الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حجارة حمدين صبّاحي وبيته الزجاجي

جوزيف بشارة

2014 / 3 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


قرأت انتقاد حمدين صبّاحي، الناصري حتى النخاع، لسجل المشير عبد الفتاح السيسي في مجال حقوق الإنسان، واتهامه إياه بالمسئولية المباشرة أو غير المباشرة عن انتهاكات حقوق الإنسان التي قال صبّاحي أنها ارتكبت بعد عزل محمد مرسي من رئاسة الجمهورية. لم يكتف صبّاحي بانتقاداته واتهاماته الخطيرة، لكنه شكك أيضاً، في تصريحات نشرتها وكالة رويترز، في أن المشير السيسي سيطبق الديمقراطية في مصر إذا تولى رئاسة البلاد بعد الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في مصر هذا الربيع، والتي ينتظر أن يترشح فيها السيسي، ويتوقع على نطاق واسع أن يكتسح فيها صبّاحي وكل من يترشح أمامه. قال صبّاحي ان النظام الذي أفضت له ثورة الثلاثين من يونيو لم يكن ديمقراطياً، ولم يحترم قيم ومباديء التعددية، ولم يعط المصريين الحرية التي يستحقونها، بل وخالف الدستور في الأسلوب الذي تعامل به مع معارضيه. وزعم صبّاحي ان نظام مبارك القمعي الفاسد الذي ثار ضده المصريون قبل ثلاث سنوات لا يزال موجودا ولا يزال يحكم مصر. وحذر الرجل من أن أهداف الثورة لن تتحقق ما لم يتولى القائمون بها السلطة. ولم يغفل صبّاحي بالطبع التذكير بأنه الممثل الشرعي للثورة.

لا شك في أن اتهامات صبّاحي للسيسي تحمل طابعاً انتخابياً حين تشكك في قدرة وربما رغبة السيسي في تطبيق الديمقراطية في مصر. لكن تصريحات صبّاحي، في الوقت نفسه، تحمل طابعاً خطيراً لأنها تحّمل القائد العام للقوات المسلحة مسئولية الدماء التي سفكت في الشهور الثمانية الماضية. تحميل السيسي مسئولية الدماء لا تحمل طابعاً سياسياً فحسب، وإنما تعني أيضاً طابعاً جنائياً لا ينبغي غض الطرف عنه. اكتفى صبّاحي باتهام السيسي وأغفل تحميل الجانب الذي لجأ للعنف أية مسئولية عن الدماء التي سفكت ولا تزال تسفك، وهي بالمناسبة ليست دماء طرف واحد، لكنها دماء كافة اطراف وأطياف المجتمع المصري.

لم تكن تصريحات صبّاحي، في الحقيقة، مفاجئة، فصبّاحي يحب السباحة عكس التيار.لا يعبأ الرجل إن كان التيار الذي يسبح ضده جيداً أم فاسداً. هو فقط يريد السباحة عكس التيار السائد. ولأن السيسي هو رجل المرحلة الذي يريده المصريون، فصبّاحي لا يجد غضاضة في رفضه وشن الهجوم عليه بسبب أو بدون سبب، عن حق أو عن باطل. كعادته لم يحلل صبّاحي الموقف الجاري في مصر بدقة. وكعادته أيضاً تنّكر للحقائق التي تحمّل مسئولية عدم الاستقرار والإرهاب وسقوط ضحايا لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية وشركائها في الجرائم اليومية التي ترتكب في مصر. وكعادته مرة أخرى ساند صبّاحي الباطل حين زعم أن النظام الحالي استبعد بعض فصائل المجتمع ولم يشركها في العملية السياسية. ولعلي لست في حاجة للتأكيد على أن جماعة الإخوان المسلمين، الفصيل الوحيد الذي لا يشارك في العملية السياسية حالياً، هي من رفضت المرحلة الانتقالية وهي من تتحمل مسئولية عدم اشتراكها الحياة العامة.

إذا وضعنا جانباً اتهامات صبّاحي للسيسي ودفاعه عن الإخوان المسلمين وانتقلنا لمزاعمه، التي لا يمل ولا يكل من تكرارها، بالإيمان بالديمقراطية. يبشر الرجل المصريين بتطبيقه مباديء الديمقراطية في مصر إذا ما وصل إلى سدة الحكم، لكنه لا يعطي دليلاً على إيمانه الحقيقي بالديمقراطية. السؤال الذي يلح عليّ كثيراً هو كيف يظن صبّاحي أن المصريين سيصدقون أن من يرى في نفسه الوريث الشرعي لنظام عبد الناصر يؤمن بالديمقراطية؟ لم يؤمن عبد الناصر بالحرية ولا بالديمقراطية ولم يعط المصريين فرصة تذوق أي من المباديء التي يتشدق بها صبّاحي اليوم. كان نظام عبد الناصر قمعياً وتسلّطياً من الطراز الأول. لم تعرف الصحافة طعم الحرية طوال السنوات التي قضاها عبد الناصر في الحكم، ولم يقبل النظام عندها بوجود أحزاب معارضة ولو صورية كما فعل السادات. كان مصير كل من اعترض على سياسات عبد الناصر معروفاً وهو غياهب السجون التي شهدت عندها إهانات لا مثيل لها لكرامة وحقوق الإنسان.

فليتوقف حمدين صبّاحي عن إلقاء الحجارة على السيسي. صباحي يسكن بيتاً من زجاج ولا يحق له قذف الأخرين بالحجارة. بيت صبّاحي من زجاج لأنه ناصري يمجد نظام جمال عبد الناصر الذي لم يحترم أبداً مباديء حقوق الإنسان. يتشدق صبّاحي بالديمقراطية والحرية وهو بعيد عن السلطة، لكنه لا يؤمن حقيقة بها كمثله الأعلى عبد الناصر. ربما ارتكب النظام الحالي بعض الأخطاء في التعاطي الاستثنائي مع الأزمة التي تمر بها مصر، ولكن المسئولية هنا لا تقع على السيسي، المسئولية تقع على من رفع السلاح ضد مصر وشعبها وجيشها وشرطتها. الدفاع عن المجرمين والهجوم على السلطات هنا سياسة حمقاء يدفع ثمنها الأبرياء. لقد جرى العرف أن تتبنى الدول سياسات إضطرارية مؤقتة في أوقات الحروب أو الأزمات، كما حدث في الغرب بعد جرائم الحادي عشر من سبتمبر. لم يعن هذا أن الدول الغربية التي تبنت إجراءات استثنائية لا تحترم حقوق الإنسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة