الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطبيعة البشرية للأفراد تنعكس في الصحفي

حمودة إسماعيلي

2014 / 3 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لقد لاحظت في مرحلة مبكرة من حياتي أن الصحف لا تنقل أبدا أي حدث كما حدث فعلا
.. جورج أورويل

الصحفي كائن ينقل ويصف الأحداث (بواقع معين) للأفراد (المتابعين) كأنهم يرونها (نتيجة صعوبة تواجدهم بذلك الموقع/الواقع أو بعدهم عنه/عن المعلومات) : ينقل مختلف الأحداث في العالم ـ لكن ما يهمنا هنا هو الحدث السياسي نظرا لأن الأحداث السياسية لها أكبر تأثير على الأفراد وتحدث باستمرار | فبركان قد يحدث مرة كل 20 سنة، أما الناس فمطاردين يوميا بمتطلبات اقتصادية واجتماعية تفرض رعاية سياسية ـ والصحفي هو المخول بكشف نوعية هذه الرعاية السياسية : بعرضها على الأفراد. دون ضرورة نقدها أو تفكيكها أو مباركتها، لأنها من وظيفة المفكر وعالم الاجتماع والباحث الاقتصادي | إنما يقوم بتعريتها كما يعرّي النخاس السبايا عند عرضهن بمسرح السوق. ووصف حالة احتجاج لا يختلف عن وصف حالة طقس : هطول تجمع بشري على مؤسسة يوازيه هطول أمطار على بقعة إقليمية ـ كوصف مشابِه أسلوبياً.

الصحفي فرد : ووصفه يتأثر بتأثر الأفراد ـ فالمهنة تعبير وليس تسامي على الجموع ك"علم" تجريدي يتعالى على الواقع للسيطرة عليه ـ وبتأثره يتماهى مع الأغلبية لينحاز قطبيا (مع جهة سياسية بتأثير الغالبية/القبيلة/الهوية/الحزبية) نتيجة العاطفة التي تؤدي لتشويه الوصف : كتناقض في التعبير. ومنه نجد خروقات على مستوى الحرفية تكشف عن مرحلة طفولة بالممارسة :

ـ فعندما يكون الحزب ممسكا بزمام السلطة ولا أحد يفتح فمه (باسثتناء متمردين قلة عانوا من جهته) فإن الإعلام يبارك الأجواء.
ـ أما عندما يسقط الحزب ويفتح الجميع فمه على اتساعه بالانتقاد والتجريح (وتصاب تلك القلة بالجنون ظنا منها أنها هي سبب التغيير !) فإن الاعلام يرقص على سقوط الحزب.
(وهذا مفهوم : فالإعلام هو صوت الشعب ـ مثلما يُقال، أو ضميره)
ـ لكن حينما ينقسم الشعب : لمؤيد لسقوط الحزب ومعارض | فأين سيذهب الصحفي ؟ أو مع من ؟ . بما أن الصحفي ينتمي لمؤسسة إعلامية : فإنه يهلل مع تهليل المؤسسة لأنه إذا انحاز للجهة المقابلة أو عبّر عن عكس توجهاتها فإنه سيلقى الطرد أو التوقيف : وحفظا لماء الوجه يتم إعلامه بأن يقدم استقالته كأنها "رغبة" و"مبدأ" وليس "طرد تعسفي".

وتوجهات المؤسسة الإعلامية لا تتبع الشعب ولا تعبر عنه : هي أداة للتعبير عن مصالح مالكها ـ وغالبا ما تكون ملكا لأسرة آل طرشان أو آل كسلان أو آل نعسان وما سواه من "آلات" تحوّل موظفيها بالمؤسسة التابعة لها لآلات (ميكانيك) تمتد لداخل منازل الأفراد حتى "آذانهم" لتنطق بألسنة مُلّاكها : وذلك بقول "نصف الحقيقة" عبر وصف "نصف الحدث" ـ هذا النصف مفيد للمالك وبه يتم الصمت عن النصف الآخر لأنه يفسد الأهداف والمخططات ـ وإذا كانت "نصف الحقيقة" هي أسوأ أنواع الكذب : فإنه حتى لو صَدَق الجميع فإن الصحفي/الإعلامي يكذب | لأنه موظف يخدم المؤسسة بصوته (مسموع أو مكتوب). وبالتالي فالحقائق الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها بالجرائد هي "الإعلانات" : بتعبير توماس جفرسون الرئيس الثالث للولايات الأمريكية المتحدة، الذي يضيف كذلك أن "من لا يقرأ شيئاً على الإطلاق أكثر ثقافة ممن لا يقرأ سوى الجرائد".

إذا كانت المؤسسة الإعلامية تحت سلطة مالك له أهداف وتوجهات سياسية : هل سيرضى بأن يعارضها أحد موظفيه ويستخدم خطاب مضاد أو معاكس داخل ملكيته ؟ وهذا ما تكشفه البرامج السياسية التي تُعنى بالنقاشات بين ممثلين لتوجهات مضادة : داخل نفس البلاطو ـ تجد الإعلامي (المستقبل للضيفين) يخرج عن موضوعيته ويكسر حيادته السياسية (التي يفرضها دوره في البلاطو كمنظم لوقت ومداخلات الضيفين خلال زمن البرنامج) وإذا به ينحاز مع ضيف ضد الضيف الآخر : وينهالا على هذا الأخير بالتقريع كأنه مذنب سياسي تعدى على ملكية "سيده" الخاصة. أو كأضعف إيمان يحاول خنق ضيف على حساب ضيف آخر : كأوامر ملقاة من السيادة العليا دون وعي خدمةً لصورة المؤسسة. وسرعان ما يظهر عُصاب كل من الضيفين (اللذان يبدوان كأنهما يتمتعان بكامل قواهما العقلية !) بعد السؤال الأول، فيشارك المستقبل كذلك بعُصابه معهما : كصناعة للمهازل الإعلامية.

إن الصحفي هو انعكاس للطبيعة البشرية للأفراد : فالأفراد لا يعبرون عن آرائهم أو اعتقداتهم (التي كوّنوها نتيجة طرق تأملية) بل يُعبّرون عن توجهات ومعتقدات مرؤوسيهم، كل فرد يعتنق ويدافع عن "ليس أفكاره هو" بل عقلية مشغله (كعبادة لاواعية لرب النعمة) ـ بذلك فإنه عندما يبدو أن الحزب الحاكم (كصورة شبيهة لرب العمل) سيسقط : يتهيأ الأفراد نفسيا لاستقبال الحزب الجديد (صورة رب العمل الجديد) عبر انتقاد وسب وشتم الحاكم/الحزب الساقط كشيطان طُرد من مجلس الملائكة الحاكمة (الموصلة لدعاء الأفراد عند طلب الحاجة من رب الكون وصاحب النعمة). وهذا ما يفسر لماذا لا يفتح الناس أفواههم بسوء على حكامهم السياسيين : لكن ما إن يبدو أن احتجاج أقلية ما تغلَّب على هالته وسينزعه من منصبه : حتى يتكافل الباقون للتعزيز حتى يتم اسقاطه وطرده .. لأنهم مدفوعين لاوعيا (طوال تاريخ الإنسان) للتفكير عبر "المعدة" وليس "العقل".

الناس تمدح من يملأ معدتها. ومستعدون لاستبدال مبادئهم : فالمبادئ لا تُؤكل ! .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليار شخص ينتخبون.. معجزة تنظيمية في الهند | المسائية


.. عبد اللهيان: إيران سترد على الفور وبأقصى مستوى إذا تصرفت إسر




.. وزير الخارجية المصري: نرفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم | #ع


.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام




.. وكالة الأنباء الفلسطينية: مقتل 6 فلسطينيين في مخيم نور شمس ب