الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضياع الشهيد السوري بين النظام والمعارضة

حمودة إسماعيلي

2014 / 2 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


الشهيد هو الشاهد الذي يشاهد موته، دفاعا عن قضية نبيلة أو ضد الظلم. وفي الصراع بين طرفين، كل طرف يرى صرعاه من "الشهداء" المدافعين عن الحق، كشاهدين على موتهم برفع "قضية" عن التدمير، فتتدمر أرواحهم وأجسادهم، لكن القضية تحيا، سواء كانت قضية "شرف" أو "كرامة" أو "دفاع" عن الذات والوطن. لكن في الصراع القائم في سوريا بين النظام والمعارضة، كل من يسقط صريعا يُسمى "شهيد"، فرغم اختلاف وانفصال الطرفين إلا أن القضية المدافع عنها (والتي يستشهدون لأجلها) واحدة ومشتركة، وهي : "الدفاع عن الوطن (سوريا)". فإذا كان هذا الطرف المدافع عن الوطن يصبح شهيدا بموته، على يد الطرف الآخر الذي يدافع عن نفس القضية التي يدافع عنها الشهيد (الآخر) وهي "حماية سوريا"؛ فإن المفاهيم تختلط، ويصبح مصطلح "الشهيد" مصطلحاً فضفاضا وبلا معنى، فالصراعات تشهد قضايا مختلفة، ليتم تمييز الطرفين (بالنسبة لكل جهة) بين شهيد وخائن، أو شهيد وظالم، أو شهيد ومعتدي، وليس (وهو الغريب هنا) بين شهيد وشهيد (نفس القضية). فالمدافعون عن نفس القضية يلتحمون ولا يتخاصمون. لذلك فإن قضية الصراع السوري ليست الدفاع عن الوطن، بل القضية موضوع آخر، وهو سبب الخلاف بين النظام والمعارضة.

إن نقطة الخلاف بين الطرفين السوريين، والعائق أمام فشل المفاوضات، هو "بشار الأسد". فالمعارضة تطالب بتنحيه ومحاكمته، والنظام يعتبره "خط أحمر" لن يتم التنازل عنه أو المساس به. وبذلك نمسك بالقضية التي يشهد كل من الطرفين موته لأجل الدفاع عنها : المعارضة تدافع ضد "الأسد"، والنظام يدافع عن "الأسد".

فالقتال لا يدور حول سوريا بقدر ما يدور حول شخص أو رمز "الأسد". آلاف الناس سقطت لأجل رجل واحد، كما في رواية "الكنز" لستيفنسون : "خمسة عشر رجلا ماتوا لأجل صندوق" ! . نظرا لأن الناس مدفوعين بتقديم أرواحهم، لأجل القضايا النبيلة، وطلب الاستشهاد (كما يعززه الخطاب الديني والعكسري-السياسي)، دفاعا عن الوطن.

فبين صراع المعارضة والنظام، يسقط الكثيرون صرعى لأجل "رجل واحد"، يدافع كلّ من الطرفين عن قضيته، ويَدْفع الشعب السوري حياته ثمنا لأجل ذلك، لأجل قضايا مُغيّبة على حساب الوهم. ف"سوريا لا أحد يحميها"، إنما الأطراف تحمي مصالحها، وتخدع المصروعين بلقب "الشهداء" ! . فالمواطنون السوريون يصرعون بعضهم البعض، لأن السياسيين فشلوا بعملية التفاهم والمفاوضات لأجل من يحصل على أكبر حصة من الغنيمة "سوريا".

في سنة 1915 عندما وصل الجنود البريطانيون للحدود الألمانية في بلجيكا، ليحلوا محل القوّات المجهدة بالخنادق، ذُهِلَ جفري دجديل (ضابط القوات) مما رآه : "وجدتُ وجنوداً ألمان يسيرون في نطاق لا تُخطئ رصاصة البندقية أيا ممن فيه. وبدا وكأن رجالنا لا يلحظون هذا. أنا قررت في سريرتي ألا تستمر، الأمور على هذا النحو، عندما تولينا المسؤولية. كان واضحا أن هؤلاء الناس لا يعرفون أن هناك حربا دائرة. بدا أن كلا من الجانبين كان مؤمنا بسياسية : عش ودع غيرك يعيش !".

يُعلق مارك بوكانان على هذه الواقعة : "بعد مرحلة استهلالية من الحرب اتسمت بدمويتها، حين كانت القوات متحركة نسبيا، استقرت الحرب العالمية الأولى في حالة من الحرب الراكدة في الخنادق؛ فيها واجهت القوات بعضها بعضا، وبعض مئات الياردات من الأرض الجرداء تفصلها. نفس الرجال واجهوا بعضهم بعضا طيلة شهور عديدة في كل مرة. كل من الجانبين أدرك أنه خاسر كل شيء إن قام بعمليات قصف ثقيل لاتتوقف، وأنه رابح كل شيء إن أمكن نوعا ما الاتفاق مع الجانب الآخر على تهاون كل منهما حيال غريمه".

لقد أدرك الجنود، من كلا الطرفين أنهم هم الخاسرون في الحرب وبأنهم يدفعون ثمن خلافات سياسية محضة، بقتل بعضهم البعض. لذلك توقفوا لربما تنجح المفاوضات السياسية، ولم يؤذ بعضهم البعض حتى ينفك الصراع دون قتال. لذلك حرص الطرفان على عدم خرق الاتفاق، كما يقول أحد الجنود : "عند مغادرة القوات للجبهة كان رجالها يلقنون بدلاءهم درسا في كون الاتفاق المُنفَّذ مرغوبا: السيد بوش (وهو الاسم الذي جرت العادة على الإشارة به إلى الألمان) ليس شخصا رديئا ! اتركه في حالك، وسيتركك في حالك ! ". رغم أن الوضع سيتغيّر (فهي حرب طبعاً)، لكنه على الأقل أوجد الجنود حلا لوقف سفك المزيد من الدماء.

لقد حصل التفاهم بين جنود (وظيفتهم الحرب) من دولتين معاديتين، ولا يفهمون لغة بعضهم البعض، وفي حرب عالمية. وسوريا شعب واحد، وليس فقط لغة واحدة بل يتحدثون نفس اللهجة، ويستمرون في الصراع لأجل أن يكون الحاكم شيعي أو سُني !! .

_______________________________
هوامش :

ـ الذرة الاجتماعية - مارك بوكانان - ترجمة أحمد علي بدوي، الهيئة المصرية العامة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر