الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين التمرد والرهبنة - الهوية النسائية في قصص أليس مونرو

نجاة تميم

2014 / 3 / 29
الادب والفن


بدأت المرأة، في القرن السابع عشر، تنتفض لكي تزيح الغبار عنها وترفض التعامل التعسفي المستخدم ضدها لإخضاعها وإسكاتها. ففي عام 1669، نُشرت "رسائل الراهبة البرتغالية" التي تُوضح التناقض بين حياة الراهبات ومشاعر الحب. فكانت هذه الرسائل الخمس للراهبة المجهولة بداية احتجاج على التقاليد والتعاليم الدينية المتحجرة. أما التطرق إلى هذه الثيمة، بشكل أوضح، فسنجده في رواية القرن الثامن عشر. حيث نشر ديدرو Diderot روايته "الراهبة" عام 1796، بعد كتابتها بثلاثين سنة وهي عبارة عن مذكرة وجهتها سوزان لمحاميها. تتناول هذه الرواية محاولات فتاة يائسة من الإفلات من السجن الذي فرضه عليها والديها. عاشت سوزان هذا التغيير من فتاة عادية إلى راهبة كحالة غياب عن ذاتها، فكانت تعاني من التهميش وفقدان الهوية. لكن إرادتها لمغادرة الدير كانت قوية، بحيث ساعدتها الكتابة على تخطي هذه المصاعب. وبدوره ديدرو رفض هذا التعسف في رواية خيالية وفتح بذلك المجال لطلب العدل والاعتراف باستقلالية المرأة وحريتها في اختيار حياتها.
هذا ما تهتم به الكاتبة الكندية أليس مونرو، ذو الإثنين وثمانين عاما، التي تتحفنا بدورها بقصص قصيرة ما زالت تعالج الحياة اليومية للمرأة والصعوبات التي تواجهها. وتشمل آخر مجموعتها القصصية بعنوان "Dear Live" عشر قصص قصيرة "محايدة" وأربعة "شخصية جدا"، سيرة ذاتية، حسب قول مونرو، فيما يخص الإحساس ولكنها أحيانا لا تمت للواقع بشيء. وقد تُوجت هذه المجموعة القصصية، "Dear Live"، بجائزة نوبل في أكتوبر- تشرين الأول 2013. ووجدت لجنة التحكيم أن مونرو تتميز بأسلوب سلس وواضح وأنها تهتم بواقعية الأحداث والحالة النفسية لشخصياتها.
كانت انطلاقة أليس مونرو عام 1968، عندما زين العنوان التالي "ربة بيت تجد الوقت لكتابة قصص قصيرة" صفحة جريدة محلية في أونتاريو، معلنا بذلك صدور أول مجموعة قصصية لها وهي في الأربعين من عمرها. لكن هذا العنوان لم يكن فحواه صحيحا. لأن أليس مونرو لم تجد فعلا الوقت الكافي للكتابة وهي التي كانت تدفع أصابع ابنتها البكر التي كان عمرها، آنذاك، أقل من سنتين بيد وباليد الأخرى تطبع على الآلة الكاتبة. لقد كان شغف الكتابة يأخذ الكثير من وقتها. وهذا الإحساس بالذنب والتقصير اتجاه أطفالها الأربعة رافقها في كل أعمالها التي تشمل ثلاثة عشر مجموعة قصصية ورواية وحيدة (1971).
في قصص مونرو، تحتل الشخصية النسائية المرتبة الأولى ولا تقبل أن تكون من الدرجة الثانية. رغم حياتها المعقدة لم تستسلم، فتختار الطريق الذي تراه حلا لمشكلتها. تتوفر هذه القصص على الكثير من التفاصيل والمفاجآت ويصعب علينا تلخيصها. كما أن مونرو تترك المجال للقارئ لكي يعيد كتابة قصصها. فالتغييرات التي تحدث داخل القصة تشدنا لا محالة لتتبع القراءة وتجعلنا نفكر لإيجاد أجوبة لأسئلتنا وربما لا نجدها. نحس قوة الشخصية النسائية حتى في سكوتها وأحيانا حتى في خضوعها وتفاجئنا كل مرة فتحسم الأمر وتستمر حياتها. في القصة الأولى من هذه المجموعة بعنوان" الوصول إلى اليابان" كانت الحركة النِسوية في بدايتها. فلم يكن بإمكان المرأة أن تدلي برأيها، أن تكون شاعرة، والأصعب من ذلك أن تطرح أفكارا جديدة أو تكون متحررة. الشاعرة، كريتا، ربة بيت متزوجة غير سعيدة، تعاني أيضا من تضييق المجتمع عليها. تعرفت خلال احتفال أدبي على الصحفي "هانس" ووقعت في حبه. واستغلت أقرب فرصة للقائه. لكن خلال سفرتها بالقطار تترك ابنتها، كيتي، نائمة في عربة القطار المخصصة للنوم وتلبي دعوة شاب وتذهب إلى غرفته. لكن عند عودتها تفتقد ابنتها ويجن جنونها. وأخيرا تجدها جالسة على القطعة الحديدية التي تربط القاطرتين. تجرها بحذر وتضمها إلى صدرها وتعيد حساباتها والرعب والإحساس بالذنب يقتلها لتركها ابنتها لقدرها. ترفض بعدها الطفلة النوم بجانب أمها. لكن عندما يصل القطار إلى تورونتو، تجد كريتا هانس في انتظارها فتترك الطفلة يد أمها؛ لا تعرف ما يحدث بالضبط لكنها متأكدة من إهمال أمها لها.
