الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في منهاج العلوم الفلسطيني

محمد عودة الله

2014 / 3 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بادىء ذي بدء لا بد من الإشارة إلى أن مناهج التربية الفلسطينية هي تعبير عن واقع سياسي معين يكرس تفوق اليهودي وأعلى منه الغربي على الإنسان العربي، ,احد الوسائل لتحقيق ذلك من خلال تسميم الوعي العربي وإعادة إنتاج التخلف والذي بدوره يعزز الصورة النمطية التي تسعى الإمبريالية الغربية إلى نشرها وتعميمها، وبذلك يتم طلبنة أي تعميم نموذج طالبان على العالم العربي والإسلامي، الأمر الذي يستخدم مبررا للإمبرياليين (أقصد النظام السياسي وليس الشعوب) لإحكام قبضتهم علينا من خلال ما يسمى الحرب على الإرهاب أو حتى الإحتلال العسكري المباشر، بإختصار الصورة النمطية عنا هي أننا متعصبون دينيا وجبناء وتحكمنا الغريزة وإرهابيون...إلخ من الصور النمطية المختزلة، وفي مواجهة ذلك فإن مناهج التعليم لدينا لا تسعى إلى خلق إنسان معاصر يؤمن بقيم إنسانية كونية كالعدل والمساواة والحرية وإحترام الإنسان لأخيه الإنسان والتسامح والتكافل الإجتماعي، ويؤمن بذاته أو بثقافته وقدرتها على الإنجاز مدركا أنها تتغير، بدل من ذلك يعمل الإعلام والسياسة والتعليم وثقافة الفهلوة السائدة على تسميم الوعي وتعزيز الصور النمطية من خلال الترويج لها وخلق الظروف المثالية لإنتاجها من بطالة وجهل وقهر وكبت وهدر كرامة الإنسان وعدم الإحساس بالأمان وإتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء وتعميم ثقافة الإستهلاك، ومنهاج العلوم الفلسطيني كأحد مفرزات أوسلو لم يسلم من هذه الهجمة الإمبريالية.
يتم إفتتاح بعض من فصول منهاج العلوم الفلسطيني بآيات من القرآن الكريم، ومن مخرجات هذا العمل والجهود الأخرى في هذا الإتجاه، كما قيل لي من أستاذ جامعي، أن كثير من طلاب الجامعات وحتى المواطنين العاديين يؤمنون جازمين بأنه لا فصل بين العلم والدين وأن الدين هو مصدر العلم، وهذه آراء دافع بإستماتة عنها مشرفون للعلوم في وزارة التربية والتعليم من خلال ورشات عمل قمت بها في إطار عملي السابق، وهذا موقف مغفل لقرون من البحث العلمي وحقيقة أن الدين لم يتحدث عن DNA أو الموصلات الفائقة أو الليزر أو الكهرباء أو الراديو أو صور الأشعة الطبية وآلاف المكتشفات العلمية الأخرى، الهدف من ذلك هو الإستثمار في الرأس المال العلمي وإضفاء صفة العلمية على أمور هي في حقيقتها إيمانية وقد تتناقض مع العلم، ولا ضير أن يكون الثمن الذي يضحى به هو عقول بناتنا وأبنائنا والعلم والبحث العلمي نفسه الذي يكاد يكون غير موجود أصلا في العالم العربي والإسلامي.
إن فكرة الخلط بين العلم والدين هي فكرة سادت أوروبا في العصور الوسطى وساهمت في التخلف العلمي هناك لقرون طويلة، حيث بسطت الكنيسة سيطرتها على كل نواحي الحياة، وإحتكرت لنفسها ما إدعت أنه الحقيقة وتعريف ما هو علمي وما هو هرطقة، وحاربت بضراوة كل من حاول الخروج عن هذا الإطار تكريسا للإقطاع حتى في سبيل العلم، والنتيجة كانت غرق أوروبا في عصر الظلمات، يتم إعادة إنتاج هذه الفكرة في العالم العربي والإسلامي بإعتباره ساحة مفتوحة للخراب والسموم الإمبريالية التي تطال كل مناحي حياتنا، ولا يوجد لدي أدنى شك أن من إستدخل هذه الفكرة في عالمنا العربي، حصل على تربيتة على الكتف مع إبتسامة خبيثة من أسياده في الغرب الإمبريالي.
الإشكالية في هذه الفكرة تكمن في أن الباحث يجب أن يكون منفتح العقل لنتائج التجربة مهما كانت، فمعيار الحقيقة الذهبي هي التجربة، وعندما يقوم الباحث بالبحث ولديه إيمان مقدس بنوعية النتائج المتوخاة، فسيقع في ورطة إذا ما خالفت النتائج معتقداته، فإما أن يرفض النتائج وبالتالي التخلي عن الطريقة العلمية وهذا المرجح أو سيتخلى عن كافة معتقداته، إذن في ذلك مشكلة للعلم والدين أيضا، والأشكالية الثانية هي أن تصبح النصوص المقدسة ليست كتب لإيمانيات ولكن مراجع علمية، إذ أن مرجع الباحث يجب أن يكون علوم وأبحاث سابقة وليس الكتب المقدسة أو التراث، وطبعا المكتبات العربية تعج بالكتب التي تتحدث عن ما يسمى الإعجاز العلمي في القرآن، والذي هو من فروع الدين وليس من أصوله، إذ إن العقيدة الإسلامية مبنية على وحدانية الله، وليس من وظيفة العلم إثبات ذلك أو نفيه، وأي فكرة لا يمكن إختبارها كالملائكة مثلا هي ليست فكرة علمية، بل هي قضية إيمانية، وهل يقبل أولئك المتشدقون بما يسمى الإعجاز العلمي في القرآن برحابة صدر أن يتم الطعن موضوعيا في بعض القضايا العلمية التي وردت في القرآن وهي كثيرة؟ الجواب طبعا لا، إذا كان الحال كذلك فاليبقوا الدين بعيدا عن العلم، وما يحدث فعلا هو أن مساحة المقدس تتسع في قفزات وتضيق بالتالي مساحة الحوار والعقل والمنطق والعلم أيضا.
مشكلة أخرى هي أن المنهاج الفلسطيني بذلك هو منهاج طائفي، فهو يصلح لمجتمع جميع أفراده مسلمون ويؤمنون بنفس النسخة من الإسلام، تلك النسخة التي تخلط بين العلم والدين، ومجتمعنا ليس كذلك، وبحسب معرفتي لدينا سلطة حكم ذاتي تقول بالعلمانية، طبعا هناك تجليات أخرى للطائفية في المنهاج، فمثلا في أحد الصفوف يتم ذكر أن الكحول تضر بالجهاز العصبي المركزي، ولذلك حرمها الإسلام، والرسالة التي يتلقاها أبنائنا وبناتنا هنا أن الإسلام أفضل من غيره من الديانات التي تسمح بتناول الكحول كالمسيحية مثلا! وهذا ليس طائفي فقط بل نصف الحقيقة ويكد يصل التضليل، إذ لا يذكر مثلا €---;---أن قليل من النبيذ الأحمر يوميا يخفف من الجلطات، وهذا يؤشر أن هم منهاج العلوم هو تثبيت صدقية الأسلام وليس العلم أو تحري الدقة العلمية.
من تمثلات هذا الخراب هو الأبحاث التي تدعي العلمية وتنطلق من الدين وترتبط ليس بمحاولة الوصول إلى مقاربة لحقيقة علمية بل بمحاولة تعزيز العقيدة لدى جمهور بدأ يفقد إيمانه في كل شيء، فهناك أبحاث على الحبة السوداء وبول الإناث والعسل وغيرها مما ذكر في الحديث أو القرآن، ونجد مثلا بحثا على بول الجمل لعلاج السرطان في إحدى الدول المعروفة للأسف بإنتاج النفط أكثر من إنتاج العلم، يستخدم البحث آخر صيحات التكنولوجيا في النانوتكنولوجي، وكأن هناك إحساس دفين بأن البحث ليس علمي، فيغطي على عورته بإستخدام أحدث الوسائل العلمية! وفلسطينيا تقوم مؤسسة "وطنية" تدعي تطوير تعليم العلوم بالترويج لمثل هذه الأبحاث في ورشات عملها مع شركاء أوروبيين، تلك الورشات التي تغطيها جرائد يومية بشكل دؤوب ومثابر!
طبعا هناك إشكاليات أخرى في منهاج العلوم في مبحث الأحياء وهو تخصصي، يمكن معالجتها ولا مكان لذكرها الآن لأنها تقل خطورة عما تم ذكره€---;---.
لا يمكن لأي نهضة أن تحصل في العالم العربي أو في أي مكان بمعزل عن التعليم، هذا ما يجب أن ندركه، وهذا ما يدركه أعدائنا جيدا ويعملون عليه، وما لدينا في منهاج العلوم الفلسطيني هو منهاج لشعب يحفرون له قبر خارج التاريخ وليس لشعب في طريقه إلى الإنعتاق والتحرر، وعندما تمتدح مسؤولة إمبريالية المنهاج الفلسطيني، فهذا السم هو بعض ما تقصده.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عضو الكنيست السابق والحاخام المتطرف يهودا غليك يشارك في اقتح


.. فلسطين.. اقتحامات للمسجد لأقصى في عيد الفصح اليهودي




.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية قوات الاحتلال صبيحة عي


.. هنية: نرحب بأي قوة عربية أو إسلامية في غزة لتقديم المساعدة ل




.. تمثل من قتلوا أو أسروا يوم السابع من أكتوبر.. مقاعد فارغة عل