الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هيجل والوعي الفلسفي بالحداثة

عبدالحق رحيوي

2014 / 3 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن الحداثة ظاهرة فكرية وثقافية وحضارية متعددة الأشكال ومختلفة السياقات،ومتعددة المعاني والدلالات،لذلك فكل محاولة لتقديم تعريف دقيق للحداثة يبقى دائما هو نظر لظاهرة "الحداثة" من زاوية واحدة، فالحداثة هي ذلك الأفق الدائم نحو المستقبل، هي محاولة جريئة لمعانقة كل العوالم الممكنة وتأسيس قطيعة مع القديم والأصيل والمقدس" .
إذا كانت الفلسفة وكما عبر عنها اليونانيون هي ذلك السفر نحو المجهول، فإن الحداثة هي مغامرة فكرية غير مضمونة نتائج، انطلقت شرارتها الأولى وكما حددها هيجل في"الاصلاح الديني،واكتشاف العالم الجديد،وعصر النهضة" .لكن لم تصل الى مرحلة الوعي بذاتها إلا معه، هذا الوعي تحقق للحداثة من حيث هي تحقيق للمعقولية، وتكريس للفردية، وتدشين لمرحلة جديدة تختلف كليا عن العصور القديمة،بهذا المعنى تكون الحداثة قد أصبحت واقعة.
يعتقد هابرماس أن قول هيجل بكون الحداثة هي تكريس للروح العصر أو بلغة أدق تدشين لعصر جديد هي تجسيد لاكتمال وعي الحداثة لذاتها، فالقول"بالعصرالحديث" يعني بالضرورة الخروج من نفق التقليد ومن سلطة الماضي المقدس الذي يلقي بأخطائه على الحاضر، فمشكلات الماضي تنتمي إليه، وأخطائه محسوبة عليه، ولا مكان لها في الحاضر، إن تحرير الفرد من قيود الماضي، سيفتح له آمالا "للتقدم" وللتفكير في المستقبل واستشرافه.
إن الوعي بالحاضر من حيث هو اختلاف عن الماضي ومتميز عنه، هو وعي بالزمان، ومن ثم وعي بالتاريخ، انبثق من نص "ما الأنوار؟" لكانط. لكن لم يكتمل الوعي بهما إلا مع هيجل، الذي سيعطي للحداثة بعد مفهوميا وإشكاليا. الأمر الذي سيجعل من هيجل في نظر هابرماس المرجع الذي ينبغي العودة إليه سواء من طرف التيار المحافظ أو الفوضوي،لمعرفة و"فهم الدلالة التي كانت تمتلكها العلاقة الداخلية بين الحداثة والعقلنة، تلك الدلالة التي أصبحت بديهية حتى مجيء "ماكس فيبر" والتي أضحت موضع تساؤل اليوم" . ويبرر هابرماس الرجوع الى هيجل بكونه أول فيلسوف طور وبوضوح مفهوما محددا للحداثة.
يخص هيجل الحداثة بسياقات ولحظات تاريخية محددة، كأن أن يقول مثلا "الأزمنة الجديدة" أو "الأزمنة الحديثة". وهي في نظر هابرماس تتماشى مع التداول السائد لهذه المفاهيم في كل من فرنسا وانجلترا. وتتميز هذه الأزمنة الجديدة، باعتبارها جديدا يؤسس لتواصل مع المستقبل واستشرافه من جهة، ومن جهة أخرى القيام بقطيعة مع الماضي والتقليد.
يقدم هابرماس تحديد غاية في الدقة في ما يخص دلالة "الأزمنة الحديثة"، إنها تعبير عن أفق، ووعي، وعن إرادة قوية تجعل من حاضر القرن الثامن عشر، إعلانا عن ميلاد جديد للبشرية، لقد حان الوقت لكي يكتب الإنسان تاريخا جديدا لنفسه، لأول مرة سيدرك الإنسان أنه فعلا مختلف كليا عن باقي الكائنات، سيتخلص من القدر الذي طالما آمن به.هذا ما يمكن أن نفهمه في نظر هابرماس من كون أن "الأزمنة الحديثة " كانت تعني في الغرب المسيحي " عصرا مقبلا لم يأتي بعد ولن يبدأ إلا بعد يوم الدينونة(...)أما المفهوم اللاديني للأزمنة الحديثة فإنه يعبر عن القناعة ببدء المستقبل" .
إن الوعي بكون الحاضر يختلف كليا عن الماضي، لأنه زمن حديث في مقابل الزمن القديم لأول المرة سنجد أنفسنا في نظر هابرماس أمام فلسفة التاريخ، التي ستأخذ معناها التام منذ هيجل، انطلاقا من هذا الوعي سيتم تشخيص الراهن، وتحليل العصور الماضية لمعرفة أن الأحداث التاريخية لا تشكل جزرا متباعدة ومنفصلة بقدر ما تربطها صيرورات عند اكتمالها في نظر هيجل ستعلن عن ميلاد الحداثة.
من هذا المنطلق لم يعد التاريخ مجموع الأحداث المتناثرة، بل أحداث يوحدها روح العقل في نظر هيجل، هذا التصور هو ما سيتم التعبير عنه بفكرة"التقدم"، فالتاريخ لا يعيد نفسه بل تحكمه غاية محددة سلفا هو الذهاب نحو تحقيق العقل في الواقع، وعندما يصبح "كل ما هو عقلي واقعي،وكل ما هو واقعي عقلي " بتعبير هيجل سيكون بمثابة إعلان عن عصر جديد. فإذا كان عصر هيجل تجسيدا لهذا المنطق سيكون لحظة ميلاد هذا العصر الذي سيشكل قنطرة العبور، وبعبور هذه القنطرة نكون قد انتقلنا من واقع التقليد الى أفق التجديد، وهذا ما يعبر عنه هيجل بقوله في تمهيده لفينومينولوجيا الروح " ليس من الصعب أن ندرك أن زمننا هو زمان ميلاد وزمن انتقال الى عصر جديد(....)إن اللامبالاة اللذين يغشيان كل ما هو باق والاستشعار الغامض بالمجهول ،كلها اشارات متقدمة عن شيء آخر يتم إعداده إن هذا التشتت ستوقفه اشراقة الشمس التي ترسم بناء العالم الجديد بسرعة وميض البرق" .
إن ما يدفع هابرماس الى القول أن "الوعي التاريخي بالحداثة " لم يبدأ إلا مع هيجل، هو أن هذا الوعي يتضمن تحديدا بين الأزمنة الجديدة و"الزمن الراهن"" .والزمن الراهن بلا شك هو زمن هيجل هو الزمن الذي ولد من قلب حدث تاريخي هذا الحدث هو من برهن إننا فعلا متميزون نحن فعلا انواريون. لقد وجد الفكر الأنواري من يجسده في الواقع إنها بلا الشك "الثورة الفرنسية" التي شكلت اشراقة شمس جديدة، وتدشين لعالم جديد بقيم جديدة ،إنها أكثر من ذلك؛ فهي تعبير صريح عن نهاية مرحلة تاريخية في عالم هو عالمنا. يترتب عن القول بهذه النهاية إعلان عن قطيعة مع الماضي، لهذه القطيعة دلالات لا يمكن تخيلها.
ما يجعل من الزمن الراهن زمنا يختلف جذريا عن الأزمنة الماضية هو الطابع الحركي الذي يعرفه هذا العصر فالمفاهيم التي تشكلت في أفق هذه التجربة حديثة من قبيل "الثورة،التحرر(...)التقدم،الأزمة،التطور"هذه المفاهيم التي غدت جوهرية ومفتاح لفلسفة هيجل فهي تعبر بوضوح عن مفهوم أصيل في الفلسفة الهيجلية وهو"روح العصر".فروح العصر تعني قبل كل شيء تحقيقه لماهيته الخاصة. لذلك تكون الحداثة في نظر هابرماس مع هيجل إعلانا عن القطيعة مع الإيحاءات والإلهامات المعيارية للماضي التي هي غريبة عنه.هذه القطيعة تفرض بالضرورة دفع الحداثة للبحث عن ضمانتها من ذاتها،لإضفاء المشروعية على نفسها باعتبارها ولادة لعصر جديد أعلن انفصاله عن الماضي واستشرافه للمستقبل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس تواصلت مع دولتين على الأقل بالمنطقة حول انتقال قادتها ا


.. وسائل إعلام أميركية ترجح قيام إسرائيل بقصف -قاعدة كالسو- الت




.. من يقف خلف انفجار قاعدة كالسو العسكرية في بابل؟


.. إسرائيل والولايات المتحدة تنفيان أي علاقة لهما بانفجار بابل




.. مراسل العربية: غارة إسرائيلية على عيتا الشعب جنوبي لبنان