الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معركة 6 فبراير 2014: انتصار آخر للتوجه النقابي الكفاحي بالمغرب

عبد الله لفناتسة

2014 / 3 / 5
الحركة العمالية والنقابية


معركة 6 فبراير 2014: انتصار آخر للتوجه النقابي الكفاحي بالمغرب
صفحة مشرقة جديدة يضيفها التوجه الديمقراطي داخل الاتحاد المغربي للشغل إلى سجل الكفاح النقابي المغربي. فإذا كنا نسترشد بملاحم عمالية كتبها آباؤنا منذ ثلاثينات القرن الماضي، فإن التاريخ النضالي للطبقة العمالية المغربية سيحتفظ بمعركة 6 فبراير 2014 كمحطة هامة في مواجهة المخططات التراجعية للدولة التي تستهدف مكتسبات المأجورين والجماهير الكادحة عموما، ومن أجل فرض المطالب النقابية العالقة وتنفيذ الالتزامات الحكومية المتراكمة منذ حوالي عقدين (اتفاق فاتح غشت 1996).
لقد بات مؤكدا بأن الدولة المغربية مستعجلة في تنفيذ مخططاتها الهجومية على مكتسبات الطبقة العاملة، خدمة لمصالح الرأسمالية المحلية والعالمية، مستغلة تراجع الحراك الشعبي الذي جسدته حركة 20 فبراير وتماطل قيادات المركزيات النقابية في خوض معارك فعلية لمواجهة مخططات الدولة المتمثلة على الخصوص في القرارات الحكومية الأخيرة وكذا مشاريعها قيد التحضير، ونذكر من بينها:
- التخلص التدريجي من الدور الاجتماعي لصندوق المقاصة، وما ينجم عن ذلك من زيادات حتمية في أسعار مواد العيش، وبالتالي تآكل القدرة الشرائية للكادحين، في ظل هزالة وجمود أجور ومعاشات أغلب المأجورين والمتقاعدين وإجهاز الدولة على الخدمات العمومية الاجتماعية من تعليم وصحة وسكن اجتماعي وخدمات أساسية.
- التراجع عن كل الالتزامات الاجتماعية السابقة سواء الواردة في البرامج الانتخابية والتصريح الحكومي أو التي كانت موضوع اتفاقات مع المركزيات النقابية وآخرها اتفاق 26 أبريل 2011، كالزيادة في الحد الأدنى للأجور وتوحيده وإحداث درجة جديدة لترقية الموظفين والمصادقة على اتفاقية الشغل الدولية رقم 87 الخاصة بالحرية النقابية وإحداث تعويض عن المناطق الصعبة والنائية ...
- الإمعان في تطبيق سياسة مالية تقشفية إزاء الجماهير الكادحة وكريمة إزاء الرأسمال، عبَّرَ عنها بوضوح قانون المالية لسنة 2014 بما تضمنه من زيادة في الضرائب غير المباشرة على المواد الاساسية وتخفيض الاستثمار العمومي وتخفيض ميزانيات القطاعات العمومية الاجتماعية وتقليص مناصب الشغل المحدثة والرفع من النفقات الضريبية (اعفاءاتـ وتخفيضات...) لفائدة كبار الرأسماليين.
- تصعيد الهجوم على الحريات النقابية من خلال التجميد شبه الشامل للمفاوضات الجماعية والتضييق على العمل النقابي الجاد بالمقاولات والتجمعات العمالية وقمع الاحتجاجات واعتقال ومتابعة النقابيات والنقابيين بالفصل 288 من القانون الجنائي وإعداد مشروع قانون يكرس تجريم هذا الحق العمالي التاريخي، واعتبار الإضراب غيابا غير مشروع عن العمل (الاقتطاع من الأجور، طرد المضربين ...).
- تعميق البطالة وهشاشة الشغل من خلال تخفيض مناصب الشغل المحدثة في الوظيفة العمومية والتغاضي أو تشجيع الباطرونا على التسريح الجماعي للعاملات والعمال وتعميم العقد المحددة المدة وانتهاك الحد الأدنى من الحقوق التي تضمنها مدونة الشغل.
- إعداد الحكومة لمشروع "إصلاح" أنظمة التقاعد بما يعنيه من تحميل المأجورين والمتقاعدين لمسؤولية ونتائج النهب وسوء التسيير الذي يسود صناديق التقاعد وامتناع المشغلين (دولة وخواص) عن تسوية الديون الناجمة عن أداء مساهماتهم لصناديق التقاعد لمدة عقود.
إن الحكومة تسابق الزمن لتطبيق ما تسميه "إصلاحات هيكلية" :إصلاح أنظمة التقاعد وإصلاح صندوق المقاصة وإصلاح منظومة الأجور إلى غيرها من "الإصلاحات" التي تحمل معنى مخالفاً بل مناقضاً تماماً لِما تأمله الجماهير. ذلك أن مفهوم "الاصلاح" يختلف باختلاف القوى التي تقوده وتنفذه. فإذا كانت الطبقة العاملة وعموم المأجورين تنتظر، مثلا، إصلاحا لأنظمة التقاعد يهدف إلى تعميم حق التقاعد على كافة البالغين السن القانوني وتحسين المعاشات وجعلها لا تقل عن الحد الأدنى للأجور، وقبل ذلك القيام بافتحاص ديمقراطي لواقع صناديق التقاعد وإرجاع الأموال المنهوبة منها منذ عشرات السنين، ومساءلة المسؤولين عن الاختلالات التي تعرفها مؤسسات التقاعد وإلغاء الاستثناءات التي استفاد بموجبها الوزراء والبرلمانيون وضباط الجيش والقضاة وغيرهم من معاشات غير مستحقة... فإن الدولة تعطي "للإصلاح" مدلولا مناقضاً لهذه الانتظارات الجماهيرية. وقس على ذلك مفاهيم إصلاح المقاصة وإصلاح الأجور وإصلاح القضاء والإصلاح الإداري والإصلاح الزراعي وإصلاح التعليم ...
فالدولة المغربية ما عادت تخفي خضوعها التام لتوجيهات المؤسسات المالية الدولية، كما أن هذه الأخيرة، على لسان كريستين لاغارد رئيسة صندوق النقد الدولي، ما عادت تتحفظ في إملاء تفاصيل السياسات العمومية المفروضة على بلادنا (صندوق المقاصة، كثلة الأجور، التقاعد، الخدمات العمومية، ...).
إذا كانت الشروط الموضوعية متوفرة، بل ضاغطة، لخوض معارك وطنية من أجل الحفاظ على مكتسبات المأجورين والدفاع عن حقوقهم، فإن صد الهجمة الرأسمالية الجديدة يتطلب حداً أدنى من حشد القوى وتصليب التنظيم والتعبئة الجماهيرية حول مطالب محددة وواضحة، أي توفير الشرط الذاتي للانتصار في هذه المعارك. وهنا تكمن المعضلة، ذلك أن النظام عَمِلَ على بلقنة الساحة النقابية ونجح إلى حد كبير في تدجين النقابات وحصر مجال فعلها في دائرة ضيقة: "الحوار الاجتماعي" كما تراه ومتى تريده الدولة.
وهنا أيضا تكمن مسؤولية التوجه الديمقراطي النقابي وأهمية المعركة التي قادها يوم 6 فبراير 2014 تحت شعار: "النضال الوحدوي لمواجهة الهجوم على مكتسباتنا والدفاع عن حقوقنا".
قبل محطة 6 فبراير 2014، يسجل للتوجه الديمقراطي النقابي أنه قاد، منذ سنتين على الأقل، معارك قطاعية ومحلية وفئوية، وخاض أو شارك في معارك وطنية (27 ماي 2012، 28 فبراير 2013، 31 مارس 2013)، ولا يُفوِّتُ فرصة دون أن يوجه النداء للمكونات المناضلة في الساحة النقابية للانخراط في معارك وحدوية يفرضها الظرف الراهن، قطاعيا وفئويا، تُتوَّج بمعارك وطنية (إضراب عام، مسيرات، الخ)؛ وأن تُطوِّر التنسيق بينها إلى "عمل استراتيجي هدفه الوحدة النقابية التنظيمية المنشودة"، مرورا بالهدف الآني المتمثل في "تشكيل جبهة نضالية نقابية للتصدي للعدوان ضد مكاسب وحقوق الشغيلة".
لكن أمام شراسة الهجمة الرأسمالية وتقاعس القيادات النقابية "عن طرح أية خطة نضالية لمقاومة العدوان على الأجراء"، لم يجد الاتحاد النقابي للموظفين/ات (التوجه الديمقراطي) بداً من أخذ زمام المبادرة والدعوة إلى خوض إضراب عن العمل يوم 6 فبراير 2014 في القطاعات الوزارية والجماعات الترابية والمؤسسات ذات الصبغة الإدارية مرفوقا بمسيرة عمالية صباح نفس اليوم.
لقد شكلت الدعوة إلى إضراب وطني ومسيرة ممركزة بالرباط، تحديا لكل الاجراءات القمعية التي اتخذتها الدولة في المدة الأخيرة من قبيل الاقتطاع من أجور المضربين (140 ألف يوم عمل خلال الشهور الأربعة الأولى من سنة 2013)، والمتابعات القضائية للعاملات والعمال بمقتضى الفصل 288 من القانون الجنائي، والقمع الدموي للأستاذات والأساتذة المعتصمين بالرباط والتهديد بعزلهم بدعوى "الغياب غير المبرر عن العمل" ...
بل إن الحملة المضادة التي قادتها الأجهزة الإدارية ووسائل الإعلام المخزنية ونقابة الحزب الإسلامي (الاتحاد الوطني للشغل)، تصاعدت مع اقتراب موعد الإضراب، بين ترهيب الموظفات والموظفين والادعاء بعدم شرعية الإضراب والمسيرة المؤطرين من التوجه الديمقراطي، وترويج دعاية مفادها أن الحكومة استأنفت "الحوار الاجتماعي" مع المركزيات التمثيلية وبالتالي لا ضرورة للاحتجاج...
وفضلاً عن توفير الشروط لنجاح معركة 6 فبراير، فإن التعبئة التي انخرط فيها مناضلو ومناضلات التوجه الديمقراطي، شكَّلتْ فرصة أخرى للتواصل المباشر مع المأجورين والاستماع إلى همومهم وانتظاراتهم ورفضهم للمخططات التراجعية للدولة واستنكارهم لقرارات الحكومة التي تنفذ هذه المخططات، وانتقاداتهم لقيادات المركزيات النقابية التي تتردد في خوض معارك نضالية موحدة وكذا تثمينهم للقرارات الجريئة التي يتخذها الاتحاد النقابي للموظفات والموظفين والنقابات الديمقراطية المرتبطة به دفاعا عن مكتسباتهم وفرض مطالبهم المشروعة.
صباح يوم الخميس 6 فبراير2014، ومن خلال التواجد الكثيف، منذ الساعات الأولى لمختلف الأجهزة القمعية والاستخباراتية بساحة الكرامة (الإسم الجديد الذي أطلقته حركة 20 فبراير على ساحة باب الأحد) والأزقة والشوارع المؤدية إليها، كان يبدو أن الرباط على موعد مع حدث استثنائي. وما أن حلَّت العاشرة صباحا حتى ضاقت الساحة بآلاف الموظفات والموظفين والعاملات والعمال الذين قدموا من مختلف جهات المغرب ومن الصحراء معتمدين على إمكاناتهم المادية المتواضعة، ومنهم من قضى الليل على متن القطار أو الحافلة أو وسائل النقل الخاصة ليكون في موعد مع التاريخ. فلا طول المسافة ولا برودة الطقس ولا التهديد بالقمع وبالاقتطاع من الأجور ولا الدعاية المضادة... استطاعت ان تحول دونهم والمشاركة في المسيرة العمالية ليوم 6 فبراير.
لمدة ثلاث ساعات سار حوالي 15000 مشارك/ة على طول المسار الذي سطره المنظمون انطلاقا من ساحة الكرامة إلى محطة القطار مرورا بالبرلمان، حاملين الأعلام ولافتات الاتحاد النقابي للموظفين/ات والجامعات الوطنية للتعليم والقطاع الفلاحي والجماعات المحلية وباقي الإطارات الفئوية للمتصرفين والمتقاعدين والتقنيين والمساعدين التقنيين والمحررين والمساعدين الإداريين والأساتذة حاملي الإجازة والماستر المقصيين من الترقية... ؛ كما شارك في المسيرة ممثلون/ات عن تنسيقيات المعطلين وحركة 20 فبراير ومناضلات ومناضلي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، الذين رفعوا شعارات التضامن مع الطبقة العاملة والتعبير عن مطالبهم الخاصة وإدانة القمع المسلط على نضالاتهم والمطالبة بإطلاق سراح معتقليهم والمعتقلين السياسيين بكل المناطق. وعند مرورهم أمام البرلمان توقف مئات العاملات والعمال المنضوين في الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي، لمدة نصف ساعة، رافعين شعارات للاحتجاج ولفضح تردي أوضاعهم المادية والمعنوية. وقد كانت هذه الوقفة صرخة مدوية للعمال الزراعيين ضد الاستغلال الرأسمالي المكثف الذي يعانونه في الضيعات من طرف الباطرونا الجشعة وضد السلطة المخزنية والقضاء الطبقي المتواطئين في هضم حقوقهم. وبعد نهاية المسيرة العمالية نظم الاتحاد الجهوي للاتحاد المغربي للشغل بالرباط (التوجه الديمقراطي) وقفة حاشدة أمام المقر النقابي احتجاجا على استمرار إغلاقه، منذ سنتين من طرف القيادة البيرقراطية، في وجه المناضلات والمناضلين وأغلبية الطبقة العاملة بالمنطقة وحركة 20 فبراير وعموم الحركات الاحتجاجية التي كانت تجد في هذا المقر ملجأً لها للتنظيم وللاحتماء من هراوات أجهزة القمع.
إن الأسابيع الأربع التي استغرقتها الاستعدادات والتعبئة لإنجاح الإضراب والمسيرة (والتي أبان خلالها مناضلو/ات التوجه الديمقراطي عن عزيمة قوية ونكران الذات)، غير كافية لوحدها لتفسير نجاح معركة 6 فبراير. إذ فضلا عن العامل الموضوعي المتمثل في شراسة الهجمة الرأسمالية الجديدة على مكتسبات الجماهير الكادحة والمأجورين خصوصا واستشعارهم خطورتها على مكاسبهم وحقوقهم، لابد من استحضار الدينامية التنظيمية التي انطلقت على الاقل منذ سنتين، وسط الجامعات الوطنية المؤطرة من طرف التوجه الديمقراطي بالاتحاد المغربي للشغل، والدينامية الكفاحية التي تجسدت في المعارك الجهوية والفئوية والقطاعية التي خاضتها معتمدة على قدراتها الذاتية أو التي شارك فيها التوجه الديمقراطي انطلاقا من قناعته بضرورة تحقيق الوحدة النضالية في أفق الوحدة النقابية للطبقة العاملة وعموم المأجورين (مسيرتا 27 ماي 2012 بالبيضاء و31 مارس 2013 بالرباط اللتان نظمتهما الكنفدرالية الديمقراطية الشغل والفدرالية الديمقراطية للشغل).
يُستنتج من ذلك أن معركة 6 فبراير 2014 لا تمثل سوى محطة في مسلسل كفاحي طويل ومعقد وشاق، خصوصا وان أعداء الطبقة العاملة يتوفرون على أسلحة مختلفة سواء منها الاجراءات القمعية المعتادة أوالدعاية المضادة التي تتولاها وسائل الإعلام الرسمية والمأجورة وعملاء النظام وسط الجسم النقابي الذين يرتعدون من تنامي التوجه الديمقراطي النقابي. مما يستدعي استمرار اليقظة وتفادي الاغترار بالنجاح النسبي لمعركة 6 فبراير أو الاستسلام لنشوة دوار المجد الذي يحجب النواقص الكثيرة التي أبانت عنها هذه المحطة (لم يكن الإضراب في مستوى نجاح المسيرة)، و يفرض الإسراع في استخلاص الدروس التي تفرض نفسها بعد التقييم الموضوعي لهذه المعركة.
ولعل أهم هذه الدروس أن الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية السائدة ببلادنا ليست قدرا محتوما، وأن المخططات التراجعية التي تحاول الدولة تمريرها، يمكن إفشالها والحفاظ على المكاسب العمالية وتنميتها إذا توفرت الشروط الذاتية من تنظيم ووحدة وتعبئة وكفاحية. وأن الطبقة العاملة، التي ضاقت درعا بالإجراءات والقرارات التي اتخذتها الحكومة في إطار الاختيارات السالفة الذكر، لا تتردد في الانخراط في المعارك الحقيقية الهادفة إلى حماية مصالحها.
نجاح معركة 6 فبراير يلقي على التوجه الديمقراطي النقابي مسؤولية أكبر في فضح المشاريع التراجعية للدولة وتنظيم المقاومة العمالية لإفشال هذه المخططات والدفاع عن مصالح الطبقة العاملة؛ على أن تتحمل باقي المركزيات النقابية لمسؤولياتها النضالية النابعة من إرادة قواعدها، والقانونية المستمدة من المهام المنوطة بها في المعايير الدولية والمحلية (المادة 396 من مدونة الشغل). إن التدمر الواسع وسط مناضلات ومناضلي هذه المركزيات النقابية مرده إلى أن "الحوار الاجتماعي" الذي تطالب به قياداتها توقَّفَ فعليا من طرف الحكومة منذ ثلاث سنوات. وحتى لو نزلت "أوامر عليا" لاستئنافه الآن فلن يُجدي نفعاً، وسيتحول إلى آلية لتكريس الاختيارات الرجعية للدولة في غياب الضغط العمالي والجماهيري الضروري.
عبد الله لفناتسة
28 فبراير 2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يغازل الطبقة العمالية مستغلا انشغال ترمب في مارثون الم


.. صدامات بين طلبة والشرطة الإيطالية احتجاجا على اتفاقيات تعاون




.. التوحد مش وصمة عاملوا ولادنا بشكل طبيعى وتفهموا حالتهم .. رس


.. الشرطة الأميركية تحتجز عددا من الموظفين بشركة -غوغل- بعد تظا




.. اعتصام موظفين بشركة -غوغل- احتجاجا على دعمها لإسرائيل