الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأكثرية والأقلية في ديمقراطية الإسلام السياسي

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2014 / 3 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في تطور لافت عبر المنطقة العربية خلال السنوات القليلة الماضية، قد أصبح الإسلاميون هم الأعلى والأكثر صوتاً من بين جميع التيارات الفكرية الأخرى، حتى الليبرالية منها، للأخذ بنظم الحكم الديمقراطية في بلدانهم. كيف تحول الإسلاميون هكذا فجأة، دون أدبيات نظرية كافية تبرر ذلك، من التمسك بحاكمية الله على البشر، أو حتمية احتكام البشر إلى الشريعة الإسلامية، إلى القبول باحتكام البشر إلى شرائع وضعية (علمانية) يضعها البشر أنفسهم لأنفسهم وفقاً للإجراءات الديمقراطية؟! أدبيات الإسلام السياسي المنشورة تقرر أن الاحتكام لغير الله معادل لتأليه غير الله، أو الشرك به، الذي يساوي الكفر؛ واتباع البشر شرائع بشرية من دون شريعة الله هو اتباع للهوى وإشراك بالله، الذي يساوي الكفر أيضاً. لماذا، والحال كذلك، يتمسك الإسلاميون بالديمقراطية (العلمانية) على هذا النحو المثير للريبة؟!

في حقيقة الأمر، الإسلاميون لم يتحولوا عن أدبياتهم الرئيسة ولم يظهر منهم بعد الاستعداد النظري أو العملي لقبول التنازل عن مبدأ الحاكمية لله وإيكال الحكم لإرادة (هوى) البشر من خلال نظام وضعي من صنع البشر، حتى لو كان ديمقراطياً؛ كل ما هناك أنهم قد تبينوا ثغرة في الديمقراطية سوف يستطيعون، في تصورهم، النفاذ منها إلى غايتهم العليا- استعادة الحاكمية الفعلية من البشر إلى الله. في قول آخر، الإسلام السياسي قد اكتشف داخل الآلية الديمقراطية ذاتها ثغرة كافية لتمكينه من استغلال العملية كلها كوسيلة لغاية أكبر هي تأسيس الحكم الإسلامي المستند في النهاية إلى الحاكمية الإلهية الحقة، لا حاكمية الإرادة البشرية كما تتمثل في نظام الحكم الديمقراطي.

هذه الثغرة التي رأى فيها الإسلاميون وسيلة مواتية لهم لتسخير المنظومة الديمقراطية كلها في النهاية لمصلحتهم هي مبدأ ’الأكثرية والأقلية‘. الديمقراطية تتبنى صندوق الاقتراع وسيلة أساسية لتجسيد ’إرادات‘ المواطنين. وحيث أن الاجماع أو التوافق التام بين جميع المواطنين أمر مستحيل وغير متصور من الناحية العملية، كان لابد من معيار آخر أكثر منطقية وممكن التطبيق في الواقع العملي. لذلك احتكمت الديمقراطية إلى مبدأ ’الأكثرية المطلقة‘، نصف عدد الأصوات الصحيحة زائد صوت واحد فقط يكفي ليشكل أكثرية، بينما يصبح النصف الآخر ناقص واحد ’أقلية‘. وفق الديمقراطية، هذه الأكثرية الانتخابية هي صاحبة السند الشرعي في الحكم، حتى لو بقيت مقيدة بحقوق أساسية ثابتة لا تفقدها الأقلية بمجرد الخسارة في صندوق الاقتراع.

وحيث أن المسلمين يشكلون ’أكثرية مطلقة‘ مستريحة في جميع الدول الإسلامية التي يسعى الإسلاميون إلى الوصول لحكمها عبر ’بوابة‘ الديمقراطية، لم تكن المعادلة صعبة على الذهنية الإسلامية كما قد يتخيل للوهلة الأولى. هناك أكثرية مضمونة كافية وزيادة للوصول سلمياً إلى الحكم؛ "لماذا نرفض مثل هذه ’الركوبة المجانية‘؟!"، أو هكذا ربما فكر بعض منظري الإسلام السياسي.

في ضوء هذه الثغرة الجلية في النظرية والممارسة الديمقراطية الكلاسيكية، ثم فطنة الإسلام السياسي أخيراً لوجودها ولقدرته الأكيدة على تسخيرها لمصلحته في الوصول إلى الحكم، لا يكون مستغرباً والحال كذلك أن يتحول من الآن فصاعداً شعار الإسلام السياسي المفضل من ’الإسلام هو الحل‘ المرفوع منذ عقود إلى ’الديمقراطية هي الحل‘. لكن هذا التحول الظاهري سواء في شعارات أو ممارسات الإسلام السياسي يجب أن لا يحجب نظر المراقب المدقق عن حقيقة عدم وجود تحول موازي صادق وأصيل في الذهنية الإسلامية بين هذين النظامين المتناقضين جوهرياً في الحكم- الإسلامي والديمقراطي.

نخبة الإسلام السياسي الحالية تعتقد أن باستطاعتها- فوق قاعدة ’حكم الأكثرية‘- أن تقيم ’الحكم الإسلامي‘، وفي سبيل ذلك لا تمانع- تحت سيف الضرورة- في أن ترفع شعار ’الديمقراطية هي الحل‘ كوسيلة مرحلية توصلها إلى شعارها الحقيقي والأصلي الذي لم يتغير: ’الإسلام هو الحل‘.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأوقاف الإسلامية: 900 مستوطن ومتطرف اقتحموا المسجد الأقصى ف


.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية




.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في


.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك