الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبور البرزخ

سيد القمني

2014 / 3 / 21
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


في ظل مناخ يشتعل بالأحداث اليومية، ومجتمع تحول عن السلبية السياسية والسُبات الشتوي والصيفي وما بينهما، إلى مجتمع مُسيّس بامتياز، وثورة ينايرية كُبرى في فجر سنة 2011 تتلوها موجات من الثورات الصغيرة، إلى ثورة أكبر وأعظم في مغرب يونيو وبدايات شهر يوليو شهر الكرامات في 2013، وقفَت الدنيا إزاءها تراقب وتندهش وتتعلم، ثورة تحدّت أعتى القوى الدولية ودخلت معركة كبرى ما زالت قائمة ضد مؤامرة كونية تتم في العلن دون مواربة.
ولأن مصر هذه الأيام تحت نظر وبصر التاريخ الكهل ليُدون كشوفًا جديدة، ويكتب يومياتها بحبر الحياة، فقد انتعشت آمالي وعادت أحلامي في مصر عظيمة عزيزة فحلمت وتمنّيت، ومصر في العُلى تستعيد هويتها المصرية ضد التقسيم الطائفي والعبودي بين شعب الوطن، تمنيت وحلمت: أن دستورنا الجديد سيُبهر العالم، لأنه دستور أعظم الثورات في تاريخ الكوكب الأرضي من حيث الحجم وكثافة الأحداث، حلمت: أن المادة الدينية في الدستور سيتم استبدال نص يليق بثورتنا وبوطننا بها، يقول: إن المصدر الرئيسي للتشريع المصري هو قوانين الأمم المتحدة والمواثيق الحقوقية الدولية، وتخيّلت حجم تأثير هذا البند في العالمين، وصداه لدى كل شعوب الأرض ليرتبط ممجدا بثورته المجيدة، وكيف ستكون حياتنا مع هذا البند الراقي، لكن أصحاب اللحى على تنوع مشاربهم ومذاهبهم من سلفيين وأزاهرة ومنتسبين ومتعاطفين، مع أيديولوجيا حفرية تعود إلى زمن موغل في وحشيته البدائية، ومع خلايا نائمة بين ظهرانينا، اتخذوا قرارا تاريخيا بالعمل داخل لجنة الخمسين مترافقا مع العمل الإعلامي وفي المساجد والشوارع لتكبيل مصر حتى لا تلحق بقطار الحداثة العالمي، وتأخذ مكانها بين الأمم المعاصرة، وتستعيد حرية عقلها في الإبداع لتشارك البشرية منجزاتها.
وهذا كله إنما يعني أن مصر ستنعتق من رهاب الغيب وزمن اللحى الموتورة بمصالحها وسيادتها على العقل الجمعي، زمن يعود إلى ما ينوف على أربعة عشر قرنا في أشد البيئات توحشا وفقرا وجهلا في التاريخ كله، في بوادي الحجاز البلقع، فإن ركبت مصر قطار الحداثة فهو ما يعني خلاصها من ثقافة غازية متوحشة، ومن سدنة وكهنة ودهاقنة هذه الثقافة وأساطيرها وغيوبها وغيبوبتها إلى الأبد.
هذه هي المسألة!
فالسلطة الروحية على الناس هي أبشع ألوان الاستعمار العقلي، هي منصب سيادي فاسد حتى النخاع، يُحدث الناس عن حلاوة الإيمان والزُهد في الحياة الدنيا من أجل نعيم مؤجل للآخرة، وفي الوقت نفسه يعب من الدنيا بنهم خبيث، إضافة إلى الوجاهة الاجتماعية والاحترام التقديسي، هي أقوى السلطات عبر تاريخ الإنسانية وأكثرها أثرا وفعلا، ولا حياة لها مع العقول الصاحية فتعمل على دهس العقل وتصغيره ووطئه بالنعال، كما قال الثري السلفي الأمثل محمد بن حسان في خطبة متلفزة. في ظل هذه الثقافة تسمع وتطيع الدهاقنة فقولهم القدسي والفصل. ولا تسأل لأن السؤال تشغيل للعقل، أيضا لا تسأل عن الرزق فإذا سألت فاسأل الله ولا تعترض على قدره، فأصحاب اللحى سيقومون بالنيابة عنك بالتفاهم معه ما دمت ملتزما مطيعا.
ورغم سقوط الآمال وبقاء الأحلام أحلاما فإني أسجل شديد احترامي للقطب الدبلوماسي الأستاذ عمرو موسى لحسن إدارته لما بين أعضاء لجنته من متنافرات متصارعات، ولدور شباب تمرد تمجد اسمها، كان لديه أزهر وسلفيون وكنيسة وكلها كائنات حفرية تعود إلى ماض تعيس، ولم تجلب للبشرية سوى الأوجاع والآلام، لذلك كان الهدف النهائي لليبرالية والعلمنة هو سعادة الإنسان تعويضا عن ماضٍ رهيب، أصحاب اللحى كائنات أسطورية الشكل والفهم يضعون لحاهم ساترا وحجابا بين العقل ومنهج التفكير العلمي، فمن يعتقد أن إنسانا صعد السماء على ظهر بغل مُجنح، ومن يعتقد أن الكاهن قد حرك جبل المقطم بالأمر المباشر أو أن زيت القنديل أو بول الجمل، أو أن علاجا واحدا وجهازا واحدا يمكنه أن يكتشف كل الأمراض ويعالج كل الأمراض التي اكُتشفت والتي لم تُكتشف بعد، لا تطلب منه أي إنجاز ممكن، ناهيك بالسماح له بالمشاركة في وضع دستور مدني لأمة من الأمم وإن فعلت تكون فاقدة لرشدها.
تمكن السيد عمرو موسى من قيادة ثيران جامحة وأصحاب رؤى تقدمية ومتسامحة وناصريين وقوميين ويساريين، ليدون اسمه في تاريخنا بدستور دون طموحات مصر وشعبها لكنه مقارنة بما سبقه من دساتير يُعد الأفضل بينها. لكنه أبدا لا يصل إلى قامة الشعب المصري المشدودة ولا يعوضنا عن الدماء المسفوكة ، فشعبنا منذ يناير 2011 أصبح سابقا لكل السياسيين والمفكرين في طموحه لعالم الحرية والعدالة والكرامة، وهذه الطموحات كلها لم يعرفها دين من الأديان فالكرامة والعزة لله وليس للعباد ولا يعترف دين واحد بأن العبودية وصمة عار في جبين الإنسانية ولا يعرف معنى العدالة الاجتماعية ولا حقوق الإنسان، فالدين يطلب فقط حقوق الله، كلها مفردات لا يعرفها أي دين ولا يفهمها أيُ من دهاقنته، والرزق مكتوب والعدل مفقود والحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى.
كل هذا كان يفعل داخل لجنة الخمسين يتنازعها صراع بين زمنين زمن ولّى وزمان يرفض أن يمضي، ويقاتل بشراسة للبقاء إلى جوار الزمن المعاصر، فجاءنا دستور يقف بين زمنين، في البرزخ ما بين الماضي والحاضر، ما بين البداوة القبلية البدائية وبين الحضارة الحديثة. ويبقى أمام شعبنا مرأى العالم المتقدم يتقدم ونحن مربوطون بسلاسل الماضي، يرى الدنيا تبحر نحو عوالم من المعرفة والحريات ونحن ما زلنا نعتبر المرأة نصف ذكر وبملك اليمين وفتح العالمين، ولا أشك أن شعبنا العظيم سيكتشف مع حجم المعاناة وتعدد التجارب كارثة الأيديولوجيا الدينية بعد أن اكتشف أصحابها، وحينها سيتمكن من عبور البرزخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - دستور حبر على ورق انظر الى الواقع
عبد الله اغونان ( 2014 / 3 / 21 - 16:21 )

الواقع لايرتفع

مايهم الدستور

المهم هو اعتقاد الناس فيه

ثم مدى قدرته على الاستجابة لمصالحهم

من السابق لأوانه الحكم على دستور انقلابي

عمرو موسى كان ومازال من سدنة نظام مبارك

تلاااااح


2 - شيخنا العلماني الجليل كتبت تقول
عدلي جندي ( 2014 / 3 / 21 - 16:40 )
ولا أشك أن شعبنا العظيم سيكتشف مع حجم المعاناة وتعدد التجارب كارثة الأيديولوجيا الدينية بعد أن اكتشف أصحابها، وحينها سيتمكن من عبور البرزخ.
طول العمر والصحة .. هل جيل الخمسينات وما قبل سيعبر أيضاً البرزخ؟
ام نظل ما بين الحلم والكابوس في لعبة تشبه لعبة الكراسي الموسيقية؟
من عبد الناصر يا حرية الي بطل الحرب والسلام مرورا بالبقرة الضاحكة وحتي معتوه الشرعية والسيسي رئيسي ونحن ما بين الحلم والضياع .. حال مصر يا أستاذنا لا يسر عدو ولا حبيب وعبور البرزخ لازال داخل جبة او طاقية رجل الدين
تحية للفكر الراقي المصري والاصيل


3 - كن واقعيا
قدوس ( 2014 / 3 / 21 - 21:34 )
ان الطبيعة لا تغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم هذه هي الخلاصة انت تريد يا سيد ان ينقلب المصريون بين عشية وضحاها على ميراث خبيث لصق بهم اكثر من 14 قرنا انت تطلب المستحيل دعك من الاوهام و حط نفسك في الواقع المرير حيث الناس تتباكى لمجرد سماع القران او الانجيل


4 - البرزخ
nasha ( 2014 / 3 / 21 - 23:19 )
استاذنا الكريم /شعوب الشرق الاوسط لا زالت في المخاض. الذي حدث في مصر هو بداية الثورة على الموروث المتكلس منذ قرون. التغيير يجب ان يكون فعلياً وليس شكلاً . كل الي حدث هو محاولات تم احباطها لان هذه الشعوب لازالت مغيبة ولا تقبل الاعتراف بالمرض المزمن الذي يستشري في خلاياها. ولكن كما قال الاستاذ عدلي ــــ التغيير حتمي ــــــــ فالثورة قادمة لا محالة . ونرجو ان تكون باقل الخسائر. انا عندي ثقة بالشعب المصري لا لانه اذكى اخواته و لكن لعدم توفر المال اللازم لحرق نفسه كما حدث في العراق و ليبيا.
دمت معلما فاضلا وشكراَ


5 - شعب عظيم
ماجدة منصور ( 2014 / 3 / 22 - 02:58 )
إن الشعب المصري العظيم يستحق فعلا أن يكون قامة مشدودة بين الأمم المتحضرة بما يملك من حضارة و تاريخ و رجال عظماء.0
هذا الشعب الذي سحق دكتاتورا متوحشا كعصابة مرسي و مرشده الرجعي لهو قادر على تعديل أي دستور لا يتوافق مع حقه في العيش بحرية و كرامة..تليق به
لك احترامي


6 - تحية عالية
رفيق عبد الكريم الخطابي ( 2014 / 3 / 22 - 08:49 )
أسجل تحياتي للكاتب ..رغم الاختلاف حول المنهج في تناول الظاهرة الظلامية المتأسلمة إلا ان المقال يستحق التقدير..ومبدئية الكاتب في دفاعه عن أفكاره تتستحق الاحترام ..فقط نسجل هنا ملاحظة قصيرة بخصوص انتفاضات شعوبنا وهي كم كانت الانتفاضة المصرية ومعها كل انتفاضات شعوبنا في حاجة ماسة إلى طليعة ثورية مبدئية ومسلحة بنظرية ثورية فعلية هي هي نظرية الطبقة العاملة ، غياب أو ضعف تلك الطليعة هو الدي ترك حركة الجماهير أسيرة للممارسات الانتهازية للبرجوازية بمختلف تلاوينها ..ظلامية متأسلمة أو ليبرالية وقومجية متدبدبة وومساومة وأخرى رجعية عميلة ..كل هده القوى مجربة جيدا في السلطة لكنها ستواصل جميعها إعادة ترميم مساحيق وجهها وخداع جماهير شعوبنا ما لم تستطع حركة هده الجماهير إفراز طلائعها الثورية المبدئية ,..تحياتي للكاتب


7 - طباخ الدين بيدوقه
عماد عبد الملك بولس ( 2014 / 3 / 27 - 10:05 )
تحية يا سيدي

ألم يخترع المصريون الدين سالفا و الآلهة و الكهانة؟ ثم صدروها للعالمين أديانا و نحلا و مذاهبا حسبما شرب منها كل حجاج و مريدي مصر القديمة؟ فلماذا نتعجب أن نتمسك بالكهانة و عبادة الفرد كل هذا الوقت؟ و أن نستمرئ أيديولوجية ابتدعناها حتي الثمالة؟ (ثمالة الأيديولوجية؟)

إني لا أتعجب، و سأتعجب من الاختراع القادم للمصريين، الذين شبعوا مصائبا و قرروا أن يغيروا التاريخ

كل الاحترام


8 - المجد لشعب الصحراء و العــارللأحتلال الغربى الغاشم
KHALED ALMASRY ( 2014 / 4 / 2 - 13:24 )
تدخل عنيف لقوات القمع المغربية يسفر عن إصابات في صفوف الصحراويين
أربعاء, 02/04/2014 - 00:23 Tags:الصحراء الغربية
العيون المحتلة 02 أبريل 2014 ( واص )- أصيب عشرة مواطنين صحراويين بجروح إثر تدخل عنيف لقوات الاحتلال المغربية ظهر الثلاثاء بعد فض مظاهرة جرى تنظيمها بمدينة العيون المحتلة للمطالبة بتقرير المصير والاستقلال .

وكان عشرات الصحراويين قد احتشدوا بملتقى طريقي الشريف الراضي و مولاي اعلي الشريف يرفعون أعلام البوليساريو وسط الهتافات والشعارات السياسية قبل أن تتدخل ضدهم قوات أمنية وتداهم منازل المواطنين الصحراويين التالية : المحجوب الفيلالي ، محمد بلعمش
محمد احمنيها ومحمد سالم ولد الطاهر

كما تم الاعتداء على كل من : أمباركة أبنون ، يزانة احريم والطفلين القاصرين عالي النفية
والخليل بلعمش .


9 - الى أبن أغونان البنكيرانى
KHALED ALMASRY ( 2014 / 4 / 2 - 13:26 )
واشنطن 1 ابريل 2014 (واص )- تواصل الناشطة الصحراوية،امينتوحيدار، المرافعة عن القضية الصحراوية بالولايات المتحدة المتحدة، حيث توجهت امس الاثنين الى نيويورك بعد واشنطن ضمن التحسيس بانتهاكات المغرب لحقوق الانسان في الصحراء الغربية وضربه عرض الحائط بالمشروعية الدولية

بعد المحاضرة التي قدمتها الناشطة الصحراوية امينتوحيدار رئيسة تجمع المدافعين الصحراويين عن حقوق الانسان بمقر الممثلية الدائمة للاتحاد الافريقي بواشنطن في اطار زيارتها الى الولايات المتحدة الامريكية للتحسيس بالوضع المساوي لحقوق الانسان بالصحراء الغربية قبل اجتماع مجلس الامن لتمديد مهمة بعثة الام المتحدة من اجل الاستفتاء بالصحراء الغربية عقدت الناشطة الصحراوية والمدافعة عن حقوق الانسان قبل توجهها الى نيويورك عدة لقاءات يومالسبت كان للمدافعة الصحراوية عن حقوق الانسان عدة لقاءات بمقر الكونغريس الامريكي

اخر الافلام

.. هل ساعدت كوريا الشمالية إيران بهجومها الأخير على إسرائيل؟ |


.. مسلسل يكشف كيفية تورط شاب إسباني في اعتداءات قطارات مدريد في




.. واشنطن تؤكد إرسال صواريخ -أتاكمس- بعيدة المدى لأوكرانيا


.. ماكرون يدعو إلى أوروبا مستقلة أمنيا ودبلوماسيا




.. من غزة| 6 أيام في حصار الشفاء