الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا يزول الإستبداد حتى ينقرض آخر سَيِّد !

صوفيا يحيا

2014 / 4 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لا يزول الإستبداد حتى ينقرض آخر سَيِّد (جبران خليل جبران في كتابه «الأرواح المتمردة» الصادر باللغة العربية في نيويورك عام 1908م) وفي العصر العباسي، في القرن 4 الهجري (10م)، سيطرت عائلات تولَّت جباية الأموال لحسابها، ونشرت قصورها في كلِّ زاوية مِن عاصمة الخلافة الإسلامية بغداد كما ينقل الباحث د. رشيد الخيّون بشأن فسادات السَّادات مِن مظانه، أخذت تتحكم بالشَّجر والبشر، تربطها عِصبة القرابة وطمع المال. مِن هذه العائلات مَنْ عرفوا بـ(السَّادة!/ الصابئ، الوزراء)، وهم ذوو الخليفة المقتدر بالله (قُتل 320هـ)، أمه مِن طراز العلويات والعربيات اللبنانيات والعجميات: شغب (قُتلت 320هـ)، وخاله غريب، وخالته خاطف وما حولهم مِن حاشية.

حكم (السَّادة!) بغداد لربع قرن (295-320هـ)، حتى وصل حال الدَّولة في ظل (السَّادة!) أن يقترض الخليفة رواتب الجند من والدته (شغب!)، وهي جارية والدة المعتضد بالله (ت 289هـ)، كان اسمها (ناعم) - كصوت الفتى وارث المجلس الأعلى -، فسماها المعتضد شغب، وكلما داهم القرامطة بغداد مال للاقتراض منها، حتى إنه وصل الأمر، في أحد الأيام، أن هددته بألا تقرضه ثانية، فكم كان الفساد ضاربًا في أوصال بغداد، وعندما نقول بغداد نعني العراق، فهي صِرته ومنذ ذلك الزَّمان، وحتى العهد العثماني كان العراق، في العديد مِن الأحيان، يسمى بغدادَ (انظر رسالة مطران بغداد إلى البابا في منتصف القرن 18م- مجلة بين النهرين)!

كان السَّادة وراء تعيين الوزراء وكبار موظفي الدَّولة، وكذلك وراء نكباتهم. فيوم أهمل الوزير ابن الفرات (قتل 312هـ)، وهو مِن أسرة وزراء ووجهاء، شأن السادة المذكورين، قال أصحابه: هذه آخر وزارة في حياته، فبعد فترة وجيزة طُرد وأُخذ مقيدًا “يلبس جبة صوف نقعت بماء الأكارع” (التنوخي، نشوار المحاضرة)، مع أنه كان صاحب الفضل في جلوس المقتدر بالله على عرش الخلافة، فيوم رُشح عبدالله المعتز (قُتل 296هـ) الشاعر وصاحب “طبقات الشعراء” إلى الخلافة، وكان المقتدر لا زال صبيًّا، مال لخلافته ابن الفرات لأنه سهل القياد، وستأتي قصة لك.

من يوميات وزراء المقتدر، مع والدته السَّيدة شغب، أن قالت قهرمانتها أم موسى الهاشمية للوزير حامد بن العباس (قُتل 311هـ): “إن أمير المؤمنين أمرني أن أقول لك في مجلس حفلك، إن ابن الفرات كان يحمل إليَّ خريطة (وعاء من الجلد) في كل يوم فيها ألف دينار، وإلى السيدة 10 آلاف في الشهر، وإلى الأمراء والقهارمة 5 آلاف دينار في الشهر، وإنك قد أخللت منذ أربعين يومًا! فقال لها في جواب ذلك (وكان حاد الطبع لا يحسب حساب السَّادة في بعض الأحيان): الساعة قد جئت حادة محتدة، تطالبينني بهذا! اضرطي والتقطي، واحذري لا تغلطي”(نشوار المحاضرة). فأُقيل حامد بن العباس، إثر تلك المقابلة، من الوزارة واختفى، ولم يعرف له أثر.

كان ابن الفرات سببًا في تنصيب ولدها المقتدر خليفةً (295هـ)، كما أسلفنا، وجاء في الخبر بما يفيد أوضاع كثيرة في العصر الحاضر. وهنا نُذكر بكلمة أمين هويدي، السفير المصري بالعراق (1963م)، والموفد من قِبل جمال عبدالناصر (ت 1970م) حال الحادث الذي قضى به عبدالسلام عارف (1966م)، وإصرار القاهرة لتنصيب شقيقه عبدالرحمن عارف (ت 2007م). قال مبررًا تفضيل عارف على عبدالرحمن البزاز (ت 1973): “كان ساذجًا غير ضار” (50 عامًا من العواصف). نقرأ، وبالمنطق نفسه، تبرير ابن الفرات في تنصيب المقتدر بالله مشيرًا على الوزير العباس بن الحسن (قُتل 296هـ) أن يعدل عن تنصيب ابن المعتز إلى المقتدر.

كانت السَّيدة شغب تسمى “ثياب النعال…لا تلبس النعل إلا 10 أيام أو حواليها، حتى تخلق وتتفتت وتذهب جملة دنانير في ثمنها وترمى، فيأخذها الخزان، أو غيرهم، فيستخرجون من ذلك العنبر والمسك فيأخذونه”(نشوار المحاضرة). عمومًا، علينا بالنهاية، وهي ما يجب أن يُتعظ به: قُتل المقتدر بالله بانقلاب أخيه القاهر بالله (ت 328هـ) عليه، وماتت الأم بعد عذاب، معلقة منكسة إلى الأسفل على طريقة شنق الفاشي موسوليني وعشيقته منكوسا على شجرة، “وكان بولها يجري على وجهها”، كي تعترف بدفائن أموالها التي لا تعد ولا تحصى، بعد أن كان الوزراء يراسلونها بالعبارة: “أدام الله عزَّها وتأييدها”. قال مَنْ شهد عذابها مِن القضاة : “فما انتفعنا بأنفسنا ذلك اليوم فكرًا في تقلب الزمان، وتصرف الحدثان”(نشوار المحاضرة).

بغداد بحاجة إلى مَن ينتفع مِن تاريخها، فبطن أرضها شاهد على دفائن الأموال والأجساد، وتحت حيطان قصور السَّادة، في كل العصور، ما يُنتقع مِن عبرة ودرس، أقول: لو اقتنع السَّادة واكتفوا ونظروا إلى مصائر مَن قبلهم، ما وصل حال أم الخليفة إلى ما وصلت إليه؟!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الشاعر العُماني النَّبطي
حمود بن وهقة اليحيائي ( 2014 / 5 / 16 - 18:17 )


عقولنا ثوب التطرف رمنّه * نعانق المسجد بعد صوت الأذان * ونسجد إباضية وشيعة وسُنة.


2 - الملك فيصل الأول في مذكرة له عممها على النخبة الحا
يحيى المثنى ( 2014 / 6 / 30 - 15:50 )
على النخبة الحاكمة عام 1933م، قائلاً: -العراق مملكة تحكمها حكومة عربية سنية، مؤسسة على أنقاض الحكم العثماني، وهذه الحكومة تحكم قسماً كردياً أكثريته جاهلة، بينه أشخاص ذوو مطامع شخصية يسوقونه للتخلي منها بدعوى أنها ليست من عنصرهم، وأكثرية شيعية جاهلة، منتسبة عنصرياً، إلى نفس الحكومة،...الخ- ويستشهد الملك بما يشكو إليه زعماء الشيعة من مظلمومية: -أن الضرائب على الشيعي والموت على الشيعي والمناصب للسني، ما الذي هو للشيعي، حتى أيامه الدينية لا اعتبار لها- (عبدالرزاق الحسني، تاريخ العراق السياسي الحديث، ج1، ص11، مطبعة دار الكتب بيروت، 1983).

اخر الافلام

.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد


.. يديعوت أحرونوت: أميركا قد تتراجع عن فرض عقوبات ضد -نتساح يهو




.. الأرجنتين تلاحق وزيرا إيرانيا بتهمة تفجير مركز يهودي