الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العدل الأعمى في اليوتوبيا الإسلامية

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2014 / 4 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يولي الإسلاميون مفهوم ’العدل‘ مكانة خاصة داخل اليوتوبيا الإسلامية، لدرجة أن معظم تنظيمات الإسلام السياسي لا يكاد يخلو لها عنوان أو برنامج من لفظة ’العدل‘، وبتكرارية أكثر من أي كلمة أخرى. مع ذلك، العدل ضمن اليوتوبيا الإسلامية يحمل من المعاني والمضامين المختلفة إلى حد التناقض مع المعاني والمضامين العلمانية الحديثة المقصودة من استخدام كلمة ’العدل‘ خارج سياق الإسلام السياسي، وتحديداً في الديمقراطيات المستقرة. سوف أعرض هنا باختصار وجه الاختلاف بين المفهومين المتناقضين (الإسلامي-العلماني) لذات الكلمة الواحدة (العدل) بمحاذاة محورين اثنين فقط: (1) الحقوق الفطرية و(2) الحقوق المكتسبة.

وفق التصورات العلمانية، يقتضي ’العدل‘ المساواة الكاملة بين جميع البشر دون استثناء في الحقوق الفطرية الأصيلة في الإنسان وغير المكتسبة من خلال مساعيه الاجتماعية المتعددة، مثل الحق في الحياة، والحق في الضمير، والحق في حرية التعبير والاختيار، والحق في الحركة...الخ. المبرر الوحيد والكافي لهذه الحقوق الفطرية هو الإنسان نفسه. مجرد وجود الإنسان يعطيه الحق الكامل في هذه الحقوق الفطرية، على قدم المساواة الكاملة مع أي إنسان آخر، لأن جميع الإنس هم متساويين بالفعل في هذا ’النوع‘ الإنساني الجامع بينهم جميعاً والمميز لهم عن كافة ’الأنواع‘ الحيوانية الأخرى التي لها خصائص أخرى فريدة وجامعة لأنواعها.

وفق التصورات الإسلامية لمفهوم العدل، لا وجود أصلاً لما تسمى "الحقوق الفطرية" المشتقة من كينونة الإنسان بمفهوم العلمانية. عوضاً عن ذلك، تعتقد اليوتوبيا الإسلامية أن الحقوق لا تنبعث تلقائياً من كينونة الإنسان، لكن تعطى له على سبيل ’الأمانة‘ من إله خلق الإنسان وفرض له حقوقه الفطرية في الوقت نفسه، مثل الكتالوج المرفق بالماكينة المصنعة. لأن الله، في اليوتوبيا الإسلامية، هو صانع الإنسان، والصانع دائماً هو الأعلم بصناعته، لابد أن يكون هذا ’الكتالوج‘ هو الميثاق الأفضل على الإطلاق لتأطير الحقوق الفطرية الصحيحة للإنسانية. ومن ثم يكون مضمون ’العدل‘ حسب اليوتوبيا الإسلامية ’تناسبياً‘ بقدر الامتثال لإرشادات الكتالوج الإلهي. في قول آخر، نصيب كل إنسان من ’العدل‘ يكون بقدر الامتثال للتعاليم الإلهية، ليزداد إلى حد الإثابة بالجنة في أقصاه، وينقص إلى حد الجزاء بالنار في الأقصى المقابل- وهو في كلا الحالتين ’عدل‘. ولا يكون قتل الكافر والمرتد، ومعاقبة المارق عن التعاليم الإلهية بوجه عام، خروجاً عن هذا ’العدل‘!

في الحقوق المكتسبة، تلك المضافة من خلال مساعي وجهود الإنسان خلال حياته الدنيا، يقوم ’العدل‘ العلماني في الديمقراطيات الحديثة على مبدأ ’تكافؤ الفرصة‘ بالكامل فيما بين الإنس المتساوين بالكامل في الحقوق الفطرية. ثم بعد هذا التكافؤ المبدئي في فرص العمل والكسب والسكن والتعليم وخلافه، سوف تنشأ حتماً فوارق بين الإفراد كنتيجة لفوارق في القدرات والاستعدادات الفطرية الطبيعية وفي المهارات المكتسبة. ويتم تعويض هذا القصور من خلال آليات التوزيع والتأمين والضمان الاجتماعي بما يحد قدر الإمكان من هذه الفوارق في القدرات الطبيعية والمهارات المكتسبة التي ليس للأفراد ذنب فيها، وبالقدر الذي يضمن تحقيق الحد الأدنى المعقول من شروط ’عدالة‘ الحقوق الفطرية المتساوية. الشخص المعاق، مثلاً، ليس هو المسؤول عن إعاقته، وابن العامل الفقير ليس له ذنب في أن أباه لم يترك له رأس مال كبير، أو عدم الحصول على تعليم يعطيه فرصة مبدئية مكافئة للمنافسة مع أبناء الأثرياء والتعليم الراقي.

على هذا المستوى المكتسب يحرص العدل العلماني، الديمقراطي، على أن يجعل من الحقوق الفطرية المتساوية مرجعية جوهرية وكافية لضمان تحقيق أكبر قدر ممكن من العدل الاجتماعي، غير المكتسب. في قول آخر، إشباع الحقوق الفطرية المتساوية لجميع البشر يسبق العدل على مستوى الحقوق غير الفطرية (المكتسبة) ويستلزم ’التدخل‘ البشري ’ضد‘ ميزان العدل الصارم، لأن فرصة اكتساب هذه الحقوق، بسبب عوامل طبيعية واجتماعية متعددة، لم تتوفر ’بالتساوي‘ لجميع الأفراد. من هذا المنطق، حسب مبدأ العدل العلماني، يصبح لزاماً لتحقيق العدل أن يتم ’الإخلال‘ بميزان العدل الصارم نفسه لصالح فئات مستضعفة مثل النساء والأقليات والمعاقين والأطفال...الخ. هنا ليس ثمة ’عدل‘ بمفهوم المساواة الكاملة في ’الحقوق الفطرية‘، لكن في الحقيقة هو ’ظلم‘ وجور واضح لصالح الفئات الهامشية والمستضعفة وضد الفئات المتميزة بسبب عوامل من غير جهودها ومساعيها الذاتية مثل صدفة الميلاد ضمن طبقة اجتماعية أو دينية أو عرقية سائدة، أو رجلاً وليس امرأة، أو عفياً وذكياً وليس معاقاً ومتخلف عقلياً.

في المقابل، في اليوتوبيا الإسلامية، وهنا تحديداً، على مستوى الحقوق المكتسبة، يتم تطبيق مبدأ ’تكافؤ الفرص‘ بعدل معصوب العينين يعطي لكل إنسان بقدر جهده وسعيه الذاتي، بغض النظر عن فوارق نقطة البدء بين الرجال وبعضهم، أو بين الرجال والنساء، أو الأصحاء والمرضى، أو الأغلبية والأقلية، أو الانحيازات التاريخية والعرفية ضد بعض الفئات لصالح أخرى. بينما يأخذ العدل العلماني بهذه ’العدالة العمياء‘ على صعيد ’الحقوق الفطرية‘ ويتبنى ’العدالة المقيدة‘ على صعيد الحقوق المكتسبة، اليوتوبيا الإسلامية تفعل العكس- تطبق العدالة المقيدة بدرجة الامتثال للتعاليم الإلهية على مستوى الحقوق الفطرية، بينما تتبنى العدالة العمياء على صعيد الحقوق المكتسبة.

وتخفيفاً من حدة، وسخافة‘، هذه العدالة المطلقة حيث لا يجب أن تكون كذلك، تحرص اليوتوبيا الإسلامية على تسكين الألم بحلول سخيفة أيضاً مثل الصدقات والزكوات وأعمال الخير والكرم وعابر السبيل والبر والإحسان...الخ؛ وهي، في الحقيقة، ’فضل‘ ومنة من القادرين مقابل ثواب من الله، لا ’حقوقاً‘ واجبة ومستحقة لغير القادرين، حتى لو لم يكن لهم أي ذنب حظهم التعيس هذا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ألعدل بين ألكبير و ألصغيرة فى ألأسلام
هانى شاكر ( 2014 / 4 / 2 - 23:49 )

ألعدل بين ألكبير و ألصغيرة فى ألأسلام
________________________


توته توته ... نسمع ألحدوته
حكاية قديمة .. وِسْخَه و ممقوته
لكن فى شرعهم .. حلال و مظبوطه
ألديك ألكبير .. زنق لُه ... كتكوته

و عجبى

....


2 - اذاتساوى الناس في العمل تساووا في الأجر
عبد الله اغونان ( 2014 / 4 / 4 - 13:33 )
هذا المقصود من العدل
والا كيف نعدل بين عاملين في أي اطار تفاوت عملهما؟
هناك تلميذان في نفس القسم ولهما نفس المعلم ووأعطي لهما نفس الامتحان وتفاوتت نتائجهما
فكيف أعدل بينهما؟
الانتخابات تجرى في البلدان كمقياس لاختيار الشعب ومن حق كل أن يترشح فهذا عدل
فاذا ظهرت النتائج هناك من يعترض ويتمرد وينقلب ويقول لنا لالالالا دول مش لازم يحكموا والمبرر سهل نتهمهم بالارهاب والأخونة ونقتلهم ونعتقلهم ونصادر أموالهم
اذا كان هذا هو العدل فطز في العدل





اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد