الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبثية الوجود في ،، الشيطان يعظ ،، لنجيب محفوظ

حاتم بن رجيبة

2014 / 3 / 13
الادب والفن


يقدم نجيب محفوظ الرواية بالإشارة إلى أن اهتمام الإنسان بسر الوجود ومعنى الحياة يبدأ عادة في سن المراهقة ،، جذبني مقهى النجف في سن المراهقة ، الحق لم يجذبني المقهى نفسه لكن شدني بقوة سحر صاحبه موجود الديناري الأسطورة الباقية . إنه آخر الفتوات ، غير أنه بالقياس إلي أول الفتوات وآخرهم ،،.

يستعمل نجيب محفوظ الفتوة موجود الديناري كرمز للخالق ،، الله،، . في وصفه إياه بالإسطورة الباقية وبآخر الفتوات إشارة إلى نهاية عصر سيطرة الفكر الديني والميتافيزيقيا ؛ فالدين أصبح ،، أسطورة ،،. العلم الحديث و العقلانية حلا محله .فهنا إشارة إلى أن الأديان المعاصرة هي آخر الأديان وستموت آجلا أم عاجلا ،، إنه آخر الفتوات ،، .

كما يشير الكاتب في المقدمة إلى ضبابية وعمومية الفكر الديني ،، سحرتني أكثر نوادره الغامضة التي تضاربت حولها التفاسير ،،. هذا الغموض يقابله وضوح ودقة و شفافية ومنطق في العلم الحديث .

بدأت الرواية في شكل خرافة ،، يحكى أن . يحكى أنه ألقى على أتباعه تحديا ...،،. وفي ذلك أيضا نقد للدين كتفكير خرافي وقديم وغير مساير لعصر العلوم و التنوير العقلاني . فحسب ،، الخرافة الدينية ،، فإن الله ( موجود الدينار ) اختار الإنسان من بين كل مخلوقاته واصطفاه للقيام بمهمة تمثيله على الأرض ،، كخليفة الله على الأرض ،، رغم ضعفه مقارنة بالملائكة والجن والشيطان ألخ . كما اختار موجود الدينار شطا الحجري أحدث المنتمين إلى جماعته وأقلهم خبرة ودراية للقيام بمهمة ،، جسيمة ،، من ينجح في تنفيذها فسيصبح الرجل الثاني أي أنه سيصبح خليفة الديناري (رمز الخالق كما ذكرت )،، دعونا من الكلام عندي مهمة . فمن منكم يقبل القيام بها ؟ ،،.

لكن هل هذه المهمة هي جليلة حقا ؟

المثير أن الفتوة (الله) لم يصطف فردا للقيام بالمهمة بل فتح باب التطوع ليرشح شطا نفسه . هذا يعني أن الإنسان الممثل في شخص شطا هو من يبحث عن مهمة أي عن معنى لوجوده؛ يبحث عن معنى ومهمة ليس لهما وجود مسبقا ، بل أن ما يجري وراءه إنما هو حاجة ملحة فيه وما ابتكاره لفكرة الدين والله والميتافيزيقيا إلا حيلة لتلبية تينك الحاجتين .

شطا سعى جاهدا وراء معرفة سر ،، المهمة ،، أي سر الوجود ،،تربع فوق الكنبة الوسطى ثم أشار إلى الأرض قائلا :

- اجلس .

فتربع على مبعدة قصيرة من موطئ قدميه ، ثم قال كالمعتذر :

-جئت بلا دعوة .

قال ( المعلم ) ووجهه لا ينم عن شيء :

- لو لم تفعل لاعتبرت الكأمر كأن لم يكن ،، أي أنه لو لم تكن أنت تسعى وراء المعنى والمهمة لم وجدتهما أصلا ، لأنه وبكل بساطة لا وجود لمهمةمحددة للإنسان ولا لمعنى معين لوجوده .

وكم كانت صدمة شطا رمز الإنسان الطموح والمغرور والمختال بقوته وقدراته والراغب بأن يكون خليفة الله في الأرض قوية حينما علم بفحوى المهمة ،،الجليلة و النبيلة،، ؛ فالمهمة كانت البحث عن أجمل بنت في الحارة ،،-اغتسل ، ارتد ملابس جميلة ، اعثر على أجمل بنت في الحارة ثم اذكرها لي!،،. يا لا خيبة المسعى : الإنسان الذي توهم العظمة و السمو والإمتياز يصطدم بوجود دون معنى ، يصطدم بعبثية الوجود كما اصطدم شطا بمهمة ،، الخاطبة ،، التي أوكلت إليه ،،وثقلت يداه وأوشكتا أن تتوقفا عن التدليك . ما سمعه لم يتوقعه قط : ظن المهمة مغامرة لا يطيقها إلا الأفذاذ . ما تصور أن تكون المهمة خاطبة ، بل الخاطبة أشرف ،،.

تقدم طباع الديك ،، اليد اليمنى ،، للفتوة إلى شطا ينبهه من عبثية المهمة ومن عبثية المعلم ، كما نبه المفكرون المستنيرون وعلماء الأنتربولوجيا والبيولوجيا الإنسان المعاصر إلى عبثية الحياة ونشأتها من الصدفة وأنه لا معنى مميز ومحدد لوجودنا كما أننا في جوهرنا لا نختلف كما لا نرقى على باقي المخلوقات الأخرى ، فقد نشأنا كلنا من نفس المخلوق الأم وبمحض الصدفة .

لكن شطا كما الإنسان يتشبثان بمعنى نبيل وغير عبثي للمهمة وللوجود ،، - الحارة كلها تعرفه...

- لعلها لا تعرف مثلي حبه الدعابة والعبث ...،، .

رفض شطا المهمة ،، السخيفة ،، وهرب مع وداد خطيبة المعلم متذرعا بعدم قابليته للسماح للفتوة بأن يكره وداد على الزواج به، فيكون بذلك قد رفض عبثية الوجود ليصنع تفسيراً ،، منطقيا ،، لوجوده . ومذ ذاك بدأت دراما الإنسان ومآسيه من حروب دينية وفتك بالمخلوقات والطبيعة كما بدأت ،، البلاوي ،، تنهال على شطا وزوجته وداد ، فبعد أن نبذا في الحارة الجديدة فهاهو الفتوة شلبي يغتصب زوجته أمام عينيه .

سعت وداد إلى إنارة بصيرة زوجها وإقناعه بعبثية الديناري لكن بدون جدوى ،،يخيل إلي أن محور همك يدور حول إيمانك بجديته المطلقة . أليس هو في النهاية رجل يجد حينا ويلهو حينا آخر ؟ أليس من المحتمل أن يميل إلى العبث وأنه وجد فيك مادة صالحة لعبثه ؟ أبعده عن ذهنك وعش حياتك ولن تلقى مكروها أبدا !،،.

هذه هي إذا نصيحة المفكر العملاق نجيب محفوظ للإنسان :،، أبعد فكرة الله و اترك الإنشغال بالماورائيات واقبل بعبثية الوجود ، عندها ستكون حياتك أفضل بكثير وسينزاح قسط كبير من الهم.

لكن الإنسان المعاصر يتعنت ويقر على التشبث باللاهوت والغيبيات واللامعقول والفكر الخرافي . حاله كحال شطا الحجري ،،لو افترضت به العبث لنقشعت الحيرة من أساسها ولكنه رجل أقوى من الطاحونة وأدق من الساعة ،،.

،، ثم رماها (شطا ) بنظرة مقطبة وتساءل :

- أيرضيك أن ترجعي ما حل بنا من شقاء وتضحية إلى اللهو والعبث ؟،،.

يصعب على الإنسان أن يقبل بأن يكون هذا الكون الهائل بمجراته وشموسه وبنظامه الدقيق في سيره وفي أدق أجزائه وأصغر مخلوقاته دون خالق جبار وعظيم . يصعب عليه القبول بعبثية الوجود . هذا النمط من ،، الإنسان المتدين والمؤمن بالماورائيات وباللامعقول ،، هو في طريقه إلى الإندثار ، حسب نجيب محفوظ ،، . فلم يعد له مكان وسط الإنسان الحداثي ، العقلاني والعلمي .هذا الإنسان دحض الدين و رماه في ركن الشؤون الخاصة مقصيا إياه ، في ظل الدولة المدنية والعلمانية ، عن الحياة العامة وعن دواليب الدولة كالإقتصاد والتشريع والتعليم ألخ .،، اختفى الرجال(رجال الدين ) وبطلت الشعائر فأصبح الرجل (الله في شخص الفتوة الديناري ) في نظر القانون (الدولة العلمانية ) صاحب مقهى وتحت الرقابة (أصبح الدين خاضعا لرقابة و سلطة الدولة الغير متدينة )، ولكنه ظل في نظر العباد فتوة الحارة وحاميها . حتى الشرطي وشيخ الحارة لم ينجوا من وقعة ألشعور العام فكان يخصانه بالإحترام وحسن المعاملة ،،.

رغم هزيمة الدين في المحافظة على السيطرة على دواليب وفلسفة الدولة فإنه احتفظ باحترام سواد الشعب ولم يتخلوا بتاتا عنه واحتفظت المجتمعات المتطورة بسمات الدين ،، الفولكلورية ،، في الأعياد خاصة ،،وكان يتجلى بهاؤه في الأعياد فكأنها لم تخلق إلا له ،،.

في عصرنا الحديث الذي يشهد حقبة موت الدين ،، البطيء ،، لكن الحتمي نرى العديد من الجماعات ،، الدينية المتطرفة ،، التي تكافح بكل ما تيسر لها من وسائل : صرف أموال طائلة في التبشير والدعوة وبناء المعابد والمراكز الدينية كما توظيف الإرهاب والقتل وما الجماعات الإرهابية الأصولية الإسلامية إلا خير دليل على ذلك ،، كان يجلس (الديناري )على الأريكة متلفعا بعبائة جديدة ممشط اللحية والشارب ، وتمر أمامه عربات الكارو محملة بالنساء والرجال والأطفال في أثوابهم الجديدة الملونة في هالة رائعة من الطبل والزمر والرقص :

يا فتوتنا يا ديناري

يا حبيبنا يا ديناري

يا حامينا يا ديناري

ثم تدوي الهتافات والزغاريد ،...، و يمثل العاشقون بكؤوس المجد والعشق والحنين العارم إلى النصر ،،.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا اوافقك الراي
لمياء محمد عبد الله بخيت ( 2016 / 5 / 26 - 20:12 )
تفسير عجيب لقصه واضحه الدلاله لمبدعنا العظيم نجيب محفوظ شطا الحجرى هو الانسان العربي او المصرى ذو الاصول الضاربه فى القدم حتى العصر الحجرى الدينارى هى امريكا الدينار رمز المال الشبلى هى روسيا المنافسه لامريكا شطا اما ان يعيش مبعثر الكرامه تحت حمايه الديناري او يتعرض ايضا للخيانه من روسيا اى بلد متخلفه وليست فتوه فى هذا العالم اما ان تعيش منتهكه الكرامه والدين تحت رعايه الامبرياليه او تتجه لروسيا التى هى ليست اقل منها فى الخسه

اخر الافلام

.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع


.. سر اختفاء صلاح السعدني عن الوسط الفني قبل رحيله.. ووصيته الأ




.. ابن عم الفنان الراحل صلاح السعدني يروي كواليس حياة السعدني ف


.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على




.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا