الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجارب ربع قرن فى إدارات الجامعة

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2014 / 2 / 19
التربية والتعليم والبحث العلمي


لقد قضيت قرابة أربعة وعشرين عاما فى العمل الإدارى منذ توليت لأول مرة رئاسة قسم اللغة الانجليزية بكلية الآداب بقنا فى عام 1990م وانتهاء بعمادة كلية الآداب بأسوان. وخلال هذه الفترة تعاملت مع كثيرين من عمال وموظفين ومعيدين وأعضاء هيئة تدريس وعمداء كلية ونواب رئيس جامعة ورؤساء جامعة. الجدير بالذكر أن بعض هؤلاء قد قضى نحبه وأنتقل إلى رحمة الله والبعض الآخر مازال على قيد الحياة. لقد وددت أن استرجع ذكرياتى وبعض تجاربى إذ إن بعضها تجارب جيدة وبعضها تجارب مريرة. لعل تسليط الأضواء على هذه التجارب يفيدنا فى تحديد بعض الأسباب والعوامل التى أدت وتؤدى إلى انهيار منظومة التعليم الجامعى فى مصر وفى التعرف على المظاهر التى تعكس هذا الانهيار.

يعنى ايه بتاع انجليزى؟
لم تمض بضعة شهور على تعيينى معيدا بالجامعة فى عام 1981م حتى وجدتنى أقوم بأعمال الملاحظة فى الامتحانات. بعد توزيع أوراق الأسئلة (امتحان مادة اللغة الانجليزية) على طلاب كلية العلوم بأقسامها المختلفة جاءنى مراقب الدور وهو دكتور بكلية العلوم والذى اعتقد أننا أخطأنا فى توزيع أوراق الأسئلة حيث توجه نحوى والغضب يتطاير من عينيه وملوحا بورقة الأسئلة فى وجهى قائلا: ما الذى فعلته؟ لماذا قمت بتوزيع أوراق الأسئلة على طلاب جميع الأقسام رغم أن ورقة الأسئلة مدون عليها قسم كذا فقط؟ قلت له إننى متخصص فى اللغة الانجليزية وأعلم أن الامتحان لجميع الطلاب. فوجئت به يصيح قائلا: يعنى ايه بتاع انجليزى؟
قلت له: عليك استدعاء أستاذ المادة للتأكد من صحة ما قمنا به. جاء أستاذ المادة وقرر أننا على صواب وأن الامتحان لكل الطلاب. لم يعتذر المراقب وأراد أن ينزوى بعيدا فقمت بسحبه من يده قائلا: كان يجب عليك أن تكون متأدبا ولا تتحدث بهذه الطريقة معى أمام الطلاب قبل التأكد من الواقعة. أحيلت الواقعة إلى الشئون القانونية حيث تلقيت خطابا مدونا عليه عبارة "سرى للغاية" وخضعت للتحقيق وتلقيت خصما من المرتب يوازى ثلث المرتب فى تلك الفترة حيث كان مرتبى لا يتجاوز 60 جنيها مصريا.

نجل العميد
بعد عودتى من البعثة الخارجية فى الولايات المتحدة فى عام 1988م علمت أن مراقب اللجنة إياه أصبح أستاذا وبات يعمل عميدا لكلية التربية. ذات يوم جاءنى أحد الزملاء وكان مدرسا بكلية التربية ليخبرنى بأن نتيجة دفعة الفرقة الرابعة فى المادة التى قمت بتصحيحها متدنية وأن الكنترول فى حاجة إلى رفع بعض الحالات. توجهت بصحبة الزميل إلى مكتب عميد الكلية فوجدت المكتب مفتوحا لكننى لم أجد العميد فتوجهت إلى مكتب رئيس الكنترول الذى أكد أن النتيجة فى حاجة إلى تحسين فقلت له بأن السرية من أهم الشروط لإعادة النظر. وبالفعل استلمت كراسات الإجابة كلها وقررت رفع كل الحالات التى تحتاج إلى عشرة درجات ثم قمت بتسليم كراسات الإجابة للكنترول المختص. لم تمض بضعة أيام حتى تلقيت خبرا أن ما حدث أصبح يشكل مشكلة لأن أحد المستفيدين من الرفع هو نجل عميد الكلية ثم تلقيت اتصالا تليفونيا من رئيس الفرع الذى طلب منى ألا أقوم بتسليم درجات أعمال السنة. تم تحويل الأمر إلى التحقيق حيث قام المحقق بتوجيه بعض الأسئلة منها لماذا لم أقم بتسليم أعمال السنة الخاصة بالفرقة الرابعة فقلت له إن رئيس الفرع طلب منى ألا أفعل. وحينما تم توجيه نفس السؤال لرئيس الفرع أنكر سيادته ذلك. وبالفعل لم استطع إثبات الاتصال التليفونى. تم تحويل الأمر إلى مجلس تأديب استمر لمدة سنة كاملة وتفاوتت العقوبات بين تنبيه ولوم للأطراف المتورطة فى هذه الواقعة.

منع المعيدين من التدريس فى تربية
بعد مرور أقل من سنة على تولى مسئولية القسم تلقيت خطابا من أ.د. عميد كلية التربية مفاده أن قسم اللغة الانجليزية بكلية الآداب والمنوط به تدريس المواد الأكاديمية لطلاب كلية التربية شعبة اللغة الانجليزية ليس به سوى عضو هيئة تدريس واحد وهذا العضو لن يستطيع تغطية كل المقررات فى كليتى الآداب والتربية ومن ثم فهو يرى أنه من الضرورى أن نستعين بمدرسى طرق تدريس اللغة الانجليزية لتدريس المواد الأكاديمية بكلية التربية. توجهت إلى مكتب عميد كلية التربية حيث التقيت اثنين من مدرسى طرق التدريس واتفقت معهما على تدريس المواد الأكاديمية. فعلت ذلك لأن القسم لم يكن به أعضاء هيئة تدريس ومن ثم فإن الإصرار لن يجدى بل ربما يأتى بنتائج عكسية. فى العام التالى انضم للقسم عضوان جديدان فقررت سحب المواد الأكاديمية من مدرسى طرق التدريس وإسنادها إلى العضوين الجديدين. لم ينته الأمر عند هذا الحد حيث قام مجلس كلية التربية بالموافقة على إسناد المواد الأكاديمية إلى مدرسى اللغة بكلية التربية وسحب هذا الاختصاص من قسم اللغة الانجليزية بكلية الآداب. وفور تلقى هذا القرار فقد قمت بكتابة مذكرة حيث أوضحت أن قرار مجلس الكلية الموقر يأتى مخالفا للمادة 128 من قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972م التى تشير إلى أن أقسام اللغات بكلية الآداب هى المنوط بها الإشراف على مدرسى اللغة بسائر كليات الجامعة. وبالفعل نجحنا فى إلغاء القرار.

أنت متعرفيش أنا مين؟!
كنت جالسا فى مكتبى فإذا بدكتورة منتدبة تدخل باكية وشاكية من تصرفات طالبة بكلية الآداب بقنا. طالبتها بالتماسك والهدوء حتى نفهم ما حدث. لقد تبين أن الطالبة كانت تتحدث فى تليفون ميناتل (قبل ظهور المحمول) فطلبت الدكتورة من الطالبة سرعة إنهاء مكالمتها حتى تستطيع أن تجرى مكالمة مهمة. ثارت الطالبة وتحدثت إلى الدكتورة بطريقة غير لائقة حيث تجاوزت كل حدود اللياقة والأدب. لم تمر لحظة بسيطة حتى حضر أمين الكلية مستفسرا عما حدث فطلبت منه أن يستدعى الطالبة فورا وإذا لم تحضر فسوف نتجه لمقابلة رئيس الجامعة. وبالفعل حضرت الطالبة بصحبة والدها وأمين الكلية حيث تبين أن والدها يعمل فى جهة سيادية محترمة. وفور أن روت الدكتورة تفاصيل الواقعة بادر والدها بالاعتذار وأبدى أسفه وحزنه على تصرفات ابنته. شكرت والدها على مبادرته لكن أوضحت أن اعتذاره ليس كافيا لأنه لم يرتكب خطأ مباشرا فى حق الدكتورة لكن ابنته الطالبة هى التى أخطأت ومن ثم يجب أن تعتذر. وبالفعل قامت الطالبة وتقدمت بالاعتذار لأستاذتها.

البنات دول ميدخلوش الكلية
فى عام 2003م حيث كنت أتولى عمادة كلية الآداب بأسوان علمت أن أمين الكلية ارتكب بعض المخالفات وقدم لى عامدا معتمدا بعض المعلومات الخاطئة فقررت استبداله بآخر وتقدمت بطلب بهذا الشأن إلى نائب رئيس الجامعة بأسوان. لقد أعتقد أمين الكلية أن الفتاتين اللتين تعملان فى السكرتارية مسئولتان عن فضح ممارساته فأوغر صدر النائب تجاههما. ذات صباح وبينما أقاوم أعراض الأنفلونزا فى منزلى اتصلت بى السكرتيرة قائلة إن خطابا مغلقا قد ورد من مكتب نائب رئيس الجامعة. طلبت منها أن تقوم بفتح الخطاب وقراءته ثم إغلاقه مرة أخرى بعد تصويره. لقد تبين أن النائب المحترم يبلغنى أنه قرر منع دخول الفتاتين إلى الكلية. جلست إلى مكتبى بالمنزل وكتبت مذكرة لرئيس الجامعة الذى كان فى زيارة للقاهرة. فور الانتهاء من الكتابة قمت بالاتصال بسكرتارية الرئيس لكى أحصل على رقم الفاكس الخاص بسيادته فى القاهرة. وبالفعل أرسلت فاكسا لرئيس الجامعة وفى نفس الوقت اعتذرت عن عدم حضور مجلس الجامعة فى الغردقة. توجه النائب إلى الغردقة حيث شارك فى المجلس ثم عاد إلى أسوان. وفى نفس اليوم تلقيت مكالمة تليفونية من السكرتارية مفادها أن مدير مكتب النائب حضر إلى مكتبى طالبا استرداد ذلك الخطاب الذى سطره النائب.

بذور الفتن الطائفية
فى عام 2004م دخلت مكتبى طالبتان مسيحيتان وأولياء أمورهما، فدعوتهم للجلوس بادر أحد أولياء الأمور قائلا إنه فضل اللجوء إلى بدلا من أية جهات أخرى.. وواصل حديثه مشيرا إلى أن هاتين الطالبتين تتعرضان للتحرش من قبل إحدى الطالبات المنتقبات. طلبت منهم كتابة مذكرة تفصيلية بكل ما بدر منها مع ضرورة إدراج بيانات الطالبة المشكو فى حقها. وعلى الفور طلبت مقابلة الطالبة التى حضرت إلى مكتبى فى وجود عضو الشئون القانونية. سألت الطالبة سؤالا بسيطا: هل حدث منك كذا وكذا مذكرا إياها أنها متدينة ولا يمكن أن يصدر عنها أقوال كاذبة. اعترفت الطالبة بكل الأخطاء التى ارتكبتها فى حق الطالبتين حينئذ طلبت منها التوجه مع عضو الشئون القانونية لاستكمال التحقيقات فى هذا الشأن. انتهى الأمر بفصل الطالبة لمدة شهر.

تعال أنت شتمت سوزان
دأب نائب رئيس جامعة التدخل فى شئون الكليات بشكل سافر. ذات يوم ابلغنى أمين الكلية أن السيد النائب قرر أن يجمع عمال جميع الكليات الساعة السابعة صباحا لتنفيذ أعمال النظافة فى الفرع وهدده بإحالته للتحقيق إذا لم يقم بإرسال العمال. اتصلت برئيس الجامعة لأبلغه بهذه التجاوزات فجاء رده صادما: معلش هو النائب.

وفى احد الأيام قام احد الموظفين بافتعال مشاجرة مع أمين الكلية الذى قدم مذكرة فقمت بإحالتها للشئون القانونية. وفى اليوم التالى قام الموظف بكتابة مذكرة وقدمها للنائب الذى قام بإحالتها للشئون القانونية متجاهلا عميد الكلية. علم رئيس الجامعة بالتوترات الحاصلة فى الفرع فقرر أن يطرح الموضوع للمناقشة بعد انتهاء جدول أعمال مجلس الجامعة حيث سمج للمتضررين من تصرفات النائب التحدث عن التجاوزات. لقد شرحت للمجلس ما يفعله النائب معنا وأضحت أن هذه التصرفات من شأنها أن تضعف مكانة العميد. وفى اليوم التالى وفى حوالى الساعة السابعة صباحا تلقيت مكالمة تليفونية من النائب يطالبنى فيها أن احضر فورا لأن هنالك شكوى ضدى فحواها أن أحد أعضاء هيئة التدريس (مدرس) أبلغه أننى شتمت سوزان مبارك. فقلت له هل ورد هذا الاتهام فى مذكرة رسمية أم كلام مرسل فقال لى أنه لم يكتب مذكرة بهذا الأمر، فطلبت من سيادته أن ينهى المكالمة. وعلى الفور أجريت مكالمة تليفونية مع رئيس الجامعة لأبلغه ما حدث ففوجئت به يطلب منى الذهاب لمكتب النائب. بالطبع لم أذهب ولم التق بالنائب مما أغضب رئيس الجامعة الذى رفض تجديد فترة العمادة وفضل أن يترك الكلية بدون عميد لمدة أربعة شهور. لقد أعتقد رئيس الجامعة أنه بذلك يعاقبنى وإننى سوف أسعى هنا وهناك مقبلا الأيادى لكى أعود إلى منصب. لم أفعل أيا من هذه الأمور، هذا رغم أن العمادة من حقى القانونى لكونى الأستاذ الوحيد فى الكلية فى تلك الفترة. ظللت طوال الشهور الأربع أتوجه إلى الكلية لإلقاء المحاضرات من دون الاهتمام بأمر المنصب الادارى الذى يمثل عبئا على القائمين عليه ولا يرتبط بأية ميزة.
فى مقال آخر سوف أسرد بعض المواقف والتجارب التى خضتها بعد تحول فرع الجامعة بأسوان إلى جامعة مستقلة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هجوم إسرائيل -المحدود- داخل إيران.. هل يأتي مقابل سماح واشنط


.. الرد والرد المضاد.. كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟ و




.. روايات متضاربة حول مصدر الضربة الإسرائيلية لإيران تتحول لماد


.. بودكاست تك كاست | تسريبات وشائعات المنتجات.. الشركات تجس الن




.. إسرائيل تستهدف إيران…فماذا يوجد في اصفهان؟ | #التاسعة