الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اختفاء رباب ماردين 24

حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)

2014 / 4 / 4
الادب والفن


الاستجواب

بعد يومين، ظهر المحقّق غانم في البيت من جديد. وصل مساءً وطلب أن يستجوب جميع أفراد البيت من جديد. أحسست بالتوتر الذي يسود أجواء البيت حين جلسنا جميعا في غرفة الجلوس، ننتظرُ... ولا نجد كلاما كثيرا لقوله. كانت السيدة ماردين أول من استُدعيت للاستجواب.
رأيت حسام وفي ملامحه بدت مسحة من الغموض والاضطراب. تمنّيت لو يلتفت إليّ ولو لحظة، لعلي أخمّن بما يفكّر. ولكنه لم يفعل. قام وخرج الى الشرفة.
جلس وسام الى جانبي غامض الهدوء. لم يلتفت إليّ هو الآخر. بقي مطرق الرأس الى أن دخلت الخادمة وأبلغته أن المحقق غانم يطلبه للاستجواب. ترك وسام المكان.
لم أستطِع البقاء في مقعدي. قمت وخرجت الى الشرفة.
كان حسام واقفا لدى الدرابزين. اقتربت ووقفت بجانبه. فالتفتَ إليّ لوهلة، لم يبتسم. عاد يحدّق النظر نحو الحديقة. لم يقل شيئا.
بعد لحظات صمت... بادرته بالقول: "تبدو لي قلِقا."
أطلق من صدره تنهيدة عميقة، ثم قال: "أعترف بأنني قلِق. أحسّ أنهم اقتربوا من الحقيقة."
"وهل يزعجك ذلك؟" سألته.
"لا بد أن الحقيقة مزعجة للبعض." ردّ بنبرة أسف واضحة.
"أتظن أن الفاعل... منا؟"
التفت إليّ باهتمام. "تقصدين من سكان البيت؟" سأل.
أومأت برأسي علامة الإيجاب.
"أكاد أجزم بذلك." قال.
أثار جوابه تعجبي ودهشتي. "أنت تقول ذلك وكأنك... تعلم شيئا."
فألقي عليّ نظرة ساخرة، وقال: "وأنت تقولين ذلك وكأنك ما زلت تشكّين بي."
قلت وأنا أبادله نبرة السخرية: "لا، لم أعد أشكّ بك. ولكنني ما زلت أريد أن أعرف كل شيء!"
ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيه، لم تمّح إلا بظهور الخادمة تستدعيه الى غرفة الاستجواب.
بعد أن ترك حسام المكان، عدت الى الداخل وجلست أحتسي القهوة. عاودني توتري. نظرت الى السيدة أخشيد التي جلست الى جانب زوجها. رأيتها تبعث لي ابتسامة حائرة فيها شيء من الاضطراب. ابتسامة مستنفضة.
لم تقل شيئا. ولم يقل أحد غيرها شيئا. بقينا جالسين في مقاعدنا... وننتظر.

* * *

دخلت الى غرفة المكتب حيث كان المحقّق غانم. كان واقفا أمام النافذة يطلّ منها. وحين رآني أشار لي بالجلوس ثم جلس في مقعد مقابل.
"آنسة مدنية،" فتح بقوله دون مقدّمات. "ما طبيعة علاقتك بالسيد وسام ماردين؟"
استغربت من السؤال الذي لم أكن أتوقّعه على الإطلاق.
أجبته باقتضاب: "صداقة عادية."
"صداقة قريبة؟" سأل.
قلت: "لا أدري إن كانت كذلك. ولكنه..." تردّدتُ قليلا... ولكن سرعان ما واصلتُ بنبرة أكثر اتّزانا: "قبل أيام عرض عليّ الزواج."
نظر إليّ المحقّق غانم بشيء من المكر، وقال: "إذن، فهي علاقة قريبة؟!"
أجبت دون شرح: "ربما."
"وماذا كان جوابك؟"
"لم أجبه بعد."
"لماذا؟"
"لأنني لست متأكدة إن كان هو الزوج المناسب لي."
قام المحقق غانم من مقعده وعاد الى حيث كان حين دخلتُ. سألني: "لماذا؟ هل رأيتِ فيه شيئا ما لم يعجبك؟"
ارتبكت قليلا. لم أكن راغبة في الخوض في الأمر. قلت متذمّرة: "لا أدري ما علاقة هذا الأمر بالقضية. إنه شأن خاص."
"أعتذر أنني مضطرّ لاقتحام خصوصيتك بهذا الشأن، لأنني أرى فيه أهمية للقضية. لهذا، كوني صريحة معي وأخبريني بكل شيء دون تردّد."
"وماذا تريد أن أخبرك؟"
"قولي لي، ما رأيك بوسام ماردين؟"
"منذ أن وصلت الى البيت، كنت أراه رجلا لطيفا وظريفا. وقد ارتبطت به بعلاقة صداقة ودية بسرعة كبيرة. ولكن... في الآونة الأخيرة لمستُ فيه... نوعا من الازدواجية."
"ازدواجية؟ كيف؟"
"في الحقيقة... علمت أنه يقيم علاقة مع امرأة أخرى وعرض عليها الزواج أيضا."
بدت آثار التعجّب واضحة في وجه المحقق غانم. "ومن هي تلك المرأة؟"
"... كلوديا أخشيد."
بقيت ملامحه جامدة، عديمة التعبير، كأن شيئا لم يعد يفاجئه. اقترب مني وسألني: "وهل حاولت أن تفهمي منه هذا الأمر؟"
"نعم."
"وماذا قال لك؟"
"قال إن كلوديا متعلّقة به وتلحّ عليه بالزواج، فوعدها بذلك لأنه أشفق عليها وخاف أن يسبّب لها جرحا لا تحتمله فتاة في مثل عمرها."
"وما رأيك أنت في الموضوع؟"
"رأيي أن تصرفه يعقّد الأمر أكثر ولا يحله. وقد قلت له إن عليه أن ينهي هذا الأمر بأسرع وقت."
"وهل فعل كما قلتِ له؟"
"لا أدري. لم أحدّثه في هذا الموضوع منذ ذلك الحين."
"آنسة مدنية، لقد علمتُ أنك مهتمة بحادث اختفاء السيدة رباب ماردين، زوجة السيد حسام ماردين. هل لي أن أعرف السبب؟"
"أنا؟؟" أجفلت وأحسست بوجهي قد فقد كل لون. "إنه مجرد فضول."
"إذن لماذا أنت مرتبكة؟" سأل بدهاء.
قلت وأنا أجتهد للحفاظ على اتّزان نبرة صوتي: "أنا... فقط... متعجّبة." ولم أقل له إني أتعجب من أخبره بهذا الأمر. ولكنني كنت مضطرة على إخباره بأمري.
قلت: "بصراحة... أنا كنت أعرف رباب. كنا صديقتين حميمتين منذ الصغر. وحين سمعت بخبر اختفائها قرّرت أن آتي الى هنا وأحاول معرفة ما حدث معها. ولكنني لم أخبر أحدا هنا أني كنت أعرفها. فقد خفت ألا يعجبهم الأمر، وخاصة أنني لم أعرف ماذا حصل لها في هذا البيت."
أصغى إليّ المحقق غانم باهتمام شديد. قال: "أتقصدين أنك عرفت الآن ماذا حصل لها؟"
اندفعت للردّ: "لا. طبعا لا. فهي ما تزال غائبة ولا أثر لها." وكنت أدعو بداخلي أن لا يسألني أكثر عن الموضوع.
وقف يحدّق في عينيّ، وكأن في ذهنه تتراكض أسئلة أخرى. ولكنه لم يسأل أكثر. بل قال فقط: "حسن." وأرخى رأسه، مشيرا بذلك الى انتهائه من استجوابي.
قبل ذهابي، قرّرت أن أسأله: "أتظنّ أن هناك علاقة بين حادث اختفاء السيدة رباب ومقتل السيدة نخايلة؟"
ردّ دون اكتراث شديد: "على الأرجح لا. فالحادثان لا يشبهان بعض بشيء. فالسيدة نخايلة وجدت في غرفتها مقتولة بطعنة سكين عادي من المطبخ. أما السيدة رباب فقد اختفت ولم يوجد لها أثر الى الآن."
بعد أن تم استجواب الجميع، أبلغنا المحقق غانم برغبته أن يجتمع بنا كلنا معا. ذهبنا الى غرفة الضيوف وجلسنا ننتظر أقواله بشغف وتوتر. هدوء تام سقط على الغرفة.



يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا