الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو مجتمع مدني سليم في غربي كردستان

محمد رشو

2014 / 3 / 18
المجتمع المدني


هناك معايير و أسس للتعامل مع المجتمع المدني تختلف تماماً عمّا هو متبع في النمط العسكري والأمني، فعسكرياً المخطئ تتم معاقبته ميدانياً أم مجتمعياً فيجب البحث في أسباب إنحراف هذا الفرد والتي غالباً يكون مردّها التنشئة والتربية، فالتنشئة السليمة تكون على عدة مستويات ذاتية و مجتمعية و سياسية بالتالي فهي عملية مستمرة ومتدرجة، ولكل مرحلة منها أدواتها الخاصة، تبدأ من الأسرة، فهي أساس التربية السليمة و لاحقاً مؤسسات المجتمع المدني التي لها الدور المكمّل في عملية التربية.
فهل سألنا أنفسنا ماذا قدمنا أو ما هي مشاريعنا في هذا الصدد كي نضمن بناء مجتمع مدني سليم؟
بادئ ذي بدء لا بد من تعريف المجتمع المدني :
ثمة اجتهادات متنوعة في تعريف مفهوم المجتمع المدني تعبر عن تطور المفهوم والجدل حول طبيعته وأشكاله وأدواره. فالمعنى المشاع للمفهوم هو «المجتمع السياسي» الذي يحكمه القانون تحت سلطة الدولة. لكن المعنى الأكثر شيوعاً هو تمييز المجتمع المدني عن الدولة، بوصفه مجالاً لعمل الجمعيات التطوعية والاتحادات مثل النوادي الرياضية وجمعيات رجال الأعمال وجماعات الرفق بالحيوان، وجمعيات حقوق الإنسان، واتحادات العمال وغيرها. أي أن المجتمع المدني يتكون مما أطلق عليه إدموند بيرك الأسرة الكبيرة.
ومن الاجتهادات في تعريف المجتمع المدني أورد الأمثلة الثلاثة التالية:
1 - المجتمع المدني هو المجتمع الديمقراطي القائم على المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتنوعة الأهداف والمستقلة في عملها عن الحكومة (منظمات غير حكومية NGO).
2 - المجتمع المدنيّ هو المجتمع الّذي يتلاشى فيه "دور السّلطة" إلى المستوى الّذي يتقدّم فيه دور المجتمع على دور الدولة، بل ويذهب فريق آخر إلى اعتبار السّلطة وجوداً معارضاً ومواجهاً لوجود الدولة --;-- لذا يجب تقليص دورها ليسود دور المجتمع .
3 - المجتمع المدني هو مجموعة التنظيمات التطوّعيّة الحرّة التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة لتحقيق مصالح أفرادها ملتزمة في ذلك بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح والإدارة السّليمة للتعددية.
بالتالي و بالأخذ بالتعريفات السابقة يمكننا بناء تعريف جديد للمجتمع المدني بما يتناسب مع الواقع المجتمعي لغربي كوردستان:
المجتمع المدني الذي يُطمح لتحقيقه في غربي كردستان: هو المجتمع الديمقراطي بما يحويه من نسيج اجتماعي مختلف الاثنيات و الأديان، منفصل تماماً عن السلطة الحاكمة، و يمارس مهامه بشكل مستقل بغية تحقيق مصالحه بنشر الوعي المدني بين المواطنين.
*********************************
مآخذ على العقد الإجتماعي في مناطق الإدارة الذاتية فيما خص المجتمع المدني:
عملية بناء المجتمع المدني عملية تصاعدية غاية في الدقة تبدأ من مستوى الفرد كشخص فهو في المقام الأول يهتم بسبل عمله ومعيشته، ليكفي حاجته وحاجة أفراد أسرته بالغذاء والسكن وغير ذلك من لوازم الحياة. ولكن يوجد بجانب ذلك أشخاص كثيرون يهتمون بالمجتمع الذي يعيشون فيه، ويكونون على استعداد للتطوع وإفادة الآخرين. أي أن المجتمع المدني ينمو بمقدار استعداد أفراده على العطاء بدون مقابل لإفادة الجماعة. هذا يعتبر من «الإيثار العام». وفي المجتمعات الديموقراطية تشجع على ذلك النشاط الحكومات.
أما ما يتم الترويج له في العقد الإجتماعي في مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية فهو ينطلق من رأس الهرم إلى قاعدته و هي عملية غير صحّية تؤدي إلى أدوار عكسية للمجتمع المدني بعيدة عن الهدف الاساسي له في بناء المجتمع.
كما أن هذا الميثاق و ما انبثق عنه من منظمات تعمل تحت غطاء المجتمع المدني هي مدعومة بشكل مباشر من السلطة أو تعمل تحت ظلها وفق رؤيتها، الأمر المنافي لكل تعريفات المجتمع المدني و منظماته بالتالي أوصي بشدة بعزل المجتمع المدني عن فكر السلطة و سياساتها، بالمقابل من واجب السلطة أن تقوم بدعم هذه المنظمات لكن بدون فرض رؤية أو فكر أو فلسفة عليها.
*********************************
الإيديولوجيا والمجتمع المدني:
في التجارب العالمية والإنسانية منذ الحضارات القديمة وحتى مطلع القرن الحادي والعشرين كثير من الشواهد والمعطيات عن المحاولات والتجارب لبناء المجتمع المدني ابتداء من المفاهيم الأولية في "جمهورية أفلاطون" مروراً بـ "فلسفة الحق" عند هيجل وكرامشي وكارل ماركس وغيرهم.
في غمار تلك الأفكار والأنظمة السياسية بما فيها الأنظمة الشمولية التي اتخم الكثير منها بالبريق الكئيب عن العدالة وحقوق الإنسان والديمقراطية والحرية الفردية وغيرها؛ بعض التجارب الإنسانية حققت حشودا من الأفكار الإنسانية وبعضها حقق خطوات محدودة وبعضها عاش في حالة من الظلام.
الشيء التاريخي الواضح أن الأرض - في العالم الثالث على وجه التحديد - ظلت ترتعش دائما تحت أقدام المحكومين خاصة المحكومين من الناس الفقراء حيث تحيطهم كل أنواع الظلم من السلطة المستبدة.
لا شك أن جميع تلك التجارب والفلسفات الإنسانية عن مفهوم بناء المجتمع المدني واجهت المصاعب أو المخاض لأنها أرادت أن تتألق من خلال السلطة والدولة أو أن الدولة والسلطة أرادتا التألق من السعي وراء نداء يختفي وراءه أصحاب الدولة والسلطة، مما أوجد الصلة المباشرة بين روح الجماهير وتطلعاتها الإنسانية وبين حديد السلطة الدكتاتورية والدولة الشمولية.
ومن هنا تبرز الحاجة إلى ضرورة تحييد الأفكار الإيديالتية (المثالية) و أخص هنا الأفكار الماويّة المتمثلة في الديموقراطية المتطرفة، والفردية والذاتية، والتحليل الماوي للطبقات الاجتماعية في المجتمعات الريفية، بالإضافة إلى الأفكار الماوية في قضايا الأستراتيجية في الحرب الشعبية وحركات التحرر المسلحة، ومناهضة الأمبريالية وغيرها من الأفكار التي لا تصلح في مجتمعنا و واقعنا في غربي كردستان.
فما من المفروض أن يكون نواة مجتمع مدني نال قسطاً وافرا من قمع السلطة لكل تحرك مدني وربط كل شيء بنفسها وتهميش دور المؤسسات بحجة أولوية الأمن، وهي عادة الحجة التي تستخدمها الأنظمة الشمولية الدكتاتورية لتوطيد حكمها، فإن لم يكن هناك من عدو تسعى إلى خلق العدو الوهمي، للابقاء على حالة الأمن الإجباري وتأجيل المواضيع التي قد تنال من سلطتها كالمجتمع المدني و التعددية و غيرها.
*********************************
واقع المجتمع المدني والمهام الملحة:
ولكن و بالرغم مما سبق بدأت خطوات بناء المؤسسات الثقافية والاجتماعية على الأرض، ولكنها تفتقر الى ألية التنظيم وكيفية العمل والتفعيل للإدارة والإمكانيات، بالإضافة إلى قلة الخبرة والتجربة في ادارة المؤسسات والضعف في التمويل.
فبدلا من ان تقدم خدمات اصبح أغلبها أماكن للارتزاق، بالتالي لا بد من تفعيل هذه المؤسسات وبناء مؤسسات أخرى، ولا مانع من استقدام خبرات أجنبية في هذا المجال كون تجربتنا كشرق بشكل عام ضعيفة في مجال المجتمع المدني لأسباب تتعلق بالذهنية الاستبدادية للسلطة التي يتم التخلص منها ببناء مجتمع واعي لحقوقه و واجباته وليس ببناء نظام قمعي رديف.
كما يجب اقامة علاقات مع المنظمات الدولية التي تشجع مؤسسات المجتمع المدني كالأمم المتحدة واليونسكو واليونسييف وعشرات المنظمات النروجية والدانماركية والسويدية والكندية.... التي تقدم الدعم والمساندة والتمويل لمشاريع المجتمع المدني في المناطق النائية والكارثية وتقدم خبراء ومساعدات عينية ومالية على شرط ان تكون هذه المؤسسات فعالة وميدانية وتلعب دورها في خدمة المجتمع وخاصة من الجانب الانساني .
بالتالي نحن الآن أمام مهمتين أولهما أصلاحية تشتمل على إعادة تقرير آليات العمل للمنظمات الموجودة سلفاً أو تعديل ممارسات كانت متبعة، و المهمة الأخرى اللاحقة و الدائمية هي التغييرية التي تشتمل على بناء منظمات مجتمع مدني على أسس صحيحة التي ستؤدي بالنهاية إلى بناء المجتمع الذي يطمح له كل فرد في ظل دولة ديمقراطية تكفل له حقوقه.
فالفرق بين المهمتين الإصلاحية و الدائمية يكمن في:
1- أن نهج الإصلاح وقتي ومحدود، بينما نهج التغيير دائم وشامل .
2- إن الإصلاح نهج علاجي لداء يأتي لاحقا بعد نشوء مشكلة من المشاكل. بينما نهج التغيير نهج مبكر يأتي لتلافي حصول مشكلة من المشاكل.
3- إن النهج الإصلاحي يستند ويعتمد على الممكنات، بينما نهج التغيير يخلق الدور الإستراتيجي بعيد المدى لتنمية المؤسسات المنتجة والخدمية .
4- إن الإصلاح مهمة روتينية بطريقة ما، بينما التغيير يتطلب إبداعا متواصلا في الميادين كافة .
*********************************
مقترحات و توصيات:
بالنهاية لا بد من بعض التوصيات و المقترحات لتطوير عمل منظمات المجتمع المدني:
1- اشراك منظمات المجتمع المدني في وضع استراتيجيات التنمية، وإتاحة الفرصة لمنظمات المجتمع المدني العمل وفقا لخططها واحتياجاتها
2- تأهيل وتدريب قيادات منظمات المجتمع المدني لتمكنهم من تطبيق أساليب القيادة وتطوير آلية العمل لتنفيذ الخطط والأهداف المرسومة لتلك المنظمات، ولكي تصبح اداة لتطوير اعضائها من خلال ما تنظمه من ندوات ودورات في ثقافة التنمية ومتطلباتها.
3- تفعيل دور مراكز مساعدة المنظمات وتهيئتها للقيام بمهامها من حيث الإشراف والمتابعة والتنسيق والتقييم المستمر لأنشطة وبرامج المنظمات والجمعيات .
4- الاستعانة بخبرات المنظمات والجمعيات والاتحادات الأخرى والتي تمتلك خبرة متنامية ومتطورة في هذا المجال.
5- إيجاد آلية للتواصل والتنسيق بين الجمعيات والمنظمات والجهات ذات العلاقة وعلى الأخص الحكومية.
6- توفير الدعم المادي وتوزيعه بصورة عادلة ووفقا لمتطلبات كل منظمة واحتياجاتها على أن تتبنى الجهة المشرفة على عمل تلك المنظمات عملية التوزيع ووفقا للدراسات والمعلومات المتوفرة لكل منظمة.
7- عزل المجتمع المدني عن فكر السلطة و سياساتها، و الإنطلاق من مبدأ أن السلطة تخدم المجتمع المدني و ليس العكس.
*********************************
المراجع:
1- ويكيبيديا، http://ar.wikipedia.org/wiki/مجتمع_مدني
2- Herbert Hiram Hyman، Political socialization"" ، 1959
3- ميثاق العقد الاجتماعي في مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية
4- ماو تسي يونغ، ضد الليبرالية
5- ماو تسي يونغ، قضايا الأستراتيجية في حرب العصابات
6- أمين عثمان، تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني.
7- د. آمال شلاش – التنمية البشرية المستدامة – دراسات في التنمية البشرية المستدامة – بغداد – 2000 .
8- ديندار شيخاني، منظمات المجتمع المدني و التنمية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأونروا: ما الذي سيتغير بعد تقرير الأمم المتحدة؟ • فرانس 24


.. وكالة الأونروا.. ضغوط إسرائيلية وغربية تهدد مصيرها




.. آلاف المهاجرين في بريطانيا يخشون الترحيل إلى رواندا


.. بريطانيا: موجة تنديد بترحيل المهاجرين إلى رواندا • فرانس 24




.. لازاريني للجزيرة: الهدف الرئيس من الهجوم على الأونروا هو نزع