الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بين العنصرية العربية والمساواة الديمقراطية

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2014 / 2 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قد كانت العصبية والعنصرية منتشرة بقوة وسط قبائل جزيرة العرب قبل الإسلام، سواء ضد بعضها البعض عموماً أو ضد النساء خصوصاً. تشهد على هذه الروح العنصرية الموروثة كثرة الاقتتال القبلي البيني وتعدد الزوجات. حتى فيما بين القبائل العربية ذاتها، قد كان عرفاً مألوفاً أن يُستعبد الرجال المهزومين وتُستجرى النساء السبايا. في أي قبيلة عربية في ذلك الزمان، كان عادياً جداً أن يُصنف الرجال والنساء في مراكز اجتماعية على أساس عنصري صريح كثمن مشروع للهزيمة في إغارة عابرة أو قطع طريق أو سطو مسلح أو غزوة صغيرة أو معارك ممتدة. علاوة على ذلك، كثمرة لهذا القنص الدائم، قد كانت تجارة وأسواق النخاسة عامرة بالعبيد في كل المواسم، سواء بالعناصر العربية الخالصة أو الأجنبية من حول العالم، من الذكور والإناث من مختلف الأعمار والألوان.

هذه العنصرية المتطرفة ما كانت تسمح أبداً بقيام واستقرار تنظيم سياسي أرقى من القبيلة، أو تحالف هش ومؤقت من عدة قبائل تجمع بينها مصالح مرحلية وسرعان ما تنفك عروته بمجرد انقضاء المصلحة الآنية. وقد فطن الإسلام الأول جيداً إلى هذه الحقيقة التاريخية وحاول جاهداً أن يحد من حجمها وخطورتها، لكنه لم يحاول القضاء عليها تماماً. إذ رغم النجاح في دمج هذه القبائل العربية المتناحرة في تنظيم سياسي أوسع، لا زال قد ورث الإسلام- ولو بدرجة أقل وأشكال مغايرة- عن القبائل العربية العصبية والعنصرية السائدة قبل الإسلام، سواء في تنويعاتها ضد بعضها البعض أو ضد النساء أو ضد القبائل والشعوب غير العربية التي التحقت بالإسلام فيما بعد. حتى في عهد الحكم الإسلامي، قد بقي الصراع على السلطة قائماً داخل القبائل العربية، وبقي تعدد الزوجات، ولقيت القبائل والشعوب الإسلامية غير العربية معاملة من الدرجة الثانية لا تجيز لهم المشاركة في مناصب الحكم أو في الجيوش الإسلامية وتقسيم الغنائم على قدم المساواة مثل أقرانهم المسلمين العرب.

رغم ما لا يحصى من التآويل والتفاسير التبريرية عن شمولية الدين الإسلامي ومساواته بين كافة المسلمين كأسنان المشط داخل ’أمة إسلامية‘ واحدة، تبقى حقائق مؤكدة أن الإسلام- ديناً ودولة-: 1- قد ميز العنصر العربي واللغة العربية على جميع العناصر واللغات الأخرى، داخل شبه الجزيرة العربية نفسها وحول العالم؛ 2- قد ميز قبائل عربية بعينها على قبائل عربية أخرى؛
3- قد ميز حتى بين الرجال العرب أنفسهم، بين أحرار وعبيد بمراكز سياسية واجتماعية وجزائية مختلفة؛ 4- قد ميز الرجل العربي على المرأة العربية، بأن أجاز للرجل الواحد الجمع بين أربعة زوجات، وأن تورث المرأة نصف ميراث الرجل، وأن تساوي شهادة الرجل الواحد شهادة الامرأتين معاً؛ 5- قد ميز أيضاً حتى بين النساء العربيات أنفسهن، بين الحرة والأمة بمراكز اجتماعية وجزائية مختلفة؛ 6- قد ميز العرب المسلمين على الموالي (غير العرب) المسلمين؛ 7- قد ميز ’أمة المسلمين‘ جميعاً على الكافرين والمشركين وأتباع الأديان الأخرى، بدرجات متفاوتة؛ و(8) قد ميز العالم أجمع بين ’دار الحرب‘ و ’دار السلام‘.

بسبب هذه العصبية والعنصرية المتطرفة، قد قتل المسلمون العرب من أنفسهم خلال حقبة ’الفتنة الكبرى‘، ثم أثناء حروب بني العباس ضد بني أمية لخلعهم بالقوة من خلافة المسلمين، أعداداً مروعة قياساً على تعدادهم آنذاك، وفي النهاية اضطر الجميع إلى الخضوع في مذلة لاحتلال غير العرب من المسلمين وغير المسلمين. بسبب هذه العصبية والعنصرية المتطرفة، ضاعت الفرصة لإقامة دولة إسلامية متماسكة وقادرة على الحياة في سلام معقول بين مكوناتها الداخلية ونظرائها بالخارج، وضاعت الفرصة أيضاً لتطور الإسلام في دين واحد ومنظومة ثقافية متجانسة قادرة على استيعاب تنويعاتها المختلفة وتحمل التعايش والتسامح مع الثقافات الأجنبية. لكن، كما استمرت الدولة الإسلامية حتى نهايتها في اقتتال وحروب داخلية متواصلة فيما بين قواها السياسية الرئيسية، قد انفرط أيضاً عقد الدين الإسلامي فيما بين السنة والشيعة، ثم فيما بعد توزعت حباته بين ما لا يعد ولا يحصى من المذاهب والطوائف والفرق والجماعات والمدارس الفقهية الفرعية داخل الإسلامين الرئيسيين، مع اختلاف وتحريض ونزاع واقتتال متبادل لم يتوقف حتى اليوم.

هنا يجب التنبيه إلى أن ذلك- ولو بدرجات أخف حدة- قد كان أيضاً حال بقية الدول والأديان الأخرى حول العالم بلا استثناء، ولم تكن الدولة الإسلامية أو الدين الإسلامي في ذلك الزمان تمثل شذوذاً عن القاعدة. حتى الحرب العالمية الثانية في أكثر بقاع العالم تطوراً وتحضراً- أوروبا الغربية- كانت لا تزال العصبية والعنصرية المتطرفة تطل برأسها في ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية، وقد حصدت أرواح ملايين الأشخاص ثمناً لإبرائها. وحتى ذلك التاريخ المتأخر لم تكن المرأة الأوروبية قد برأت بعد من التمييز ضدها على أساس النوع. لكن فيما بعد، قد جعل ذلك العالم المتقدم من القضاء التام على العصبية والعنصرية، وتحقيق المساواة التامة بين جميع الناس بصرف النظر عن النوع أو العرق أو الدين أو اللون أو اللغة...الخ، شرطاً أساسياً وجوهرياً لضمان الحرية والإبداع والابتكار، وتأسيس وعمل الديمقراطية.

لا يمكن أبداً أن تُضمن حرية أو تتأسس ديمقراطية في ثقافة قوامها العصبية والتمييز على أساس العنصر أو الجنس أو العرق أو اللغة أو الدين، أو درجة العلم والفقه الديني، أو درجة النسب إلى بيت النبوة...الخ.

الثقافة العربية القديمة تحوي جوهراً صلباً من العصبية والتمييز ضد الآخر المختلف وضد المرأة؛ وقد ورث الدين الإسلامي هذا الجوهر العنصري الصلب ولا يعرف، وربما حتى لا يقدر، أن يتخلص منه. لذلك، كلما اقتربت الشعوب العربية أكثر باتجاه الدين طلباً لعزة وقوة قد ولى زمانها، حصدت في المقابل مزيداً من العصبية والعنصرية والتطرف، التي تترجم بدورها إلى مزيد من التشرذم والمذهبية والطائفية والتناحر والاقتتال وسفك الدماء فيما بين مكوناتها المختلفة بالضرورة، ومن ثم مزيداً من الفرقة والضعف والهوان بدلاً من القوة والعزة والكرامة المنشودة.

هل حقاً طريق التقدم والحرية والديمقراطية والكرامة والمساواة الإنسانية لا بد أن يمر عبر نفق الدين، خاصة إذا كان قد انقضى على بناؤه أكثر من ألف وأربعمائة عام ولم يخضع لعملية إصلاح حقيقية واحدة؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب


.. مأزق العقل العربي الراهن




.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah