الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحدائق تتحدث دون وسيط أو مترجم أو حروف وكلمات !

حميد طولست

2014 / 3 / 13
المساعدة و المقترحات


إن التراجع الكبير الذي تعرفه المدن المغربية عامة ومدينة فاس على الخصوص وفقدانها للتناغم بين المشهد الطبيعي "المجالات الخضراء" والمشهد المبني ، والتي كانت ، إلى عهد قريب ، تتوفر على جنانات عرسات وحدائق وغيرها من مساحات خضراء مهمة تتناسب وشكل العمران حينذاك ، لكنها تُجوزت مع ما عرفته من توسع عمراني وسكاني غير معقلن ، أتى على معظمها ، كما أشار إلى ذلك الأستاذ والمناضل محمد الحداد ، خلال لقائه مع وسائل الإعلام على أرضية حديقة "فلورنسا" التي فقدت هي الأخرى بريقها ورونقها وشهرتها ، وأضحت الأبنية الحديثة والتاريخية المحيطة بها ، تبدو في غالبيتها مغبرة كالحة وبائسة .
ــ ليدفعني إلى استحضار الآية الكريمة العظيمة التي تشير إلى أهمية البهجة والسرور في حياة الإنسان من خلال النظر إلى الطبيعة الخضراء ، حيث يقول سبحانه وهو أصدق القائلين : "أَمنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) [النمل: 60].
إشارة منه سبحانه وتنبيه لبني البشر ، إلى اهمية الخضرة والنباتات والحدائق على نفسية الإنسان ، وأنها هي مصدر البهجة والفرح والسرور ، و الهدوء النفس، وتلطيف الجو و تنقية الهواء وتوفير الظل و التخفيف من الضوضا، إضافة إلى انها محفز فعال لترقية الذوق والحس المدني والثقافة البيئية ، وخالق العلاقات الجوارية والحميمية بين السكان ..
ولذلك يجب ألا نعجب إذا علمنا أن المخطط الغربي يعمل عقله في زيادة المساحات الخضراء بالمدينة وخلق توازن استراتيجي مهم للصحة النفسية لقاطني المدينة ، وتطوير وتحفيز نمط حياة صحي لهم يعتمد المشي والرياضة ، كما يجب ألا نستغرب كذلك إذا علمنا ان الباحثين في الكثير من تلك الدول يعالجون مرضاهم (وبخاصة مرضى الاكتئاب) بالنظر إلى النباتات والطبيعة الخضراء .
بينما نرى معظم مسؤولينا ومضاربين العقاريين –لم أقل باحثينا ، لأنه ليس لنا باحثين ، وإن وجدوا فالبحث في مثل هذا الأمر لا يهمهم كثيراً- عاكفين على دراسة كيفية الاغتناء على حساب مشاكل السكن ، مجهدين أنفسهم لليّ أعناق النصوص القانونية وتأويلها لتحويل ما تبقى من مساحات خضراء - إن كانت هناك بقية- لمشروعات عقارية اسمنتية ، سكنية ، تجارية ، استثمارية تتزاحم في تجزءات بلا ذوق ولا فنية ، ولا اهتمام بشروط الصحة والبيئة ؛ فلا أحد يشعر بتدخل "مكتب حفظ الصحة البلدية "، لصيانتها والحفاظ عليها ، بمراقبة مدى التزام البنايات السكنية ، والصناعية والمهنية ، لشروط الصحة والسلامة ، ولا نحس بعمله في تقليص الضغوطات النفسية التي تؤثر في صحة الأفراد النفسية ، وذلك بتوفير البيئة النظيفة الزاخرة بالمناطق الخضراء العامرة بالمتنزهات والحدائق الجميلة السهلة الولوج ، والتي ليس إنشاؤها بعزيز على من امتلك حسا وطنيا ، وضميرا صادقا يقضا ، وعقد العزم على ذلك ، خاصة أن إنشاء الحدائق هو المجال الوحيد من جملة الصناعات التي تتميز بها القطاعات الخدماتية الأخرى التي لا تتطلب معدات وأجهزة وآليات وموجودات وأدوات تشغيلية مكلفة ، ويكفيها التدريب والتأهيل الجيد للأيدي العاملة فيها والذي يقوّمه مبدأ جودة الصيانة ..
وعلى الرغم من سهولة الأمر ، ووفرة امكانات ومقومات البستنة لدى جماعاتنا الحضرية ، مقارنة مع بعض الدول أخرى ، فقد أصبح ما آل إليه حال المساحات الخضراء من الدوران في حلقة مفرغة من البهدلة التي لا تنتهي ، وكأنه من المسلمات ، أو من العادات التي نشمئز من رؤيتها لكن لا سبيل إلى تغييرها. أو كأن هناك أمور غريبة تجري في البلاد لا يجد لها الناس تفسيراً مقنعاً ، وتثير تساؤلات كثيرة على غرار: لماذا هذه الحالة من التردي والتفكك والاندثار الذي وصل اليها كل شئ عندنا ؟؟ و: هل فعلا لدينا مشكل مع المساحات الخضراء "الحدائق" والمرافق الضرورية والبسيطة ؟؟ و: أليس هناك جهة قادرة على وقف تدهورها البيئي ؟؟
كل ما نريده من هذه التساؤلات ان تبقى تلك المناطق التاريخية (حديقة فلورنسا بفاس ومثيلاتها بباقي المدن المغربية) الحميمة إلى قلوب المغاربة ، مرتعاً لهم ،
وبالمناسبة نهيب بالقسم التقني البلدي لفاس المكلف بالحفاظ على التجهيزات العامة والساهر على تنظيم نقل النفايات وتخليص المدينة منها والإشراف على صيانة ومراقبة إحداث شبكات الصرف الصحي.... ومراقبة المؤسسات الإنتاجية المتواجدة بتراب البلدية ، ومدى تلويثها للبيئة وإلزامها باحترام قواعد النظافة والصحة والسلامة ، أن يحافظ عليها وعلى ما تبقى من المساحات الخضراء الضرورية لحياة الإنسان ..

حميد طولست [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت