الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرة سورية إلى أوكرانيا المنتفضة

محمود الحمزة
(Mahmoud Al-hamza)

2014 / 2 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


نظرة سورية إلى أوكرانيا المنتفضة
إن ما يجري في أوكرانيا ناتج عن احتقان شعبي وتذمر من استمرار الفقر والبطالة وتدهور مستوى المعيشة مقترن باستبداد وفساد كبيرين ولا يخفى على أحد أن الطبقة الحاكمة في كييف فاسدة وهي طبقة الأوليغاركية (الأوكرانيون الجدد على شاكلة الروس الجدد في موسكو).
لم تكن الثورة البرتقالية التي حدثت في أوكرانيا منذ سنوات ثورة حقيقية لأنها نقلت السلطة من طبقة فاسدة إلى طبقة فاسدة حيث تزعم كلا الفريقين المتصارعين على السلطة، قوى وشخصيات ليس لها تاريخ مشرف بل كانت مدعومة من جهات خارجية بالدرجة الأولى. علماً أن الشعب – وقود الثورة- كان صادقا في انتفاضته واحتجاجاته معبراً عن طموحه نحو تحسين حياته المعيشية والتمتع بحرية وبحقوق إنسانية وفق النموذج الأوروبي. ويمكن القول إن الأطراف المتعارضة في أوكرانيا اليوم لا تختلف كثيراً عن بعضها من حيث سلوكها وتعاملها مع مصالح الشعب والبلاد. لكن الفرق أن فريقاً يمثل أبناء غرب أوكرانيا ذوي الميول القومية المتعصبة المعادية لكل ما هو أجنبي وخاصة روسي وسوفييتي وشيوعي. كما أن نسبة كبيرة من هؤلاء الأوكرانيين يحلمون بالانضمام بالاتحاد الأوروبي وقد كرهوا النمط السوفييتي والروسي المعاصر.
ويجب الأخذ بعين الاعتبار أن أوكرانيا مقسمة كدولة إلى 3 أجزاء: الجزء الغربي (الذي يتميز بزيادة عدد أبناء القومية الأوكرانية الذين يتبع جزء مهم منهم الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية) ويريدون تأسيس دولة قومية أقرب لأوروبا الغربية منها لروسيا، والجزء الشرقي معظم سكانه من القومية الروسية وهي منطقة غنية بالثروات والصناعات الثقيلة من أيام الاتحاد السوفييتي وهي تميل لروسيا. وهناك المنطقة الوسطى- الجنوبية معتدلة. ونسبة المنتمين للقومية الأوكرانية تزيد عن 75 %. ونسبة الأرثوذكس تزيد عن 90%.
ويصعب التمييز بين الروس والأوكران لأنهم شعبان سلافيان ولهم تاريخ مشترك ولغة متقاربة جداً ويكفي القول إن بداية الدولة الروسية القديمة منذ أكثر من ألف سنة وبداية اعتناق الديانة المسيحية انطلقت من كييف – عاصمة الدولة الأوكرانية.
ولا ننسى أن أشهر قادة الاتحاد السوفييتي مثل نيكيتا خروتشوف وليونيد بريجنيف وميخائيل غورباتشوف كانوا من أصول أوكرانية. وعرفت أوكرانيا أيام الاتحاد السوفياتي بنهضتها العلمية والصناعية والزراعية ومفاعلاتها النووية واسلحتها المتطورة (أتلفت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي رؤوسها النووية مقابل دعم مالي غربي). ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي تدهورت البنية التحتية وتم خصخصة القطاع الحكومي ونشأت طبقة من الطفيليين الأغنياء وتم افقار البلاد بالرغم من بعض المساعدات الخارجية.
وتقف أوكرانيا على حافة الانقسام إلى قسمين غربي مع أوروبا وشرقي مع روسيا.
أما موقف روسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي من أوكرانيا فقد اعتمد على ضرورة اتباع الاقتصاد الأوكراني وبالتالي السياسة الأوكرانية لسياسة موسكو. وانعكس ذلك بشكل خاص في مجال الغاز الطبيعي الذي تصدره روسيا إلى أوروبا عبر أنابيب تمتلكها أوكرانيا وتمر في أراضيها، بالإضافة إلى أنها تشتري من روسيا ما تحتاجه من الغاز. وقد مارست موسكو ضغوطات هائلة على كييف عبر مؤسساتها المصرفية وشركاتها النفطية وأهمها شركة "غاز بروم" التي حاولت شراء أنابيب الغاز وكذلك الهيمنة على شركة النفط والغاز الأوكرانية، ونفس الشيء ينسحب على المجالات الاقتصادية الأخرى مثل قطاع المصارف حيث سعت موسكو لشراء البنوك الأساسية الأوكرانية مستغلة التأخر الكبير في النمو الاقتصادي وحاجة أوكرانيا للتمويل.
وبالرغم من أن موسكو قدمت قرضاً كبيرا يصل إلى 15 مليار دولار لكييف منذ أشهر بعد أن رفض الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش منذ عدة أشهر التوقيع على اتفاقية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وقد استلمت كييف 3 مليارات منها. وبعدها مباشرة انطلقت الاحتجاجات على عدم موافقة القيادة الأوكرانية الانضمام إلى المجتمع الأوروبي. وقد لاحظ المراقبون أن يانوكوفيتش حاول ابتزاز روسيا وأوروبا في نفس الوقت للحصول على مكاسب أكبر من روسيا في تخفيض سعر الغاز ومن أوروبا في تقديم قروض وتسهيلات مختلفة.
وتتمتع أوكرانيا بموقع استراتيجي في غاية الأهمية بالنسبة لروسيا وأوروبا في نفس الوقت. وأكثر ما تخشاه روسيا هو انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي وتبعيتها لحلف الناتو وإمكانية نشر الدرع الصاروخي على أراضيها الملاصقة لروسيا.
ومنذ اندلاع الثورة السورية قامت عائلة الأسد بتهريب أموالها إلى روسيا وأوكرانيا وروسيا البيضاء حيث استقر خالد بشار الأسد محمد مخلوف لأشهر طويلة وأشرف بنفسه على تحويل عشرات المليارات من الدولارات ليستثمرها من خلال شركات تأسست خصيصا لذلك في روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا تعمل في مجال البناء والمصارف والعقارات.
والمسألة الأهم في موضوع أوكرانيا أن روسيا تخشى اختراق غربي من الجهة الأوكرانية ما يسبب قلقاً كبيراً لها على ضوء أحداث الثورة السورية التي وإن صمدت روسيا وحافظت على موقف داعم للنظام السوري إلا أنها لا تشعر بالارتياح والتي عزلت موسكو عن عشرات الدول وخاصة في العلمين العربي والإسلامي وحتى في أوروبا، بل مجبر أخاك لا بطل على هذه المواقف التي تنسجم مع مصالح الروس الجدد والتي لا تتقاطع مع مصالح الشعب الروسي.
ومن خلال متابعة وسائل الإعلام الروسية في تغطيتها للأحداث في أوكرانيا نلاحظ نهجاً مشابهاً لتغطيتهم للأحداث في سوريا. فهنا بدأوا بالحديث عن نشوب حرب أهلية وعن المتطرفين ومحاولة انقلاب عسكري وعن تخريب البلاد وعن إرهابيين، ودعوا الرئيس الأوكراني لممارسة دوره كرئيس ويلمحون الى ضرورة استخدام القوة في قمع الانتفاضة الأوكرانية الشعبية.
وتتهم موسكو أمريكا وأوروبا بتحيزهم إلى جانب المتمردين و"الخارجين عن القانون" حسب وصف الساسة الروس، وتطالب روسيا بضرورة الحوار وترك المجال للشعب الأوكراني ليحل مشاكله دون تدخل أجنبي. وكأن هذه العبارات سمعناها من قبل في المشهد السوري.
لكن شتان بين التصريحات وبين الأفعال!
والسؤال الذي يطرح نفسه ويعرف جوابه الكثيرون. لماذا تقف القيادة الروسية بشكل أعمى ومتصلب إلى جانب الأنظمة الشمولية الديكتاتورية قافزة فوق مشاعر الشعوب في تلك الدول، وإنما دون مراعاة للاحتقان الشعبي في روسيا الذي قد ينفجر في يوم من الأيام. يوم لا ينفع مال ولا آمون (القوات الخاصة).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ضربة أصابت قاعدة عسكرية قرب أصفهان وسط إيران|#عاجل


.. القناة 12 الإسرائيلية: تقارير تفيد بأن إسرائيل أعلمت واشنطن




.. مشاهد تظهر اللحظات الأولى لقصف الاحتلال مخيم المغازي واستشها


.. ما دلالات الهجوم الذي استهدف أصفها وسط إيران؟




.. دراسة جديدة: اللحوم النباتية خطرة على الصحة