الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذوات وذات

محيي المسعودي

2014 / 2 / 16
الادب والفن




العالم يُنذر بحدوث غارة من الفضاء, بينما فَتحت النساء ابواب انوثتها تستقبل تلك الوحوش الغريبة ... اين ذهب ذلك العنفوان وذلك الشباب اليافع والنفس المرحة .. !؟ اين اختبأ ذلك العقل المتوقد , بسرعة البديهية ودقة الحساب ..!؟ اين ذهب ذلك المزاج الرائق الجميل ..!؟ اين ذهبت تلك الفكاهة والنكتة والمفارقة التي تهتز لها الصدور قهقهة ..!? هكذا تساءلت مع نفسها, تلك الموظفة الجميلة الرشيقة , زميلة حسين محمود . حسين هذا الذي يقف امامها الآن منحنيا هزيلا شارد الذهن قليل الكلام جهم الوجه . حاولت كثيرا ان تثير فيه كوامن تلك النفس ولكن, عبثا ذهبت كل محاولاتها , فهو منذ ان وهب احدى كليتيه لأخته الصغرى تغيّرت احواله كثيرا , فقد هزل جسده وشحب لون وجهه , ولم يعد به شيء من قديم صفاته . لم تجد زميلته الموظفة نوال بدا من مغازلته , علَّ هذه هذه المغازلة "وهي الوسيلة الوحيدة المتبقية لديها" ان تخرجه مما هو فيه .. انّها تحبه حبا جمّاً , تحبه لأنها وجدت فيه اطهر وأطيب قلب عرفته في حياتها , فهو المتسامح العطوف الحنون , المزوح بما ينعش الروح ويطربها في علاقاته الاجتماعية, وهو الجاد المواظب المخلص في عمله .. هكذا عرفته نوال ولكنه الان غير ما كان عليه تماما. حتى ان مغازلتها له لم تجدِ نفعا .. بدا كأنه غريب عن هذه الدنيا بعيد عن الحضور .. اقتربت منه علّه اذا شم عطرها ينتفض وتستيقظ فحولته وتنهض به من جديد . لكنه ظلَّ قوسا يجثو بصدره على الطاولة .. شرع يتألم وكأن سكينا قد غرزت في خاصرته .. هزته نوال وهي مندهشة, فوجدت الألم قد أفقده الوعي صرخت مرعوبة .. حضر موظفو القسم الى غرفتها .. اسرع احدهم يطلب الاسعاف .. في هذا الموقف الصعب استطاعت نوال ملاحظة شماتة زميلتها بها , تلك الموظفة الزميلة التي قاتلت بدموية للفوز بقلب حسين ولكنها فشلت امام حب نوال وصدقها الذي جعل حسين يفضل نوال عليها وعلى الجميع .. لم تأخذ نوال الإذن من رئيسها وهي ترافق حسين الى المستشفى .. لقد نسيت كل شيء إلا هذا الحبيب .. اخبرها الطبيب بأن حسين يحتاج الى كلْية وان عليها ان تفعل ما بوسعها للحصول على متبرع بكلية وبأسرع وقت وإلا فان الموت قادم لأخذه لا محال .
لم تستطع نوال الاعلان عن رغبتها التبرع بكليتها , لأنها لو فعلت ذلك وحدث لتعرضت للوم وتقريع شديدين من قبل اهلها ولنهشها كلام زملائها وظنونهم, فهي ليست اكثر من زميلة عمل في نظر الكل .. اتصلت هاتفيا بدار حسين . لم تجد احدا فيها إلا نادية, تلك الطفلة التي كانت السبب بوصول اخيها حسين الى ما هو عليه , لأنه تبرع لها بإحدى كليتيه اثر اصابتها بداء افقدها كليتيها .. اخبرت نوال نادية وطلبت منها المساعدة . ولكن الطفلة ذات الثلاثة عشر عام ما عسالها ان تفعل , إلا الحضور الى المستشفى . عند وصولها عاد الطبيب ليسأل نوال عما وصلت اليه في بحثها عن متبرع بكلية . اخبرها بلهجة حادة أن الوقت يمر والموت يقترب من المريض كثيرا .. علمت نوال من نادية أن اخوتها وأخواتها في العمل وهم بعيدون عنها الان . لم يبق امام نوال ونادية غير الهاتف وسيلة للاتصال بالأخوة والأخوات حتى يهب احدهم ويتبرع بكلية لأخيه .. من هاتف المستشفى اتصلت نادية بكل اخوانها وأخواتها وهي تنوح وتبكي وأخبرتهم بحال اخيها وطلبت منهم الاسراع بالحضور .. ظلت نادية دائمة البكاء والنياح وكلما حضر الطبيب هبت اليه ترجوه ان يعيد الكلية التي معها الى أخيها , ثم تكمل قائلة : (أما أنا فلا أريد الحياة بدون أخي انه أحق مني بها ..) بدء العد التنازلي للوقت بينما حضر الاخوة والأخوات وصار احدهم ينظر في وجه الآخر ويتمنى داخل نفسه ان يدفع عنه اخوه هذا الأمر .. كان الجميع واقفين حين فتح حسين عينيه وحدق بهم واحدا واحدا والدمع ينزل من عينيه .. تذكر الجميع ذلك الأخ الأكبر الذي تكفلهم صغارا بعد موت ابيهم وأمهم .. فكان يعمل في النهار من اجلهم ويدرس في الليل لإكمال تعليمه . وبجهده وكدحه استطاع ان يبلغهم ما هم عليه الان , فكان اثنان منهم قد حصلا على شهادة البكالوريوس في الهندسة وهما يعملان الآن في مؤسسات الدولة والثلاثة الاخرون احدهم مدرس والثاني محاسب والثالث خبير اثار .. اما البنات فقد اصبحن مدرسات , نزولا عند رغبة حسين بهذا العمل واعتقاده ان افضل عمل للمرأة هو التعليم والتدريس .. تذكر الجميعُ حسينَ . لم يبق لديهم عذرا للتخلي عنه .. حتى انه كان الوحيد بين اخوانه الذي تبرع لأخته الصغيرة نادية بإحدى كليتيه بينما نأى الجميع عن هذا الفعل ... هب الجميع باحثين عن احد يتبرع بكليته لأخيهم - بعد ان ايقنوا ان أنفسهم هي اغلى عليهم من أخيهم -
بقيت نادية تنوح وتبكي عند اخيها الذي صار يغط في نوبات فقدان الوعي الطويلة , وظلّت تتسول الطبيب ان يعيد الكلية التي لديها الى أخيها حتى لا تكون سببا في موته متذرعة بأنها تحبه اكثر من نفسها, فهو الذي رعاها وهي في عامها الاول عند موت امهم .. تركت نوال العناية بنادية وانزوت حزينة تذرف الدمع سراً وتندب حبيبها بينما قلبها يتقطع ألما. وهي تنتظر ما يفعله الاخوة والأخوات من اجل أخيهم الكبير .. حضر الطبيب معلنا انه "اذا لم يبدأ بالعملية خلال وقت قصير جدا فان مصير حسين هو الموت حتما" ... انتفضت نوال كالمجنونة.. وهتفت امام الطبيب قائلة : ( انا من أهب حسين كلْيتي وليحدث ما يحدث وليقال ما يقال ..) كان تصرفها هستيريا .. حاول الطبيب اعادتها الى حالتها الطبيعية ولكنها اصرت بكل هستيرية ان تهب كلْيتها لحسين , وبينما ادخلت نوال غرفة العمليات بعد اجراء الفحوصات والتحاليل . حضر بعض الاخوة والأخوات من غير صيد بأيديهم فقد خاب سعيهم . ولكنهم فرحوا كثيرا حين علموا ان نوال تبرعت لأخيهم بكلْيتها .. وشرعوا يتحدثون عن المال الذي سوف يهبونه لنوال مقابل كليتها .. وبينما اكتمل حضور الاخوة والأخوات كانت العملية قد توقفت .. فقد مات حسين لحظة رفع كلية نوال .. تصايح الاخوة يندبون اخاهم وبكت الاخوات اخاها .. وبينما هم على هذه الحال ينتظرون استلام جثة آخيهم حضر احد الممرضين مسرعا.. وهو يهتف : ( لقد ماتت الطفلة التي كانت مع المريض في غرفة ألانتظار ) هب الجميع نحو نادية ليجدوها جسدا صغيرا ذاويا كزهرة رمان قطفت في اول الربيع .. تحول الماء أجاجا.. والخبز دماءا والهواء دخان خانق .. تمزق رحم المرأة تحول الى اسماك قرش ينهش بعضها البعض.. الغيوم تمطر حامض النتريك وصاحب الكلب يعض كلبه والكلب يتألم بينما النهر طرد جميع الاسماك فتحولت الى عقبان ونسور وحداء .. كنت انا اراقب الصحراء منتظرا ولدَي مسلم بن عقيل بن ابي طالب بن عبدالمطلب .. فقد وعدني قصي بن كلاب بأنه سوف يحضرهم سالمين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024


.. السجن 18 شهراً على مسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-




.. وكالة مكافحة التجسس الصينية تكشف تفاصيل أبرز قضاياها في فيلم


.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3




.. فيلم مصرى يشارك فى أسبوع نقاد كان السينمائى الدولى