أما قصة المعلمة الشابة، التي تلتحق بمستشفى أمراض السل لتدريس الأطفال النزلاء، فإنها تشهد تغييرات داخل بنيتها. ويجد القارئ نفسه مندهشا وعليه أن يشارك في بناء القصة أو إعادة بنائها. تقع الفتاة في حب الطبيب الذي يجدها عذراء ويعدها بالزواج. لكنه يتراجع في آخر لحظة بدون إعطاء أي مبرر. بعد سنوات، يلتقي بها صدفة، كانت منزعجة من زوجها ومشاكل أولاده. "لكن لا شيء يغير الحب". بهذه الجملة تنتهي القصة.
قصة أخرى عن الفتاة التي تبيع التذاكر في السينما، تعيش تحث ضغط أهلها المتزمتين والذين يمنعونها من كل شيء حتى من سماع أو رؤية مقطع فيلم. فتختفي يوما بدون سابق إنذار. ونكتشف زواجها من إبن راع كنيسة المدينة. وقد أقام راعي الكنيسة، أب زوجها، علاقة معها عندما اضطرت للسكن معهم. تقاعد القس وتركها هي أيضا وزوجته وذهب للعيش مع راعية كنيسة. للعلم أن اول راعية كنيسة بدأت عملها بهذه الصفة كانت في الكنيسة البريطانية.
في سبعينات القرن الماضي، فضلت الأم استبدال البيت الدافئ وزوجها الممل برجل آخر؛ هيبي يسكن كرافان متحرك. هكذا تروي لنا الساردة - الطفلة قصة عائلتها التراجيدية، وبأن أختها الأكبر التي استوعبت تدهور وضع العائلة رمت نفسها في مستنقع ماء. بعد مرور سنوات، التقت الساردة - الطفلة بالهيبي الذي قال لها: "المهم أن يكون الانسان سعيدا مهما حصل." ونلاحظ كيف أن الطلاق أو غرق طفل يأخذ، مع مرور الزمن، معنى آخرا.
بعد هذا العرض لبعض القصص، نصل إلى القصص الأربعة الأخيرة في هذه المجموعة والتي تتناول فيها مونرو طفولتها وحياة والديها واختلاف وجهات نظرها مع أمها. . وتذكر في تمهيد قصير أن هذه القصص هي أول وآخر قصص شخصية تتناول فيها حياتها الشخصية. ففي قصة "العين"، تسترجع الراوية - الطفلة وعمرها خمس سنوات، خلافاتها مع أمها. أما في قصة "الليل"، فتستنتج الطفلة- الراوية سدادة رأي ابيها وتفهمه لها. وتلاحظ الطفلة - الراوية، في قصة "الأصوات"، حزن الفتاة التي فقدت حبيبها في الحرب. أما في القصة الأخيرة بعنوان "الحياة العزيزة" Dear live، فتسترجع الراوية-الكاتبة طفولتها مع والدها وتنقله من مزارع ثم مربي غزلان وثعالب والمتاجرة في فروها إلى عامل في معمل البيرة بعد الانتكاس الاقتصادي آنذاك. أما والدتها فقد اضطرت لترك التدريس لإصابتها بمرض (الباركيسون). مما جعل الراوية - الكاتبة تتحمل أعباء البيت ومساعدة اخوتها وهي في عمر صغير.
من خلال قصص مونرو، نرى كيف تتخذ المرأة زمام أمورها بيدها رغم التابوهات والضغوط الممارسة عليها، وتختار لنفسها مخرجا ربما يسعدها أو يقلب حياتها رأسا على عقب. فتجسيد هذه الشخصيات الخيالية يساهم في خلخلة التقاليد المتعارف عليها ويضعها تحت المجهر. كما أننا نعرف أن تحرر المرأة ارتبط، في العالم الغربي، بعدة عوامل؛ منها النمو الاقتصادي الناتج عن الثورة الصناعية وتغيير العادات الاجتماعية وقانون الملكية والتحاق الفتيات بالتعليم والاحتجاجات النَسوية و النسْوية التقدمية وتراجع الضوابط الدينية. وقد كانت بداية هذا المنعطف المهم في نهاية القرن التاسع عشر وترسخ بعد الحربين العالميتين. وقد ساهم جيلين بأكملهما في خلق، على الأقل في الأدب، صورة المرأة المستقلة والمتحررة، امرأة حرة. فأين نحن، نساء العالم العربي، من هذا كله.
ونختتم هذا العرض بالقول أن معظم أحداث قصص مونرو تقع في المدن الصغيرة والأوساط الضيقة في غرب أونتاريو في كندا؛ حيث تكون الرقابة الاجتماعية والتزمت في اشد حالاتهما لقلة أو انعدام مجالات الترفيه والتثقيف. وقد تذكر مونرو أحيانا زمن حدوث القصة وأحيانا نكتشف ذلك من خلال أحداثها. أما شخصياتها فهي مختلفة ومتنوعة؛ شخصيات نسائية تحاول التملص من إرضاء توقعات الزوج، والأولاد والأمهات والجيران. لكن بالرغم أن مونرو تهتم بوضع المرأة من خلال شخصياتها النسائية من بداية القرن العشرين لكننا لا نجدها تصدر أحكاما مسبقة عليها. بل بالعكس تحرص على معالجة الثيمة في زمانها ومكانها من خلال إلقاء الضوء عليها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع