الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموظف الكبير في الدولة

إلهامي الميرغني

2014 / 2 / 11
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان



عندما يتدرج موظف ما ويصل إلي قمة الجهاز الإداري في الدولة يشعر بأنه ملك العالم.عندما يغادر أتوبيس الموظفين أو يترك سيارته الخاصة ليركب سيارة عليها أرقام ( حكومة ).وعندما يركب سيارة بسائق ينتظره ويحمل عنه حقيبته وأوراقه ويفتح له الباب عن ركوبه ومغادرته . ( البعض قد يكون لديه سيارة خاصة وسائق خاص ، لكن سيارة الحكومة وسائق الحكومة لهم رمز من رموز السلطة والسطوة).
عندما ينتقل الموظف الكبير من غرفة صغيرة وربما كان يشاركه بها موظف آخر بنفس درجته الوظيفية إلي غرفة كبيرة بها صالون ومكتب ضخم ومائدة اجتماعات وسكرتارية فالوضع يختلف .
عندما يجد الموظف الكبير من يفتح له باب المصعد وباب الغرفة ويسند له المقعد قبل أن يجلس تحدث تغييرات كبيرة في شخصيته تجعله يشعر بأنه مَلَك العالم . ويستخدم كل مهاراته وقدراته في البقاء فوق هذا المقعد الدوار ذو الظهر المرتفع لأطول فترة ممكنة.وهو يبذل كل غالي ونفيس لإرضاء رؤسائه ليظل فوق الكرسي مستمتعاً بالسلطة .
السلطة هي الحق الممنوح من قبل وضع اجتماعي معترف به ، وفي كثير من الأحيان تشير كلمة سلطة إلي السلطة السياسية المخولة لفرد من قبل الدولة.ويمكن أن تشير السلطة أيضاً إلي خبرة معترف بها في أحد مجالات المعرفة الأكاديمية.وتشير كلمة " السلطة " إلي الهيئة الإدارية التي تخَول صلاحيات معينة. تحدد السلطة شكل العلاقة بين الحاكم والمحكوم.وهي حجم الصلاحيات التي يمنحها الشعب للمسئولين في الدولة وقدرتهم علي اتخاذ القرار.
عندما يجد الموظف الكبير سلطة حقيقية في يده وأن مصائر الآخرين معلقة بقراراته وأكثر من هاتف علي مكتبه وجهاز لاستدعاء السكرتارية وأجندة بمواعيد الاجتماعات واللجان الكثيرة التي يجني ثمارها في العديد من كشوف البدلات التي يوقع عليها لحضوره هذه الاجتماعات.
لذلك يتفاني الموظف الكبير في خدمة المسئول الأعلى وتبرير قراراته وسياساته وإلباس الباطل ثوب الحق ، واستخدام ترسانة التشريعات والتفسيرات والعلم وخبرته العملية والحياتية في تمرير الكثير من السياسات والقرارات التي تضمن بقائه في منصبه ومكتبه الكبير المكيف والكرسي الدوار ذو الظهر المرتفع والمخادع المبطنة.
ويظل الموظف الكبير يدافع عن سياسات وقرارات ويصدر سياسات وقرارات بغض النظر عن فائدتها لجموع المواطنين.وكلما تفاني في خدمة السلطة الأعلى كلما تطور وضعه الوظيفي وزاد دخله وكثرة مميزاته وبدلاته وسفرياته واستمر بقائه في وظيفته.ليكون لسان حاله " مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا ، وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً " ليصبح ذات يوم فيجد نفسه خارج السلطة .
كثير من الوزارات والمصالح الحكومية تتوقف الحياة بها عندما يصل عمر المسئول إلي سن التقاعد وتحبس الأنفاس لحين ورود قرار مد خدمة الموظف الكبير أو فقدانه للسلطة والصولجان،أو التجديد له لعام أو لعدة أعوام اخري. وفي كثير من الأجهزة السيادية والهيئات والمصالح الحكومية يتكرر هذا المشهد لسنوات ، وليظل الموظف الكبير يفعل كل ما يستطيع ليظل في وظيفته.
يحكي في أحد الهيئات السيادية عن وكيل وزارة كان متشدد جدا مع مرؤوسيه حتى حرفوا أسمه من المرسي إلي المؤذي.وكان بمجرد عبوره لطرقات الهيئة ينتفض الموظفين ويتقافزون كأنما مستهم الكهرباء ويتباطئون لعرض الموضوعات عليه ومناقشته نظرا لأسلوبه الفظ في التعامل مع مرؤوسيه. وعندما تقاعد ذلك الرجل وعاد بعد عدة شهور ليقضي بعض الإجراءات وحان وقت الصلاة.سأل بعض الموظفين الذين كانوا يتجنبوا المرور بجوار مكتبه عن مكان ليصلي فيه ، رد بعض الشباب صلي في أي حته هي شغلانه.وخرج إلي الردهة ليفرد سجادة الصلاة التي استعارها من احد الموظفين ويصلي !!!!
الطبيعي في دورات الحياة العادية وفي ظل النظم الديمقراطية أن الوظائف العامة خاضعة لرقابة الشعب وهي مرحلة في حياة الموظف العام . لكن في ظل الأنظمة الاستبدادية تتحول إلي كيان يملك صاحبه فيسيطر عليه ويوجه قراراته ومواقفه.
لقد أهتم الأدب بهذه القضية منذ سنوات طويلة وفي رائعة تشيكوف " موت موظف" نري إيفان ديمتريفيتش تشرفياكوف الموظف الصغير الذي يعطس في رأس الجنرال بريزجالوف مديره في العمل وكيف يعتذر له ويستمر في الاعتذار كلما قابله ويسيطر عليه الشعور بالذنب حتى يقتله.هذا هو الموظف العام منذ روسيا القيصرية وحتى اليوم.
كما وصف لنا الدكتور يوسف إدريس قصة عباس الفلاح القروي الذي أصبح " العسكري الأسود " المسئول عن تعذيب المعتقلين السياسيين وكيف دمرت السلطة عباس وحولته كما قال التمرجي "دا خلاص يا بيه الراجل بقى يهبهب زى الكلاب ويعوي زى الديابة" وفي النهاية أكل لحم نفسه .
كذلك شاهدنا رائعة محمد خان ورؤوف توفيق " زوجة رجل مهم " وعايشنا كيف حولت السلطة الضابط هشام إلي وحش عذب الآخرين ليصعد في وظيفته وعندما حدثت أزمة كان هو أول ضحية يطاح بها.وكيف كان فقدانه السلطة تدمير لحياته لتنتهي بمأساة قتل والد زوجته ثم انتحاره.
الوظيفة العامة تكليف وهي خاضعة للرقابة الشعبية ورقابة الأجهزة الرقابية.ولكن في مصر ومعظم الدول الاستبدادية يصبح الموظف الكبير أسير الوظيفة وخادم النظام وعندما تنتهي خدمته يفقد السلطة فيأكل لحمه مثل العسكري الأسود أو ينتحر مثل هشام في زوجة رجل مهم.
يوجد وصف مصري لخروج الموظف الكبير من الوظيفة هو " لبس الجلابية البيضاء " كرمز للتقاعد وفقدان السلطة ولقد بدأ استخدامها علي قيادات الجيش والشرطة ثم امتدت لكبار موظفي الدولة .
هل يمكن لكبار موظفي الدولة أن يعرفوا " أن الساعة آتية لا ريب فيها ". وإنهم مهما فعلوا في خدمة رؤسائهم ستكون نهايتهم الجلباب الأبيض.هكذا حدث مع يوسف والي وكمال الشاذلي وغيرهم في قمة حكم الفساد . أفلا تعقلون؟!!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا - مالي: علاقات على صفيح ساخن؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. المغرب - إسبانيا: لماذا أعيد فتح التحقيق في قضية بيغاسوس للت




.. قطر تؤكد بقاء حماس في الدوحة | #غرفة_الأخبار


.. إسرائيل تكثف القصف بعد 200 يوم من الحرب | #غرفة_الأخبار




.. العرب الأميركيون مستاؤون من إقرار مجلس النواب حزمة مساعدات ج