الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
قطع لوصل ما انقطع
منير شحود
2005 / 7 / 6مواضيع وابحاث سياسية
تتعدد الرؤى والإجابات عن التساؤلات التي تحاول توصيف سوريا الحالية واستشراف آفاق تطورها, ولكن ما هو شبه مؤكد أن الشرعية الثورية أو الانقلابية لم تعد مقبولة في عصر الديمقراطية والشفافية، وأن الظروف التي ساعدت على استمرار الوضع الراهن وبقائه حتى الآن قد صارت في خبر كان. وأصبح احتكار السياسة، ومفاهيم من نوع الحزب القائد والأب القائد من الذكريات التاريخية غير المستحبة.
وكان احتكار السياسة الأساس الذي بني عليه مفهوم تخوين الآخر، تمهيداً لحذفه من الحياة، أو سجنه، أو تهجيره. ولم تستطع الديكورات المؤسساتية التي تم بناؤها بعد عام 1970 أن تغير من الأمر الواقع في شيء، ولم تمضِ فترة وجيزة حتى تم الاستيلاء عليها وحجرها في إطار هيكليات الحزب الحاكم وتحت الرقابة الأمنية, فتحولت إلى جثث هامدة لا تتحرك إلا دفاعاً عن السلطة التي فبركتها؛ كالنقابات, ومجلس "الشعب", والجبهة "الوطنية التقدمية". كما أن فرض قوانين الطوارئ على امتداد سنواتٍ طويلة شوَّه مسيرة الحياة الطبيعية وأفقرها، وخاصة فيما يتعلق بنشر ووعي الثقافة القانونية والحقوقية, ووصلت سوريا إلى نهاية النفق المسدود.
وإن كل ما سبق لا يمكن أن يستمر في ظروف جديدة يتم فيها تحرير المجتمع من قوانين الطوارئ وسطوة الأجهزة الأمنية، وإجراء انتخابات، ودمقرطة المؤسسات وقوننة العمل فيها على أساسٍ دستوري صلد.
وكان انعكاس ذلك التنظيم السياسي السابق/الحالي على الاقتصاد كارثياً؛ فقد أفضى الاحتكار السياسي والهيمنة والمحسوبية إلى أن أصبح نهب المال العام هدفاً بحد ذاته ومحوراً يرتكز عليه العمل في القطاع العام الخاسر بمعظمه, ويخاف فيه العامل حتى المطالبة بأجره الزهيد أو مرتَّبه, وصار الفرد لا يجد من يحميه إلا في محاولة الغوص في انتماءات سابقة على الوطنية, كان السوريون قد قطعوا شوطاً طويلاً في تجاوزها.
وشيئاً فشيئاً انتشر الفساد في المجتمع بدءاً من المستويات العليا للسلطة، حيث كان النهب يتوزع تبعاً لمستوى المسؤولية المفترضة، أو بالأصح سلطة الكرسي، وقربها من مركز السلطة. ونتيجة لغياب القضاء العادل, كان على المستثمرين القلائل أن يتحالفوا مع مراكز القوى السلطوية, فنشأ من ذلك نوع من الاقتصاد نصف المافيوي، والذي أضيف إلى الاقتصاد المافيوي الذي عمل في كل أنواع التهريب وفرض الخوات, وأفرز قطاعات اقتصادية مشوهة من نمط اقتصاد الفساد, واقتصاد التشبيح. ودفع المنتجون الحقيقيون تبعات الفساد, فوصلت سوريا إلى مراتب متدنية في المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية. واستمرت في الآونة الأخيرة المحاولات المحمومة للاستيلاء على أكبر قدر ممكن من الثروة الوطنية وتحريكها والتحكم بها قبل فوات الأوان.
وانتشرت تبعات هذا النمط الجديد من المصالح الاقتصادية التحتية "كثقافة جديدة" يتم تسويقها في بنى المجتمع من أجل إحداث الانزياح القيمي الذي يخدم مصالح هذه الأوساط الاقتصادية, ويبرر شيوع الفساد والمحسوبية والتكسب المافيوي، وعملت هذه الشرائح وضيعةُ الثقافة على نشر "قيمها" في المجتمع, بسبب النفوذ الذي تحوز عليه في مفاصل السلطة السياسية والأمنية, وجيَّشت أسراباً من الكتبة الذين تخصصوا في الإنشاء المدرسي الهادف إلى حجب حقائق الواقع ووجهة سيره الحقيقية. وصار الظلم والغبن والاستغلال سماتٍ للحياة المعاشة في ظل غياب القوانين أو/وتكبيلها بقوانين الطوارئ.
وكان انعكاس ذلك كله على التعليم والقضاء مأساوياً بالفعل, ففشل القضاء في القيام بدوره المستقل كوسيط نزيه لحل النزاعات, بينما شكلت المناهج التعليمية التلقينية والمؤدجلة سداً أحال دون دخول الأجيال الجديدة إلى عالم المعرفة الحرة والمبادرة الإبداعية. وكان الفساد حاضراً للإيقاع بهذين المضمارين وتخريبهما.
إن القطع مع النظام الذي بدأ في عام 1963 أضحى ضرورة ماسة لا غنى عنها لسوريا, ولا بديل عن ذلك سوى الاستمرار في ولوج النفق المفضي إلى خراب ما تبقى من الهيكل المتداعي. ويعدُّ هذا القطع الخطوة الأولى في طريق بناء مؤسسات المجتمع المستقلة المتآلفة, والإنسان السوري الجديد, وذلك بعد مراجعة شاملة لما حصل, يقوم بها الجميع, من أجل ترسيخ قيم الديمقراطية والأخوة وحقوق الإنسان على أنقاض الخرائب الأيديولوجية المتهالكة.
سيقول بعض ممتهني التبرير والعلك أنني أدعو إلى حرق "المنجزات", لكن القطع ليس سوى إعادة وصل لصيرورة التاريخ الحقيقي للشعب السوري, فهو تغيير في المنحى يسمح بتوجيه الموارد لخدمة تطور المجتمع, بعد التخلص من تبعات سياسات الهيمنة في الداخل والخارج, وهو خلاص من عهد البروبوغاندا إلى عصر الشفافية والمصارحة والتئام الجراح التي شابت علاقات تكوينات المجتمع العرقية والدينية.
سيخرج الشعب السوري من محنته عاجلاً أم آجلاً، لكن الوقت الذي أضاعه الاستبداد على المستوى الوطني يصعب تعويضه في المدى المنظور.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. حرب غزة.. هل تتسبب في تفاقم الأوضاع في الأردن؟ | المسائية
.. 16 قتيلاً حصيلة 24 ساعة من القصف المتبادل بين إسرائيل وحزب ا
.. العراق.. توجه لحجب تطبيق -تيك توك-! • فرانس 24 / FRANCE 24
.. الرهائن ووقف إطلاق النار.. آخر تطورات المفاوضات بين إسرائيل
.. واشنطن.. نتنياهو وافق على إعادة جدولة اجتماع رفح