الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسئول فى مصر بين مطرقة النفاق أو النقد وسندان النسيان

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2014 / 3 / 6
كتابات ساخرة


مصر أم الدنيا ولا تجاريها أية دولة أخرى فى أنها بلد العجائب. وقديما قال المتنبى: كم بمصر من المضحكات المبكيات. لا شك أن مصر مليئة بالمتناقضات والمظاهر التى يصعب تفسيرها. فجامعة القاهرة فى محافظة الجيزة وكلية التربية الرياضية بحلوان ليست فى حلوان لكنها فى شارع فيصل بالجيزة وجامعة عين شمس ليست فى عين شمس بل فى منطقة العباسية، وأول فيصل ليس فى أول فيصل بل فى آخر فيصل وجامعة الدول العربية (وهذه التسمية بناء على اقتراح مصر) ليست مؤسسة تعليمية أو بحثية ولا يقع مقرها فى شارع جامعة الدول العربية بالمهندسين (الجيزة) بل فى وسط القاهرة. ومن أهم مظاهر المضحكات المبكيات فى مصر هى ظاهرة "المسؤول والكرسى" واثر "الكرسى" على المسئول وعلى المحيطين به.

يقال—والعهدة على الراوى— إن أعراض خاصة تصيب المسئول بعد عدة أيام من توليه مقاليد الأمور. لعل الرجل كان متواضعا ومحبوبا من أصدقائه وزملائه قبل أن يتولى السلطة وبمجرد أن يجلس على "الكرسى" اللعين يتحول إلى شخص آخر حيث يشعر أنه أصبح حكيما وعليما ببواطن الأمور وقد يشعر بعض القريبين منه أن علامات الغرور بدأت تجد مكانها على قسمات الوجه ونبرة الصوت وطريقة الكلام مما يدفع البعض إلى أن يتساءل: ماذا حدث لكى يتحول الرجل الطيب الكريم المتواضع إلى شخص آخر نكاد لا نعرفه. وفى الواقع فإن المسئول فى مصر مسكين يستحق التعاطف والشفقة لأنه ضحية من ضحايا "الكرسى" شأنه شأن من سبقوه فى الجلوس عليه ليصيبه ما أصابهم من اللعنات.

مسكين من يتولى مسئولية العمل العام فى مصر، خاصة بعد ثورتين متتاليتين. فالمسئول بمجرد أن يعتلى كرسى السلطة يلتفت يمنة فيجد حوله المنافقين وحملة المباخر والانتهازيين ثم يلتفت يسرة ليواجه المنتقدين والكارهين والحاقدين. قد يتعرض المسئول للنقد الشديد على سياسات يتخذها أو قرارات يصدرها لكنه لا يسمع أصوات النقد لأن حملة المباخر من المحيطين به يصمون أذان المسئول حتى لا يسمع إلا ما يريدون ولا يرى إلا ما يرغبون فيه وبذلك يتعرض المسول لعزلة تامة عن واقع الحياة التى يراها بعيون حملة المباخر والمنافقين. وبمجرد أن يترك منصبه يصاب المسئول بالدوار ويجلس ضاربا أخماسا لأسداس خاصة بعد أن يرى بأم عينيه مادحيه يتحولون إلى منتقدين ومنتقديه إلى متعاطفين. فى حوار له فى صحيفة "عين" بتاريخ 7 يونيو 2013م عبر الأستاذ ممتاز القط رئيس تحرير أخبار اليوم الأسبق عن حزنه الشديد ليس لابتعاده عن منصبه ولإحالته إلى النيابة بل لمواقف زملائه الذين طالما هادنوه وتملقوه وكانوا حريصين على الاتصال به لكونه رئيس تحرير وحين رحل عن المنصب توقفت اتصالاتهم وابتعدوا عنه مما دفعه أن يتذكر مقولة جده: المرء فى زمن الإقبال كالشجرة..والناس حولها مادامت مثمرة، فإذا سقطت ما حملت..تفرقوا وأرادوا غير الشجرة.

لعل المسئول السابق يصاب بدهشة بالغة وهو يرى كيف تتبدل المواقف والولاءات ورود الأفعال من حوله. فمثلا كان معظم المصريين يوجهون انتقادات لاذعة لحكومة الدكتور الببلاوى بل يطالبونه بتقديم استقالته فورا. وبمجرد أن تقدم رئيس الوزراء باستقالته يوم الاثنين 24 فبراير الماضى وخرج علينا فى مؤتمر صحفى تحدث فيه عن أسباب الاستقالة شاهدنا العجب العجاب. فمعظم المنتقدين تحولوا—بقدرة قادر—إلى متعاطفين مع الحكومة. أما مذيعو ومحللو الفضائيات فعبروا عن حزنهم وقلقهم على اعتبار أن وقت الاستقالة غير مناسب وكان على الببلاوى أن ينتظر قليلا حتى ننتهى من باقى استحقاقات خارطة الطريق. هذا الموقف يذكرنى بالزوجة التى تتململ من تصرفات زوجها وسلوكه الذى لا يحتمل ولما فاض بها الكيل طالبته بالطلاق وأخذت تلح وتلح فى طلب الطلاق ولا تترك فرصة تمر من دون أن تطالبه بالورقة. وحين يضيق الزوج ذرعا بمضايقات وإلحاح الزوجة يقرر تحقيق حلم الزوجة ويقدم لها الورقة فتسقط الزوجة على الأرض مغشيا عليها من هول المفاجأة وتظل تبكى متهما إياه بالخيانة ونسيان العشرة والزيت والعيش والملح. جاءنى ذات يوم أحد الموظفين طالبا السماح له بالنقل خارج الكلية فلبيت طلبه وأشرت على المذكرة بالموافقة ففوجئت بالموظف يشكو لطوب الأرض أن طلبه لاقى القبول بهذه السرعة وأن هذا يدل على أن الكلية فى غنى عنه وطلب من بعض زملائه التدخل لإلغاء النقل.

لعل نجيب محفوظ كان مصيبا حين أشار فى رواية "أولاد حارتنا" إلى أن آفة حارتنا النسيان. فالمسئول قد يتعرض للإقالة لسبب من الأسباب ثم تمر الأيام والسنون ثم يستدعى نفس المسئول لتولى نفس المنصب الذى سبق أن أقيل منه. فمثلا الدكتور إبراهيم الدميرى كان يشغل منصب وزير النقل والمواصلات فى حكومة عاطف عبيد وتعرض للإقالة عقب حادث حريق قطار الصعيد فى فبراير 2002م ثم اختير وزيرا فى حكومة الببلاوى ومازال وزيرا فى حكومة المهندس محلب. وكما ننسى الإخفاقات ننسى أيضا النجاحات. فمثلا، حقق حسن شحاتة ثلاث بطولات أفريقية غير مسبوقة فى تاريخ المدربين حيث حصل المنتخب الوطنى على كأس أفريقيا ثلاث مرات متتالية (2006م، 2008م، 2010م) مما جعل المصريين يحملونه على الأعناق. وبمجرد أن تعرض المنتخب للفشل فى التأهل إلى كأس الأمم الأفريقية 2012م أعلن اتحاد الكرة عن إنهاء التعاقد معه فى يونيو 2011م.

ولا يختلف الأمر كثيرا إذا انتقل المسئول إلى رحمة الله فعندئذ يردد الناس عبارة "أذكروا محاسن موتاكم". وهذه العبارة نسمعها كثيرا فى شوارعنا ودواويننا. فقد تعلم أن فلانا شخص سيئ ظل طول حياته يؤذى هذا وينصب على هذا ويغتاب الناس وقد لا تعلم أنه انتقل إلى رحمة الله، وبمجرد أن تذكر بعض أفعاله تتسارع الأصوات من هنا وهناك تذكرك بضرورة الالتزام عند التحدث عن الراحلين عن دنيانا حيث بات لزاما أن نتحدث عن محاسنهم.. وحتى لو لم تكن لديه أية صفات طيبة أو محاسن فينبغى أن تبحث عن أى صفات أو أعمال طيبة.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إعلام إيراني يناقض الرواية العراقية حيال -قاعدة كالسو- وهجما


.. شبّه جمهورها ومحبيها بمتعاطي مخدر الحشيش..علي العميم يحلل أس




.. نبؤته تحققت!! .. ملك التوقعات يثير الجدل ومفاجأة جديدة عن فن


.. كل الزوايا - الكاتب الصحفي د. محمد الباز يتحدث عن كواليس اجت




.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله