذ الروسي وتوسيع نفوذها السياسي بتأليب المعارضة وتحريضها على الاحتجاج وهو ما ظهر جلياً حين أرسلت أمريكا فكتوريا نولاند مسؤولة الشؤون الخارجية الأمريكية ولقائها مع المحتجين في ساحة الاعتصام الرئيسية ودعمهم معنوياً.
المصالح الاقتصادية لموسكو
أما روسيا فتراها بلداً تابعاً لها وامتداداً لإمبراطوريتها السابقة، فمنذ القرن التاسع عشر خضعت أوكرانيا لحكم قياصرة موسكو، لذا ترى أنه من غير المقبول التدخل بالشؤون الداخلية لكييف وهي التي تدعم نظام الحكم فيها. كما أنها المصدر الرئيسي لتزويدها بمصادر الطاقة "فهي أكبر مستهلك للطاقة بأوروبا وتحصل على الوقود النووي من روسيا اللازم لإدارة محطة زابوريجيا النووية لتوليد الطاقة من روسيا. كما أن التجارة بين كييف وموسكو هي من المصادر الأساسية لتزويد الاقتصاد الأوكراني باحتياجاته الرئيسية".
ومن جهة أخرى، تُعتبر أوكرانيا المعبر الرئيسي لتمرير الغاز الروسي إلى أوروبا "وهو ما يزوّد الاقتصاد الروسي بالنقد الأجنبي اللازم لتطوير الاقتصاد الداخلي الروسي ويقصر المسافات النقل ويخفّض من تكاليفه الباهظة" بالإضافة إلى اعتبارها المنفذ الروسي على البحر الأسود الذي يستخدمه أسطولها البحري في مدينة سيباستوبول المهمة اقتصادياً وعسكرياً والتي تضم أسطول البحر الأسود الروسي وفق اتفاق تأجير بين الدولتين وهو ما لن يفرط به الكريملين بسهولة.
مشكلة أوكرانيا ليست وليدة اليوم، فمنذ انهيار الاتحاد السوفياتي أواخر القرن الماضي، يحاول الاتحاد الأوروبي جذب دول أوروبا الشرقية إلى مجاله الحيوي، لكن أوكرانيا كانت مستعصية دائماً، لأنها واقعة في نطلق موسكو الاستراتيجي.
لقد تذرعت أوكرانيا بقضية الأمن القومي للتملص من اتفاق الشراكة مع أوروبا، فيما اقترحت روسيا عقد محادثات ثلاثية بشأن الاتفاق تكون موسكو طرفاً فيه. وأصدر رئيس الوزراء، ميكولا أزاروف، أمراً ينص على تعليق عملية التحضير لاتفاق الشراكة بهدف "ضمان الأمن القومي، وإعادة تحريك العلاقات الاقتصادية مع روسيا، وتحضير السوق الداخلية لعلاقات متساوية مع الاتحاد الأوروبي". وعرضت أوكرانيا، أيضاً، على موسكو والاتحاد الأوروبي إنشاء لجنة ثلاثية بشأن التجارة، و"إطلاق حوار حيوي مع روسيا والأعضاء الآخرين في الاتحاد الجمركي" الذي تقوده موسكو وهي تدعو أوكرانيا إلى الانضمام إليه منذ أشهر عدة.
وكان من تداعيات تلك التطورات خروج الآلاف إلى شوارع كييف واستقرارهم في الساحات الرئيسية حاملين أعلام الاتحاد الأوروبي في تَحّدٍ واضح لحكومة يانوكوفيتش. وقد لجأت الشرطة على فترات إلى استخدام القوة لتفريق المتظاهرين بعد أن اعتدوا على الأملاك العامة وأثاروا الشغب في الشوارع، وهو الأمر الذي أثار غضب الأوروبيين، الذين عبروا أيضا عن أملهم بأن تتراجع كييف عن موقفها.
يُشار إلى أن برنامج "الشراكة الشرقية" أطلقه الاتحاد الأوروبي عام 2009 في براغ "عاصمة جمهورية التشيك". ويهدف هذا البرنامج إلى تحقيق التكامل مع دول الاتحاد السوفيتي السابق عبر تقديم دعم لتعزيز مؤسسات السلطة والمساعدة في تطوير قطاع الأعمال، إلا أن مشروع "الشراكة الشرقية" لا يتطرق إلى إمكانية العضوية الكاملة في الاتحاد، بل يفترض تقارباً سياسياً واقتصادياً مع هذه المنظمة الإقليمية، بما في ذلك تسهيل نظام منح تأشيرات الدخول والتعاون في ميدان الطاقة. ويضم البرنامج إضافة إلى أوكرانيا ومولدافيا وجورجيا كُلّاً من أذربيجان وأرمينيا وبيلاروسيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هجوم إسرائيل -المحدود- داخل إيران.. هل يأتي مقابل سماح واشنط


.. الرد والرد المضاد.. كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟ و




.. روايات متضاربة حول مصدر الضربة الإسرائيلية لإيران تتحول لماد


.. بودكاست تك كاست | تسريبات وشائعات المنتجات.. الشركات تجس الن




.. إسرائيل تستهدف إيران…فماذا يوجد في اصفهان؟ | #التاسعة