الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المملكة المحافظة في واقع متغير

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2014 / 3 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


ربما لا دولة في المنطقة تقدس ’الوضع الراهن‘ وتخاف التغيير وتقاومه بشتى السبل أكثر من المملكة العربية السعودية. قد ظلت المملكة تلعب باستمرار دور ’رمانة ميزان الاستقرار‘ والمحافظة على بقاء الوضع القائم دون تغيير جذري بطول المنطقة العربية وعرضها طوال العقود الماضية. تحقيقاً لهذه الغاية، قد قاومت السعودية وتصدت بكل قوة وحزم للهيجان الثوري القومي العروبي بقيادة عبد الناصر، الذي حاصرها غرباً في مصر، وشمالاً في سوريا، وشرقاً في العراق، وجنوباً في اليمن. وكادت المملكة المحافظة، ’الرجعية‘ بالمصطلح الثوري، أن تفقد بقائها ووضعها الراهن للأبد لولا نجاحها في استعادة توازن ميزان الاستقرار للكفة التي تبغي بفضل تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية.

مات جمال عبد الناصر. وبمرور الزمن هدأت حدة الهيجان والضجيج الثوري الذي افتعله، وأخذت كفة النظم الثورية تميل أكثر فأكثر باتجاه المملكة والرغبة في استقرار واستبقاء ’الوضع الراهن‘ إلى الأبد، الذي جعلها تنبذ ’الثورية‘ وتتبنى إلى ’التوريث‘. انتصرت المملكة على الجمهورية؛ أصبحت جميع النظم حول المنطقة إما ملكية أو ’شبه ملكية‘. في مثل هذا الواقع المثالي، لم تجد المملكة صعوبة كبيرة في تثبيت قيادتها وترسيخ ’الوضع الراهن‘ أكثر فأكثر، إلى حد أن أصبح ’أكثر من طاقة‘ أنظمة الحكم الجمهورية السابقة ذات الأسس الثورية/العسكرية على تحمله، لتخر ساقطة بالانتفاضة الجماهيرية واحدة تلو الأخرى كقطع الدومينو بداية من 2011. تغيرت القواعد.

في شهادة حق، تجدر الإشارة إلى أن المملكة مقارنة بالجمهوريات الثورية ذات الأسس العسكرية الصلبة قد نجحت في تجنيب شعبها ويلات كثيرة. سواء في الجزائر أو ليبيا أو مصر أو سوريا أو العراق أو اليمن، قد أزهقت أرواح كثيرة- بمئات الآلاف في بعض الحالات- وعذبت واضطهدت وقمعت ونفيت أرواح أكثر ثمناً، وتضحية، لرفعة القضية الثورية وتحرير الشعوب. في النهاية، لم تبتاع هذه الأثمان والتضحيات على جسامتها شيئاً- تقدماً- يذكر، حين انتهت هي نفسها إلى ما يشبه الملكيات وأحياناً أكثر في تقديس الوضع الراهن وصد التغيير، لدرجة تبني مبدأ ’التوريث‘ منهجية سائدة عبر معظم مؤسسات الدولة الكبرى، في الجيش والشرطة والقضاء والإعلام والأعمال والثقافة...الخ. رغم ذلك، في النهاية فرض التغيير نفسه بالقوة على الجميع.

بعد التغلب على ’التغيير الثوري الناصري‘ لصالح المحافظة على استقرار الوضع الراهن كما جسدته السعودية، ظهر أول تهديد جديد لهذا الاستقرار في الثورة الإيرانية وتأسيس أول جمهورية إسلامية في إيران. عكس التهديد الناصري العلماني، هذه المرة جاء التهديد إسلامياً ذو امتداد وأبعاد تاريخية عميقة. هذه المرة الخطر أكبر بكثير. في هذه المواجهة الجديدة لاستبقاء الوضع الراهن، نسجت المملكة خيوط تحالفها على امتداد محورين رئيسيين: العراق والولايات المتحدة. ونجحت المملكة في صد خطر الإسلام السياسي المنبعث من إيران، لكن لم تقضي على جذوته التي ظلت مشتعلة هناك.

ظهرت فجأة نقطة تحول فارقة في رحلة المملكة السعودية للمحافظة على الوضع الراهن، في 11 سبتمبر 2001. خمسة عشر سعودياً من أصل تسعة عشر إرهابي عربي كبدوا الولايات المتحدة في عقر دارها نحو ثلاثة آلاف قتيل في بضع ساعات. بسبب ذلك قد حدث، لا شك، تحولاً جذرياً في النظرة والاستراتيجية الأمريكية تجاه حليفتها الأقدم والأكبر والأهم في المنطقة كلها- السعودية. سوف تتغير القواعد بدرجة كبيرة جداً وغير مسبوقة هذه المرة، إلى حد المحاولة وبذل الجهد المادي والعسكري في رسم قواعد جديدة تماماً للعبة موازين القوى عبر المنطقة، في غير مصلحة المحافظة على استقرار ’الوضع الراهن‘ القديم. بعدما كانت الولايات المتحدة نفسها حليفاً رئيسياً للمملكة في المحافظة على استقرار الوضع الراهن منذ تأسست السعودية نفسها، هي الآن تسعى في فرض وتسهيل التغيير بشتى الوسائل.

رهناً بحسابات المصالح الأمريكية الخاصة، تقرر أن يكون مدخل التغيير إلى المنطقة- والسعودية في القلب- عبر البوابة العراقية. بإزاحة صدام حسين، تمت إزالة أحد الركنين الرئيسيين لاستراتيجية الاستقرار السعودية. بقيت أمريكا، من الناحية النظرية فقط. لكن أمريكا هي التي قد هدمت متعمدة- غير عابئة بالرفض السعودي- ذات الركيزة العراقية للاستراتيجية السعودية، وتدرك جيداً العواقب على السعودية والمنطقة، وربما قد خططت وسهلت لوقوعها تحديداً. في الحقيقة، الركيزة الأمريكية التقليدية في الاستراتيجية السعودية للمحافظة على الوضع الراهن كانت قد انتهت صلاحيتها بالفعل صبيحة اليوم التالي لفاجعة 11 سبتمبر 2001، لكن ربما المملكة كانت تمني نفسها بغير هذه الحقيقة المرة، الواضحة وضوح الشمس. المشهد ضد تغير جذرياً وعلى نحو غير مسبوق هذه المرة، بحيث تحول ’الراعي الرئيسي‘ السابق للاستقرار والمحافظة على الوضع الراهن في المنطقة، الذي يخدم المصلحة السعودية بامتياز، إلى الراعي الرئيسي الجديد للتغيير الكاسح والعميق بطول المنطقة العربية وعرضها مهما كانت التضحيات والعواقب، ولو كانت المحصلة خسارة حلفاء مخلصين تقليديين وتنصيب أنظمة غير مختبرة تنتمي بدرجات متفاوتة إلى الإسلام السياسي في مكانها.

لأول مرة في تاريخها القصير تجد المملكة العربية السعودية نفسها محاصرة من كل الجهات تقريباً بكم هائل وعنيف من قوى التغيير المتطرف أحياناً بينما هي دون أي ركيزة رئيسية- وطنية، إقليمية، دولية- تستطيع بها صد ومقاومة هذه الموجة التغييرية العاتية واستعادة التوازن إلى ’الوضع الراهن‘ الذي لم تعرف، ولا تريد أن تجرب، المملكة سواه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط


.. جيش الاحتلال يعلن إصابة 4 جنود خلال اشتباكات مع مقاومين في ط




.. بيان للحشد الشعبي العراقي: انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو